غادرت العربة المعبد بسرعة. و لم تستطع ميلودي مواجهة والدها حقًا إلا بعد أن تفقدت باقي الجرحى.
وبمجرد أن رأت وجهه الملطخ بالتراب والدماء، انهمرت دموعها التي كانت تكتمها، قطرةً تلو الأخرى.
“انظر، الجرح هنا.”
حينها مدّ إدوين يده ليتفقد يديها أولًا.
“دعيني أراكِ أولًا. كم مرةً قلتِ لكِ أن تكوني حذرةً عندما تستخدمين المطرقة؟ ما هذا الذي أصاب يديكِ الجميلتين؟”
“وكيف أكون حذرةً وأنتَ كنت على وشك أن تموت؟”
كانت يدها متورمةً بشدة ومغطاةً بكدماتٍ زرقاء. فنفخ إدوين على الجرح برفق، ولفّه بعنايةٍ بضماد.
“كيف علمتِ بالأمر؟ هل عرفته وأنتِ في المعبد؟”
“العلاج أولًا.”
بإصرار ميلودي، أزاح إدوين ثوبه قليلًا ليُريها جانب خصره.
“ليس بالأمر الكبير.”
“كيف لا يكون كبيرًا؟!”
ما إن رأت ميلودي الجرح حتى تغير وجهها من الغضب والحزن. ثم أخذت مرهمًا وملأت به أداة علاج سحرية، وبدأت تدهن الجرح بعناية. بينما مدّ إدوين يده وربّت على شعرها بهدوء.
“أنا آسف.”
كان الجرح أعمق مما ظنت. و لو نزف قليلًا بعد لكان في خطر. فمسحت دموعها المتدفقة بكمّها.
“رأيت كتاب التوقّعات الذي تركته أمي. تحدث عما سيحدث اليوم.”
“لم أتوقّع أن تكون ميرنا قد تركت شيئًا كهذا..…”
من نظرته أدركت ميلودي بمن يفكر. فقد كان في عينيه أشواقٌ وأحزان لا يمكن للكلمات أن تصفها.
“وفيه أيضًا…..أشياء أخرى.…”
“شش. لا تتحدثي عن المستقبل. كل من يتحدث به، يدفع ثمنًا. ميل، احتفظي به لنفسكِ فقط.”
ابتلعت ميلودي كلماتها. لكنها تذكرت وجه المرأة التي كانت تبتسم لها.
“هل دفعت أمي أيضًا الثمن؟”
“…..نعم. من أجلكِ…..ومن أجلي أيضًا. لقد ضحّت بكل شيء.”
كانت تدرك ذلك، لكن ملامحه المليئة بالألم منعتها من سؤاله أكثر. و بدلًا من ذلك، تحدثت بما اكتشفته مؤخرًا.
“أمي كانت تحبكَ حقًا. وأنا أيضًا…..أحبكَ.”
فابتسم إدوين ابتسامةً شاحبة. بينما كانت يده الخشنة مليئة بالحنان وهي تمسح دموعها.
“أنتِ لا تعلمين كم اشتقتُ إليكِ.”
“إذاً لماذا تركتني وحدي يا أبي؟ كنت أستطيع المساعدة. كان يمكنني أن أساعدكَ في إنقاذ السحرة.”
نظرت إليه كأن الدور قد جاء ليجيب، فانحنى برأسه خجلًا.
“رحلتُ لأحميكِ يا ملاكي. فقد أردتُ أن أحمي مستقبلكِ.”
“كيف تحميني بعد أن تركتني؟”
فهزّ إدوين رأسه بعنف.
“تركتكِ؟ من قال ذلك؟! لم أتخلَّ عنكِ أبدًا.”
“لقد رحلتَ دون أن تقول شيئًا.”
“لكنني تركت لكِ رسالة، أليس كذلك؟”
“وما فائدة ورقةٍ تافهة؟ لم تكن هناك يا أبي.…!”
فبلع ريقه بارتباك، وجفّف شفتيه اليابستين.
“لو قلت لكِ شيئًا عن التوقّع، لتغير المستقبل، ولأصبَح عالمًا لا أعرفه. لكن، ميل…..والدكِ لم يتخلَّ عنكِ يومًا. كنتُ دائمًا بجانبكِ. وكنتُ أقرأ كل رسائلكِ.”
نظرت ميلودي في عينيه المرتجفتين بقوة، وعضت شفتها لتكتم غصتها.
ورغم أن كلماته كانت كما توقعت، إلا أن حزنها العالق منذ زمن لم يُمحَ بسهولة.
“هل قرأت كل رسائلي؟ فكيف لم تجبني ولو مرة؟”
“لو أجبتكِ، كنت ستبحثين عني.”
“…….”
لو كانت تعلم أن والدها كان قريبًا منها، لكانت حتمًا سعت إليه. و ما كانت لتذهب إلى المعبد، وكان كل شيءٍ سيتغير.
“إذاً لماذا التقيت بالدوق عندما جاء إلى بيتنا؟”
عند سؤالها ذاك، انقبض حاجباه بشدة.
“ذلك لأنكِ كنتِ تعيشين مع ذلك الرجل في بيتٍ واحد! كم مرةً قلت لكِ ألا تسمحي بدخول أي رجلٍ إلى البيت هكذا؟ جميع الرجال يخفون نوايا سوداء في قلوبهم.”
أدارت ميلودي عينيها لتتهرب من نظرته، إذ كانت تعلم أن من أخفى نيةً سوداء تجاه دِيونيس، لم يكن هو..…بل هي نفسها.
“ليس شخصًا كهذا. ثم إننا نعيش معًا حتى الآن.”
“ماذا؟ ماذا قلتِ؟ تعيشان معًا؟!”
“في قصر الدوق.”
“آه، حسنًا، هذا…..مختلف. هناك خدمٌ وفرسانٌ أيضًا.”
قال إدوين ذلك وهو يضع يده على صدره من شدة الفزع الذي تلاشى للتو.
“سأعرفكَ به في المرة القادمة. إنه شخصٌ طيب. وكذلك آنا وبقية العاملين في قسم صناعة الأدوات السحرية. جميعهم كانوا لطفاء معي.”
“لا أدري إن كان سيكون هناك مرةً قادمة، فنحن الآن مطاردون من قِبل المعبد.”
عندما قال ذلك بوجهٍ كئيب، بقيت ميلودي شاردةً للحظة ثم نظرت من النافذة.
حقًا، بعد هذه المطاردة، لم يكن معلومًا متى ستستطيع العودة إلى العاصمة مجددًا.
لقد قالت أنها ستعود…..فهل كانت تلك الكلمات الأخيرة بينهما؟
وفي تلك اللحظة، قاطع أفكارها صوتٌ مضطرب.
“المطاردون لحقوا بنا!”
فنزلوا جميعًا عند مدخل الغابة، وانقسموا إلى عربتين صغيرتين.
“دعونا نترك العربة هنا.”
قال ذلك أحد السحرة، ففتح إدوين الخريطة وأشار بإصبعه.
“إن سرنا بهذا الاتجاه، يمكننا الخروج من نطاق الحاجز. و بعد أن نمحو آثارنا هناك، سنتجه نحو الملجأ.”
“لكن من الصعب نقل المصابين.”
“إذًا سيستغرق الأمر وقتًا أطول.”
كانت ميلودي تفكر للحظة، ثم أشارت إلى العربة التي جاءوا بها.
“سأذهب بتلك العربة. سأكسب لكم بعض الوقت على الأقل.”
“لا، هذا غير ممكن. الأفضل أن أذهب أنا..…”
“قريبًا ستتعطل آلة تعطيل القوى السحرية.”
نظر إدوين إلى معصمه. و كان لا يزال يضع الجهاز الذي ارتداه في العربة، لكنه أوشك على التوقف عن العمل.
“وهذا أيضًا، انظر إليه من فضلكَ.”
ما عرضته عليه كان جزءًا من خطة الهروب التي أعدّتها عندما قررت الفرار من ديونيس في الماضي. و كان فيها مسار الخروج من العاصمة مفصلًا بدقة.
“متى صنعتِ هذا..…؟”
ظهرت الدهشة على وجه إدوين وبقية السحرة.
“وضع الخطط هوايتي. إن سلكتم هذا الطريق فستصلون إلى وجهتكم بسرعةٍ أكبر. أما أنا فسأسلك هذا الاتجاه.”
أشارت إلى جزءٍ من الخريطة، ثم أخرجت من حقيبتها أداةً سحرية أسطوانية الشكل.
“واستخدموا هذا أثناء الهروب. سيمحو آثار العجلات، وسيجعلها تبدو كأن وحشًا مرّ من هنا.”
كانت تفوح منه أيضًا رائحة الوحوش الكريهة.
رأى إدوين وجوه السحرة وقد أضاءت بالأمل، ففتح فمه ليقول شيئًا ثم أغلقه من جديد.
“سألحق بكم سريعًا.”
فعانقها إدوين بشدة.
“أراكِ هناك.”
بعد رحيلهم، فركت ميلودي راحتيها المبللتين بالعرق، وأمسكت باللجام. لم تكن ترتجف أو تخاف، بل كانت فقط تتمنى أن تكسب وقتًا كافيًا.
لكن شيئًا واحدًا ظل عالقًا في قلبها.
“ديونيس..…”
هل كان يعلم؟ بأن العقد بينهما قد انتهى منذ زمن.
لقد أدركت ذلك عندما أنهت آخر آلة لتعطيل القوى السحرية، لكنها تظاهرت بالجهل فقط لتبقى بجانبه.
‘لو كنتُ أعلم أن هذا سيحدث، لاعترفت له على الأقل.’
ذلك ما ندمت عليه أكثر من أي شيء.
***
“أعدنا جميع العربات.”
دخل روهان إلى المكتب حاملاً الأخبار. و كان قد عاد للتو بعد أن أمر بإرجاع كل العربات المحملة بالبضائع التي وصلت فجأة إلى قصر الدوق في وقتٍ متأخر من الليل.
“هل من أخبارٍ أخرى؟”
“يبدو أن الحريق في المعبد قد أُخمد. وتقول التقارير أن السحرة فرّوا. كما يُعتقد أن الآنسة ميلودي غادرت المعبد معهم.”
عندما سمع ديونيس التقرير، عضّ على أسنانه حتى برز فكه.
‘هل كانت تحاول إنقاذ والدها؟’
لكن لم يُقبض على أي ساحر جديد في المعبد مؤخرًا. لذا ربما كانت تعمل في قسم صناعة الأدوات السحرية منذ البداية وفي نيتها الهرب.
‘هل كانت مرافقتها للّورد أهفين أيضًا جزءًا من تلك الخطة؟’
من أين بدأ كل هذا، وأين انتهى؟ هل كانت حتى القبلة جزءًا من خطتها؟
انفجرت قطرات الدم من بين شفتيه المعضوضتين.
مهما كانت خطتها، فإن تهريب السحرة من المعبد لم يكن شيئًا قد توقعه. رغم أنه كان يعلم ما تكنه في قلبها تجاه أولئك السحرة.
لو أنها أخبرته، لهدم المعبد بيده من أجلها. لكنها لم تثق به، وغادرت في النهاية.
“سأعود قريبًا.”
لماذا صدق تلك الكلمات؟ يا له من أحمق.
كانت مجرد علاقةٍ بعقد. مجرد انجرافٍ عابر بدافع الفضول.
لم يكن هناك سببٌ لبقائها إلى جانبه. و يبدو أن الشفقة وحدها لم تكن كافيةً لتربط قلبها به.
_______________________
لا اصبررر مابي سوء فهم تكفى خل افهمك بدالها اصبر شوي 😭
طول الوقت استناه يطلع طلع متكي حتى يوم درا عن حريق المعبد؟ يعني مفروض توقع ميلودي هناك! ماهقيتها
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 124"