المكان التالي كان مشغل الأزياء، صالون روز، أحد أشهر دور الأزياء في العاصمة، حتى أن سيدات النبلاء كنّ يحجزن قبل عدة أشهر لينلن موعدًا فيه.
وما إن فُتح باب الصالون حتى اندفعت نحوه سيدة يُنادونها بـ المادام، مبتسمةً بوجه غامر بالترحاب، وخلفها خرج الموظفون بزيهم الأنيق، فانحنوا جميعًا في تحية.
“إنه لشرفٌ عظيم أن تعود لزيارتنا مجددًا يا سمو ولي العهد.”
ثم مسحت بنظراتها المليئة بالبهجة الحرس وميلودي الواقفة معهم، قبل أن تنظر خلفهم.
“يبدو أنكَ لم تَحضر اليوم مع حاشيتكَ المعتادة……فهل جئتَ لتفصيل فستان لشخص مميّز؟”
أجابها رايون بإيماءة قصيرة وهو يشير إلى ميلودي.
كانت ترتدي فستانًا بسيطًا من قماش رخيص مطبوع عليه زهورٌ فوق خلفية بيجية، أنيق في شكله لكنه لا يخفي رخص مادته.
فتجمّدت ابتسامة المادام قليلًا وهي تتأملها من رأسها حتى قدميها.
“أستميحكَ عذرًا إذ لم أعرفها. آنسة من أي بيتٍ نبيل تكون؟”
فأجاب المساعد بدلًا عنها،
“الآنسة ميلودي من عامة الشعب.”
“آه……”
خرج صوت المادام ممزوجًا بضيق خفي، لكن سرعان ما استعادت ابتسامتها المصقولة وهي تشير لميلودي بالدخول.
“جسدكِ متناسق، سيليق بكِ أي شيء ترتدينه. تفضلي من هنا.”
غير أن اللحظة التي أُغلِق فيها باب غرفة القياس، بعيدًا عن رايون، انمحت البسمة عن وجهها كليًا.
“إياكِ أن تعبثي بالثياب كما تشائين. فلمسها لا يكون إلا بعد دفع ثمنها.”
ثم ضحك بعض الموظفين بخفوت.
“إذاً قدّمي الفاتورة لسمو ولي العهد.”
ردّت ميلودي بنبرة لم تهتز قيد أنملة، وهي تمرر يدها فوق طرف فستان حريري ناعم.
شعرت أن ردها فيه شيءٌ من الحدة، لكن ما دامت زبائن هذا المكان لسن ممّن يأبهن بالمبلغ، فما المشكلة؟
غير أن وجه المادام التي كانت تحدّق بها تصلّب فجأة.
“قلت لكِ ألا تلمسي الفساتين بيدٍ لا يُعرف من أين جاءت.”
“آه……لقد لمستُ الوحوش فعلًا، لكن قشور النيمفيا لا تترك شيئًا على اليدين.”
“ماذا؟ ماذا؟ وحش؟”
أطلقت المادام نظراتٍ مذهولة واتهمت بسخرية.
“أي مزحة رخيصة هذه. بلا حياء وبكل وقاحة. لا أدري كيف تمكنتِ أيتها العامية من إغواء سمو ولي العهد، لكن اعلمي أن هذا مجرد وقتٍ عابر فاستمتعي به ما دمتِ قادرةً. فسموه يسأم بسرعة ولا يمكث مع امرأة واحدة أكثر من شهرين أبداً.”
ورغم الكلمات المليئة بالسخرية لم تُبدِ ميلودي أي اضطراب. و لم تفعل سوى أن رمشت بعينيها مرتين وغرقت لحظةً في التفكير.
“إذاً سموه يملّ بسرعة، هذا مفرح. كنت قلقةً أن يطول الأمر، لكن بعدما سمعت هذا أشعر بالاطمئنان.”
جاء ردها بارداً بشكل يثير الغيظ، فاحمرّ وجه المدام غضباً.
لم تستطع أن تميّز إن كانت تسخر منها أم تتحدث بصدق، فأصابها الغيظ والارتباك في آن واحد.
فتنفست المدام بحدة ثم أخرجت فستاناً فاخراً يكشف عن عنقها بعمق.
كانت تمتلئ رغبةً في طرد هذه العامية المتعجرفة من متجرها حالاً، لكن كونها ضيفة جاء بها ولي العهد نفسه جعلها تكبح نفسها.
“اشتري هذا وخذيه. إنه أغلى ثوبٍ لدينا. وبما أن مكانتكِ الدنيئة لن تسمح لك بالمجيء إلى هنا مجدداً، فمن الأفضل أن تنعمي به الآن.”
تأملت ميلودي الفستان الذي لم يُستخدم فيه سوى القليل من القماش، فعقدت حاجبيها.
في ذهنها، الفستان الأغلى يجب أن يُحاك من الكثير من القماش، لكن الرد جاء من جهة مدخل غرفة القياس.
“أجل، يبدو غالياً فعلاً.”
“سـ، سمو الأمير……!”
ارتبكت المدام بشدة حين رأت ولي العهد متكئاً بلامبالاة على جانب الباب، فانحنت برأسها وقد تغير وجهها لوناً.
“كيف تجرؤين على إهانة من ترافقني؟”
تقدّم رايون بخطوات واثقة وانتزع الفستان من يد السيدة، ثم رماه مباشرةً داخل الموقد المشتعل ليلتهمه اللهب.
“آه، آه……!”
“هاتِ التالي، الأغلى بعده. أحضريه فوراً.”
ألقى رايون نظرةً عابرة على الفستان الذي حمله الموظف المرتجف بيديه، ثم أمسك به وألقاه مرة أخرى في النار كما لو كان قمامة.
عندها، جلست المدام منهارةً تبكي وهي ترى فساتينها الجميلة تتحول إلى رماد واحداً تلو الآخر.
“فـ……فساتيني التي صنعتها بعرقي ودموعي……!”
“سيدتي……!”
حاول الموظفون أن يسندوا المدام لكنها انزلقت ثانيةً إلى الأرض.
“لا تأسفي على ذلك. فلن يرتدي أحدٌ في العاصمة ثيابكِ بعد الآن.”
وما إن خرج رايون من مشغل الأزياء حتى نفض بأصابع متوترةً الياقة الملطخة بالرماد.
“هاه، لم أظن أنني سأتعرض لمثل هذا المشهد. لنذهب إلى مكان آخر. هذه المرة..…”
“سموه، لحظة من فضلك.”
توقفت ميلودي بعدما كانت تتبعه. فنظر إليها بعينيه الضيقتان بحدة.
“ماذا هناك؟”
“أنتَ تشتر لي الملابس وتدعوني إلى الطعام فقط لتنال رضاي، أليس كذلك؟”
“بل أُبدي لكِ معروفاً.”
“وهذا المعروف، يعني أنكَ تنفق وقتكَ ومالك عليّ في النهاية.”
“فلتعدّيه شرفاً.”
“نعم، إنه شرف.”
أجابت ميلودي بصوت خالٍ من الروح، ثم واصلت فوراً.
“لكن، ألا يمكن أن يُصرف هذا المال المُشرّف فيما أحب أنا؟”
لم تكن تريد أن تُساق هكذا متجاهلةً ذوقها ورأيها.
عندها نظر إليها رايون بفضول وارتسمت ابتسامةٌ مائلة على شفتيه.
“إذاً قولي ما تريدين.”
***
“أتزعمين أن هذا المكان أفضل من ذاك الذي كنا فيه؟ أأنتِ جادة؟”
قطّب رايون جبينه وهو يتأمل حي الفقراء.
أرضٌ مغطاة بالطين والقمامة، بيوتٌ متلاصقة لدرجة تبدو خانقة لمن يريد أن يتنفس، وتحت خيمة صغيرة بالكاد تصلح أن تُسمى متجراً كانوا يبيعون سمكاً يابساً وخضاراً ذابلة.
حرّك رايون قدميه بحذر لئلا تتسخ، لكن ما إن تطايرت عليه مياهٌ متسخة حتى أطلق شتيمة.
“أيوجد في العاصمة مكانٌ كهذا؟ إنه قذر، و كريه الرائحة، ورطب.”
هذا المكان كان أول موضع استقرت فيه ميلودي بعد دخولها إلى الحاجز.
خرجت من مخبز عند مدخل الحي تحمل خبزاً، ثم رمقت رايون بنظرة جانبية.
“سموك، لقد طلبت منكَ أن ترتد رداءً رثاً. إن ارتديتَ بهذه الأناقة، سيظنون أنكَ من الأغنياء ويضاعفون السعر.”
ذيل الرداء المطرز بخيوط الذهب تلألأ تحت أشعة الشمس. كانت قد رجته أن يخفي هويته، لكنها لا تعرف من أين أتى بمثل هذا الرداء الفاخر.
“ومن في الإمبراطورية أغنى مني؟ دعيهم يطلبون الثمن الأعلى. فمن الطبيعي أن أدفع أكثر من غيري، فأنا ولي العهد.”
“يا للسذاجة..…”
“ماذا قلتِ الآن؟”
“قلتُ أن سخاءكَ استثنائيٌ يا سموك.”
رفع رايون ذقنه متسائلاً، كأنه لم يسمع كلماتها جيداً.
“التاجر الحكيم هو من يأخذ أكثر من صاحب المال الكثير. أما من ينهب الفقير القليل الذي يملك، فهو الحقير.”
فتأملت ميلودي قوله بدهشة، إذ بدا أكثر حكمة مما توقعت، فارتفع حاجب رايون بدهاء.
“ولِمَ تنظرين إليّ هكذا؟”
“لأنك يا سموك، تتحدث كما يليق بولي العهد.”
ضحك رايون باستهزاء وهو يضرب طرف ردائه بخفة.
“فالوجه لا يمكن إخفاؤه برداء.”
كان شكله الخارجي حقاً بارز الجمال؛ عينان طويلتان بخط جانبي مائل، بحاجبان كثيفان، و أطراف عين تنحدر قليلاً، و شفتان مرسومتان بوضوح. و لو ظل صامتاً لكان مثال الكمال.
“القذارة هنا لا تطاق، لن أذهب أبعد من ذلك. سأنتظركِ هنا، افعلي ما شئت بالخبز ثم اخرجي.”
عندها التفت المساعد والحارس اللذان كانا يحملان الخبز مثل ميلودي، ونظرا إليه في آن واحد.
“إن لم تذهب سموك، فنحن..…”
فتنهد رايون تنهيدةً عميقة إثر كلمات المساعد، ثم استأنف خطواته.
“هيا بنا، فلنذهب.”
____________________
هاه شخصيته كذا احسن بس هو نسونجي
المهم اطالب ديونيس يجي ويقطع عليهم غشششششش
ميلودي ماهمها ذاه ولي عهد ولا لا قاعده تسبه في وجهه😭
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 41"