“أليس هذا الفستان شبيهًا بالذي رأيناه قبل قليل؟”
“فستان الساتان مزينٌ بشرائط، أما هذا فمرصعٌ بالجواهر.”
نظرت ميلودي بملامح حائرة تمامًا، فتنهدت آنا،
“هل يمكن القول أن طقس النار يساوي طقس الحرارة؟”
“لا، طبعًا، فمع أن بعض مجرياتهما متشابهة، إلا أن طبيعتهما مختلفة تمامًا.”
وأشارت آنا إلى رسمة الفستان وكأنها تقول: هذا هو مقصدي. ومع ذلك ظل التفريق صعبًا.
في النهاية التقطت ميلودي تصميمًا لافتًا للنظر، وكان الأكثر بساطة بين المجموعة.
“إذاً، هذا هو.”
“ألا ترينه باهتًا أكثر من اللازم؟”
“لكن أليس من المبالغة أن يلفت فستان متألّق الأنظار وهو على جسد فتاة من عامة الشعب؟”
“على أي حال، ما إن تقفي بجوار الدوق، فلن يلحظ أحدٌ ثوبكِ مهما كان.”
“هذا صحيح.”
عندها تدخلت إحدى السيدات اللواتي كن يتابعن الحديث.
“مستحيل. ستجذبين كل الأعين. فلتذكري أنها المرة الأولى التي يظهر فيها الدوق ومعه شريكة. الفتيات سيتساءلن طوال الليل من تكون ميلودي حتى يفقدن النوم.”
“صحيح. وإن كان يُشاع أن شخصية الدوق ليست عاديةً تمامًا……لكن هل تهتم فتياتٌ في مثل أعمارهن بالطباع؟ ما دام لم يتزوج بعد.”
قالت الأخرى ذلك، متحاشيةً بلباقة التصريح بأن سمعته سيئة. ثم أضافت،
“لا شك أن بين الفتيات من يكنَّ له مشاعر.”
غاصت ميلودي في التفكير عند سماعها هذا.
لم تكن تعلم إن كانت قد نجحت فعلًا في كسر قدرها، لكن مستقبلها مع ليهلين قد تبدل كثيرًا. ورغم ذلك، بدا مستحيلًا أن يقع ديونيس في حبها هي.
فهل يمكن أن يأتي يومٌ يحب فيه امرأةً أخرى؟
ما إن خطر لها ذلك، حتى شعرت كأن قلبها انقبض في قبضتين، وإحساسٌ غير مريح اجتاحها.
لماذا أشعر بهذا الضيق؟
بعد قليل وجدت الجواب.
أي أحدٍ يعرف سر ديونيس سيخاف منه، وبذلك ستنهار محبته من جديد.
تخيلت وحدته ورفض الجميع له مرة أخرى، فشعرت بالشفقة.
‘لو أن هناك من يبقى بقربه حتى بعد أن يعلم أنه ساحر، لكان الأمر رائعًا.’
لكنها كانت تعلم أن ذلك أقرب إلى المستحيل.
‘لا، ربما……يوجد من يحب بجنون مثل أمي. أو من يملك عائلة من السحرة مثلي.’
ومع ذلك، سمعت أن كل أسرة نبيلة يظهر فيها ساحر، تسعى إلى إخفاءه بكل الطرق، إذ يُعد عارًا على العائلة.
حتى خطوباتهم مع الأسر الأخرى تصبح شبه مستحيلة، خشية أن يولد ساحرٌ آخر بين الأبناء.
‘كم من الأسر القوية انهارت بعد أن أزهرت قوى السحر في أطفالها.’
ولهذا غالبًا ما يُعلن عن اختفائهم قبل افتضاح الأمر، أو يُزعم أنهم مرضى ثم يُبعَدون إلى مكان بعيد.
والد ميلودي نفسه كان من النبلاء، وقد أُخذ إلى المستشفى بإرادة جده، لكنه هرب.
وفي خضم هذه الأفكار، وُضعت أمامها عشرات أزواج الأحذية. و دارت الأرض بها لوهلة، فأمسكت بذراع آنا.
“آنا، أحتاج مساعدتكِ.”
“اتركي الأمر لي.”
فأجابت آنا بحزم وهي تهز رأسها.
***
لم تمض فترةٌ طويلة حتى جاء مساعد الأمير رايون للقاء ميلودي.
وفي إحدى زوايا المخزن التي أُعدت كقاعة استقبال مؤقتة، جلس صانعو الأدوات السحرية مصطفين على أريكة طويلة.
“هذه هي السجلات التي توضح مسار انتشار الوباء. أما هنا، فالتقارير الخاصة بوضع العلاج.”
وقف المساعد يشير إلى السجلات التي أعدها، فتتابعت الأبصار على الأوراق.
“يبدو أن الأمور تسير بسلاسة تامة.”
“نعم، يبدو أننا شارفنا على النهاية. لم تُسجَّل أي إصابة جديدة.”
فاتسعت عينا ميلودي بفرح وسألت،
“أيعني هذا أن العدوى توقفت؟”
“ألم تقولي من البداية أن المرض غير معدٍ؟ السبب ما زال غامضًا، لكن أطباء البلاط يواصلون بحثهم، وسينجحون في كشفه عاجلًا أم آجلًا.”
أنهى المساعد كلامه بنبرة تحمل الأمل، ثم صفق بيديه ليدخل الجنود، يحمل كل واحد منهم صندوقًا صغيرًا.
“ما جئت به اليوم هو نقل مكافآت صاحب السمو ولي العهد إليكم جميعًا.”
“واو!”
ارتفعت صيحات الفرح، وضج المكان بالبهجة. ثم فتح صانعو الأدوات السحرية صناديقهم، فإذا بداخلها أكوامٌ من النقود الفضية.
“أرجو أن تواصلوا جهودكم حتى النهاية.”
قال المساعد كلماته القصيرة تلك ثم أشار لميلودي أن تخرج معه.
فخرجت تتبعه، والريح البحرية القوية تداعب وجهها. عندها استدار المساعد وأخرج صندوقًا آخر من حضنه وقدمه لها.
“لقد وُضع في صندوقكِ ذهبٌ أكثر بعدة أضعاف.”
فتحت الغطاء، فإذا بالذهب يلمع متلألئًا أمام عينيها.
ربما أعطوها أكثر لكونها المشرفة. فنبض قلبها وهي تشكره،
“رجاءً، بلّغ الأمير امتناني.”
فابتسم المساعد،
“يمكن للمرء أن يشعر كيف تعاظمت مكانة سموه. اكتساب قلوب الناس بهذا العلاج سيكون بلا شك عونًا له في الخلافة.”
ظلت ميلودي تحدق في الصندوق لحظة، ثم أخرجت قطعةً ذهبية واحدة فقط ووضعتها في جيبها، وأغلقت الغطاء.
“أنا أحب المال، لكن……أظن أن مشاركته مع الجميع ستكون أفضل هذه المرة. هل يمكنني فعل ذلك؟”
فارتسمت الدهشة على وجهه، ثم ما لبث أن أومأ برأسه.
“بالطبع.”
صعد المساعد إلى العربة، لكنه سرعان ما بدا وكأن فكرةً خطرت له، فنزل وعاد نحوها، يحمل زجاجةً صغيرة.
“وجدت أنه من المزعج التخلص منها.”
“ما هذا؟”
“أمانةٌ طلبت مني الكاهنة ليهلين أن أوصلها إليكِ.”
كانت زجاجةً زجاجية تحوي ماءً صافيًا.
“لقد بحثَت عنكِ بإلحاح شديد.”
لم تستطع ميلودي أن تفهم سبب بحث ليهلين عنها. و أخذت تفكر: هل عليها زيارة المعبد؟ لكن المساعد تابع كلامه كأنه قرأ خواطرها.
“أنصحكِ بألا تفكري في الذهاب. بعد ما حدث من آثار جانبية للعلاج، الأجواء هناك مشحونةٌ جدًا. قد تتورطين في أمر لا لزوم له.”
تركها مع كلماته، وصعد عربته ورحل.
أما هي فرفعت القارورة فوق الضوء، فرأت حبيبات زرقاء لامعة تتأرجح داخل الماء.
***
“لابد أنه ماءٌ مقدس. أليس الكاهن من أرسله؟”
“لكن……هل كان الماء المقدّس أزرق اللون أصلًا؟”
“ربما جعلوه أزرق هكذا حتى لا يختلط بالماء العادي إن كان شفافًا.”
“هيا، لا يعقل أن يضيفوا صبغةً إلى ماء مقدس.”
جلس صانعو الأدوات السحرية حول الطاولة، يمررون القارورة الصغيرة بينهم، يحدق كل منهم فيها قبل أن يرمي بكلمة.
“الكاهنة التي سلمتني إياها كانت تبحث عني بإلحاح شديد.”
“ميلودي، ربما علمت أنكِ صاحبة الدواء، فجاءت تطلب مساعدتكِ؟”
قد يكون ذلك صحيحًا. فقد قيل أن الدواء الذي وزعه المعبد سبب مشكلات.
“لطالما رغبت أن أتذوق ماءً مقدسًا، لكنه غالٍ جدًا، لم أجرؤ حتى على التفكير بالأمر.”
تمتمت ويني كأنها تحدّث نفسها، ثم رفعت الزجاجة. وما إن كادت تقربها من فمها حتى ارتفعت صيحة ميلودي،
“لا، ويني!”
مدت يدها في ذعر لتوقفها، لكن ويني ابتسمت بمكر وأرتْها أن الغطاء ما زال مغلقًا.
“لم أفتحها. أردت فقط أن أرى رد فعلكِ.”
ثم أشارت إلى القارورة،
“ما رأيكِ نحلل مكوناتها أولًا؟ لا شيء يثبت أنه ماءٌ مقدس. وفي هذه الظروف، من الغريب أن تسلّمكِ كاهنةٌ قارورةً هكذا. ربما أعطتها لكِ عمدًا لغاية أخرى.”
“ليست ممن يفعلون ذلك.”
“لا أحد يكون هكذا من البداية. المواقف هي التي تغيّر الناس.”
هزّت ميلودي رأسها.
على الأقل، ليهلين التي عرفتها لم تكن شخصًا يضرّ الآخرين.
و دون أن تجادل أكثر، فتحت غطاء جهاز تحليل المكوّنات، وسكبت السائل الأزرق برفق داخله.
“بعد ست ساعات سنعرف. هل هو سمّ؟ أم ماء مقدس حقيقي؟”
“أوف، إن كان حقيقيًا فكم سيكون مؤسفًا أن نضيّعه في التحليل.”
“علينا أن نحضر ماءً مقدسًا آخر للمقارنة.”
ما إن أنهت ميلودي كلامها حتى رفع أحد الصناع يده.
“بالقرب من بيتي يوجد مستوصفٌ يبيع كميات صغيرة منه. ومع ما نملك من مال يمكنني شراؤه. سأذهب بنفسي.”
ومضت الساعات الست. وخرجت النتيجة.
“إنه حجر الشفق الأزرق!”
صرخت ويني وهي تقرأ الورقة.
“لكن لماذا يطحنونه ويرسلونه؟!”
تأملت ميلودي الحبيبات المتبقية في جهاز التحليل،
“إنه ليس حجراً عاديًا. إنه مشبَّعٌ بالقوة المقدسة.”
فاض الحجر بضوء أبيض هادئ يشيع من خصائصه المميزة، فسكن المكان كله.
و ارتفعت الأبصار متجهةً إلى ذلك الوميض الغامض، ثم حلت الحيرة على الوجوه جميعًا.
________________________
ميلودي قربت تستوعب انها تحبه بس جت رقعتها انها خايفه يقعد لحاله؟ امه ؟🥰
الروايه حلوه واحب ميلودي وديونيس بس المؤلفة حالفه ترفع اعصابي لييين اخر شي وقت الاعتراف
(طبعاً ذاه احساس من عندي بس ان الاعتراف في الاخير)
المهم ليه مايجيبون ليهيلين بكبرها تشرح لهم بالمره يتحوونها
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 87"