في تلك اللحظة، غاصت عينا كلوديل ببرودةٍ كبحيرةٍ مغطاةٍ بالجليد.
كانت معنى كلمات غريت واضحًا.
لا بد أنها كانت تُخبرها بمحاولة الانتحار بأسرع وقتٍ ممكنٍ قبل وصول الآخرين.
تذكّرت كلوديل الماضي.
بسبب محاولة الانتحار تلك، تحمّل راينهاردت وصمة عارٍ مهينةٍ لفترةٍ طويلة.
رجلٌ رفضته حتى عشيقةٌ وضيعة.
أحمقٌ ساذجٌ يتدحرج حول عاهرةٍ كزوجته بينما هي مُعلَّقةٌ بطوقٍ حول عنقها بيد الملك.
همس الناس بأن دوق فالديمار أقلّ شأناً من الملك في نواحٍ كثيرة، وإلّا لما حدث هذا بالطبع.
لكن راينهاردت لم يكترث بتلك الإشاعات.
مع ذلك…
‘أكره هذا.’
غارت عينا كلوديل الزرقاء الباردة.
‘لا أريد… أن أعيش كما كنتُ في الماضي بعد الآن.’
لم تعد تريد أن ترى راينهاردت يضحّي بسببها.
علاوةً على ذلك، كانت غريت كالسّم لعائلة فالديمار.
لو لم تشهد زوراً، لما اتُّهِمت عائلة فالديمار بجريمة التمرّد بهذه السهولة.
كان التخلّص منها فوراً هو الحل الأفضل.
“إذن…”
نظرت كلوديل مباشرةً في عيني غريت وأسقطت خنجرها الفضي على الأرض.
رنين!
اصطدم الخنجر الفضي بأرضية الرخام، مُصدرًا صوتًا حادًا.
“سيدتي؟”
حدّقت غريت في كلوديل بوجهٍ مشوٌش.
في نفس اللحظة، ارتسم على وجه كلوديل تعبيرٌ مرعوب.
“أنقذوني!”
صرخت بصوتٍ حادٍّ اخترق غرفة استعداد العروس ووصل إلى الممرّ حيث يقف الفرسان.
“الخادمة تحاول قتلي!”
بووم!
بمجرّد أن صدح صراخ كلوديل، انفتح باب الغرفة بعنف.
اندفع الفرسان إلى الداخل.
“ما الذي يحدث؟!”
ترنّحت كلوديل وهربت نحو الفرسان.
تحت حجابها الشفاف، طلبت عيناها الزرقاء المرتعشتان، اللتان تنظران إلى الفرسان، المساعدة بتوسّل.
بدت شفتاها المرتجفتان مثيرتين للشفقة.
“تلك، تلك الخادمة.”
أشارت بأصابعها النحيلة نحو غريت.
“رفعت خنجرًا نحوي …”
“خنجر؟!”
نظر الفرسان حولهم بدهشة.
“أوه، لا، هـ هذا…”
ارتعشت غريت، تحرّك شفتيها بصدمة.
ومع ذلك، وجد الفرسان الخنجر الفضي على الأرض.
“هذا لا يُعقَل.”
تجهّمت وجوه الفرسان.
بالرغم من أنها مجرّد عشيقة الملك المزعجة التي كالشوكة في العين، إلّا أن أيّ مشكلةٍ للسيدة دوتريش ستسبّب متاعب لعائلة فالديمار.
ففي النهاية، هذه زواجٌ رتّبه الملك بنفسه.
لو أصيبت بجروحٍ خطيرةٍ أو ماتت، لا أحد يعرف كيف يمكن استغلال الأمر سياسياً.
لهذا السبب، كان الفرسان يحرسون قاعة الزفاف بصرامةٍ حتى دخولهم…
“سـ سيدتي، ماذا تقولين؟!”
أدركت غريت متأخرةً ما يحدث ورفعت صوتها.
“كنتِ تحاولين الانتحار! وكنتُ أنا أحاول منعكِ!”
لكن كلوديل لم تنظر إليها.
بدلًا من ذلك، التفتت نحو الفرسان وكأنها خائفةٌ ولا تدري ماذا تفعل.
“لـ لماذا قد أحاول الانتحار؟”
احتّجت كلوديل بصوتٍ خافتٍ بدا وكأنه على وشك الاختفاء في أيّ لحظة.
“أعرف جيداً أهمية هذا الزواج. إنه زواجٌ رتّبه جلالة الملك بنفسه لإدخال سيدةٍ إلى عائلة فالديمار.”
“سيدة دوتريش…”
“حتى لو كنتُ جاهلةً بأمور الدنيا، لستُ غبيةً بما يكفي لتلطيخ سمعة فالديمار وجلالة الملك…”
قالت كلوديل ذلك، وانحنت قليلاً، متجنّبة نظرات غريت.
خفضت رموشها بخوف، وزمّت شفتيها النحيلان، وارتعش كتفيها نحيلان كغصن حورٍ رجراج.
بغض النظر عن كيف تنظر إليها، بدت ضحيةً ضعيفةً بامتياز.
“هذا جنون!”
كانت غريت على وشك الانفجار من الغضب.
لكنها لم تستطع الاعتراف بأن الفيكونت دوتريش أمرها بذلك.
الآن بعد أن تصرّفت كلوديل بهذا الشكل، الوحيد الذي يمكنه إنقاذها هو الفيكونت.
‘هذا جيد، يبدو أنني أقنعتُهم.’
في هذه الأثناء، أشرقت عينا كلوديل بحدّة.
كان من الواضح مَن سيصدقه الفرسان. كلوديل أو غريت
كان الخنجر الموجّه نحو كلوديل دليلاً واضحاً، واقتضى المنطق السليم ألّا يكون لدى كلوديل أيّ سببٍ وجيهٍ للانتحار.
أما سبب إثارة محاولة كلوديل للانتحار في الماضي لهذه الضجّة في أوساط النبلاء فهو كونها حادثةً سخيفة.
أليس كذلك؟
كان على كلوديل أن تستمر في العيش في دوقية فالديمار ما لم تُطلّق أو يطلّقها راينهاردت.
في تلك الحالة، كان تلطيخ وجه فالديمار…
طريقةٌ مختصرةٌ لجعل حياة كلوديل بائسة.
بالطبع، لم يكن الفيكونت دوتريش مهتمًا إلّا بالمزايا التي سيمنحها له الملك كخدمة.
لم يكن يكترث لوضع كلوديل الصعب إطلاقًا ……
“تعالي إلى هنا أولاً، سيدة دوتريش.”
في تلك اللحظة، وقف أحد الفرسان بجانب كلوديل كما و كان يحميها.
اقترب بقية الفرسان من غريت.
“لم يتبقَّ وقتٌ طويلٌ للزفاف، لنتولّى أمر هذه الخادمة بسرعة.”
“سيدتي!!”
نادت غريت كلوديل وكأنها تصرخ.
“لماذا تفعلين هذا بي؟!”
“……”
لم تقل كلوديل شيئًا آخر.
تظاهرت بالخوف واختبأت خلف الفارس.
“لـ لقد كنتُ أعتني بكُ طوال هذا الوقت! كيف يمكنني أن أؤذيكِ؟”
صرخت غريت مرّةً أخرى في نوبة غضب.
“كيف تفعلين هذا بي؟!”
“لا تُثيري ضجّةً واتبعينا بهدوء.”
حذّرها الفارس بشدّة.
لكن غريت لم تُعره أيّ اهتمام.
“اتركوني! دعني وشأني!”
قاومت غريت بشدّة، لكن الفارس سيطر عليها بسهولة.
“إنه مؤلم، أخبرتكَ أنكَ تؤلمني! آه!!”
استمرّت الصرخات الحادّة.
حتى بينما كان الفارس يسحبها بعيدًا، واصلت غريت شتم كلوديل.
“يا سيدة، هل تعتقدين أن الفيكونت سيجلس مكتوف الأيدي ويشاهد هذا يحدث؟!”
“هذا…!”
حدّق الفارس الغاضب بها بشرر.
‘يا لها من حمقاء.’
ضحكت كلوديل في داخلها.
كيف تجرؤين على التهديد بالفيكونت دوتريش، التي لا تساوي شيئًا، في أراضي فالديمار؟
لو بقيتِ ساكنة، لما عاملكِ الفارس بهذه القسوة…
‘على أيّ حال، لقد نجحت.’
شدّت كلوديل قبضتيها.
الآن وقد استطاعت إبعاد غريت، سيكون من الصعب إلصاق عيونٍ جديدةٍ بها.
السبب الذي مكّن غريت، وهي دخيلة، من دخول قصر الدوق هو أنها كانت خادمةً أحضرتها كلوديل بنفسها.
بمعنًى آخر، ما لم تكن الدوقة قد أحضرتها بنفسها من منزل والديها، لكان من الصعب للغاية على أيّ شخصٍ غريبٍ دخول قصر الدوق.
لكن فجأة …
بام!
فُتح الباب مرّةً أخرى. وفي الوقت نفسه، ظهر رجلٌ يرتدي بدلة زفافٍ بيضاء ناصعة.
شعرٌ أسود كالليل، وعينان بنفسجيتان نبيلتان التي تميّز عائلة فالديمار.
وجهٌ وسيمٌ كأنه منحوتٌ بأيدٍ محترفة.
‘الدوق؟’
للحظة، نسيت كلوديل كيف تتنفّس.
راينهاردت فون فالديمار.
زوجها الثالث في الحياة الماضية، والذي سيكون زوجها الثالث في هذه الحياة أيضاً.
بالنسبة لها، التي عاشت حياتها كلها كالثلج المُدَاس تحت الوحل، كان أوّل شعاع شمسٍ دافئٍ.
وأخيرًا، منقذها …
“ما الذي يحدث هنا؟”
نظر راينهاردت، الذي كان ينظر حوله بحيرة، إلى كلوديل بنظرةٍ ثابتة.
ذلك الوجه البريء الذي ما زال لا يعرف كلوديل إطلاقًا.
لكن لا بأس.
أنت، حيٌّ وتتحرّك، أمام عينيّ مباشرةً.
هذه الحقيقة وحدها جعلت مشاعر لا تُحصى تتدفّق كموجةٍ عاتية. كان ذلك وحده ساحقًا للغاية بالنسبة لها…
“راينهاردت…”
تحرّكت شفتاها الصغيرتان دون وعي منها.
كان اسمًا لم تنطقه قط طوال حياتها.
حتى في الحياة الماضية، طيلة خمس سنواتٍ من الزواج، كانت تناديه فقط بـالدوق.
“سيدة دوتريش؟”
لقبٌ من عشر حروفٍ لفظية أثبت البعد بينهما قبل أن يصبحا زوجين.
ومع ذلك، ارتجفت كلوديل.
كان ذلك لأنها أدركت أن راينهاردت يقف حقاً بجانبها.
مع ذلك، يبدو أن راينهاردت قد فسّر صمت كلوديل بطريقةٍ مختلفة.
“هل أنتِ بخير؟”
نظر إلى كلوديل وسألها بقلق.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 7"
حركة رائعة كلوديل…. ارى ان الادراك السريع كان غير منطقي نوعا ما وعودة بزمن الى زوجها ثالث وماضيها بائس ملتسق بها ايضا مخيب للامل لكن احببت كل شيء…. انا حقا متحمسة للباقي… ارجوك انسة مها يرجى رفع المزيد قريبا جدا… لا اطيق انتظار وشكرا