كان لديها بالفعل حُليّ أهداها لها ولي العهد من قبل، كما أن آنا وعدتها بخياطة ثوب من الأقمشة التي تلقتها آنذاك، فلا بد أنه اكتمل الآن.
غير أن صوته الحاد القاطع فاجأها من جديد،
“من الأفضل أن أُلقّن بعض النبلاء درسًا. إن كسرتُ لهم سيقانهم فلن يقدروا على الحضور، أليس كذلك؟”
“ماذا؟”
في نبرته من الجدية ما جعل ميلودي تعجز عن إخفاء ارتباكها.
“ألن يزيد ذلك من حقدهم فقط؟”
“فليكن، لكن حقدهم سيتجه نحوي أنا.”
“أأنتَ تمزح؟”
“إن كنتِ تتمنين أن يكون مزاحًا……”
أي أنه لا يمزح.
وبينما كانت ميلودي مترددة، استأنف ديونيس الحديث،
“كفى عن هذا. الأهم الآن أن تتعلمي الرقص.”
“الرقص؟ لكنني في حياتي لم أرقص ولو مرةً واحدة.”
“ستذهبين كضيفة جلالة الإمبراطور، فلا بد أن ترقصي رقصةً واحدة على الأقل.”
تملكها القلق من أن تدوس قدم شريكها. لكنها حين التقت نظرات عينيه الحمراوين، رأت فيهما دفئًا خفيًا، وشعرت بأطراف أصابعه ترتعش مجددًا.
“سيكون شرفًا لا يُقدّر لو منحتِني أول رقصةٍ لكِ.”
في أجواء مشحونة كهذه، اضطربت أفكارها.
كانت تود سؤاله عن الكثير، لكن الذي خرج من فمها كان سؤالًا غير متوقع،
“ومن كانت شريكة رقصتكَ الأولى إذاً، يا دوق؟”
ابتسم وهو يضيق عينيه، وغمازته البارزة جعلته يبدو شابًا يافعًا.
“أتودين حقًا أن تعرفي؟”
“نعم.”
“لم يكن لي شريكة. كان يفترض بي أن أظهر لأول مرة في المجتمع آنذاك……لكنني فجّرت قواي السحرية. ومنذ تلك اللحظة ارتديت القفازات، ولم أرغب أن يلمسني أحد.”
وبينما قال ذلك، أخذ يُداعب أطراف أصابعها بخفة، فابتلعت ميلودي ريقها جافاً من إحساسه المتسلل.
“إن كنتِ تريدين الذهاب إلى الحفل، فليكن. أنا سأتكفّل بالفستان والمجوهرات، وأنتِ عيشي حياتكِ كالمعتاد.”
هزّت ميلودي رأسها نافية.
“الفستان سأرتديه من قماش ولي العهد الذي أهداني إياه. أما المجوهرات، فعندي ما يكفيني من هداياه، فلا داعي للتكلّف.”
فتبدلت ملامح عينيه، واشتدت قسوتهما.
“عادةً ما يختار الشريكان تصميم الفستان سويًا. سأستدعي لكِ خيّاطًا.”
“أتقصد……أنكَ ستكون شريكي؟”
سألت ميلودي مذهولة. فمسح هو كل أثرٍ للتعابير من وجهه، وردّ ببرود،
“وهل هناك غيري؟ أهناك شخصٌ آخر فكرتِ فيه؟”
“لا، لكن……لو دخلتُ الحفل معكَ، وأنا مجرد فتاة من عامة الشعب، فذلك سيُثقل عليكَ يا دوق.”
“هذا تافه. لا يهمني شيءٌ من ذلك.”
قطع ديونيس قلقها بكلمةٍ واحدة حاسمة.
“أنا لستُ سوى أمير أُقصي عن العرش. لذا لا يهمّ من يقف بجانبي، فلن يجرؤ أحدٌ على التدخل.”
صحيح، فمكانته ليست كمكانة ولي العهد رايون.
فأخذت ميلودي تحدّق في يده التي انسحبت بعيدًا عنها، ثم مدّت يدها نحوه كما لو كانت تطلب مرافقته.
“أرجو……أن تكون شريكي.”
“بكل سرور.”
ثم وضع ديونيس كفه فوق راحتها وهو يبتسم ابتسامةً دافئة.
***
“هات قائمة المدعوين إلى مهرجان التأسيس.”
ما إن خرج من معمل ميلودي حتى أمر ديونيس بذلك. و لم يلبث روهان أن عاد بملف بين يديه وقدّمه له.
قلب ديونيس الأوراق، وحين وقع بصره على اسم بعينه، ارتسمت ابتسامةٌ جانبية على وجهه.
“الكونت فيلود.”
تمتم بصوتٍ خافت غامق النبرة.
“ذلك الذي كان يتردد إلى المعبد كأنه منزله……لا بد أن نمنحه عذرًا يجعله عاجزًا عن حضور المهرجان.”
“ولماذا، يا سيدي؟”
رفع ديونيس عينيه عن الورق وحدّق في روهان.
“جلالة الإمبراطور دعا ميلودي إلى مهرجان التأسيس. لا أستطيع أن أُزيح كل المعارضين، لكن من الأفضل أن أُسكت بعض الذين سيثيرون الضوضاء.”
“لكن جلالته يعلم أن قسم صناعة الأدوات السحرية قد أُغلق. كان قراراً مفاجئ.”
إذ كان الصخب محتدمًا أصلًا بسبب المعبد ومسألة الأدوات السحرية، و لم يكن عجيبًا أن يستاء الكهنة من دعوة الإمبراطور لمصنّعة أدوات سحرية.
أمسك ديونيس بالقلم يقلبه بين أصابعه وغرق في تفكير قصير.
“لا شك أن الأمر من أجل رايون. فالإمبراطور لا يرضى أن يزداد نفوذ المعبد.”
“آمل ألا تنجرّ الآنسة ميلودي إلى عواقب لا ذنب لها فيها.”
قال روهان ذلك بقلق، وكان هذا بالضبط ما يثقل قلب ديونيس.
لم يرد أن تُستَخدم ميلودي كورقةٍ في لعبة تخص العرش. لكن بدا أنها ترى في الأمر فرصةً ثمينة لا تريد تفويتها.
“سأحاول أن أُبعدها عن الخطر قدر المستطاع.”
أومأ روهان، ثم قدّم إليه ملفًا آخر يخص الكونت فيلود.
“بسبب مرض الكونت، تستعر خلافات الإرث داخل عائلته.”
“الابن الأكبر له اليد العليا فيما يبدو……فلندعم الابن الثاني.”
وهكذا دبّروا ما يكفي من بلبلةٍ في بعض الأسر. وأخيرًا، وضع روهان أمامه تقريرًا عن أسرة تحمل لقب “ليوود”.
نادرًا ما يحمل عوام الناس لقبًا، لذلك ضاق نطاق البحث عن أسرة ميلودي ليقتصر على النبلاء.
“انتقيتُ فقط العائلات التي لديها أفراد مفقودون. ماذا تريد أن نفعل بها؟”
من بين خمسٍ وعشرين أسرة تحمل اسم ليوود، لم يتبق سوى أسرتين كان لهما مفقودون قبل عشرين عامًا.
“إحداهما انهارت كليًا وتعيش الآن كالعوام. أما الأخرى فهي تابعةٌ لبيت الكونت روزوود، وكلاهما فقدا الابن الأصغر منذ عشرين سنة.”
كان ديونيس قد أمر بالتحقيق حين ظن أن والد ميلودي قد مات، على أمل أن يعثر على بقية عائلتها داخل الحاجز السحري.
لكن بعد أن التقى به، لم يعد ثمة داعٍ لمزيد من النبش.
كان يتصفح الأوراق بلا مبالاة حينها ارتفع حاجبه فجأة.
“سيحضرون مهرجان التأسيس.”
“نعم. غير أن الكونت روزوود لم يظهر في محفل رسمي منذ أكثر من عشر سنوات، ويبدو أن البارون ليوود هو من يشغل مكانه.”
“إذاً سأراه بنفسي، لا محالة.”
فحتى إن كان البارون حقًا من عائلة ميلودي، فإن لم يكن يستحق صلةً بها، فالأجدر أن تمضي حياتها من دون أن تعلم.
“إن صادفت البارون في مهرجان التأسيس، فأعلمني فورًا.”
قال ديونيس ذلك وهو يطوي الملف.
“حاضر، سيدي.”
***
“لقد وصل صناع الأزياء.”
نادتها آنا، فنزلت ميلودي إلى قاعة الاستقبال. وما إن دخلت حتى استقبلتها أقمشةٌ فاخرة وفساتين بديعة، وثلاث سيدات متأنقات في غاية الزينة.
“آه، لا شك أنها هي.”
“إنه لشرفٌ لنا أن نتولى صنع فستانها لحفل التأسيس.”
“بل أنا من سيتولاه، وعليَّ أن أشكرها على هذه الفرصة.”
ابتسمت السيدات الثلاث في وجه ميلودي، فيما كانت أنظارهن تتلاقى بحدة متوترة.
و لم تفهم ميلودي السبب، لكن كبير الخدم بادر إلى شرح الموقف باختصار.
“من بين ثلاثة مشاغل، على الآنسة أن تختاري ما يروق لكِ منها، لنبرم معه العقد.”
“آه……هل كان من اللازم أن يُبالغ في الأمر إلى هذا الحد؟”
تمتمت ميلودي متسائلة، لكن إحدى السيدات بادرت بالإجابة،
“بالطبع، فهذا يتعلق بصنع ثوب الدوق!”
مع ذلك، بدا لها أن حدة التنافس مبالغٌ فيها.
وما إن ظهرت على محياها علامات الحيرة، حتى انفجرن جميعًا بضحكة رنانة.
“الدوق معروفٌ بأنه لا يكلّف أي مشغل بصنع ثيابه لحضور الحفلات. والآن يمنح هذه الفرصة، فكيف لا نطمع بها؟”
قالت إحداهن ذلك، فأكملت الأخرى بتوضيح،
“وكما تعلمين……وجه الدوق يبعث على الإلهام.”
إذاً لم يكن السبب مكانة العائلة أو شهرتها.
بدا التفسير منطقيًا، وإن أثار في نفسها سؤالًا آخر.
“فمن كان يصنع له ثيابه حتى الآن؟”
“كان البلاط الإمبراطوري يتكفل بذلك.”
أجاب كبير الخدم بذلك.
وما إن أومأت ميلودي برأسها حتى سارعت النساء الثلاث إلى بسط ما جلبنه من أقمشة ورسومات أمامها.
تأملت ميلودي عينات الحرير والفساتين المرصوصة على الطاولة. وكانت كلها فاخرة وآسرة للنظر، لكنها ما إن تجاوزت العشرين حتى وجدت نفسها عاجزةً عن التمييز بينها.
__________________________
اخيراااا مومنتات بين ديونيس وميلودي 😔
المهم متى طلع اسم ليوود انه اسم عائلة ميلودي؟ ضحكت ما اذكر الصدق😭
وحسبت ديونيس بيحقق من امها طلع يبي يجيب شجرة عائلة ابوها بس لايكون اهله تخلوا عنه عشانه ساحر؟
المهم الخياطات سببهم منطقي ✨وجه ديونيس✨
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 86"