تعالت الضحكات في المعمل بينما يتسابق الجميع في ذمّ أونيلو، فدبّت في الوجوه المرهقة حياةٌ جديدة.
وبينما الجو مفعمٌ بالمرح، تجرأ أحدهم وتحدّث بخفة،
“لكن…..هل سمعتم الشائعات عن اختفاء أونيلو؟”
“ألم يكن مسجونًا؟”
“كنتُ أظن ذلك أيضًا، لكن يُقال أنه اختفى ذات يوم بلا أثر.”
“مستحيل! هذه الشائعات ما كانت يومًا صادقة. كيف له أن يهرب من سجن يحرسه الكهنة؟”
و ما لبث الحديث عن أونيلو أن تلاشى وسط نقاشهم في معاملات الدوران.
كانت استراحةً أشبه برشفة عسل، سرعان ما انتهت. فما إن ابتلعوا آخر قضمة من السندويش حتى عاد كل واحد إلى موقعه.
“هناك…..كيف يسير العمل على جهاز معالجة الأعشاب؟”
“جرّبتُ خفض معامل الدوران مؤقتًا، لكن سرعة المعالجة تراجعت قليلًا.”
“وماذا عن حجر التدفئة؟ ألم نقل أن به خطر التسبّب بحروق؟”
كان حجر التدفئة يُراد توزيعه على المرضى ليستعملوه كمدفأة.
“أعيد الآن صياغة الدائرة السحرية في لوحة التوزيع. يجب أن نمنع انتقال الحرارة إلى المقبض.”
وعاد صدى الأدوات المعدنية يتردّد في المعمل بانتظام ونشاط.
***
لكن انتشار مرض التحجّر السحري كان أسرع مما تخيّلوا.
نقطة البداية كانت إقطاعية كالاو، حيث انطلقت البعثة. والآن، بدأت الحالات تظهر حتى في أحياء العاصمة الفقيرة.
“اليوم فقط ثلاثةٌ جُدد.”
تمتمت امرأة وهي ترتّب خيمة صاحبها الذي مات، و صوتها مثقلٌ بالأسى.
بين الخيام البالية في حيّ البؤس، تردد سعالٌ متتابع، تخلله أحيانًا دمٌ يتفجّر من الحلق.
في البداية ظنّوه زكامًا عاديًا، لكن أجساد المصابين سرعان ما خارت، ى تعرّضوا لحمّى وقشعريرة واضطراب وعي.
وفي غضون يومين أو ثلاثة، كانوا يسقطون واحدًا تلو الآخر بلا وعي، دون أن يحظى أحدٌ منهم بعلاج. فالكهنة لم يكلّفوا أنفسهم عناء زيارة الأحياء الفقيرة.
“على من تأكدت إصابته أن يبقى في خيمته! سنقوم بعزل هذه المنطقة!”
صرخ الحرّاس وهم يمتطون خيولهم عند مداخل الحي. لكن السكان كانوا يدركون جيدًا أن العزل لا يعني سوى الإهمال.
فالمعبد لم يفعل غير أن يعلن أن سبب الوباء هو الأدوات السحرية، ثم اختفى خلف ستاره، لا يقدّم شيئًا سوى كلمة “انتظروا”.
“يقولون أن الأدوات السحرية وراء ما يحدث. الكهنة هم من قالوا ذلك.”
“هراء. أنا لم أرَ أي أداة سحرية. كل ما فعلته أنني شربت من ماء البئر.”
“إذًا فالماء هو السبب. قالوا أن جهاز التنقية هو المذنب.”
“لكن ماذا عن أولئك الذين مرضوا قبل أن يُركّب الجهاز؟”
“من يدري؟”
لم يكن أحدٌ قادرًا على الجزم. لكن الجميع تذكّروا كيف تغيّر لون ماء البئر المشترك منذ أيام، بعد أن كان صافيًا.
والآن، كل من شرب من ماء التنقية أخذ يسقط فريسة الحُمّى.
ارتجف صوت طفل وهو يسعل باكيًا، فسارعت شابة لتضع منشفةً مبللة على صدره. و جبهته كانت جمرًا ملتهبًا. فعضّت الشابة شفتيها لتكتم نشيجها، ثم رفعت بصرها المرتجف إلى السماء.
“يا الهي…..ماذا يفعل المعبد بحق..…؟!”
في تلك اللحظة، ظهرت عربةٌ بيضاء ناصعة على الطريق. فرفع الناس رؤوسهم إليها برجاء، أولئك الذين كانوا جاثمين بجانب الطريق طلبًا للعون.
تحت أطراف ثيابهم الممزقة كانت بقعٌ حمراء تنتشر فوق جلودهم. و طفلٌ يئن بصعوبة، و فمه وأنفه مغطّيان بقطعة قماش، قد خارت قواه وتهالك بين ذراعي أمّه.
وما إن رأت الأم شعار المعبد منقوشًا على العربة القادمة، حتى ضمّت صغيرها إلى صدرها ونهضت مترجّية.
“يُقال أن الوباء الذي رأيناه في أرض البعثة قد انتشر الآن في العاصمة أيضًا.”
تجمّدت ليهلين مكانها وقبضت يديها المرتجفتين، بينما كان وجهها شاحب كمن فارقته الحياة.
“حتى هنا…..هل كانت الأدوات السحرية سبب تفشّي المرض؟”
“نعم. حاولنا سحب أجهزة تنقية المياه فورًا، لكن الوباء كان قد سبقنا. لذا لم يبقَ سوى عزل المناطق الموبوءة.”
عضّت ليهلين شفتها حتى سال الدم، وكان هناك جفافٌ حارق اجتاح حلقها.
قال الكاهن الأكبر: الحقيقة ستتكشّف مع الزمن. والآن قد حان أوانها.
“…..مرضٌ سبّبته الأدوات السحرية لا يُشفى بالقوة المقدّسة…..فلماذا لم يمنحنا المعبد هذه القدرة؟”
“لأن الإنسان عاجزٌ عن احتواء القوة كاملة. إنه ضوء لا يُطاق. تلك هي حدود البشر، ولذلك نحتاج إلى…..إلى المعجزة.”
“ذلك الطفل…..لن يموت، أليس كذلك؟”
ارتجف صوت ليهلين بنفاذ صبر، لكن بينديكت هزّ رأسه بثبات لا يتزعزع.
“ربما يكون الموت خلاصًا أصدق لهم من الحياة. أنظري إليهم يا ليهلين، أولئك الذين يعيشون كالهوام في المستنقعات، منبوذين، بلا رجاء…..لعل رفع آلامهم هو عين رحمة.”
فصمتت ليهلين طويلًا، ثم همست،
“أحقًا…..الموت هو..…”
لكنها لم تستطع إتمام الجملة، وأطبقت شفتيها. بينمت العربة تجاوزت المرضى مسرعة، وصوت بكاء الأم ظلّ يلاحق سمع ليهلين حتى اضطرت إلى سدّ أذنيها.
***
توقّفت عربة المعبد أمام قصر الكونت فيلوود. و فُتح الباب المذهّب المزخرف، وراح الخدم يهرعون جيئة وذهابًا وهم يرحّبون بليهلين.
“ابنتنا الصغيرة لم تهبط حُمّاها منذ ثلاثة أيام. يدكِ المباركة هي الأمل الأخير…..أرجوكِ، أعطها من القوة المقدسة!”
دخلت الغرفة، فإذا بفتاة في الرابعة عشرة تقريبًا مستلقيةٌ على السرير، وجهها شاحب كالموت، وعلى أطراف أصابعها انتشرت بقعٌ حمراء قاتمة.
‘إنه هو…..’
حبست ليهلين أنفاسها. لقد كان داء التحجّر السحري، ذاك الذي رأته خلال البعثة، المرض الذي تسببه الأدوات السحرية حتى يتصلّب الجسد ببطء.
إنه نفس المرض الذي فتك بأطفال حيّ الفقراء الذين مرّت بهم قبل قليل.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات