جاء الصوت من الأعلى. كان أهفين متدلّيًا من شرفة الطابق العلوي، ثم هبط بخفة ووقف أمام ليهيلين.
لقد وصل عند حلول الظلام، وجاء بخبر أن ميلودي تسلّمت ماء التطهير بسلام، وأنها قلقةٌ على ليهيلين.
وقبل أن يدخل الكاهن الأعظم إلى الغرفة، تمكّن أهفين من الاختباء بسرعة، فنجى لقاؤهما. لكن لم يكن ممكنًا إخفاء كل شيء. فتحدثت ليهيلين بصوتٍ مرتجف،
“الكاهن الأعظم عرف…..أنه أنا من أخذت ماء الطهر.”
“حتى أنه خرج خارج المعبد؟”
“قلت له أني فقدته. بدا وكأنه صدقني…..لكنني لست واثقة.”
تابعت بوجه يكسوه القلق،
“ماذا لو علم أنني أعطيت ماء الطهر لميلودي..…؟”
لو أنها عوقبت وطُردت، فلن يكون لها مكانٌ تعود إليه.
تخيلت وجه أبيها الغاضب، وعضّت على شفتها باضطراب. إن عادت إلى البيت وقد فشلت في أن تصبح كاهنة، لحبسها في غرفة ضيقة أسبوعًا كاملًا على الأقل. وربما رفع عصاه عليها مجددًا.
‘هل كان من الخطأً أنني أسرقت ماء الطهر؟’
كانت تعرف أنها فعلت الصواب، ومع ذلك لم يتوقف الندم عن ملاحقتها.
“وماذا قال لكِ؟”
“قال أنه سيغفر لي هذه المرة فقط…..وأمرني أن أُكفّر عن خطيئتي بالمشاركة في صنع ماء التطهير.”
قطّب أهفين حاجبيه. و لم يزل الأمر عند حد الشكوك فقط.
معرفة أن ماء التطهير وصل إلى ميلودي عبر ولي العهد أمرٌ يصعب عليه اكتشافه. لكن الطمأنينة كانت بعيدة.
“لا أظنه ينوي إعادة صنع ماء التطهير من حجر الشفق الأزرق. على أي حال، افعلي كما قال. سأرسل معاونًا ليراقب.”
“أتظن…..أنه سيكون بخير؟ إن جعلوني أصنع ذلك الماء….أنا.…”
“التزمي بالأوامر فقط. الأهم الآن ألّا تُثيري الشبهات.”
أومأت برأسها وهي تجهش بالبكاء الخافت.
“حسنًا…..سأفعل.”
“ذلك الرجل سينال عقابه.”
ووفق الخطة، لن يمر يومان حتى تُحسم القضية.
الأدلة كانت كافية. وإن لم تكفِ، كان أهفين مستعدًا أن يبتلع حجر الشفق الأزرق علنًا أمام الناس.
فتمتم بعزم،
“سأحرص على أن يحدث ذلك.”
قال ذلك وهو يقفز عائدًا إلى الشرفة، عازمًا على الخروج من النافذة كما دخل. فترددت ليهيلين ثم نادته،
“السيد أهفين.”
“تفضلي.”
“إن افتضِح الأمر…..ألن يخشى الناس منّا، نحن الكهنة الذين نملك القوة المقدسة، كما يخشون السحرة؟”
وما إن تفوّهت بالكلمات حتى ندمت.
فالناس يمرضون ويموتون، وهي لا تفكر سوى في سلامتها! كم بدت أنانية وبائسة.
حدّق فيها أهفين للحظة، ثم،
“ما دمنا لم نرتكب ذنبًا، فلا سبب يدعو للخوف.”
ثم أضاف بصوت هادئ رقيق،
“وهم يعرفون أيضًا أن بين الكهنة أبرياء.”
لكن وجه ليهيلين ازداد كآبة. لقد عاودها مشهد الجندي المحتضر، ووجه ابنة الكونت فيلوود التي ماتت.
هي أيضًا، أليست واحدةً من أولئك الذين تسبب المعبد لهم بالخطر؟
ساد صمتٌ قصير ثم هزّت ليهيلين رأسها بصعوبة.
“إن لم أكن قد ارتكبت خطيئة…..نعم.”
“لا تقلقي.”
غير أنها لم تستطع أن تمحو الفكرة من ذهنها: حتى إن جهلت، أليس ذلك خطيئتها أيضًا؟ وعلى الرغم من كلمات أهفين المطمئنة، ظلّ القلق يثقل قلبها، وازدادت ملامحها كآبة.
***
اليوم الثاني من مهرجان التأسيس. اليوم الذي تبدأ فيه التصفيات الأولى لمسابقة المبارزة.
ارتدت ميلودي فستانًا بسيطًا بلون الكريم الفاتح بمساعدة آنا. و تركت شعرها المتموج منسدلًا حتى خصرها، وعلّقت على عنقها أهدأ عقد تملكه.
وبعد لمسات الفرشاة الأخيرة، بان وجهها الصافي نضرًا خلف مسحة خفيفة من الزينة.
“ألستِ متواضعةً أكثر من اللازم؟ إنها مناسبةٌ في النهاية.”
قالت آنا ذلك وهي تدقق في ملامحها من كل زاوية.
“أردت أن أبدو وديعة ومقدسة بعض الشيء.”
ترددت آنا للحظة، ثم رسمت نقطةً صغيرة كدمعة تحت عينها.
“لا شيء يُظهر الوداعة مثل هذا.”
قد لا يضفي قداسة، لكن مع إطراق العينين كان كفيلًا بإثارة الشفقة في النفوس.
أما آنا فارتدت ثوبًا أحمر صنع من القماش الذي أهداها إيّاه رايون، وفي يدها حزمةٌ من الأدوات السحرية المخصصة للمبارزة.
وعندما وصلا إلى العربة، لم يكن ديونيس بانتظارهما. بل استقبلتهما تاليا.
“الدوق استُدعي إلى القصر بأمر جلالته.”
“أتعلمين لماذا؟”
“لا أعلم.”
كان الخبر مفاجئًا، فقد وعد بمرافقتهما حتى ليلة الأمس.
لكن تاليا أيضًا بدت غير عالمه بالسبب، فاكتفت ميلودي بهزّ رأسها.
“سمعت أن بطل العام الماضي كان من فرسان الفرقة المقدسة. ترى، من سيفوز هذه المرة؟”
قالت آنا ذلك بحماس وهي ترى العربة تدخل شوارع المدينة.
“سيكون من الممتع أن يظهر فارسٌ جديد من عامة الشعب.”
“أرجو أن يكون وسيمًا أيضًا.”
فعلّقت تاليا وهي تسمع حديثهما،
“ما أهمية الوجه؟ ما يهم الفارس هو العضلات. فالعضلات المثالية تمنح أسلوبًا متوازنًا لا هو بطيء كسلحفاة، ولا خفيفٌ كراقص سيوف أحمق.”
فهزّت آنا رأسها معترضة.
“العضلات بديهيات عند الفارس. لكنني أريد ما هو أبعد من ذلك.”
فقبضت ميلودي على يد آنا مؤيدةً لها.
كانت الشوارع مزدحمةً بالناس منذ الصباح الباكر، يملؤون الطرقات لمشاهدة الحدث.
فالمسابقة تُقام في ساحة العاصمة، وكان النبلاء والعامة يتدافعون ليجدوا لهم مقاعد قريبة من المنصة.
وقبل أن تبدأ المباريات، كان بعضهم قد بدأ بالفعل بالغناء والتشجيع، بينما غرق آخرون في الشراب.
وعند دخولهم إلى ساحة القتال، رأت ميلودي بين الفرسان المتأهبين رجالًا بملابس بيضاء، كهنة جاءوا لعلاج المصابين. فاتجهت مع آنا نحو خيمة الإسعاف.
“لقد جئنا بأمرٍ من الدوق ديونيس لمساعدة المصابين.”
فتفحّصها المسؤولون هناك من رأسها إلى قدميها، ثم انحنوا بتحية احترام.
“هذا مركز علاج للعامة، يا آنسة. خيمة علاج النبلاء تقع في ذلك الاتجاه.”
أشار المسؤول إلى خيمة أكبر وأكثر بريقًا هناك.
“لا، أنا صانعة أدوات سحرية أعمل لدى الدوق. تقدمت للعمل في مركز علاج العامة.”
“…..صانعة أدواتٍ سحرية؟”
تحول نظره الحذر فجأة إلى حدة. ثم نظر إلى العربة الصغيرة التي جلبتها آنا،
“وما كل تلك الأشياء؟”
“أدواتٌ طبية سحرية.”
تحقق المسؤول من المحتويات ثم،
“ستعالجون الناس بهذه الأشياء؟”
كان شكه جليًا.
“ألم تسمع أن الأدوية المصنوعة بأدوات سحرية أنقذت أناسًا من قبل؟”
ردّت آنا بثقة. و حاولت ميلودي أن تبدو وديعة ومحتاجة للشفقة إلى أقصى حد.
“سأكرّس نفسي للشفاء فقط. حتى لا أعيب على شرف الدوق.”
عند ذكر الدوق بدا على الرجل الحرج، فالتفت يلتفت حوله.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 93"