“على أية حال، لا حيلة لي. ما ترينه هناك هو كل ما يمكن أن تجديه.”

“…….”

كانت كميةً ضئيلة إلى حدّ يبعث على اليأس. 

وما إن ازدادت ملامح ميلودي جدّية حتى رفع إيكل يده ليسند ذقنه و تحدّث،

“في أي شيء تنوين استعماله؟ هل كان يجدر بي أن أبيعه بسعر أغلى؟”

“…..في صناعة دواء لمرض التحجّر السحري.”

“مرض التحجّر؟ أليس ذلك داءٌ لا شفاء له؟”

“لم يعد كذلك.”

أطبقت ميلودي شفتيها وقد غاصت في التفكير. 

في هذا التوقيت، حيث بدأ الوباء ينتشر، لم يكن شراء أحدهم لعُشب الظلام محض صدفة. 

لا بدّ أن المعبد أيضًا قد عرف وصفة الدواء من خلال أحداث البعثة. و لعلّهم خطّطوا لنشر المرض ثم الادّعاء بأنهم يملكون العلاج.

ولو حدث ذلك، فإن الناس سيزدادون خضوعًا للمعبد.

‘حتى الآن يلوّحون بالقوّة المقدّسة ليتحكّموا بالناس…..’

لم يكن يسرّها أن يتّسع نفوذهم أكثر.

“أود مساعدتكِ، لكن هذا العُشب لا يُجنى إلا مرّةً واحدة في الموسم، ولن تستطيعي الحصول على المزيد.”

قال إيكل ذلك بنبرة متحسّرة. غير أن ميلودي راح ذهنها يعمل بسرعة. 

لا بدّ أن ثمة وسيلةٌ أخرى. فمع أنّ عُشب الظلام لا ينبت إلا في موسم بعينه، إلا أن نموّه سريعٌ نسبيًا. 

وبمجرّد أن وصلت إلى تلك الفكرة، التفتت إلى إيكل،

“هل يمكنني الحصول على بذور عُشب الظلام؟”

ضاقت عيناه أولاً، ثم ما لبث أن اتّسع فمه بابتسامة ماكرة.

“بالطبع.”

“سأشتريها كلها!”

***

“هنا…..أهذا ما تقولين أنه معملنا الجديد؟”

وقفوا أمام مستودع قديم عند المرفأ، وقد علت وجوه صنّاع الأدوات السحرية علامات التردّد والامتعاض. 

فسأل أحدهم بخجل، فيما راح الآخرون يتبادلون النظرات الحذرة. بينما أومأت ميلودي برأسها.

“نعم، إنه متواضع، لكن تفضّلوا بالدخول.”

لقد حضر عددٌ من الصنّاع يفوق ما توقّعته. بطبيعة الحال، و هناك منهم من ترك المجال باحثًا عن رزق آخر. 

و قد ظنّت أن معظمهم سيتراجع خوفًا من رقابة المعبد والاضطرابات المتعلّقة بالأدوات السحرية.

أمسكت بمقبض الباب المتهالك فصدر صوت صرير ثقيل، وانفتح باب المستودع. كانت جدرانه الخارجية تحمل آثار السنين، ونوافذه عالقةٌ بغبار كثيف يحجب الرؤية.

لكن ما إن دخلوا، حتى بدا لهم مشهد غير متوقَّع.

“أهذا…..حقًا سيكون مكان عملنا؟”

قالت ويني ذلك مذهولة وهي تنظر إلى ميلودي. فالداخل كان يحوي طاولات عمل مرتّبة، وأدوات دقيقة، وتجهيزات كاملة لفصل النوى السحرية وإعادة تركيبها. 

وفوق ذلك، كان السقف مزوّدًا بمراوح للتهوية.

“إنه أفضل من المعبد نفسه..…”

تمتم أحدهم بدهشة.

“أليست هذه أحدث أجهزة ترتيب البلّورات؟”

“مستحيل…..كيف حصلتِ على مثل هذا..…؟”

سرت همهمةٌ بين الصناع. فقد كانوا قد استعدّوا للعمل في خرابة بالكاد تصلح للإيواء، ولم يخطر لهم أبدًا أن يجدوا معملاً متكاملاً كهذا.

ففتحت ميلودي خزانةً ملتصقة بالجدار.

“وضعتُ هنا بعض التصاميم والمخططات التي كنّا نستعملها. أما ما لم أستطع إحضاره من المعبد فقد أعدتُ رسمه اعتمادًا على ذاكرتي.”

راح الصناع يتفقدون المكان ببطء، ثم وقف كل واحد منهم أمام الأدوات التي اعتاد عليها. و مرّروا أناملهم على ملمس المعادن، وبسطوا المخططات أمامهم وأومأوا برؤوسهم.

“يمكننا أن نعاود العمل فورًا.”

ثم تحدّثت ويني بعد صمت طويل، وقد لمعت عيناها وهي تسأل،

“إذاً…..ما أول عمل سنبدأ به؟”

أخرجت ميلودي نوى سحرية أعدّتها سلفًا، ومعها مخططاتٌ مكتظة بالدوائر السحرية.

“آلةٌ لإنماء الأعشاب، وأخرى لتحضير دواء علاج الوباء. و قبل أن ترفعوا المطرقة، هلّا قرأتم هذا أولًا؟”

ثم وزّعت على الجميع نسخًا من عقد العمل. 

أخذ الصناع يتبادلون النظرات بتردّد، لكن سرعان ما مدّوا أيديهم وأخذوا الأوراق يقرؤونها.

“راتبٌ شهري؟ وبهذا القدر الكبير؟!”

“الالتزام بكتمان ما نصنع…..أمرٌ بديهي.”

“ومكافآتٌ إضافية عن كل قطعة مصنَّعة…..لم يحدث أن تلقّينا مثل هذا من قبل..…”

وبينما تدافعت أسئلتهم، كانت ميلودي تجيبهم واحدًا تلو الآخر. ثم سأل أحدهم متردّدًا،

“هل يمكن أن نعرف من هو صاحب العقد؟ اكأنو الدوق ديونيس..…؟”

“الاسم مذكور في الأوراق أمامكم.”

“لكن…..هذا غير معقول..…”

اتّسعت عيونهم بدهشة.

“نعم، أنا. أنا مديرة أعمالكم.”

“متى جمعتِ كل هذا المال؟!”

قالت ويني ذلم مذهولة، فأجابت ميلودي بهزّة كتف خفيفة.

“سأعتمد عليكم من الآن فصاعدًا.”

“بل نحن من يعتمد عليكِ.”

“يا للعجب…..لم أتخيّل أنني سأتقاضى راتبًا منك أنتِ.”

“لكن حقًا…..كيف حصلتِ على هذا المال؟ هل الدوق يعاملكِ بهذه السخاء؟”

ابتسمت ميلودي ابتسامةً رقيقة،

“في الحقيقة…..لدينا مَن يرعانا.”

“ومن يكون؟”

“ستلتقونه قريبًا.”

وبينما كانت تحدّق في عيونهم الفضولية، رفعت ميلودي المطرقة.

“فلنبدأ العمل إذاً؟”

***

طَراخ! 

دوّى صوت زجاج متحطّم في الورشة. و كانت ويني تتابع التجارب فزمّت شفتيها بتأفّف.

“نبات الخانة الشتوية غير صالح إطلاقًا.”

“أما الربيعي فينمو جيدًا. والصيفي فلنخفّض حرارته قليلًا. أما الخريفي فلننتظر ونرَ.”

أومأت ميلودي موافقة، وأخذت تسجّل بسرعة على ورقة أمامها. 

في تلك اللحظة، فُتح الباب ودخلت آنا بخطوات حذرة إلى الورشة.

“سيدتي ميلودي، تفضّلي بعض الطعام وأنتِ تعملين.”

“أحسنتِ يا آنا بقدومكِ. ناوليني المخطط هناك، لو سمحتِ.”

مرّرت ميلودي يدها على شعرها المبعثر وألقت أدواتها جانبًا. وقد كان لباسها العملي مغطّى بمساحيق الأعشاب وغبار النوى السحرية.

“ألستِ عائدة إلى قصر الدوق؟”

“كنت أنوي الذهاب بعد إنهاء المخطط، لكن تبين أن العمل أكثر مما توقّعت.”

ثم ألقت نظرةً على المكان. 

أدواتٌ سحرية نصف مُجمّعة، مخططاتٌ نصف مرسومة، وصنّاع منهكون قد غلبهم النعاس.

كان من الطبيعي أن ينغمسوا في العمل حتى لا يجدوا وقتًا لالتقاط أنفاسهم، فهم يحاولون تطوير الآلات في فترة وجيزة. 

والجميع كان يعمل ليلًا ونهارًا بلا توقّف. ولحسن الحظ، كانوا معتادين على السهر.

“هذا الطعام أعدّه الطاهي كي تتناولوه. وهذا…..قال العم غَرسون أن أُحضره لكم.”

“بلّغيه شكري.”

ابتسمت ميلودي بخفة وأومأت برأسها. 

كان في السلة سندويشاتٌ محشوّة بوفرة، ومعها مجموعة أدوات جديدة ملفوفة بعناية في ورق أنيق.

ثم حرّكت ميلودي كتفيها قليلًا، وكأن التعب بدأ الآن يتسرّب إلى جسدها.

“كلوا شيئًا وأنتم تعملون.”

وزّعت آنا السندويشات، فترك صانعو الأدوات السحرية أدواتهم قليلًا واستراحوا.

“الرفاهية هنا أفضل من المعبد. طعام، وراتبٌ أعلى.”

“لقد اعتدتُ نسخ الصيغ نفسها مرارًا، أما الآن وأنا أحاول ابتكار صيغة جديدة، فأشعر وكأن رأسي سينفجر…..لكن الأمر ممتع.”

“وأنا لم أدرِ بهذا عن نفسي من قبل. كنت أظن أنني أفعل هذا فقط لكسب المال، لكنني أدركت أنني أحب حقًا صناعة الأدوات السحرية.”

رغم أن ملامحهم كانت مرهقة، إلا أن البهجة كانت أعمق حضورًا على وجوههم.

“لكن بصراحة..…”

تحدثت ويني وهي تلقي نظرةً جانبية على ميلودي،

“لم أكن أعرف أنكِ ذكية إلى هذا الحد. ظننتكِ فقط فتاةً غريبة الأطوار.”

ابتسمت ميلودي وهي تميل رأسها. 

وبينما كان زميلٌ يتصفّح الأوراق التي رتّبت فيها ميلودي الصيغ السحرية، لم يملك إلا أن يُبدي إعجابه من جديد.

“كيف يمكن لأحد أن يضع مثل هذه الصيغ؟”

فأجابت ميلودي ببساطة وكأن الأمر لا يُذكر،

“في المعبد…..لم نكن نملك حرية إبداء الرأي. فلم يكن هناك مجالٌ لأُظهر ما أعرفه.”

“صحيح…..كان الأمر كذلك.”

تمتم أحدهم، فخيّم صمتٌ قصير. ثم تتابعت كلماتهم، كأنها اعترافات صغيرة أو تظلّم مكتوم.

“حتى أنا…..بدأت هذا العمل بدافع المحبة الخالصة له.”

“كنت أطرح الأفكار وأجري التجارب. هكذا كانت البداية.”

“إلى أن وجّه لي أونيلو توبيخًا.”

___________________________

يا ليل أونيلو ذاه قامعهم كلهم 

وناسه صدق وهم يسوون شي يحبونه احسن شي عشان كذا ابي اطلع من الديره✨

المهم وين ديونيس مختفي حشا 

Dana