لكن في تلك اللحظة بالذات، انكمش الوحش بجسده كله، ثم قفز في لمح البصر. فاندفع بثقله الهائل ليسحق الموضع الذي كانت تاليا واقفةً فيه.
“هذا اللعين……!”
دحرجت تاليا جسدها وأفلتت بأعجوبة، فيما ارتطم الوحش مباشرةً بالأداة السحرية.
كــرآآآآ!!
تحت وطأة الصدمة، شُطر فخذ الوحش إلى نصفين، وتناثرت منه شظايا اللحم الممزق.
ومع أنه فقد نصف ساقه تقريبًا، فقد نهض مترنحًا، كاشفًا عن مئات الأنياب الحادة وهو ينقضّ مرة أخرى على تاليا.
بـفـق–!
في تلك اللحظة، انفجر كيس السم فوق وجهه. و راحت عيناه تذوبان تحت حمض لاذع قاتل، فارتد إلى الوراء وهو يصرخ ويتلوّى.
كــرآااخ! كــرآااخ!!
وبينما هو يتخبط، قطع سيف ديرين ما تبقى من ساقه الممزقة، فاهتز جسده العملاق وبدأ يفقد توازنه.
تــوونغ!
لم تفوّت ميلودي الفرصة، فربطت مطرقتها بحبل وألقت بها بكل قوتها.
– “اقضِ عليه.”
دارت المطرقة في الهواء بسرعة قبل أن تصيب رأس الغريزلي إصابةً مباشرة.
كااانغ!
ثم دوّى صوتٌ ثقيل في الأرجاء.
“يجب أن نقطع رأسه! امسكوا الحبل!”
صرخت ميلودي، فانطلقت تاليا كالسهم. وفي حركة خاطفة أمسكت بالحبل المتصل بالمطرقة ولفّته حول عنق الوحش.
الوحش، وقد أعمته محاجر عينيه الذائبة، لم يفكر حتى في التخلص من الحبل، بل ظل يخدش وجهه بجنون.
– “اقطع.”
كــواجِك–!
كــوونغ!!
ثم سقط جسد الوحش مشطورًا إلى نصفين، وانهار على الأرض.
“……هل انتهينا منه؟”
لكن ما إن نطقت تاليا حتى رفع الوحش مقطوع الرأس ذراعه إلى الأعلى.
“آآآآخ!”
غير أنه سرعان ما سقط مجددًا، محدثًا ارتطامًا مدويًا. فأطلق الثلاثة زفرات متزامنة.
“لا تقولي شيئًا كهذا أبدًا!”
زمجر ديرين، وصوته يرتعش من التوتر.
“لقد أنقذتم حياتي.”
ثم قالت ميلودي ذلك وهي تنظر إليهما، فابتسمت تاليا ابتسامةً واسعة، بينما رفع ديرين إبهامه وهو يلهث بأنفاس متقطعة.
“أظن أن تناغمنا كان مذهلًا.”
ثم فتح القنينه ورطّب شفتيه بجرعة ماء قبل أن يضيف،
“أن نتمكن نحن الثلاثة من إسقاطه……هذا فخرٌ يُحكى به العمر كله.”
“بالفعل.”
وبينما جلس الاثنان ليلتقطا أنفاسهما، أخذت ميلودي تجمع الأداة السحرية التي نصبتها في الساحة واحدًا تلو الآخر، ثم اتجهت بخطوات هادئة نحو عمق الغابة.
“إلى أين تذهبين؟”
سألت تاليا وهي تتبعها. فأعادت ميلودي التحقق من السوار مرة أخرى، ثم أدارت رأسها وأجابت،
“……من هذا الاتجاه.”
تبع بصرُ تاليا إصبع ميلودي، فإذا بواجهة جرف شاهق ترتسم أمام عينيها. و في الأسفل البعيد ظهرت كومة صخور بالكاد تتضح معالمها.
“لكن ذاك جرف!”
أطلّت ميلودي إلى ما وراء الحافة، ثم أغمضت عينيها بإحكام.
“الدوق……سقط من هنا.”
***
“الأفضل أن نتوقف.”
كان ذلك صوت ديونيس، ففتح أهفين عينيه. واخترق بصره ضوءٌ باهت.
حين أغلق عينيه كان نهارًا، أما الآن فقد أسدل الليل ستاره. و كان وهج القمر الملبّد بالضباب يضيء العالم.
لا يمكن البقاء هنا طويلًا. صحيحٌ أنه لا أثر لمخلوقات الآن، لكن إن ظهر وحشٌ عند مدخل هذا الكهف المغلق، فقد يعلقان ويموتان حبيسين.
نظر أهفين إلى أداة السحر المخصّصة لاكتشاف الوحوش. وكانت هناك نقاط حمراء قانية مزدحمة تحيط بهما من كل الجهات.
“أهذا صنع صانعة أدواتي السحرية؟”
“لقد منحتني إياه الآنسة ميلودي. يمكننا من معرفة مواقع الوحوش.”
ارتفع حاجب ديونيس استياءً عند سماع الجواب.
“سأتولى أنا القيادة.”
كان ضوء القمر ساطعًا بما يكفي ليزيح بعض الظلام، لكن الجو بدا أكثر رطوبةً كأن المطر يوشك أن يهطل.
غير أن رائحة الدم التي تنبعث من ديونيس غلبت كل شيء.
“جراحكَ……”
“ما دمتُ قادرًا على الإمساك بالسيف، فلا شأن لكَ.”
“قد تجذب رائحة الدم الوحوش.”
“حتى دونها، ستنجذب إلينا الوحوش على كل حال.”
ارتسمت ابتسامةٌ ساخرة على شفتي ديونيس.
و عندما همّ أهفين أن يدير رأسه متجاهلًا عناده، وقعت عيناه على سوارٍ خشن يلتف حول معصمه.
و على خرزته المستديرة نقشت رموزٌ سحرية مشوشة.
“هذه أداةٌ سحرية من الآنسة ميلودي إذاً.”
“قالت: عد سالمًا.”
قال ديونيس ذلك وهو يدير معصمه فخورًا، فارتجف جبين أهفين في امتعاض لا يعرف سببه، إذ كان صدره يمتلئ بشعور كريه.
“هل يجوز أن أسأل عن استخدامه؟”
“لقد استُخدم بالفعل. هناك في الأعلى. تلقّى عني ضربة مخلب الوحش واختفى.”
لابد أنه كان أداةً تعزز صلابة الدرع.
ألقى أهفين نظرةً على السوار، ثم شدّ قبضته حول أداته السحرية.
“هناك وحشٌ قادم.”
“فلنأمل ألا يكون دبًا غبيًا وضخمًا.”
قال ديونيس ذلك وهو يدفع خصلة شعره المتدلية، ثم رفع سيفه الذي بدأ يتكسّر.
بـفـق–
بعد أن غرس أحدهما سيفه في قلب الوحش، التقط الاثنان أنفاسهما لبرهة.
فما إن يسقط وحشٌ حتى يظهر آخر، وإذا قُضي على ذاك، خرج ثالثٌ من مكان ما.
“هل أرهقتك المعركة؟”
“مستحيل. أما أنتَ، فحتى يراعةٌ لن تقدر على هزيمتها الآن.”
تلاقت نظراتهما، ثم عادا ليشهروا سيوفهم في وجه الوحش المنقضّ.
وقد كانت شفرات السيوف قد تهشمت حتى غدت ضرباتهم أقرب إلى الهويّ بالقطع الباهت منها إلى الطعن.
كــوآدُك، إيدُك!
ثم دوّى صوت العظام وهي تتحطم.
“هــووه……”
رمق أهفين ديونيس بطرف عينه.
أنفاسه باتت أشرس من قبل، فقد كان مرهقًا وقد استُنزفت قوة أهفين المقدسة. و لم يتعافَ ديونيس بعد.
“علينا أن نجد مأوى نحتمي فيه.”
“وهل يوجد مكانٌ آمن أصلًا؟ فلنرتح هنا. ما دامت الجهات مفتوحة، سنرى الوحوش قادمة قبل أن تصل.”
قال ديونيس ذلك وهو يهوي جالسًا بجوار جثة الوحش.
لم يكن وقتًا للمظاهر. فجلس أهفين بدوره مستندًا إلى جذع شجرة.
كان الطريق طويلًا جدًا قبل أن يبلغا حيث يظهر حجر الحاجز. بل كان تسلق الجرف أهون من مواصلة السير.
وبينما كان يفكر بذلك، التفت حوله ليفاجأ بجسد ديونيس ينتفض ويميل إلى جانبه.
“سيدي الدوق……!”
“……اصمت.”
استعاد ديونيس توازنه سريعًا وردّ بقسوة. فقبض أهفين على أصابعه المرتجفة بقوة حتى ابيضّت ثم بسطها من جديد.
“تلقَّ العلاج، رجاءً. هذه فرصتكَ الأخيرة.”
كانت قوته المقدسة بدوره على وشك النفاد. وللتعافي يحتاج يومًا كاملًا، وربما يومين. وخلالها لن يقدر على استخدام أي طاقة.
كان لا بد أن يعالج جراحه الآن، وهو ما زال يملك القليل من القوة. فلا أحد يعلم متى سينجحان في الخروج من هذا الغاب.
“يكفي.”
وكأنما لم يسقط منذ لحظات، نهض ديونيس وتجاوز أهفين ليخطو أمامه.
أما أهفين، فقد قبض على أصابعه التي كانت ممدودةً نحوه وزفر نفسًا عميقًا مضطربًا.
“لماذا هذا العناد.….”
انقطع صوته حين لمح الدماء تنساب على ساعد ديونيس، تقطر قطرةً بعد أخرى على الأرض.
“تـسك.”
نقر ديونيس بلسانه ومزّق رداءه ليشدّه بقوة حول ذراعه.
و لم يستوعب أهفين لماذا يرفض العلاج بهذا القدر، غير أن الوقت لم يسمح بالتفكير طويلًا.
كــرررَك!
فقد ارتفع صوت الوحش من مكان قريب جدًا.
“ابقَ ساكنًا قليلًا.”
“من الصعب أن أترككَ وحدك.”
“وأنت يا سيدي الدوق، يبدو أن الأمر أصعب عليكَ أكثر.”
خطا أهفين إلى الأمام، ونفخ من قوته المقدسة في سيفه الأبيض.
“ارجوا أن أُمنح شجاعةً و ألا أهرب أمام عدوي، وقوة أنفّذ بها إرادة المعبد، وعزيمةً لا تنطفئ.”
غير أن نصله كان يفقد حدّته شيئًا فشيئًا.
حركاته باتت أبطأ، بينما كانت مخالب الوحش الذئبي أخذت تخدش جسده مرارًا وتكرارًا.
وأدرك ديونيس في لحظتها أنه لن يصمد طويلًا.
إن استخدم ديونيس السحر……ربما يتمكنان من الهرب من هذا المكان.
_________________________
لا تكفى منب ناقصين مشاكل
بس يمكن يستخدمه؟ لأن في المقدمه استخدمه وهو يلحق ميلودي قدام اهفين
المهم الله ياخذ المعبد هذا الي اقدر اقوله😭
تاليا و ديرين ياخي فكروا فيها كوبل منتاز
Dana
التعليقات لهذا الفصل " 57"