“يتغير الأمر أيضًا بحسب المدة التي يحافظ فيها على الحرارة. في العادة أكتفي بالتفكير في الأمر نظريًا، لكن بما أن ويني جاءت معي هذه المرة، دوّنتُ كل شيء.”
“أكل هذا مجرد كلام؟”
تفحّص ديونيس عشرات الأوراق المدوّنة وهو يفتح فمه من الدهشة.
لقد تعلمت ميلودي من الرحلة السابقة أن كثرة الأشخاص تعني زيادة المتغيرات. ولهذا استعدت بأقصى ما تستطيع لمواجهة كل الاحتمالات.
“أليس هذا مطمئنًا؟”
فابتسمت بفخر ورضا.
***
“يُقال أن جلالة الإمبراطور دعا صانعة الأدوات السحرية إلى الحفل.”
توقف قلم الريشة في يد سيريل عند سماعه تقرير الكاهن، وسقطت قطرةٌ من الحبر الأسود فوق الرق.
لقد عاد لتوّه من قاعة المعبد داخل المعبد الكبير، حيث أقام أسبوعًا كاملًا يتمنّى من أجل مهرجان التأسيس. وأول خبر وصله كان هذا.
“هذا إهانةٌ للمعبد! كيف يمكنه إدخال تلك الصانعة إلى القصر وهو يعلم أن الأدوات السحرية تجلب الأمراض؟”
“لعلّه قد علم بأمر ماء التطهير؟”
ما إن سمع كلمات بينديكت حتى نهض سيريل فجأة.
“ماذا تعني بهذا؟”
“لقد اكتُشف أن عدة قوارير من ماء التطهير المصنوع من حجر الشفق الأزرق قد اختفت.”
“ماذا؟! كيف جرى هذا الإهمال في الحفظ؟”
“ليس ذلك فقط. هناك من يتنقّل ويسأل عن القتلى الذين سقطوا في أرض الرحلة.”
تابع بينديكت ببرود، فيما كان سيريل يحدق به مصدومًا.
“ويقال أنه ادّعى أنه كاهن، بل واستطاع استخدام القوة المقدسة.”
“من……يكون؟”
صرّ سيريل على أسنانه. كاهن؟ كيف يمكن لشخص اختاره المعبد أن يقوم بفعل يعارض المعبد؟
السحرة الهاربين وصانعة الأدوات السحرية كانا مشكلةً تكفي لإشعال رأسه، والآن ظهر خائنٌ من الداخل أيضًا.
لم يكن هناك شيءٌ يُحل، وكل شيء بدا كخلية نحل مضطربة.
رفع يده إلى صدغيه، فلم تمر عليه أيامٌ بلا صداع.
“ألا يخطر ببالكِ أحد؟”
“لم نتمكن من معرفة هويته. لكن هناك من زعم أنه رأى الكاهنة ليهيلين وهي تقترب من صندوق ماء التطهير.”
ليهيلين. تذكّر سيريل مع الاسم وجهها البريء.
بالفعل، كانت في الآونة الأخيرة كثيرًا ما تغيب عن القاعة والعلاج. ومنذ أن عادت من زيارة إحدى الأسر النبيلة على وجه الخصوص.
لكن حين كان الموعد يتعلق بتوزيع العلاج على سكان الأحياء الفقيرة، كانت تتصرف على العكس تمامًا، بل وتبادر إلى التطوع بنفسها.
غير أن تلك الفترة تزامنت مع كثرة زيارات ولي العهد لتلك الأحياء يوميًا. فإن كانت قد ناولته ماء التطهير، وإن كان ذلك قد وصل إلى القصر……فستكون كارثةً جسيمة.
“لا بد أن أرى ليهيلين. حالًا.”
تحرك على الفور دون إبطاء.
في الجناح الشرقي حيث تقيم الكاهنات. كان الممر خاليًا على غير العادة، ربما بسبب وقت الافطار. أما غرفة ليهيلين فكانت في أبعد نقطة من الممر في الطابق الثاني.
وما إن صعد الدرج حتى التقطت أذناه همسًا متناهيًا يتسرب من وراء الباب. فاسرع بخطاه.
“ليهيلين، سأدخل.”
طرق الباب بخفة ثم أدار المقبض دون انتظار رد. ومع فتح الباب، بدد صريره الهادئ السكون.
وهناك، عند قدمي التمثال الصغير، كانت ليهيلين جاثية على ركبتيها، تلتفت نحوه. وفي عينيها السوداوين ومضت دهشةٌ وحذر.
“سيدي الكاهن الأعظم؟”
نادته ليهيلين بصوتٍ مرتجف وهي تنهض من مكانها.
“ما الذي أتى بكَ إلى هنا؟”
“هل كنتِ وحدكِ؟”
“نعم. الجميع ذهبوا للتمني لمهرجان التأسيس.”
ألقى نظرةً بطيئة في أرجاء الغرفة. كانت النافذة مفتوحة، لكن لم يكن هناك شيء مريب سواها. وبدخول الهواء، أخذت الشموع ترتجف على وشك الانطفاء.
“حين لم أركِ في القاعة، خشيت أن يكون قد أصابكِ مكروه. لم يحدث شيء، أليس كذلك؟”
على نبرة صوته الودودة، خفضت ليهيلين رأسها متجنبةً النظر إليه. و ارتجفت أصابعها المتشابكة قليلًا.
“في الحقيقة……أردتُ فقط العودة إلى البيت.”
ترددت قليلًا ثم تابعت بصوت خافت،
“أفتقد عائلتي……أردت أن أراهم. لكن بما أنني أعلم أنني لا أستطيع الذهاب، حاولت التحمل……غير أن الأمر لم يكن سهلًا.”
ثبت سيريل نظره فيها كأنه يخترق أعماقها، ثم أسدل جفنيه يخفي حدة عينيه.
“أتفهمكِ. لقد مررتُ بمثل تلك الأوقات أيضًا. لكن تذكري يا ليهيلين، أن كلّ من هنا هم عائلتكِ كذلك.”
أشرق نورٌ من يد سيريل ليحط برفق على ظاهر كفها. فرفعت رأسها تنظر إليه، وقد سرت في بشرتها حرارةٌ مألوفة وناعمة.
و ابتسم لها كما يبتسم لتهدئة طفل غاضب.
“القوة المقدسة التي تجري في أجسادنا تربطنا معًا بعمق وقوة تفوق أي صلة دم.”
“…….”
ظلّت ملامحها متوترةً ومعقدة.
وبينما كان يحدق في الكتاب المقدس المفتوح أمامها، بدا كأنه تذكّر شيئًا فسأل،
“على ذكر ذلك، لقد اختفى بعض من ماء التطهير. أتعلمين شيئًا عنه؟”
“……لا.”
هزّت رأسها نافية. فضيّق سيريل عينيه وهو يحدق بها.
“في المعبد……لا يجوز لكذب.”
“……!”
“من أجل روحكِ، سأعيد السؤال. هل أخذتِ ماء التطهير؟”
أمام حدّة سؤاله لم تستطع الصمود، فتمتمت متلعثمة،
“……أردتُ أن آخذه لعائلتي. إنه ثمين، وخشيت أنني إن خرجت من هنا فلن أحصل عليه أبدًا……”
قالت ذلك وهي تحدق في الأرض دون أن ترفع بصرها.
“وأين هو الآن؟”
“……في ذلك اليوم……فقدته في حيّ الفقراء.”
رمقها سيريل محاولًا تمييز صدقها، ثم قبض على كتفيها.
جسدها الصغير ارتجف بضعف داخل قبضته.
“كاهنةٌ تجرؤ على سرقة مقدسات المعبد!”
“لقد أخطأت……أرجوكَ سامحني.”
“ليهيلين، لقد ارتكبتِ خطيئة.”
زاد ضغط يده شيئًا فشيئًا حتى بدأت ملامحها تتلوى بالألم.
“كان يجدر بي أن أعاقبكِ فورًا.”
ثم أكمل بصوتٍ هامس،
“لكن بما أنكِ من المختارين من قِبل المعبد……فسأغفر لكِ هذه المرة وحدها.”
أرخى يده وربّت برفق على كتفها. فرفعت ليهيلين عينيها تنظر إليه بوجه يملؤه الخوف والحيرة.
“ستغفر……لي؟”
سيريل حدّق فيها مباشرة ثم فتح فمه ببطء.
“نعم. لكن لا يمكن أن نمر على هذا وكأنه لم يكن. ستكفّرين عن خطيئتكِ بمساعدتكِ في صنع ماء التطهير.”
كان يتوق إلى معاقبتها في الحال، لكنه كان بحاجة إلى قوتها المقدسة. بل ورأى في الأمر فرصةً لربطها إلى المعبد إلى الأبد.
و غير مدركةٍ لنيّاته السوداء، أومأت ليهيلين برأسها بخضوع.
“نعم، يا قداسة الكاهن. سأفعل كما تأمر.”
“حسنًا. انزلي إلى القاعة حالما يهدأ اضطرابكِ. فما زلتِ ترتجفين كثيرًا الآن.”
و لم تكن تدرك حتى أنها ترتجف.
ثم خرج سيريل من المبنى وهو يجزّ على أسنانه. فاقترب منه بينديكت وبعض الكهنة الذين كانوا ينتظرونه.
“يبدو أن تلك الغبية قد أوصلت ماء التطهير إلى ولي العهد.”
قطّب بينديكت حاجبيه متسائلًا،
“إذاً فصاحب الجلالة قد علم بأمر ماء التطهير أيضًا؟”
“ألم يصلنا أي خبر من الكهنة الذين دخلوا القصر؟”
“ليس بعد.”
مسح سيريل ذقنه مفكرًا. لو كان الإمبراطور قد علم حقًا، لما ظلّت الأمور هادئةً
هكذا.
ثم قطع بينديكت شروده،
“هذا الصمت يثير الريبة. ربما لم يعلم بعد. فجلالته ما زال مقيمًا في غرفة المعبد في القصر.”
إذاً ما زال أمامهم يومٌ من الوقت.
رفع بينديكت بصره إليه بملامح توحي بانتهاء تردده.
“بل لعلها فرصة. بما أن الوباء قد خمد، لم يعد هناك ذريعة لمعاقبتنا. ولي العهد صار كمن أنقذنا.”
ثم أضاف بلهجة ثابتة،
“إمبراطورية فالكاراس بُنيت على القداسة، وهم لا يستطيعون التخلي عنها. لذا، الأفضل أن نعطيهم ما يريدونه.”
“وما يريدونه في النهاية هو القوة المقدسة، أليس كذلك؟”
“لا. ما يريدونه هو تتويج ولي العهد. فإذا أظهر المعبد دعمه له، فحتى النبلاء الساخطون سيلزمون الصمت.”
فالمعارضون لولي العهد في معظمهم كانوا من النبلاء المرتبطين بالمعبد. وإن وقف المعبد أولًا إلى جانب الإمبراطور معلنًا تأييد ولي العهد، فلن يجرؤ حتى الإمبراطور نفسه على التشهير بهم، وإن حاول استغلال ذلك للضغط عليهم.
فالمساس بسمعة المعبد يعني بالضرورة سقوط هيبة الإمبراطورية المقدسة بأكملها.
فابتسم سيرئيل بارتياح،
“علينا أن نستعد لمقابلة جلالته.”
“وماذا عن مصير ليهيلين؟”
ابتسم بسخرية وكأنه لا يرى فيها ما يستحق التفكير،
“لنتركها بعض الوقت. لتعود بنفسها إلى المعبد.”
سيجعلها تدرك في النهاية أنه لا مكان لها سوى هنا.
فارتسمت ابتسامةٌ باردة على وجهه.
***
ظلت ليهيلين تحبس أنفاسها حتى تلاشى وقع خطوات الكاهن الأعظم وهو يغادر.
وما إن خيّم السكون، هرعت إلى النافذة.
أزاحت الستار وألقت نظرةً إلى الأسفل، لكنها لم تجد الرجل الذي كان معها في الغرفة قبل وصول سيريل.
“السيد أهفين؟”
________________________
كأنهم كوبل صادوهم بس واضحة اهفين جاي عشان ميلودي
بس ياخي لو تركز شوي ترا مستقبلك قدامة خلاص ميلودي لديونيس كم مره اقولها
والكهنه ذولا يع مايستاهلون اسولف عنهم حتى وعوه
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 92"