أصبحت أنفاس ديونيس أكثر خشونة واضطرابًا، وكان واضحًا أنه لم يعد قادرًا على الصمود طويلًا. لكن الوقت المتبقي للجميع كان قليلًا هو الآخر.
أخذت ميلودي الخنجر المعلّق على خصره وبدأت تنقش التعويذة على الجدار بجنونٍ يائس.
“ما الذي تحاولين فعله؟”
كان صوته مثقلًا بالألم.
“تعويذة سحرية…..سأستخدم المانا بدل نواة الطاقة. هل هذا ممكن؟”
“بالطبع ممكن.”
و كما اعتاد دائمًا، أعطاها الجواب الذي كانت تحتاج الى سماعه.
تابعت ميلودي النقش وهي تترنح، بينما يزداد شعورها بالوخز الحارق، وكأن الضوء يلتهم جلدها.
كراااك–
في تلك اللحظة، دوّى صوت تمزقٍ غريب، وبدأ المعبد ينهار ببطءٍ وسط وهج الضوء.
و بإشارةٍ من إصبعه، نشر ديونيس حولهم هالةً خافتةً من الظلام، فاختفى الألم المروع الذي كان يخترق جسد ميلودي، وعاد بصرها تدريجيًا.
“ظننت أنني سأحترق حياً! ما الذي أخّركَ عن استخدام هذا؟”
تذمّر رايون وهو يربّت على جسده المرتجف.
“صاحب السمو…..ما أكثر كلماتكَ وما أقل نفعها.”
“عديم النفع؟! أنا من أنقذ ميلودي!”
“عملٌ رائع، أحسنتَ.”
“هـه، حسنًا، هذا واجبي على أي حال.”
استداروا فرأوا الضوء الذهبي يلتهم كل ما حولهم بعنفٍ لا يُقاوم. و لم يتبقّ سوى رقعةٍ صغيرة من الظلام تحميهم.
“لن…..لن نستطيع الصمود طويلًا.”
قال ديونيس ذلك وهو يمدّ الظلام بجهدٍ متزايد، وما إن فعل ذلك حتى بدأت ملامح الناس تظهر تباعًا من قلب العتمة.
“آه….لا أرى شيئًا….رأسي يؤلمني..…”
“افتحي عينيكِ، لن تري شيئًا وهي مغلقة!”
زمجر رايون بصوته الخشن، فرفعوا صانعي الأدوات السحرية رؤوسهم ونظروا إليه في ذهول.
“صاحب السمو ولي العهد..…؟”
اقترب منهن وقطع الأساور من معاصمهن. و كانت ويني أول من تحرّر من طرق المطرقة، فنظرت بخوفٍ إلى ما وراء الظلام،
“يبدو وكأن العالم يحتضر.”
“بل نحن من يحتضر معه.”
“قال أنه سيعيد القداسة…..فلماذا هذا الألم والرعب؟”
“لأن القداسة الذي يعيدها ذلك المجنون ليست الا وحشاً.”
كان صوت رايون ثقيلاً ومظلمًا، بينما انشغلت ميلودي عن كل شيء وهي تتابع النقش بجنون.
تشقق– تشقق–
ثم أخذ حاجز الظلام يتصدع شيئًا فشيئًا.
“كخ…..”
و تدفقت الدماء من فم ديونيس وهو يقاوم، وقبل أن يجتاحهم الضوء مرةً أخرى، أنهت ميلودي أخيرًا الدائرة السحرية.
“انتهيت…..الآن!”
وضعت يدها على تعويذة ديونيس وأغمضت عينيها. و في اللحظة التالية انفجرت موجةٌ هائلة من الطاقة السحرية، وارتفعت سحابةٌ كثيفة من الظلام غمرت المكان.
“آااه!”
انحنى صانعي الأدوات السحرية أرضًا وغطّوا آذانهن، إذ ضغط الهواء كان يكاد يسحق العظام.
بينما أخذ الضوء يتلاشى شيئًا فشيئًا أمام المدّ الأسود.
“أتظنون أن ساحرًا تافهًا قادرٌ على إيقافي؟!”
جاء الصوت من أعماق الوحش نفسه، الذي كان قد احتمى في جوفه من الظلام.
غرااااه!
زمجر الوحش، فانتشرت موجات الضوء الذهبي، وانهار المعبد كرمادٍ متطاير.
تراجعت رقعة الظلام التي وسّعها ديونيس بشق الأنفس، وعاد الضوء يغمر المكان من جديد.
“الطاقة…..لا تكفي.”
“نحتاج إلى تعزيز! زيدوا التفاعل!”
أخذ صانعو الأدوات السحرية قطع الحجر وبدأوا ينقشون على الجدران صيغًا إضافية للتقوية. و سرعان ما تداخلت دوائرٌ جديدة مع تعويذة ميلودي، فاشتدت الظلمة مرةً أخرى.
“تسخرون من الآلهة نفسها…..يا للحمقى!”
وقبل أن تدق أجراس الظهيرة بلحظة، اكتملت الصيغة. و انبثق ظلامٌ أقوى شقّ جسد الوحش إلى نصفين.
ثم رفع ديونيس بصره نحو الأعلى بوجهٍ متألم، وأطلق ما تبقى من سحره، فتدفقت من فمه دماءٌ داكنة كالنبيذ الفاسد.
“قليلًا….فقط قليلًا بعد..…”
اهتزّ الهواء وتشقّق جسد الوحش، وتناثرت أجزاؤه في ضوءٍ ممزوجٍ بالعتمة.
و من بين الشقوق ظهر القدّيس، يتهاوى بجسده المحترق تحت وهج الشمس.
“لا….لا يمكن….كك….! أنا النور ذاته! أنا المُخلّص!”
“مُخلّص؟ تبا لك ولخلاصكَ!”
صرخت ميلودي وهي تشق الضوء بصرخةٍ تملؤها الغضب، لتنتشر الظلمة من جديد كالرجاء وسط العدم.
ارتجف القدّيس وهو يرفع بصره نحو الشمس، وما لبثت يده الممدودة إلى السماء أن تحولت إلى رماد.
ثم هوى جسده إلى الأرض، وارتطم بالطين بصوتٍ خافت، ولم يستطع بعدها أن يرى النور مجددًا.
“التي تخلّيتَ عنها هي الإنسانية نفسها، وكان ذلك منذ زمنٍ بعيد.”
تناثر جسد الوحش المتفحّم كالرماد المتطاير في الهواء، وتبدّدت الظلمة شيئًا فشيئًا، حتى استعاد العالم ألوانه الحقيقية؛ الأحمر، والأزرق، والأخضر…..بمنظرٍ مهيب يخطف الأنفاس.
“هل…..هل انتهى الأمر حقاً؟”
“لا تقل هذا يا صاحب السمو!”
صرخت ويني بخوفٍ حين سمعت كلمات رايون.
كان المعبد قد تهدّم تمامًا، و لم يبقَ منه سوى بعض الهياكل التي بالكاد صمدت في مكانها. وفي وسط الأنقاض، بدأ الكهنة المغمى عليهم يستعيدون وعيهم واحدًا تلو الآخر.
ومن بين خيوط الضوء، خرج السحرة الذين كانوا محبوسين في السجن الكبير، مبهوتين بما جرى، غير مصدّقين لمعجزة نجاتهم.
احتضنت ميلودي جسد ديونيس الذي كان يترنح من الإرهاق، بينما نظر هو إلى يديه وكأنه لا يصدق أن قوته كانت السبب في إنقاذ العالم.
“يبدو…..أن للظلام فضلاً أحيانًا.”
تبددت أنفاسه الدافئة فوق رأسها، فضمّته ميلودي بقوة أكبر وهمست،
“لقد فعلناها.”
ساد الارتياح وجوه الجميع بعدما أدركوا أن كل شيءٍ انتهى أخيرًا.
“كنت مخطئًا…..البطلة الحقيقية هي أنتِ.”
قال رايون ذلك وهو ينظر إلى ميلودي، فأجابت بابتسامةٍ واثقة وهي تتأمل من حولها،
“بل نحن جميعًا.”
في البعيد، كان يمكن رؤية الحاجز المنكسر يتلاشى.
و الناس الذين عاشوا أسرى في الظلام وقفوا الآن تحت ضوء الشمس، بلا ألمٍ ولا خوف، يبتسمون لبعضهم بسعادةٍ صافية.
***
“وااااه!”
تعالت صيحات الفرسان الذين كانوا يحرسون الحاجز، وهم يشاهدون اختفاء الوحوش أمام أعينهم.
كانت الحواجز على وشك الانهيار تحت هجوم الجحافل المتواصلة، لكن النصر جاء في اللحظة الأخيرة. فاحتضن السحرة والجنود بعضهم بعضًا بفرحٍ غامر.
وبينما ما زالوا في فرحة النصر، انتبه إيدوين إلى أن الشخص الذي يحتضنه كان أحد جنود القصر الإمبراطوري، أولئك الذين لم يكفّوا عن ازدراء السحرة حتى النهاية.
“آه، أ-أمم، انتهى الأمر الآن…..فلنترك هذا، أليس كذلك؟”
“أجل، شكرًا لكم…..لولا مساعدة السحرة لما استطعنا حماية العاصمة.”
نهض أهفين، يجرّ جسده المرهق وهو يتأمل المشهد من حوله. كان قد أرسل ديونيس إلى المعبد بعد تلقيه أخبار ميلودي، ثم اتجه بنفسه إلى الجبهة الأمامية.
الأسلحة التي كان يعتني بها بعناية لم يبقَ عليها موضعٌ نظيف، غطاها دم الوحوش الأسود، وتلفت سيوفه حتى فقدت حدّها.
ثم عاد داخل الحاجز، وترك سلاحه يسقط على الأرض بتعب. فسأله ديرين بصوتٍ مبحوح،
“ألن تُصلحه؟”
“لا داعي لذلك بعد الآن.”
كان حوله الكثير من الجرحى، لكن من شدة الإرهاق لم يبقَ في أجسادهم أثرٌ من القوة العلاجية.
“هل تدرك كيف تبدو الآن؟ ابقَ مستلقيًا ودعهم يعتنون بكَ.”
قالت تاليا ذلك بصرامة وهي تجبره على الاستلقاء في العشب قبل أن تبتعد لتواصل علاج الآخرين. و كان الجرح الذي ضمده مؤقتًا قد انفتح مجددًا.
تمدّد الجنود الجرحى إلى جواره، وبدأ كل واحدٍ منهم يروي ما شهده.
“لم أظن أن الضوء يمكن أن يكون بهذا الرعب..…”
“كان الأمر وكأن أحدًا يمزقنا ونحن أحياء!”
“لكن…..أليس الظلام هو من أنقذنا في النهاية؟”
“هذا ما بدا لي أيضًا.”
“وأنا كذلك شعرتُ بذلك.”
بينما كان الكهنة والأطباء يركضون بين المصابين لمعالجتهم، لمح أهفين وجهًا مألوفًا وسط الزحام — كانت ليهلين. و كانت تستخدم جهاز علاجٍ صنعه صانعو الأدوات السحرية لمعالجة الجرحى.
“عدتُ من المعبد…..الجميع بخير.”
فابتسم أهفين بارتياح عند سماعها.
“شكرًا لكِ على المساعدة.”
نظرت إليه ليهلين بدهشةٍ خفيفة، ثم ابتسمت بخجل.
______________________
اخيرا خلاص راحه باقي فصلين يعني فيه امل نشوف فيه رخص وهدوء😔
وللحين انتظر تشبيكه اهفين وليهلين
ويني تضحك يوم صارخت على رايون بس على الاقل نادته ياصاحب السمو😂😂😂😂
المهم ميلودي تروح لابوها وتضمه🫂
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 137"