طقطقة الأطباق وهي تتحكك ببعضها تسللت إلى الأذن بلطف، فكان شعورًا غريبًا للغاية.
فمنذ أن اختفى والدها، لم تجلس ميلودي على هذه المائدة لتشارك أحدًا الطعام.
“إذاً هذا المكان خارج الحاجز.”
قال ديونيس ذلك وهو جالسٌ في المقعد الذي اعتاد والدها الجلوس فيه.
وكما قال، كان نصف هذا البيت يقع وراء الحاجز. صُمم خصيصًا من أجل والدها.
ومع ذلك فقد بقي آمنًا بفضل أن ميلودي أقامت حاجزًا يمنع الوحوش.
“لقد نصبت أداةً سحرية تبث رائحة الغريزلي.”
كانت قد جعلت هذا المكان يبدو وكأنه أرضًا لذلك الوحش، مستغلةً طبيعة الوحوش التي لا تقتحم أراضي من هم أقوى منها.
لذا، سيبقى آمنًا ما لم يظهر وحشٌ أقوى.
“الوحوش هنا ضعيفةٌ عمومًا.”
قالت ذلك وكأنه كان يعرف مسبقًا. ثم حدّقت به ميلودي بعينين حادتين، متذكرةً كيف قضى على الوحش بسهولة في المرة السابقة، وكيف لم يهاجمها أي وحش أثناء خروجها اليوم.
“…..كانت مجرد وسيلة للحماية.”
“وماذا فعلتَ أيضًا؟”
تنهد بعمق ثم أجاب.
“بحثتُ عن قدركِ المذكور في الرسالة.”
قفزت ميلودي من مقعدها عند سماع ذلك.
“هل…..وجدتَ أبي؟”
“ألم يكن قد توفي؟”
ثم ارتجف بريق عينيها.
لم يجده إذاً…..
و نزلت بها خيبةٌ لا سبيل لإخفائها.
“…..إنه حي. رحل بعد فترة قصيرة من بلوغي العشرين، بعدما طلب مني أن أعيش داخل الحاجز. كانت تلك آخر كلماته لي.”
“إذاً الشخص المكتوب في قدركِ كان والدك.”
وعلى وجهه ارتسمت راحةٌ غريبة، كأنه تنفس الصعداء.
“ومَن كنت تظن إذاً؟”
“أيًّا كان…..لم يكن يهم.”
وبملامح أكثر هدوءًا عاد ليكمل طعامه.
***
بعد انتهاء الطعام، انشغلت ميلودي بتفقد أدوات السحر التي نصبتها حول المكان.
فهي لن تتمكن من العودة قبل شهر على الأقل، لذا وجب عليها أن تترك المكان محميًا.
وحتى ذلك الحين، بقي ديونيس جالسًا بهدوء عند المائدة.
“الآن يجب أن تعود إلى قصر الدوق.”
“لكن المطر ما زال يهطل.”
“سأُخرج لكَ عباءةً جديدة.”
“…..يبدو أن الشمس ستغيب قريبًا.”
“إذاً عليك أن تغادر قبل حلول الظلام.”
“هل يمكنني البقاء بالخارج أراقب من هناك إذاً؟”
“لو تجسستَ ثانيةً، فلن أغفر لكَ.”
“…….”
و لم يجب بشيء للحظة،
“من الآن فصاعدًا…..سأطلب إذنكِ أولًا.”
وحسب.
حلّ المساء أخيرًا، وحين بدا أنه لا ينوي العودة، أعدت له ميلودي مكانًا لينام فيه.
“نم هنا.”
“هل هذه غرفة والدكِ؟”
“نعم.”
ألقى نظرةً داخل الغرفة التي لم يكن فيها سوى سرير واحد، فتوقفت عيناه عند غرض صغير جعل رأسه يميل قليلًا.
كانت ثلاث أرانب صغيرة من الخشب، خُرطت بخطوط خشنة، مصطفةً جنبًا إلى جنب.
“وهذا..…؟”
“لقد صنعتها وأنا صغيرة. كنا نضطر لنقل البيت كثيرًا لأنه خارج الحاجز، لكنه كان دائمًا يحمل هذه معه. و الآن، في النهاية تركها وراءه.”
تأمل ديونيس الدمى الخشبية قليلًا ثم،
“تركها لأنه كان ينوي العودة.”
لم تكن متأكدة إن كان والدها حقًا يفكر هكذا، لكن كلماته تلك منحت ميلودي راحةً خفية، وكأن والدها سيعود حقًا إلى هذا البيت.
“سيعود، أليس كذلك؟”
“سيعود.”
ثم عادت ميلودي إلى غرفتها وأغمضت عينيها، لكنها لم تستطع النوم بسهولة.
‘الأمر مجرد أننا تحت سقف واحد، فلماذا أشعر بهذا الاضطراب؟’
مع أنهما في قصر الدوق كانا ينامان تحت سقف واحد أيضًا.
خارج النافذة كان المطر الخفيف ما يزال يهطل. بينما بقيت ميلودي وقتًا طويلًا تردد تعاويذ سحرية حتى غلبها النوم أخيرًا.
***
جلس ديونيس متكئًا على رأس السرير، يتأمل الدمى الخشبية الموضوعة عند النافذة.
كانت ثلاث أرانب صغيرة نُحتت بيدٍ خشنة، تحمل في خطوطها أثر السكين، ركيكة المظهر لكنها صادقة.
ثم ألقى نظرةً على الغرفة من حوله.
أن يكون هذا البيت هو المكان الذي عاشت فيه…..لقد كان كل ركن فيه يحمل بصمة ميلودي، حتى بدا الكوخ دافئًا حميمًا.
أطبقق جفنيه وغرق في غفوة قصيرة، قبل أن يستيقظ فجأة وهو يستشعر وجودًا غريبًا.
كان خطراً، تهديداً يوقظه من غريزته.
نظر من النافذة، فرأى وراء الغابة المظلمة شخصًا يحدق فيه بثبات.
كانت نار المدفأة قد أوشكت على الانطفاء، وميلودي غارقةٌ في النوم. و المطر كان قد توقف للتو.
فغادر ديونيس الكوخ بخطوات خفيفة كأنما يمحو صوته، آملًا ألا يوقظها. ثم اتجه إلى عمق الغابة.
و عندما ابتعد حتى كاد الكوخ يختفي عن ناظريه، انقضت عليه ضربةٌ مفاجئة استهدفت مؤخر عنقه.
“غغخ..…!”
اندفع جسده إلى الأمام، لكنه مد ذراعه بخفة خاطفة وأمسك بالقبضة القادمة، ثم دار بجسده.
و فقد خصمه توازنه للحظة فأسقطه ديونيس أرضًا، غير أن الرجل ارتكز بيده على الأرض ونهض بسرعة مذهلة كأنه ارتد ارتدادًا.
“من أنتَ؟!”
زمجر الغريب. بينما دفعه ديونيس بعيدًا وأطلق ضحكةً ساخرة قصيرة.
“هذا ما يجدر بي أن أسألكَ أنا.”
وفي لمح البصر، اندفعت موجةٌ سوداء كالأمواج، سهامٌ حادة من طاقة سحرية صوبت نحوه.
فمد ديونيس يده وصدّها، لكن خصمه انقض من جديد هذه المرة بجسده، مندفعًا بكتفه ليحطم توازنه.
رد ديونيس بسرعة واستهدف جانبه. فارتجف الرجل وقبض على خصره بعد الضربة، فاغتنم ديونيس تلك اللحظة ليشكل كرةً سحرية حالكة.
“ساحر؟!”
تراجع الرجل خطوةً إلى الوراء، غاضًا أسنانه. وفجأة تلاشت موجةٌ من القوة السحرية كوميض برق، وفي الوقت نفسه تبخرَت كرة ديونيس السوداء.
“كل ما لديكَ مجرد طاقة سحرية غزيرة بلا عقل. وساحرٌ مثلكَ يجرؤ على الاقتراب من ميلودي؟”
قطب ديونيس جبينه بذهول، والرجل يبتسم بسخرية.
أن يتحكم شخص في طاقة غيره…..أمرٌ لم يره من قبل.
بدا أنه يواجه خصمًا ذا قدرات عظيمة.
لكن بعد أن نطق باسم ميلودي، لم يعد هناك مجالٌ للتراجع. فحدّق به ديونيس بصرامة، وأخذ نفسًا عميقًا.
“ستندم على مجرد لفظ اسمها بلسانكَ.”
اندفع كظل خلف خصمه، وأمسك بذراعه بينما شد رداءه ليخلعه عنه.
“أنتَ..…؟!”
و ما إن تعرّف ديونيس على هويته حتى ارتسمت الصدمة على وجهه.
شعرٌ بلون أخضر فاتح، وجهٌ أبيض وسيم، و ملامحه حادة وقد تقدّم به العمر قليلًا، لكن ملامحه تشبه شخصًا ما إلى حد التطابق.
“أنا من اخترت اسمها، وأنا من يناديها! ألن تتركني؟!”
أفلت ديونيس قبضته واعتدل واقفًا.
“ها، لقد تركتني حقًا. ومن تكون أنتَ حتى تبقى بجوار ميلودي؟!”
“أنا…..ديونيس ثيوديل بالكاراس.”
“وأنا…..والد تلك الفتاة!”
مد ديونيس يده لمصافحته، لكن والد ميلودي أبعدها بوجه عابس ونهض بنفسه.
“أأنتَ إذاً الدوق ديونيس؟”
“نعم.”
تلألأ بريقٌ حاد من السمّ في عيني والدها الزرقاوين. ثم تقدم بخطوات عريضة وأطبق على ياقة ديونيس دون تردد.
“ولماذا تقف ساكنًا بهذا الشكل المزعج؟”
“لست أريد إلحاق الأذى بوالد ميلودي.”
فضحك ساخرًا.
“وجودكَ بذاته أذًى بليغ.”
“…..ولهذا أخشى أن أتسبب بالأذى لابنتكَ.”
“إذاً ابتعد عن ابنتي!”
دوّى الاصطدام حين دفعه بقوة فارتطم جسد ديونيس بجذع شجرة.
“لقد أبرمنا عقدًا.”
فتجهم والد ميلودي عند سماع ذلك.
“أجل…..ذلك العقد السخيف.”
“كنتَ على علمٍ به إذاً؟”
“أتظن أن هناك شيئًا يخص ابنتي لا أعرفه؟”
______________________
طيب ليه ماتطلع لها؟😭 حتى من ورا الحاجز وايق عليها شوي وش ذا القطعة😔
المهم يضحك ديونيس صار مؤدب يوم عرفه😭
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 73"