هل كانَتْ غصّةُ الحُبِّ من طرفٍ واحدٍ بهذا الألم؟ كيفَ أجعلُهُا تُحبُّني؟ ما الّذي يجبُ أنْ أفعلَه؟
حين رأى سيرفيل الآنسة آيليت واقفةً بجوار رجلٍ آخر، انقبض صدره وأطبَقَ شفتَيه بقلق.
ذلك الشعورُ الّذي أدركَه مرّةً واحدة، صار يركض داخله بعنف مثل قطعةٍ من السحر المنفلت، يرتطمُ هنا وهناك بلا توقّف.
وبينما هو يقطّب جبينه عاجزًا عن كبح نفسه، دخل الاثنان من الباب المفتوح لمتجر الملابس لوموند، فسارع هو أيضًا ليلحق بهما.
“أهلًا بقدومك، جلالتك.”
“مرّ وقتٌ طويل يا لوموند.”
“مرحبًا بكِ أيضًا، آنستي. هل أنتِ خطيبة جلالته الجديدة؟”
قالت السيدة لوموند، المرأة المتوسّطة العمر الّتي رفعت شعرها إلى أعلى بعناية، وهي تُلقي التحيّة ثم تُحدّق بآيليت من رأسها حتّى قدميها.
لكنّ سيرفيل لم يحتمل، فتقدّم أوّلًا بحِدّة:
“لا، يا لوموند. جلالته لم يعقد خطوبةً جديدة بعد فسخِه السابقة.”
“أه، هكذا إذن؟ على كلّ حال، مرّ زمن طويل يا صاحب السموّ الدوق.”
“أجل، لقد مرّ.”
تفاجأت لوموند قليلًا من كون سيرفيل، قليل الكلام منذ صغره، هو من بادر بالردّ، فارتعشت عيناها بدهشة.
أما إدوين، فقد أزعجه ذاك التدخّل من سيرفيل، لكنّه ابتسم بوجهٍ هادئ. ثم نظر إلى آيليت وقال بلطف:
“إنّها السيّدة الّتي أرغب أن تكون خطيبتي الجديدة، إنْ قَبِلَتْ قلبي.”
“هاهاهاهاها، جلالتك! إن قلتم هذا في مكانٍ كهذا فستحرجونني جدًّا هاهاهاها.”
قهقهت آيليت بخفّة، محاولةً إظهار الرفض. بدا الخيبة على وجه إدوين، بينما اندهشت لوموند لأنّه لم يُظهر غضبًا من ردّها، أما سيرفيل فارتسمت ابتسامةٌ خفيّة على شفتيه.
‘نعم، هذا أفضل.’
قبل قليل فقط كرهَها، والآن وجدها جميلةً لدرجةٍ لا تُطاق. تحوّلتْ لحظاتُ الجحيم فجأةً إلى جنّة بفضلها.
حقًّا، آيليت كانت تُلقي به بين الجحيم والجنه مرارًا، حتّى شعر أنّه سيجنّ.
“سمعتُ أنّكِ ستشاركين في حفلة تقديمكِ للمجتمع، آنستي؟ تأخّرتِ قليلًا.”
“نعم، لأنّني انضممتُ إلى أسرتي النبيلة في وقتٍ متأخّر.”
“آه، سمعتُ بالفعل. أنتِ وريثة أسرة الماركيز المفقودة، أليس كذلك؟”
بدأت لوموند تدور حول آيليت وتتحدّث معها بأحاديثٍ شتّى.
أما سيرفيل، فبينما يراقبها، غرق في خيالاته.
‘لو أنّ آيليت وُلدت في بيت ماركيز منذ البداية، لأقامت حفل تقديمها في السادسة عشرة أو الثامنة عشرة كغيرها من الفتيات. وكنتُ سأقع في حبّها حتمًا. ثم كنتُ سأبوح لها، وندخل في علاقةٍ جدّية تمهيدًا للزواج، وبالطبع كنّا سنخطب منذ زمن.’
‘وربّما كنّا الآن مشغولين في التحضير لحفل زفافنا.’
ابتسم سيرفيل لا إراديًّا وهو يتخيّل ذلك، وغطّى وجهه بيدِه الكبيرة كي لا يُرى.
لو لم يُخفِ نصف وجهه بيده، لقال الدوق إنّه مجنون، وهو يضحك لوحده هكذا.
“لتجرّبي هذا الطراز أوّلًا.”
“حسنًا.”
استفاق سيرفيل من خياله مع صوت لوموند.
آه، للأسف الواقع مختلف. فالآنسة آيليت لم تأتِ لأجله، بل لتفصّل ثوبًا بصفتها شريكة الإمبراطور، أي شقيقه.
تنفّس بمرارة، وفجأةً سمع لوموند تقول لإدوين:
“جلالتك، إنّ لون شعرك يشبه لون شعر الآنسة، كما أنّ مظهركما متناغم. سيكون من الرائع أن أصنع لكما ثيابًا متناسقة.”
“يسرّني أن أُخفّف من جهدكِ يا لوموند.”
ابتسم إدوين مجاملًا، ممتدحًا تلميحها المقصود بأنّ آيليت تليق به.
ازداد كمدُ سيرفيل.
‘لماذا شَعري أسود؟ لو كان فاتحًا مثل شعره، لبدوتُ مناسبًا أكثر إلى جانبها.’
حينها، التقط سمعه أصواتًا من غرفة تبديل الملابس القريبة، فهو سيّد السيف، وسمعُه متطوّرٌ بشكلٍ مدهش.
“أيّ الألوان تُفضّلين يا آنسة آيليت؟”
“أنا؟ أُحبّ الألوان الداكنة.”
“ولماذا؟”
“لأنّها غامضة. ولأنّها تُظهر الجسد أنحف. لهذا أفضل الألوان الداكنة.”
اشتعل بريقٌ في عيني سيرفيل، وتبخّر حزنه. كانت تعرفُ حقًّا كيف تُذيب قلبه.
‘كم هي جميلة…… حتّى كلماتها فاتنة.’
“هذا ثوبٌ صمّمتُه خصيصًا، أظنّه يليق بكِ تمامًا.”
وبعد لحظات، انفتح الستار، وخرجت آيليت بالثوب الجديد. فبدت كساحرةٍ سماويّة، بل كإلهة.
وسيرفيل؟ وقع في حبّها من جديد.
* * *
أقمشة لوموند كانت بالفعل مختلفة عن كلّ ما ارتديتُه من قبل. صحيح أنّ أثواب بيت الماركيز كانت باهظة، لكن هذه الأقمشة كانت من عالَمٍ آخر.
أُضيفت إليها مساحيق الأحجار الكريمة، ورغم ذلك كانت خفيفةً وناعمة كالماء. الآن أفهم لماذا متجر لوموند مخصّص للعائلة الإمبراطوريّة.
‘إنّه جميل.’
أوّلًا، اندهشت من انعكاسي في مرآة غرفة التبديل. ثم حين فُتح الستار ورأيتُ عيون الناس متوسّعة نحوي، احمرّ وجهي.
“واو!”
“يا للعجب!”
تعالت الهتافات.
‘هل أنا جميلة إلى هذا الحدّ؟ لا، لا…… بل الثوب هو الجميل. لا تغتري يا آيليت.’
لكن للأسف، صادفتُ عيني سيرفيل بين الحاضرين.
‘لماذا الآن بالذات؟!’
بينما أحمَرّ وجهي كطماطم ناضجة، خفضت بصري بسرعة وبدأت أهوّي بيدي كالمحرجة.
“هاها، لم يقول أحد شيئًا. أشعر أنّني غريبة. ألا تقولون شيئًا؟”
“آه، آنستي…… عذرًا. لقد كنتِ متألّقة لدرجةٍ أفقدتني النطق.”
نهض إدوين من مقعده، وأمسك بيدي وهو يتكلّم.
وصفّقت لوموند بحرارة:
“لم أتوقّع أن يليق بكِ الثوب بهذا القدر! من الآن، ستكونين ملهمتي يا آنسة.”
“رجاءً، لا تقولوا هذا…… إنّني محبطة جدًّا، أودّ أن أختفي.”
“إنّها الحقيقة!”
“آنستي، لوموند لا تقول عبثًا.”
“أرجوكم، توقّفوا! سأبدّل ثيابي!”
أحرجتني كلماتهم، فأغلقتُ الستار بسرعة.
“آه، يا إلهي.”
سألني موظّفو المتجر بقلق:
“هل أنتِ بخير؟”
أومأتُ برأسي.
‘ألم يتجاوزوا الحدّ؟ إنّ المديح إذا زاد عن حدّه صار عبئًا. لماذا لا يتعلّمون التوقّف عند حدّ؟’
‘لكن لماذا لم يقل سيرفيل شيئًا؟’
قطّبتُ شفتي خلسة، بينما الموظّفات يساعدنني.
ظلّ يراقبني ببرودٍ وصمت، لا كلمة مدح ولا ابتسامة.
‘ألم يقل إنّنا أكثر من مجرّد أصدقاء؟ أليس من الطبيعي أن يثني عليّ ولو قليلًا؟’
وفجأةً خطرت لي يورفيلا.
‘هل لأنّها لم تستطع أن تفصّل ثوبًا حين كانت خطيبة إدوين، وهو غاضب لأنّني فعلت ذلك رغم أنّني لست خطيبته؟’
ربّما. فكّرتُ طويلًا، ولم أشعر بالرضا.
لكن مهما يكن…… يورفيلا هي يورفيلا، وأنا أنا.
نعم، أخطأتُ حين أحببتُ رجلًا يملك حبيبة، لكنّ ذلك لا يمنعه أن يُلقي عليّ كلمة جميلة الآن.
عندما خرجتُ أخيرًا بملابسي المعتادة، تعمّدتُ ألّا أنظر إليه.
‘نعم، أنا غاضبة. أليس من حقي؟’
لكن بينما كنتُ أرى إدوين يجرّب ملابسه الجديدة، هاجمني شعورٌ بالخذلان.
‘مؤلم جدًّا……’
كنتُ قد عزمتُ ألّا أتوقّع شيئًا. أن أنهي هذا الحبّ الصامت بهدوء. أن أكتفي بالابتسام والوجود قربه.
لكنّ الحُبَّ من طرفٍ واحدٍ كان أثقل ممّا تصوّرت. كلّما رغبتُ أكثر، كلّما تألّمت أكثر.
‘عليّ أن أتوقّف…… بسرعة.’
“آنستي، لِمَ تبكين؟”
“يا إلهي؟”
“آه…….”
بينما كنّا نراجع مخطّط الثوب مع إدوين، فجأةً سالت دموعي بلا إرادة. كانت الغصّة أكبر من أنْ أُخفيها.
“ما بكِ، آيليت؟”
اقترب سيرفيل بسرعة، ومدّ لي منديلاً بقلق.
كان دائمًا أوّل من يمدّ يده إليّ. ولهذا كان من الصعب التخلّي عنه.
بلا وعي، همست:
“إنّه يؤلمني.”
صمت طويل، ثم سألني بجدّية:
“أين يؤلمكِ؟”
‘قلبي…… بسببك.’
لكنّي لم أستطع البوح.
طأطأت رأسي وهمست متردّدة:
“ساقي…… تؤلمني.”
“تعالي.”
رفعني سيرفيل فجأةً بين ذراعَيه، وسار بخطواتٍ واسعة نحو باب المتجر.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات