“إن كانت هناك ذكرى مزعجة لها، فهي موجودةٌ بالفعل.”
شعرت ميلودي بشيء من الدناءة لأنها أحست بالارتياح لكلماته.
“لكن ما يزعجني أكثر هو وجودنا في هذا المكان.”
“هذا المكان، لماذا.….”
“من سوء المصادفة أنه إسطبل.”
ارتسمت على شفتي ديونيس ابتسامةٌ ماكرة. و تراجعت ميلودي بخطواتٍ مضطربة حتى اصطدمت قدماها بالعمود الخشبي خلفها.
رغم أن المكان لم يكن ضيقًا، إلا أن حضوره الطاغي جعل الإسطبل يبدو خانقًا.
“عليّ أن أذهب قريبًا. فماذا تقولين؟ ألن تُشبعي فضولكِ ولو للحظة؟”
عند هذا الإغراء الخفي، احمرّ وجهها حتى صار كالجمر.
“أو لعلّكِ تشفقين على من سيمضي نحو مكان مؤلم، فتمنحينه بعض الدفء.”
خفض عينيه متصنّعًا ملامح بائسة. وبينما تنظر إليه بعينٍ مشفقة، خُطف بصرها للحظة الى شفتيه.
“إذاً…..فقط قليلاً.”
وقفت على أطراف أصابعها وطبعَت شفتيها على شفتيه، فرأت عينيه الحمراوين تنغلقان شيئًا فشيئًا.
ثم ابتعد ديونيس لحظة، و انحنى مجددًا ليطبع قبلةً على جفنها. فرفعت ميلودي عينيها المرتجفتين نحوه وهي تلتقط أنفاسها المتقطعة.
“لا تنظري إليّ هكذا. سيجعلني ذلك نادمًا.”
وقبل أن تسأله “على أي شيء تندم”، هبط شيء ثقيل على رأسها. فالتفتت مذعورة، فإذا بحصان أسود يفرك خط شعرها، ثم يداعب خصلاتها بأنفه قبل أن يزفر، فيتناثر شعرها الأمامي مع نفَسه.
“آه…..نسيت وجودكَ.”
وفي خجلٍ طاغٍ، راحت ميلودي تربت بعشوائية على شعر الحصان الأسود.
“عليّ الذهاب الآن. سأوصلكِ إلى غرفتكِ.”
“أستطيع أن أذهب وحدي.”
لكن ديونيس أصرّ حتى أوصلها إلى مدخل المبنى.
و بخلاف جسدها الجافّ الدافئ، كان كتفه مبللًا بماء المطر وقد غاص لونه.
“عُد سالمًا.”
فابتسم لها بفرح كأنه تلقى هديةً ثمينة.
***
“جلالة الإمبراطور؟”
حين توقف رايون أمام الباب المنقوش عليه الشمس، سارع الخادم الواقف هناك ليفتح له المقبض.
“جلالته بانتظاركَ. صحته ليست بخير، فلا تُطِل البقاء.”
“سأراعي ذلك.”
بلّل رايون شفتيه اليابستين وتقدم. ومن عمق المكتب المظلم تسلل صوت سعالٍ متقطع.
“لقد جئتَ.”
كان الإمبراطور مستندًا على فراشه، وإلى جانبه أحد الكهنة ينحني بخشوع.
“لقد بدأ حفل تنصيب الكاهن الأكبر.”
وما إن وجّه رايون بصره نحو الكاهن، حتى أشار إليه الإمبراطور بذقنه.
“تعارفا، فهو من يخلفه.”
“اسمي بينديكت. ليكن مجد المعبد رفيق سموّك.”
اقترب الكاهن وركع على ركبةٍ واحدة، مقبّلًا طرف ثوب رايون. بينما نظر إليه رايون طويلًا قبل أن يطلق ضحكةً ساخرة.
“جلالتك، هذا الرجل من خاصّة الكاهن الأكبر، ومن أعوانه في أمر حجر الشفق الأزرق. كيف تسمح بأن يخلفه؟”
كانت وفاة الكاهن الأكبر المفاجئة قد أوقفت كل التحقيقات، لكنها قابلةٌ للاستئناف في أي وقت. إلا أن الإمبراطور صبّ غضبه على رايون.
“أيّ داءٍ تافه ذاك ليشكّل اليوم مشكلة؟!”
“لقد تعمّد إيذاء الشعب. ألن يُحاسَب؟”
“انتهى الأمر بموته. انسَه.”
ألم يكن هذا نفسه الإمبراطور الذي امتدح الكاهن الأكبر حين وزّع الدواء على الفقراء؟ أما الآن، فقد غدا باردًا إلى حدٍ لا يُصدق.
“لكن–”
لم يُكمل رايون كلمته حتى انفجر الإمبراطور بسعال حاد. و جسده النحيل اهتز بلا قوة.
سعى الكاهن لنفخ قواه الروحية فيه، لكن السعال لم يهدأ بسهولة. وبعد برهة طويلة، خرج من حنجرته صوتٌ متحشرج أشبه بالحديد.
“هو من سيساعدكَ على اعتلاء العرش.”
كأنها كلمةٌ فصلت كل شيء.
وبعد أن صرف الكاهن، اعتدل الإمبراطور متكئًا بصعوبة وهو يحدق من النافذة.
“هل تراني إمبراطورًا طاغيه؟ أتجاهل موت شعبي؟”
“…….”
لم يجب رايون. فأدار الإمبراطور رأسه ناحيته، بعينين تزداد حدّة يومًا بعد يوم رغم جسده الواهن، وغاص بصره في ملامحه.
“عشت عمري أطلب القوة. ولأجلها حتى عصيت روابط الدم.”
تنهد رايون عند سماع كلمات الإمبراطور التالية. فقد كان يتحدث عن ديونيس.
“لم أنل العرش بفضل قوتي، ومع ذلك كنت إمبراطورًا لهذه الإمبراطورية. ومع هذا، لم أحقق شيئًا ذا بال. لكنكَ…..يجب أن تكون مختلفًا.”
في صوته كان يتردد قلقٌ صادق.
“إن دعمكَ المعبد، فلن يكون للنبلاء سبيلٌ لجرّكَ خلفهم. بل لعلّكَ تتمكن من إبادة تلك الوحوش التي لا تستحق البقاء في هذه الأرض، كما تشاء.”
وكأن ديونيس لم يكن في نظره سوى أداةٍ لموازنة كفة النبلاء، لا أكثر ولا أقل.
“هل كان هذا حقًا كل ما في الأمر؟ السبب الذي أبقيتَ به ذلك المخلوق على قيد الحياة؟”
لم يكن رايون يتوقع حنانًا أبويًا من الإمبراطور لديونيس، لكنه ظنّ أن رابطة الدم على الأقل كانت كافيةً لإبقائه بجانبه.
“كنتُ أريد تلك القوة. قوةٌ لا تخشى شيئًا. انظر إليّ، نصف حياتي قضيتها على طرف الفراش عاجزًا. لم أكن مختلفًا عني في شيء؛ أنا أيضًا كائن. لو أني امتلكت القوة، لكنت حصلت على العرش بنفسي.”
“أتقصد أن جلالتكَ كان سيطيح بالإمبراطورة السابقة؟”
“ولِمَ لا؟ نصف دمي من فالكاراس.”
وضع الإمبراطور يده اليابسة على كتف رايون المتصلب.
“هيا، اذهب الآن إلى حفل التنصيب. اجعل خدّام المعبد يجثون عند قدميكَ، وأثبت للجميع أنكَ وحدكَ جديرٌ بأن تكون إمبراطورًا لهذه الإمبراطورية.”
خرج رايون من حجرة الإمبراطور وهو يمرر يده في شعره متنهدًا.
كان يظن أن بلوغ العرش سيمحو كل شيء، غير أن نفسه لم تشعر إلا بالقذارة.
وربما ما جعله بهذا الانكسار هو اكتشافه أن الحنان الذي طالما عطش إليه من الإمبراطور، لم يكن إلا وهمًا.
“ماذا قال جلالته لكَ؟”
استقبله مساعده بالسؤال.
“قال لي أن أستمد القوة من التطفل على المعبد.”
“إذاً المعبد وافق على مدّكَ بالقوة؟ هذا خبرٌ مفرح! لم أظن أن ذلك المعبد المتعجرف سيطأطئ رأسه يومًا. يبدو أن ضربة الكاهن الأكبر كانت قاسيةً بالفعل.”
“ألا يهمكَ أيّ صنفٍ من الناس هم؟”
قال رايون ذلك متنهّدًا، فيما ارتسم على وجه المساعد تعبير البديهة.
“التحالف مع المعبد حتميٌ لأي حاكم. صحيحٌ أن قوةً ملكية راسخة قد تستغني عنهم، لكن ما دام المعبد قائمًا، فذلك محال.”
منذ تأسيس الإمبراطورية والمعبد لم يتزعزع. بل إن العائلة الإمبراطورية نفسها لم تكن سوى “مختارين للحكم”. و كان شعب الإمبراطورية بأسره يعيش تحت رحمة بركة المعبد.
“الآن، والحدود تنهار مرة تلو أخرى، سيزداد الناس تعلقًا بالمعبد.”
كان محقًا.
فهزّ رايون رأسه ليطرد أفكاره المتلاطمة. وما خطر في باله بعد طول تفكير، لم يكن سوى وجه صافٍ.
“سأغادر القصر.”
“ماذا؟ لكن حفل التنصيب ينتظركَ! إلى أين تذهب يا سموك؟”
لكن خطاه المتسارعة لم تلبث أن تباطأت. فلم يكن يملك الشجاعة لمواجهة نظراتها الخائبة إن علمت أنه تحالف مع المعبد.
“…..صحيح. يجب أن أذهب إلى حفل التنصيب.”
فاستدار رايون متجهًا نحو المعبد، بينما كانت هناك ظلالٌ كثيفة تغشى ملامحه.
__________________________
ديونيس ياحمار والاعتراف؟😭
بعدين من الي قال لابوها منب لامسها؟ تـء والحين كيف بيوافق ابوها على الزواج؟
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات