اختارت ميلودي نوى السحر من الآلة بحذر شديد، ثم جلست في مكانها تنقش التعاويذ التي رتبتها حين صنعت جهاز إبطال القوة المقدسة.
فهي لم تتعامل حتى الآن إلا مع السحر المخزون داخل النوى، إذ لم يكن هناك حجرٌ آخر قادر على احتوائه. لذلك لم يكن بوسعها أن تعرف يقينًا ما سيحدث لو حَقنت السحر داخل النواة.
لكن في حالة القوة المقدسة، كان التفاعل مختلفًا تمامًا عندما دخلت في حجر الشفق الأزرق مقارنةً بدخولها في النواة.
وكأنها الآن بدأت تدرك طبيعة الفوضى الكامنة داخل النواة. غير أنها، وهي تحدق في السوار الذي شارف على الاكتمال، توقفت فجأة.
‘إن أكملتُ هذا، فهل ينتهي العقد؟’
ذلك ما تمنت حدوثه طويلًا، لكن شعورًا غريبًا اجتاحها.
لم يكن خروجها غدًا من هذا المكان يبعث على الفرح كما تخيلت. و كان ثِقَلٌ ما يضغط صدرها لا يزول. و العودة إلى حياة هادئة مع والدها وحدهما خلف الحاجز بدت فجأةً غريبة عليها.
“مجرد عودة إلى ما كنتُ عليه.”
لكن صوتها المرتجف فضحها. و رفعت رأسها، فرأت بورتريه الإمبراطورة الراحلة. وبالنظر إلى بطنها المنتفخ، تدفقت مشاعر لم تستطع ترتيبها.
شعرت بالشفقة على ديونيس. كانت تتمنى أن يكون سعيدًا، وأن ينال راحةً أكبر مما هو عليه الآن. لكنها لم ترد أن تكون سعادته مع شخصٍ آخر.
إن كان لا بد أن يكون مع أحد، فيجب أن تكون هي.
فهي من جعلته يألف لمس الناس، وهي من بددت آلامه. أليس لها أن تأخذ ذلك الحق؟
“أنا حقًا أفقد صوابي.”
رغم اضطرابها، كان هناك أمرٌ واحد أكيد: أنها لا تريد فراقه.
***
في تلك الأثناء، كان ديونيس يجلس منفردًا مع رجل في منتصف العمر أصلع الرأس جزئيًا.
“هل تملك صورةً لابنكَ المفقود؟”
“لا…..لم يبقَ شيء. لم يكن لدينا وقتٌ لرسمها..…”
“هل شعره أخضر، و عيناه زرقاوان؟”
“لا، عيناه كانتا بنيتين مثلي. وبعد أن غادر البيت، كانت آخر الأخبار أنه التحق بالدير.”
تأمل ديونيس الرجل مليًا. عيناه، أنفه، فمه…..لم يكن فيه شيءٌ يشبه ميلودي.
جبهتها كانت مستديرة، أما جبهته فمربعة. أنفها الصغير في منتصف وجهها البديع، أما هو فكان أنفه كبيرًا غليظًا.
أما البارون ليوود، فكان يرتجف، عاجزًا عن فهم سبب بحث الدوق عن ابنه الذي ترك البيت منذ عشرين عامًا.
“لكن لا وجود لأي سجل بدخوله الدير.”
“لا بد أنه تخلّى عن اسم العائلة. ومنذ دخل دير تيريس لم أره ثانية.”
ثم انفجر بالبكاء يمسح دموعه.
“لا يبدو أنه الشخص الذي أبحث عنه.”
ترك ديونيس غرفة الاستقبال بعد أن تأكد، دون أدنى تردد. وكانت قبضته قد تشنجت لا شعوريًا، والأعصاب تتآكل في داخله.
“سأغادر العاصمة.”
كان السبب كلمات ميلودي. فحين سمعها، شعر وكأن أنفاسه انقطعت فجأة.
فكرة أنها قد تتركه أربكته إلى حدٍ لم يذق مثله حتى في تدريبات البقاء القاسية. لقد كان رعبًا لم يعرفه من قبل.
ميلودي هي الوحيدة التي كانت تراه كإنسان رغم أنه ساحر. و لم يشعر بأنه حي إلا برفقتها. ولمسها كان يملؤه بالامتنان لأنه ما زال موجودًا. وكأنها مَنحَت لحياته البائسة سببًا للاستمرار.
كان يعلم أنها ستعود في النهاية إلى والدها. ولو كان الأمر مجرد ذلك الكوخ، لاحتمل. لكن…..
“أفكر بالذهاب جنوبًا.”
لا، لا يمكن أن تكون في مكانٍ بعيد تمامًا عن متناول يده. فلم يعد يتخيل حياته دونها.
لن يدعها ترحل. لقد اعتاد أن يخسر كل شيء في حياته، أما هذه المرة فلن يتخلى عنها، حتى لو بغضته.
وبينما كان يتمشى في الحديقة، مرّر بين يديه جهاز قياس السحر كعادته. و رأى تدفق الموجات السحرية تعصف، ثم تهدأ تدريجيًا.
كان يزداد براعةً في السيطرة عليها. و ربما، إن واصل الاعتياد، سيبلغها يومًا ما.
و لم يكن يدري أن تلك الفرصة قد تختفي فجأةً يومًا ما.
‘هل علي أن أجلب والدها إلى القصر؟’
كانت تلك الطريقة الأضمن لإبقائها، لكن هناك عائقٌ حال دون ذلك: القصر الدوقي لم يكن بعيدًا عن أعين الإمبراطور ورايون.
لم يكن ليسمح بتعريض والدها للخطر، وإلا فقدها لا محالة.
‘إذن لم يبقَ سوى خيار واحد.’
غارقًا في التفكير، رفع رأسه على وقع خطوات تقترب. و لمح ظلًا يسير في الممر المظلم. ورغم أن الملامح لم تكن واضحة، عرف فورًا أنها ميلودي.
حين خرجت ورأته، أسرعت تُخفي شيئًا حول خصرها.
“لقد تأخر الليل.”
“مجرد نزهة.”
بادرت بالجواب قبل أن يسأل. لكن عيناها فضحتا أمرها. فلم تكن بارعةً في الكذب.
مد ديونيس يده نحوها. فترددت، ثم أمسكت بيده.
“ألم تأخذ ما يكفي من الدفء اليوم؟”
“ليس بعد.”
فجذب يدها فجاء جسدها الصغير معه. و لم يسألها إن كانت تريد الرحيل. بل دفن وجهه في كتفها.
” دوق؟”
ثم رنّ صوتها المذعور قرب أذنه.
“ما بكَ؟ هل أنتَ بخير؟ هل سحبُ النوى مني السبب؟”
ترك كلماتها الغامضة تمضي دون رد.
“أنا أتألم.”
لم يكن الألم من الحاجز، بل من داخل ضلوعه، لذا لم يكن كذبًا.
قال ذلك وهو يضمها بقوة. بينما كان عبقها الحلو يملأ صدره.
كانت عيناها الخضراوان تملآن بصره عن قرب. رؤيتهما وهما تعكسانه وحده أثارت فيه نزعةً جامحة، و لم يعد قادرًا على كبحها. فلف ذراعه حول خصرها، ثم عض قفازه بأسنانه لينزعه عن يده الأخرى.
وما إن مد يده إلى وجهها حتى شعر بأن السحر الهائج داخله يبدأ بالهدوء شيئًا فشيئًا مع كل شهيق.
“أريد أن ألمسكِ.”
خرجت رغبته متدفقة من بين شفتيه قبل أن يتمكن من كبحها. وبينما كان يراقب الاحمرار يتصاعد على وجهها، رفع أصابعه ببطء حتى لامست بشرتها الناعمة كزغب الريش.
ارتجفت يداه ثانيةً فعض على أسنانه بقوة. لكن هذه المرة لم يكن ينوي التراجع.
“لكن ليس باليد وحدها…..ألا بأس؟”
“ها؟ إن لم تكن اليد، فأين..…؟”
فانحنى ديونيس يطبع قبلةً خفيفة على جبينها قبل أن يبتعد. ورغم تراجعه، بقيت ميلودي مغمضة العينين، متصلبةً في مكانها.
وحين فتحت عينيها، لمست بأصابعها الموضع الذي لامسته شفتاه.
“هناك أماكن أخرى…..لماذا اخترتَ الجبين تحديدًا؟”
جاء صوتها ممتزجًا بالاعتراض، فضحك ديونيس بخفة.
حينها فقط انتبه إلى أن شفتيها كانت بارزة قليلًا، فمال إليها من جديد. و كاد نَفَساهما يلتقيان…..
“سيدي الدوق!”
حتى صدح نداءٌ متعجل من مكان قريب. وقد كان صوت روهان.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات