الفصل 20
فصل آين نفسه عنّي وأنا في حضنه، وقال بحزم:
“عندما أكون في شكل بشري، لا أجد اللحم المجفّف لذيذًا. أعطنيه لي لاحقًا عندما أتحوّل إلى ثعلب. وأنا أيضًا رجل، فكوني أكثر حذرًا عندما أكون بشريًا.”
“حذرًا؟ لمَ؟ أنتَ ثعلب.”
“أنا ثعلب بشري!”
“وما الفرق؟”
هززتُ كتفيّ كأنّني لا أفهم، فنظر إليّ آين بدهشةٍ وهزّ رأسه.
“ماذا أتوقّع؟ أنا راضٍ بالعيش هكذا الآن.”
“ماذا تعني؟ تكلّم!”
“لا شيء. يجب أن أعمل. أنا مشغول.”
“تشه!”
بدأ آين العمل بجديّة، فتوجّهتُ إلى مكتبتي للدراسة.
سأنجح في امتحان طبيب القصر مهما كلّف الأمر!
كنتُ مشتعلة بالحماس، فلم ألاحظ الشخص المألوف خارج المتجر.
يبدو أنّ آين لاحظه، لكن.
* * *
مرت الأيّام الثلاثة الموعودة.
كنتُ متوترة جدًا، وشعرتُ بألم خفيف في معدتي، فتناولتُ دواءً ونزلتُ.
لاحظتُ تعبير آين المتجهّم.
“ما الخطب؟”
“سييت هنا.”
“الدوق؟”
هرعتُ مرتبكة إلى خارج المتجر.
كانت هناك عربة تحمل شعار عائلة بيريارت.
سمعتُ همسات الناس حول العربة الفاخرة، فاحمرّ وجهي.
“ما هذا التصرّف؟ لمَ أحضرتَ العربة؟”
“سمعتُ أنّ اليوم هو يوم امتحانكِ في القصر.”
كيف عرف ذلك؟
نظرتُ إليه بدهشة، فأشار برأسه لأركب.
“هل ستقلّني؟”
ضيّقتُ عينيّ بشك، مشكّكة في تصرّفه الغريب.
“نعم. شككتُ طويلًا إن كنتِ ذاهبة للامتحان حقًا.”
“قلتُ إنّه حقيقي!”
رفعتُ ذقني بغرور، فبدا الدوق متعجبًا.
“أطبّاء القصر يعالجون العائلة الإمبراطوريّة والنبلاء، فلا تُتاح مقاعدهم بسهولة…”
“حقًا؟”
لكن إيد قال إنّ هناك مقعدًا شاغرًا.
وربّما تأكّد الدوق من الامتحان اليوم، لذا جاء ليقلّني.
فجأةً، خرج آين وأمسك بطيّة ملابسي.
“آيليت! ما هذا؟ ستذهبين لامتحان طبيب القصر؟”
“نعم.”
“لمَ؟ لمَ إلى هناك؟ ماذا عن متجر الأعشاب؟”
“سأخبركَ عندما أعود. سنستمرّ في إدارة المتجر معًا، فلا تقلق. وسنعيش معًا، فلا تقلق أيضًا. مفهوم؟”
“حقًا؟”
“حقًا.”
ربتّ على رأس آين القلق لأطمئنه، وخططتُ للسير إلى القصر بمظلّتي بدلاً من ركوب عربة سيرفيل.
طق، طق.
ششش…
بدأ المطر يهطل بسرعة بشكل لا يُصدّق.
سمعتُ ضحكة سيرفيل الساخرة من الخلف.
“لهذا أحضرتُ العربة.”
“…”
اللعنة.
فتحتُ المتجر بعيدًا عن قصر الدوق عمدًا، فالسير تحت هذا المطر مستحيل.
واصل سيرفيل:
“لا تُتعبي نفسكِ وتبتلّي بالمطر فتُفسدي حالتكِ. اركبي العربة بسهولة وانجحي.”
“ألا يفترض أن تتمنّى فشلي؟”
حدّقتُ به محاولة فهم نواياه، لكنّه أجاب بهدوء:
“مهما أردتُ جعلكِ طبيبتي الخاصّة، لا أريد إفساد جهود من أعدّت للامتحان بجدّ لأيّام.”
“…”
“هيّا، اركبي.”
شعرتُ بالاختناق.
نعم، هذا هو سيرفيل.
كلّما عرفتُه أكثر، زاد عدم فهمي.
كيف يمكن لشخص مثله أن يكون شريرًا؟
إنّه طيّب ويفهم مشاعر الآخرين.
‘حقًا، إذا كان هناك سبب واحد يجعلني طبيبته ويحوّله إلى شرير، يجب أن أتجنّبه بأيّ ثمن. من أجله.’
إذا أصبحتُ طبيبة القصر، سأتجنّب أن أكون طبيبته الخاصّة.
فأطبّاء القصر أعلى من الدوق.
جلستُ في العربة بمساعدة سيرفيل، مقابلًا له، وانطلقت العربة.
تجنّبتُ نظراته الحادّة، وتنهّدتُ، وسعلتُ، ثمّ تحدّثتُ:
“هل… زالت ندبةُ كتفكٕ؟”
هزّ سيرفيل رأسهُ.
“لا، لا يزال موجودًا. ربّما لأنّه عميق.”
“لا، لأنّه جرح بسكّين مسموم. لقد كان هجومًا شرسًا.”
“حقًا…”
داعب سيرفيل ذقنه، وضحك بسخرية ونظر إليّ.
“لكنّكِ عالجتِه جيّدًا، فشفي بسرعة. موهبةً نادرةٌ. ومع ذلك، تصرّين على أن تكوني طبيبة القصر. هناك ورديّات ليليّة وثلاث نوبات.”
“أحبّ النوبات الثلاث. الأجر مغرٍ، أليس كذلك؟”
قلتُ ذلك، لكنّني كنتُ أذرف دموع الدمّ داخليًا.
آه، ثلاث نوبات؟
جرّبتُها في عمل جزئيّ سابق، وكانت مروّعة.
الأجر جيّد، لكنّني كرهتها.
لكنّني ابتسمتُ، فصدّقني سيرفيل، وضحك باستهزاء، ثمّ نصحني بجديّة:
“النوبات الثلاث تُدمّر البشرة.”
“لا بأس. سأستخدم أعشابًا لقناع الوجه.”
“حقًا لا تريدين القدوم إلى قصري.”
“نعم.”
“…”
ربّما أجبتُ بسرعةٍ.
بدا سيرفيل متألمًا.
شعرتُ بالضعف، ولم أستطع النظر إليه، فأشحتُ بوجهي.
استمرّ المطر بالهطول.
بعد صمت طويل في العربة، تحدّث سيرفيل أوّلًا:
“قبل عامين، هل تركتني لأنّكِ كرهتني حقًا؟ كما تتجنّبينني الآن بالذهاب إلى القصر؟”
كلماته طعنت قلبي كخنجر حادّ.
حسنًا.
هل ستفهمني لو شرحتُ أنّني فعلتُ ذلك لنعيش جميعًا؟
هل نحن قريبان بما يكفي لتفهمني؟
عضضتُ شفتيّ، ثمّ نظرتُ إليه مباشرة.
“لمَ أنتَ مهووس بي إلى هذا الحدّ؟”
نعم، كنتُ أريد معرفة ذلك.
“لمَ تتبعني دائمًا؟”
اتّسعت عيناه.
يبدو أنّه لم يفكّر في ذلك أبدًا.
“لأنّكِ… منقذتي…”
كان جوابه المرتبكَ غير مقنع.
ماذا؟ يهتمّ بي لأنّني منقذته؟
ليس بسبب مهاراتي؟
ما هذا؟
في تلك اللحظة، وصلت العربة إلى القصر.
نزلتُ بمساعدة خادم يحمل مظلّة.
“الآنسة آيليت، صحيح؟”
“نعم، صحيح.”
“تفضّلي من هنا.”
نظرتُ إلى الدوق الغارق في التفكير داخل العربة، ثمّ دخلتُ القصر.
كان داخل القصر رائعًا.
أسقف عالية لا تُقارن بالقلاع الأوروبيّة، لوحات سقفيّة خلّابة، أعمدة رخاميّة، وتماثيل مبهرة.
أذهلني القصر.
تبعتُ الخادم إلى قاعة اجتماعات في الطابق الثاني.
طق، طق.
طرق الخادم الباب، فابتلعتُ ريقي.
لم أجرِ مقابلة من قبل، فكنتُ متوترة، لكنّني تنفّستُ بعمق، مطمئنة نفسي أنّني قادرة.
“الآنسة آيليت وصلت.”
“دعها تدخل.”
“حاضر.”
سمعتُ أنّ هناك خمسة عشر طبيبًا، بما فيهم كبير أطبّاء القصر، والبقيّة في العمل.
فتحتُ الباب، ودخلتُ قاعة كبيرة، حيث نظر إليّ أطبّاء مسنّون بتمعّن.
كانوا يبدون كأساتذة في مستشفى جامعيّ.
“مهلاً؟”
فجأة، عندما تحدّث الرجل في الوسط، ظهرت نافذة حالة:
[ديتان راين (52 عامًا): تضيّق الشريان التاجي، على وشك الإصابة بنوبة قلبيّة، الوفاة خلال ساعة (الطاقة: 80/100)]
“أهلاً، يا آنسة آيليت. أنا ديتان راين، كبير أطبّاء القصر.”
ابتسمَ بلطفٍ.
* * *
“مرّ وقت طويل، يا ماركيز لهير.”
“كيف حالكَ، جلالة الإمبراطور؟”
“أنتَ من لا يزال قويًا رغم السنّ. لو عدتَ إلى العاصمة، سأشعر بالاطمئنان.”
“أعتذر، جلالتكَ.”
رحّب إدوين بماركيز لهير، الذي جاء من إقطاعيّته بعد غياب طويل.
عائلة لهير هي واحدة من عائلات السحر القليلة في الإمبراطوريّة، وتشكّل قوّة مهمّة للإمبراطوريّة.
الحفاظ على علاقة جيّدة مع عائلات السحر واجب الإمبراطور.
لكن عائلة لهير، أعظم عائلات السحر، غادرت العاصمة منذ خمسة عشر عامًا إلى إقطاعيّتها.
كان ذلك لأنّ ابن الماركيز الوحيد، الماركيز الصغير، هرب مع خادمة واختفى، فانقطع نسلهم تمامًا..
التعليقات لهذا الفصل " 20"