كانت ميلودي تحشو حقيبة السفر بما وقعت عليه يدها، ثم أشارت بلامبالاة بذقنها نحو المكتب.
“لكن، ماذا تفعلين بالضبط؟”
فسألتها آنا، وهي تضع كومة الكتب الهائلة على مكتب ميلودي.
“أفكر أن أرافق الحملة. لا أستطيع أن أرتاح.”
كانت تريد أن ترى بعينيها إن كنان قد غيرت المستقبل حقًا. و إن كان بالإمكان إنقاذ الناس، وإن كان فرسان ديونيس ومن معه سيعودون سالمين.
“إلى مكان ظهور الوحوش؟!”
“الوحوش؟ أنا أراها كل يوم تقريبًا.”
“الميت والحي لا يمكن أن يكونا شيئًا واحدًا.”
قالت آنا ذلك بوجه يفيض بعدم الفهم.
“تصنعين الأدوات السحرية، وتطردين ولي العهد، والآن حتى الوحوش…..كيف يمكنكِ فعل كل هذا؟”
“لأنه شيءٌ أستطيع فعله.”
أجابت ميلودي ببرود.
كانت سنواتها خارج الحاجز، وهي ترى الوحوش، أطول من عمرها داخله. لذلك بدت لها قوانين الحياة داخله غريبةً أكثر من اللازم.
فنظرت آنا إليها من جديد وكأنها تراها لأول مرة.
“ميلودي، أنتِ حقًا غريبة. تقومين بأعمال خطيرة وكأنها لا تعني شيئًا. وحتى إن كرهكِ الناس، تحبين ما تفعلينه.”
توقفت يد آنا التي كانت تعبث بالإبرة.
“أما أنا، فأنا فقط أنفذ ما يُطلب مني. و في الحقيقة، السبب الوحيد الذي جعلني أخدمكِ هو أن لا أحد آخر أراد ذلك.”
كانت ميلودي تتوقع هذا. فأن تُفرض خدمة صانعة أدوات سحرية من عامة الناس لم يكن أمرًا مرحّبًا به.
في البداية، حتى الخدم الآخرون أظهروا عداءً صريحًا. لذلك كان الأمر العجيب بالنسبة لها هو أن آنا عاملتها ببساطة ودون تمييز.
“آنا، أنتِ حقًا مجتهدة ومخلصة.”
“بمعنى أنني لا أجيد غير العمل؟”
“بل حنونة وطيبة. أنتِ أحنّ شخص قابلته في حياتي.”
“إذاً كم من الناس السيئين التقيتِ حتى الآن؟”
“أعني أنكِ مليئةٌ بالمميزات.”
رمشت عينا آنا ببطء، ثم ارتسمت على وجهها ابتسامةٌ خجولة.
“مع ذلك، الأمر جميل. أن أسمع ثناءً من أذكى شخص أعرفه.”
ضحكت آنا بصوت مسموع وأضافت،
“أنتِ تصنعين الأدوات السحرية ببراعة أيضًا. رغم أنكِ غريبةٌ قليلًا.”
“ليتكِ حذفتِ الجملة الأخيرة.”
“لكن، يُقال أن لبّ الكلام دائمًا يوضع في النهاية.”
في تلك اللحظة، سُمع صوت طرق على الباب. وحين فُتح، كان كبير الخدم واقفًا هناك.
“هممم. الدوق أرسل هذا. قال أنه آلةٌ جديدة.”
“الدوق بنفسه أرسل آلة؟”
وبحسب تعليمات كبير الخدم، وُضع شيءٌ ضخم مغطى بالقماش في المعمل.
و ربما بسبب ما حدث قبل قليل، تظاهر كبير الخدم بالتحفظ وهو يسعل بخفة.
“نعم، تفضلي وتفقديها.”
كأنهم يغرون طفلًا بحلوى. هل يظن حقًا أن مجرد آلة ستجعلني أعدل عن عزمي في مرافقة البعثة؟
لم يرق لميلودي الأمر أبدًا.
“أرجوك بلّغ الدوق أن مثل هذه الحيلة لن تجدي معي…..”
تمتمت ميلودي وهي تكشف القماش عن الآلة.
“هذه…..إنها جهاز ترتيب البلورات الذي ما زالت الأكاديمية في مرحلة التجريب عليه!”
لكن ما إن وقع بصرها على ما انكشف، حتى اضطرب بريق التذمر في عينيها.
جهاز ترتيب البلورات كان يزيل الشوائب من بلورات الأحجار، ويقيس ذبذبات الطاقة السحرية لفرزها إلى درجات مناسبة للاستعمال.
كانت آلةٌ بالغة الفائدة في صناعة الأدوات السحرية.
“قالوا أنهم لا يستطيعون صنع أكثر من واحد في السنة، حتى أن القصر الكبير نفسه لم يتمكن من الحصول عليها..…!”
مررت يدها على سطح الآلة، فشعرت ببرودة المعدن. حتى جمالها المتلألئ كان يأسر النظر فلا يدعه ينصرف.
عندها همست آنا لكبير الخدم وهي تلمح ميلودي المبهورة.
“يبدو أنها أعجبتها.”
“هذا جيّد.”
“ولا شك أن سيدي الدوق كان يتوقع مثل هذه الاستجابة.”
“وذاك أيضًا جيّد.”
أومأ كبير الخدم، وتبادل مع آنا نظرات هادئة. بينما بقيت ميلودي غارقةً في الانشغال بتأمل جهاز ترتيب البلورات.
“يجب أن أجربه فورًا على البلورات الجاهزة.”
وهكذا أمضت ميلودي يومها كله منشغلةً بالآلة الجديدة. و جربت البلورات المصنّفة لتصنع نسخةً مطوَّرة من جهاز إبطال السحر.
حتى إذا انقضى النهار بأكمله، لم تخرج من المعمل إلا مدفوعةً على مضض بيد آنا.
“قلت لكِ، مهما كنتِ مشغولة لا يجب أن تهملي التنزّه.”
“آه…..الشمس تؤلم عيني.…”
سارت ميلودي على الممر وسط الحديقة. وقد كانت أشعة الشمس المنسكبة أكثر دفئًا مما ينبغي.
“لكن، أليس الخروج ممتعًا رغم ذلك؟”
“البلورات لا بد وأنها اكتملت في الترتيب الآن..…!”
“يمكنكِ رؤيتها حين تعودين. البلورات لا أرجل لها حتى تهرب.”
“…..صحيح.”
وحين دارت مع آنا حول الحديقة، وصلا إلى ساحة التدريب، حيث صدحت أصوات التمارين.
وتحت ظل شجرة، ظهر أمامهما روهان جالسًا، وإلى جانبه كلبٌ أشعث صغير يكشف عن أنيابه واقفًا على قدميه.
كان كلب الغوبلن. وكان الغوبلن ينبح بعنف على الفرسان المارين بجواره.
“ما زال على حاله، ذلك الغوبلن.”
“في الآونة الأخيرة صار أفضل قليلًا. لم يعد يعض إلا من يحاول الاقتراب من السيد روهان. إنه أشبه بكلب حراسة خاص به. و كم من شخص داخل القلعة يقدر أصلًا على هزيمة السيد روهان؟”
“ذلك الصغير يريد أن يحمي أحدًا؟ هذا يثير الإعجاب فعلًا.”
“صحيح، إنه حقًا لطيفٌ جدًا.”
ضحكت آنا بصوت عالٍ ثم ألقت نظرةً جانبية على ميلودي قبل أن تواصل بحذر.
“لا أعرف التفاصيل، لكن الدوق أيضًا…..أظن أنه اتخذ ذلك القرار لأنه قلقٌ عليكِ، ميلودي.”
“أعرف. لكن لا يوجد أحدٌ خارج الحاجز أقدر مني على التأقلم.”
صحيحٌ أن الاعتياد لا يضمن النجاة، لكنه يزيد من احتمالها. وميلودي كانت قد صمدت ما يقارب عشرين عامًا في الخارج.
أن يُقال أن حياتها مهددة بسبب وحش صغير؟ هذا غير منطقي على الإطلاق.
‘ربما ما يكرهه حقًا هو رايون. وهذا…..مفهوم.’
وربما في أعماقها كانت تتمنى أن يُصاب رايون بأذى.
لكن حتى مع ذلك، لم تكن تفكر أبدًا في توجيه اللوم إلى ديونيس. فلطالما ارتكب رايون أشياء يعرف تمامًا أن ديونيس سيكرهها.
“لكن أن ترى إنسانًا سيتأذى أمام عينيكِ، وتبقين واقفةً دون حراك؟ هذا غير مقبول.”
“هذا…..صحيح.”
ارتسمت على وجه آنا ملامح حيرة.
وبينما واصلتا التجول في الحديقة، أشارت آنا نحو ساحة التدريب.
“أنظري، ذاك هو الدوق.”
راقبت ميلودي ديونيس وهو يخرج من ساحة التدريب.
كان يرتدي زيًّا رماديًا للتمرين وقد لفّ حول كُمِّه قطعة قماش حمراء. وحين دققت النظر، بدا وكأن القماش الأبيض قد تلطخ بالدم.
فشهقت آنا مذعورة،
“يبدو أنه مصاب!”
فتقدمت ميلودي نحوه. وما إن لمحها ديونيس حتى أسرع بإخفاء كمه الملطخ تحت ردائه.
أولًا يعود مصابًا، ثم يحاول أن يتجنبها…..وكأنه عقد العزم ألا يراها حتى موعد انطلاق البعثة.
ومع هذا التفكير، شعرت ميلودي بضيق يتكوم في صدرها.
‘حتى لو كنتَ تكره رايون إلى هذا الحد! أن تتجنبني فقط لأنني أنقذته؟ هذا ظلمٌ فادح.’
“أحييكَ، يا سيدي الدوق.”
“أكنتِ في نزهة؟”
“نعم، كنت عائدةً للتو.”
وبينما كانت آنا تتحدث مع ديونيس، ظلّت ميلودي صامتةً تحدّق بمعصمه المخفي تحت عباءته، ثم تنهدت،
“لقد أصبتَ، أليس كذلك؟”
“إنه جرحٌ طفيف لا أكثر.”
قال ديونيس ذلك بلا مبالاة وهمَّ بالاستدارة، لكن ميلودي مدت يدها وأمسكت بكُمِّه.
“تلقَّ العلاج أولًا.”
ولم يرفض ديونيس طلبها هذه المرة.
_____________________
بيقول اصلاً على الرحب والسعة خدي راحتس😂
تدرون وش؟ حسبت الكلب ذاه حق روهان بيتعلق في ميلودي عشانها البطله ولازم كل سي يحبها بس اشوا على الاقل مافيه نشبه زياده فوق اهفين ورايون الزفتين ذول
المهم ميلودي ليه ماتقول لديونيس انها قد عاشت برا الحاجز؟ كذا بياخذها معه عادي
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 45"