ألقت الطفلة نظرة خاطفة على المربية، ثم رفعت خمس أصابع.
“خمس سنوات؟”
هزت أستريد رأسها نفياً.
عندما نظرت مادي عن كثب، رأت إصبعين مرفوعين من يد الطفلة التي تعانق الدمية.
حتى في خوفها، بدت أستريد مصرة على تصحيح الأمر: ليست خمس سنوات، بل سبع.
“آه، إذن أستريد عمرها سبع سنوات. لا تخافي، جئتُ لحمايتكِ. لم يرسلني كروكتون، ولا زعيم الأشرار. لن ألمسكِ حتى تسمحي لي. أعدكِ.”
حدقت أستريد بمادي بعينين مليئتين بالشك، ثم أومأت ببطء.
“ذكية. سأسألكِ سؤالاً واحداً. هل ضربتكِ هذه المربية؟”
هزت أستريد رأسها نفياً بسرعة قبل أن تنتهي مادي من سؤالها.
“حقاً لم تضربكِ؟ لاحظتُ ندوباً على راحتيكِ وساقيكِ. والآن الجو بارد جداً، لكن ملابسكِ رقيقة. قد تصابين بالزكام.”
أمسكت أستريد يديها الصغيرتين، وارتجفتا.
بدت وكأنها تبحث عن عذر، لكنها لم تجد ما تقوله، فأخفضت رأسها وهزته بسرعة أكبر.
“هل عُلمتِ أن تقولي ‘لا’ إذا سُئلتِ هذا السؤال؟”
ترددت أستريد لحظة، ثم أومأت برأسها بصعوبة، كأنها لا تملك خياراً.
“فهمتُ. سأسألكِ مجدداً. هل تريدين البقاء هنا حتى تستيقظ المربية؟ أم ترافقينني لنقرأ كتب قصص ممتعة؟ كتبكِ هنا قديمة، وبعضها ناقص النهاية. لا بد أنكِ كنتِ فضولية جداً، أليس كذلك؟”
اتسعت عينا أستريد.
اهتزت حدقتاها الزرقاوان بسرعة.
انفرجت شفتاها الصغيرتان بصمت.
“كيف عرفت؟ عندما فتحتُ الدرج، رأيتُ كتباً ممزقة، تنقصها الصفحات الأخيرة. هل هذه المرأة ألقت بها؟”
أومأت أستريد وأشارت بحسرة إلى المدفأة في زاوية الغرفة.
“ألقت بها هناك. لم تستطيعي قراءة النهاية. لا بد أنكِ غضبتِ.”
ابتسمت مادي بلطف، وداست على إصبع المربية المغمى عليها.
تسرب أنين خافت من شفتي المربية:
“أووه…”
اتسعت عينا أستريد، ثم ركضت نحو مادي، وضربت خدها، وأمسكت معصمها بيدها الصغيرة.
سحبتها أستريد، وسارت مادي خلفها مطيعة.
جلست أستريد مادي أمام جدار بعيد عن المدفأة، حيث كان البرد قارساً، ورفعت ذراعيها لأعلى.
نظرت مادي إلى أستريد وهي واقفة كمن يُعاقب.
“آه، تعاقبينني لأنني أذيتُ المربية؟ هل تحبين هذه المرأة التي تدمر دميتكِ وتمزق كتبكِ؟”
حدقت أستريد بمادي بعينين واسعتين، كأنها ستطير من مكانها.
“كيف عرفت أنها دمرت دميتك؟ أنا في الحقيقة ساحرة. أسمع أفكاركِ. صوت قلبكِ عالٍ جداً، بحجم هذا!”
مدت مادي ذراعيها على اتساعهما، فانفرج فم أستريد الصغير بدهشة.
“أنا ساحرة حقاً. سمعتُ صوتكِ الداخلي يصرخ ‘أنقذيني!’، فظهرتُ فجأة.”
اتسعت كل فتحات وجه أستريد بدهشة.
حتى خصلات شعرها الأمامية المقطوعة بشكل غير متساوٍ بدت متناغمة مع تعبيرها البريء.
ضحكت مادي بعفوية.
في الحقيقة، لاحظت آثار الخياطة على رأس الدمية وذراعيها وساقيها، مما يعني أنها أُصلحت بعد تمزيقها.
سألت مادي مجدداً:
“هل ضربتني لأنكِ تحبين المربية؟ أم لأنكِ تريدين معاقبة من آذاها؟”
رمشت أستريد بسرعة، كأنها سمعت شيئاً غير متوقع، ثم هزت رأسها نفياً.
“إذن؟ تعاقبينني لأنني أخطأت؟ هل عوقبتِ هكذا من قبل؟”
غطت أستريد وجهها بكفيها الصغيرتين.
هزت رأسها الصغير لأعلى ولأسفل قليلاً.
أجبرت مادي نفسها على الابتسام، عضّت على أسنانها لتخفي غضبها أمام الطفلة.
“فهمتُ… لكن يبدو أنكِ لا تتحدثين كثيراً. لم تُعاقبي بسبب كلامكِ، أليس كذلك؟ كان لسبب آخر؟”
دهشت أستريد من دقة مادي، فأومأت بحماس واقتربت خطوة.
“إذن، لمَ عوقبتِ هكذا؟”
أمسكت أستريد يد مادي، وكتبت بحذر حروفاً على راحتها.
“يا إلهي! يا صغيرتي، هل تعرفين الكتابة؟ عبقرية! ذكية جداً!”
تفاجأت أستريد بمديح مادي الحماسي، ثم رفعت سبع أصابع.
“ذكية لأنكِ في السابعة!”
أومأت أستريد بجدية.
رغم ارتباكها من حماس مادي، أكملت كتابة الكلمات.
“العم كروكتون.”
“هل هذا الرجل ضربكِ؟”
هزت أستريد رأسها نفياً.
“إذن؟ هل ضرب المربية؟”
أومأت أستريد بحماس، كأنها فازت في لعبة أسئلة.
ابتسمت مادي بمرح لتتماشى معها.
“آه، فهمتُ! العم كروكتون ضرب المربية، وبعد رحيله، عاقبتكِ المربية!”
غطت أستريد فمها بيديها الصغيرتين بدهشة، ثم وضعت يدها على صدرها.
التعليقات لهذا الفصل " 34"