أسرعت ميلودي بالدخول إلى البيت، لكن لا أحد كان هناك، ولا حتى أثرٌ يدل على وجود أحد.
وقبل أن تغرق في خيبة الأمل، خطر ببالها احتمالٌ آخر، ربما هو يختبئ بدافع الخوف من مواجهة وجهها، أو لأنه لا يريد أن تراه على حاله.
فخرجت ميلودي من البيت من جديد، وبينما كانت تتفقد الغابة هنا وهناك، شعرت بحركة ما فتوقفت.
التفتت إلى الخلف ببطء، ببطءٍ شديد.
“…..أبي؟”
لم يأتِ أي جواب، و لم يصل إلى أذنها سوى صوت قطرات المطر وهي تضرب أوراق الأشجار.
“أبي؟!”
ارتجفت شفاه ميلودي، والغابة بقيت صامتة كما هي. لكن لم يأتِها رد سوى ظلمة كثيفة هبطت كسقف مظلل.
وفجأة–
“آسف.”
انبعث صوتٌ مألوف من وراء ظلمة الغابة.
فارتجف بريق عيني ميلودي، وتحت السماء الرمادية الباهتة، ومن بين الأدغال المبتلة، ظهر ديونيس.
“دوق.…؟! لماذا أنتَ هنا.….”
حبست ميلودي أنفاسها، وشعرت بشعورٍ بالخذلان سبق الارتباك.
‘لم يكن أبي.’
فحاولت كبح مشاعرها، لكنها لم تستطع منع نفسها من البوح بمرارة.
“هل كنتَ…..تتبعني؟”
“…..لأنكِ خرجتِ خارج الحاجز.”
“هذا يعني أنكَ لاحقتني عمداً.”
اقترب منها بخطواتٍ هادئة.
“لم أستطع أن أترككِ تسلكين طريق الغابة وحدكِ.”
كان صوته رتيبًا كعادته، لكن بدا وكأنه يراقب رد فعلها.
“لقد خالفتَ العقد.”
خرجت كلماتها خافتة، منهكة.
“حتى بعد أن خرجتَ من الحاجز، لابد أنكَ تشعر بالألم. لماذا تصرّ على فعل هذا؟”
“…..أتألم.”
“بالطبع. أنا لم أغير نص العقد، لأنني كنت أظن أن بيننا على الأقل ثقة بسيطة..…”
“كنت قلقاً عليكِ، و خفت أن تُصبحي بخطر.”
مع هذه الجملة الوحيدة، انطفأت كل الكلمات التي كانت على وشك الانفجار من شفتيها.
ثم نظرت ميلودي إلى ديونيس لبرهة، و هزّت رأسها بدهشة ممزوجة بالغضب.
“إذاً لهذا السبب تبعتني متخفياً مثل اللصوص؟”
اهتزّ طرف ردائه المبتل دون أن يرد، ثم تنهد بخفة،
“نعم.”
و انخفض رأسه قليلًا ثم ارتفع، بلا أي تردد في اعترافه. فازداد حاجبا ميلودي انقباضًا.
“أنتَ من عطّل أداة السحر التي نصبتها في الغابة؟”
“نعم.”
جاء اعترافه بلا تردد، فحبست ميلودي كلماتها لوهلة.
“وهل أنتَ من فتح الصندوق أيضاً..…؟”
ارتبك ديونيس قليلاً وأمال رأسه إلى الجانب، وقد ارتسمت على ملامحه الجامدة لمحة تقول: “كيف عرفتِ؟”
“كنتُ أنا. أعتذر.”
رفعت ميلودي يدها إلى جبهتها وحدّقت فيه بعينين ضيقتين.
“لم أتوقع أن يكون بداخله رسالة.”
“هاه…..لم يكفكَ أن تلاحقني كما تشاء، حتى اقتحمتَ أشيائي أيضاً؟ كيف يمكنكَ أن تقول هذا بكل برود….”
“ظننت أنه يكفي ألا تعرفي بالأمر. لكن يبدو أنني كنت مخطئًا.”
كان المطر ما يزال يغمر الغابة في هدوء. وقد ساد بينهما صمتٌ قصير، قبل أن يقطعه ديونيس بالكلام.
“إذاً…..القدر، لم يحن بعد؟”
ارتعشت أجفان ميلودي متأخرةً لحظة، وحدّقت فيه قبل أن تفتح شفتيها بصوت خافت.
“…..لم يأتي. بل يبدو وكأنه لا ينوي أن يأتي أصلًا.”
“ولماذا تنتظرين شخصًا لن يأتي؟”
“لأني أحبه.”
“!”
تجمد وجه ديونيس وقد ارتسمت عليه صدمة واضحة. بينما جالت ميلودي بنظرها على ملامحه الصامتة.
كان شكله بائسًا، مثل فأر مبلل تحت المطر. لكنها لم تكن في حال أفضل منه.
فأطلقت زفرةً عميقة ثم اقتربت منه تمسك بكم ردائه لتجره.
“هيا للداخل. لا يمكننا أن نظل هكذا هنا إلى الأبد.”
***
أُزيح باب الكوخ العتيق محدثًا صريرًا. و لم يكن داخله سوى غرفتين وحمام صغير، وأثاث قليل: مقعد هزاز من الخشب، وطاولة، ومدفأة.
دخلا معًا والبلل يثقل ثيابهما، وانسكبت قطرات المطر من العباءة المشبعة على الأرض سريعًا.
ثم أغلقت ميلودي الباب بحذر، وعلّقت معطفها المبتل وهي تتحدث،
“علينا إشعال النار أولًا.”
أخرجت بعض الحطب المكدس وألقته في المدفأة.
– “لتشتعل.”
وما إن رددت التعويذة حتى اشتعلت شرارةٌ وأضرمت النار.
كان ديونيس واقفًا عند الباب يتأمل الكوخ، فيما تساقطت قطرات الماء من شعره الفضي على الأرض.
“يجب أن تبدّل ثيابكَ المبللة.”
و صحيحٌ أنها أدخلته بيتها، لكنها لم تسامحه.
مدت إليه بطانيةً صغيرة بلمسة باردة قاسية.
“خذ. لولا المطر، لما سمحت لكَ بالدخول أصلًا.”
“كنتُ مخطئًا.”
“…….”
“ظننت أنني لا أبالي بكرهكِ لي. لكن لم يكن الأمر كذلك.”
“أنا غاضبة. لأنكَ نقضت العقد. ولأنكَ..…”
كرهت أنه جعلها تظن للحظة أن أباها قد عاد.
“كيف يمكنني أن أنال مسامحتكِ؟”
رفع وجهًا يائس الملامح وهو ينظر إليها، حتى كتمت ميلودي أنفاسها بلا وعي.
“أولًا…..من الأفضل أن تغتسل.”
في تلك اللحظة، لامست يده أطراف شعرها المبتل. و انعكس بريق عينيه الحمراوين على ضوء المدفأة، متقدًا بلون قانٍ.
“أنتِ ترتجفين.”
“لقد…..ابتللت تحت المطر.”
طقطق الحطب المتقد وملأ صوته أرجاء الكوخ الصغير. و بدأت أنفاسها تضطرب شيئًا فشيئًا، وكأن حرارة النار انتقلت إلى جسدها.
خشيت أن تفقد السيطرة، فاستدارت فجأة، وأخرجت بعض الملابس من الدرج وألقتها عليه.
“بدّل ملابسك بهذه. الحمام من ذلك الجانب. والتعويذة هي: «ماءٌ دافئ».”
“أولًا..…”
“لا، أولًا اذهب أنتَ واغتسل.”
وما هي إلا لحظة حتى اندفع إلى الحمام كأنه قد دُفع دفعًا، فيما أمسكت ميلودي بقلبها الذي كان يخفق بعنف.
حين هدأ غضبها قليلًا، بدأ وعيها يتجه نحوه، وشعرت أن الكوخ أضيق مما هو.
فهزّت رأسها لتطرد أفكارها، ثم دخلت غرفتها ونزعت ثيابها المبللة وارتدت أخرى جافة.
“صغير.”
وما إن خرجت مسرعة من الغرفة حتى رأت ديونيس واقفًا مرتديًا ثوبًا ضيقًا لا يكاد يتسع لجسده.
بدا وكأنه يعاني ليرفع ذراعه فيه. و تخيلت كيف كان يجهد نفسه لارتدائه، فانفجرت بالضحك.
“ففف…..هاها. سأبحث عن شيء أكبر. لابد أن لوالدي بعض الثياب هنا.”
ناولتْه ثيابًا أخرى، ثم أخرجت بعض المؤن اليابسة. و كان معها خبز أعدته آنا، لكنه ابتلّ ولم يعد صالحًا للأكل.
“لم أطبخ منذ زمن طويل.”
كانت هناك بطاطا وجزر، وطماطم مجففة تحت الشمس، ولحم مملح. ما يكفي تمامًا لصنع طبق.
فبدأت ميلودي بتقطيع البطاطا بقشورها إلى مكعبات كبيرة.
“سأعدّ اليخنة. هل تروق لكَ؟”
“أعطني السكين واذهبي لتغتسلي.”
أمسك بطرف النصل وسحب السكين من يدها بحذر. وقد كان يعمل بيديه العاريتين بعدما ابتلت قفازاته.
“هل تجيد الطبخ؟”
“خلال الرحلات كنت أطبخ لنفسي أحيانًا. ليس بدرجة سيئة تجعلكِ لا تأكلين.”
وبعد أن اغتسلت في الحمام الضيق وخرجت، تسللت رائحة يخنة شهية إلى أنفها، فتحركّت معدتها الخاوية.
“تنبعث منها رائحةٌ لذيذة.”
جلست إلى المائدة، فسكب ديونيس لها قدرًا كبيرًا من اليخنة ووضعه أمامها.
فحركت ميلودي الملعقة داخل الطبق، ثم تناولت ملعقةً مغمورة بالدخان الأبيض الصاعد. وما إن تذوقته حتى انطلق منها تنهيدة إعجاب، إذ كان الطعم قريبًا مما كانت تتذوقه في قصر الدوق.
“لذيذٌ فعلًا.”
“كلي كثيرًا.”
ارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ جانبية خفيفة وقد دفع نحوها الطبق، كأنه يحثها على المزيد.
فرمقته ميلودي سريعًا، ثم خفضت رأسها في صمت.
____________________
الزواج مسألة وقت 🥰
المهم حسبتها بتعصب اكثر بس يوم ضحكت على الملابس🤏🏻 ياناس بنتي خفيفه 🤏🏻
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 72"