الفصل 51
يبدو أن السيدة أوليفيا قرأت تعبير وجهي، فضربت بلطف على كتفي محاولةً طمأنتي
“يُقال إن جلالته شدّد على أن الشابة التي تملُك متجر الأزياء لوموند هي المرأة التي يحبّها. يا إلهي، لقد أثرتِ ضجّة كبيرة في المجتمع الأرستقراطي فور ظهورك. بما أن الأمر أصبح كذلك، فأتمنى من كل قلبي أن تزدادي شهرة، آنستي. هوهوهو.”
“لكنني أريد أن أعيش بهدوء…”
“وهل يمكن لجمالٍ مثلك أن يعيش بهدوء؟ ثم إنك وريثة متأخرة لعائلة ماركيز لهير. إن لم تتمكني من تجنّبه، فاستمتعي به يا آنسة.”
“إن لم تستطع تجنّبه، استمتع به…”
تنهدت وأنا أنظر إلى شعري الذي كانت الخادمات يرفعن جزءًا منه بلطف ليقمن بتزيينه.
كلام سهل… لكن من يعيش هذا الضغط يعرف كم هو مرهق.
ومع ذلك، بدت الخادمات في غاية السعادة، يقلن إنني أجمل سيّدة في الحفلة، ويصرخن بفرح.
حسنًا، ما دام أحدهم سعيدًا، فلا بأس. هاها.
خرجت من الغرفة أعرج على ساقي المصابة، لألتقي بعينيّ سيرفيل الذي كان ينتظرني أمام الباب.
“آه…”
كَبُرَت عينا سيرفيل وهو ينظر إليّ، فشعرت بالحرج وضربت خاصرته بمرفقي وقلت متظاهرة بالغرور.
“ما بك تنظر إليّ هكذا؟ هل أنا جميلة إلى هذا الحد؟”
لكن رد سيرفيل كان غريبًا… لا أعرف إن كان يمزح أم جاد:
“حقًا… كنت بهذا الجمال، لماذا لم ألاحظ من قبل؟”
“… حتى لو مدحتني، لن تحصل على شيء.”
تمتمت وأنا أشعر بالإحراج.
“أنا لا أتوقع شيئًا منكِ.”
ابتسم بخفة، فبادلته الابتسامة بنظرة ضيّقة ساخرة وقلت:
“هَه، في الماضي كنت أطعمك وأؤويك. الآن أصبحت مغرورًا جدًا.”
“… لا أذكر أنك أطعمتني.”
أوه. نغزني كلامه.
صحيح، أنا وفّرت له فقط مكانًا للنوم، أما الطهو والتنظيف وكل أعمال المنزل فكان يقوم بها هو… لا حُجّة لدي.
تابعت المشي وأنا أتظاهر أنني لم أسمع، لكن سيرفيل أوقفني بإمساكه ذراعي.
ما الأمر؟
ظننت أنه سيبدأ بسرد ذكريات الماضي، فتمتمت بضيق:
“آه، ما بك؟ حسنًا، حسنًا، كنتَ تطهو وتنام وتقوم بكل شيء بنفسك.”
لكن سيرفيل مدّ ذراعيه ناحيتي بوجه خالٍ من التعبير:
“تعالي إلى حضني. كيف ستنزلين الدرج بهذا الشكل؟”
“هاه؟ إلى حضنكِ؟”
“نعم.”
قالها بوجه لا يبدي أي حرج.
صحيح أنني سبق وأن احتضنته، لكن الوضع الآن مختلف! الناس يروننا، وأنا أعلم الآن أنني أُحبّه! ألا ترى أن هذا كثير؟!
دفعت كتفه وأنا حمراء الوجه وصرخت.
“لـ، لا! يمكنني المشي بنفسي!”
قطّب سيرفيل حاجبيه.
“يجب أن تُشفى بسرعة لتذهبي إلى الحفلة وإلا ستتفاقم الإصابة.”
“حسنًا، سأطلب من السيدة أوليفيا أن تحملني. إنها قوية جدًا، تعلم ذلك.”
نظرت خلفي إلى السيدة أوليفيا.
لكن فجأة انحنت وكأن ظهرها يؤلمها، وتظاهرت بأنها عجوز لا حول لها ولا قوة.
“آه يا ابنتي… قسوتِ على هذه العجوز…”
“أنتِ أيضًا! لماذا طلبتِ المساعدة من عجوز؟”
نظر إليّ سيرفيل وكأنني قمامة..
يا إلهي، أنا حقًا مظلومة هنا. السيدة أوليفيا، أنتِ قوية جدًا، لماذا تتظاهرين بهذا الشكل؟!
أظنها خطة لجمعي بسيرفيل.
بدأت أشعر بالاختناق من كل هؤلاء الذين لا يعرفون شيئًا.
ما بهم؟! سيرفيل لديه حبيبة بالفعل!
بل إن السيدة أوليفيا والجد كانا يضحكان من خلفه ويتبادلان “هاي فايف” بسرور.
الجنون! لا يمكن أن أترك هذين الاثنين معًا أبدًا.
هززت رأسي وأخذت نفسًا عميقًا ثم رفعت ذقني بتصنّع قائلة:
“حسنًا، فقط ساعدني على المشي.”
“لا. لا أقبل بذلك.”
“آه، بحق الجحيم!”
صرخت، فأمسك سيرفيل بذراعي:
“إنها لحظات فقط. وكأنني مرض معدٍ! لو كنتِ آين لكنتِ احتضنتِه على الفور، فلماذا ترفضينني؟”
أجبرني على السكوت فجأة.
صحيح، مع آين كنت أشعر بالأمان لأنه مثل أخي، ولهذا لم أشعر بالحرج في احتضانه.
لكن الآن… إن كنت أقول إننا مجرد أصدقاء، فلا يجب أن أبدو متحفّظة هكذا، وإلا بدا الأمر غريبًا في نظره.
حسنًا يا آيليت، تمالكي نفسك.
اهدئي، تصرفي ببساطة، وأناقة.
رفعت ذقني، وابتسمت بتعجرف، ثم مددت يديّ نحوه:
“حسنًا، سأعتمد عليك.”
“… فهمت.”
ويبدو أنه لم يتوقع أن أوافق، فتفاجأ قليلًا، ثم رفعني بحذر كأنني دمية خزف.
لم يكن الأمر يستدعي كل هذه الحذر.
لكن قلبي بدأ يرتجف بلا داعٍ.
تخيّلي أنه مصعد في منتجع تزلج… إنه مصعد فقط.
مصعد… فقط مصعد…
دق، دق، دق، دق…
ولكن، لماذا ينبض قلبه بهذه القوة؟! أهو مرهق من حملي؟!
لإخفاء التوتر، فتحت فمي قائلة:
“تحتاج إلى التمرن أكثر.”
“… ماذا؟”
“قلبك ينبض بقوة! هل أنا ثقيلة لهذه الدرجة؟! لا يمكنك أن تتنفس لمجرد أنك نزلت بضع درجات؟ هاهاه…”
ضحكت ضحكة خفيفة، لكن بدا أنني الوحيدة التي تضحك…
… هل قلت شيئًا خاطئًا؟
وراءنا، السيدة أوليفيا والجد كانا يهزان رأسيهما، وبعض الخدم ضربوا جباههم.
ماذا؟ لماذا تضربون جباهكم؟ أخبروني!
لكن سيرفيل تهرّب من نظري وقال:
“حسنًا، سأتمرّن أكثر.”
“هاه؟ نـ… نعم، هذا جيد.”
“طالما أنتِ ترين ذلك، فلا بأس.”
“غريب… لماذا أنت لطيف ومطيع هكذا؟”
دون شعور، مرّرت يدي على شعره الأسود كأنني أُطبطب عليه، فرأيت عينيه الذهبية ترتجف.
أوه، ماذا فعلت…
تذكّرت شكله في الماضي، مثل كلب ضخم في أيام سيئة ،فمددت يدي لاشعوريًا.
احمر وجهي بالكامل.
“آ، آسفة! لقد تجاوزت الحدود!”
“لا بأس.”
قالها لكنه لم يجرؤ على النظر إليّ.
الأجواء صارت غريبة… دقّات قلبي تتعالى بشدة. هل كان قلبي دومًا بهذه القوة؟!
يا إلهي. سيكتشف مشاعري!
“لو أخبرتني، كنتُ صعدت إلى الأعلى.”
وفجأة، سمعنا صوتًا ساخرًا من ردهة القصر.
“آه، هذا الشخص…”
كنت قد نسيت تمامًا أمره.
كان الإمبراطور إدوين واقفًا في أسفل الدرج، ينظر إليّ وأنا بين ذراعي سيرفيل بنظرة غير راضية.
حسنًا، قال إنه يحبني، فلا بد أنه انزعج لرؤيتي أحمل بين ذراعي رجل آخر.
لكنني لا أستطيع الوثوق به.
كيف يدّعي أنه يحبني بعد بضع لقاءات فقط؟!
مع آين فهمت لاحقًا… كنا معًا لسنتين. لكن الإمبراطور؟! كنت مجرد فتاة من العامة حينها.
‘مريب جدًا… يبدو أن داخله مظلم. غامض.’
لا أعرف ماذا يخفي، ربما نواياه سوداء، وربما هو شرير خفي.
لكنني سأكشفه.
حتى التابعون الذين هاجموا سيرفيل قالوا إن الإمبراطور هو من أرسلهم.
ولهذا، يجب أن أقترب من الإمبراطور أكثر.
طلبت من سيرفيل أن يُنزلني، ثم ابتسمت وأنا أتوجه نحوه:
“لا يمكنني أن أطلب مثل هذا من جلالة الإمبراطور. يكفيني انتظارك لي.”
“لكن إن كنتِ أنتِ يا آيليت، فالأمر يختلف.”
“لكنني مجرد فتاة نبيلة.”
“ومع ذلك أتيت لرؤيتك حتى هنا. فامنحيني الفرصة لأفعل كل شيء من أجلك.”
“… نعم، جلالة الإمبراطور.”
كان يقول ما يريد بابتسامة بريئة، لكنه لا يترك مجالًا للرد.
ربما لأنه البطل… أو لأنه إمبراطور.
لكنني شعرت بالهزيمة. شخص مثل إيديون، بالكلام فقط، استطاع أن يحرجني.
حينها، مدّ لي يده. فهمت أنه يريد أن يرافقني للخارج.
وضعت يدي في يده بسلاسة، لكن فجأة، جاء صوت جادّ من خلفي:
“يا جلالة الإمبراطور، سأرافقكَ في هذه النزهة.”
“… ماذا؟”
استدار الإمبراطور بوجهٍ غاضب، لكن سيرفيل استمر دون أن يتراجع:
“جلالتكَ لم يسبق لك الخروج في شوارع العامة بهذه الطريقة. وهذا يقلقني. إن رافقتك، سأكون أكثر اطمئنانًا.”
“فرساني كافون، دوق، أقدر اهتمامك فقط.”
رفضه الإمبراطور علنًا بوجه عابس، لكن سيرفيل لم يتراجع:
“جلالتك، ألا يجب أن يكون المرافق على الأقل سيّد السيف؟”
“هذا مبالغة. قلت لا داعي.”
رغم رفضه المستمر، تمسّك سيرفيل بموقفه:
“لو تعرضتم لهجوم، ستشعر آنسة آيليت بالذنب ولن تنام الليل. أليس كذلك، آنستي؟”
“… ها؟!”
اتسعت عيناي.
لماذا تُقحم اسمي في هذا؟!
التعليقات