‘ما هذا بحق الجحيم؟’
التفت راينهاردت إلى الخلف وهو يمسك بلجام الحصان، وكأنه يؤدي خدعةً بهلوانيةً خطيرة.
في نفس اللحظة، اتسعت عيناه البنفسجيتان الكبيرتان.
“… كلوديل؟”
من المفترض أن كلوديل كانت أوّل مَن هرب، لكنها كانت الآن واقفةً على أسوار قلعة فالديمار البعيدة.
عندما خلعت بلا تردّدٍ قلنسوة الرداء التي كانت تغطّي رأسها، تمايلت خصلات شعرها الفضية مثل رايةٍ خلف الأسوار.
وكأنها كشفت عن نفسها عمداً.
كانت نيّتها واضحة.
جعلت من نفسها طُعماً، لتصرف أنظار الجنود.
حتى يتمكّن راينهاردت من الهروب بأمان.
توجّهت القوات الملكية نحوها مثل سربٍ من النمل.
“هذا لا يمكن أن يحدث، إذا تم أخذ الدوقة كرهينة…!”
صرخ الفارس برعب.
في نفس اللحظة، التفتت كلوديل نحوه وكأنها شعرت بنظراتهم.
نسي راينهاردت حتى أن يرمش، محدّقاً في كلوديل كما لو كان مسحوراً.
على الرغم من المسافة الشاسعة، لم تفوّت عيناه الحادّة أيّ حركةٍ من حركاتها.
“لا تقلق، لن أُلحِق بكاحل الدوق حتى أيّ أذىً أبدًا.”
وكأنها تقول ذلك.
ابتسمت كلوديل ابتسامةً خفيفة.
في نفس اللحظة، رفعت شيئاً لامعاً بلونٍ فضي.
“…..”
شعر وكأن الزمن قد توقّف.
في تلك اللحظة، غمر راينهاردت شعورٌ قويٌّ بالشؤم.
يوم زفافهما.
عندما عُثر على كلوديل في غرفة العروس مغطاةً بالدماء.
حتى السكين الفضية الملطّخة بالدماء كانت ملقاةً على الأرض بشكلٍ عشوائي.
“لا.”
خرج أنينٌ كطعنة سكينٍ من أعماق حلق راينهاردت.
ثم.
دون تردّد، طعنت كلوديل نفسها في رقبتها بالخنجر.
سقط جسدها النحيل متمايلاً من فوق السور.
في ذلك اليوم الصيفي المشمس عندما تجوّل راينهاردت وكلوديل في الحديقة.
… مثل زهرة النسيان الصغيرة التي قدّمها لها.
صرخ راينهاردت.
“لا!!!”
فَرُغَ عقله.
كان عليه أن يصل إليها بأيّ طريقة.
سيطر هذا التفكير الوحيد على جسده بالكامل.
“أرجوكِ، كلوديل!”
أمسك بلجام الحصان على الفور.
لكن راينهاردت لم يستطع الركض نحو كلوديل.
“سيدي الدوق!”
“لا تفعل هذا!”
حاول الفرسان المذعورون إيقاف راينهاردت.
“دعني! اتركني!”
قاوم راينهاردت.
لكن الفرسان تشبّثوا به بكلّ قوّتهم.
“لا يمكنكَ الذهاب!”
“إذا ذهبتَ، ستموتُ حقاً…!”
كانت هذه حقيقة.
الآن، كانت قلعة فالديمار تعجّ بالقوّات الملكية.
بالإضافة إلى ذلك، طعنت كلوديل نفسها بخنجر، وسقطت من السور.
عملياً، لم يكن هناك أيّ احتمالٍ لبقائها على قيد الحياة.
“آه، آه، آآآآه!!!”
خرجت صرخةٌ حيوانيّةٌ من حلق راينهاردت.
كلوديل بعيدة.
بعيدةٌ جداً…
بدا وكأنه لن يتمكّن من الوصول إليها أبداً.
* * *
دوي!
ارتطم جسد كلوديل بالأرض بقوّة.
المثير للدهشة أنها لم تشعر بألم.
بل شعرت بالراحة والارتياح أكثر.
“لابد أن الدوق … قد هرب بأمان.”
كان هذا كافيًا.
حدّقت كلوديل في السماء بذهول.
على عكس الأرض الملطخة بالدماء والصياح والنيران والرماد.
كانت السماء لا تزال زرقاء بشكلٍ يبعث على البكاء.
… تماماً مثل زهرة النسيان الزرقاء التي قدّمها لها راينهاردت في ذلك الصيف المشمس.
لقد جَرُؤتُ يومًا ما على الاعتقاد بأن ذلك الصيف سيدوم إلى الأبد.
إذا علمتُ أنه سينتهي يوماً ما، لتحلّيتُ بالشجاعة.
لنظرتُ في عينيكَ البنفسجيتين الجميلتين.
… وقلتُها لكَ مباشرة.
“لطالما كنتُ ممتنةً لك، راينهاردت.”
مثل ذلك الصيف الذي لن يعود أبداً، ابتسمت كلوديل ابتسامةً خفيفة.
على الرغم من أن راينهاردت لن يسمع كلماتها.
وعلى الرغم من أن ذلك الصيف المشرق قد دُمّر تحت أحذية الجنود دون ترك أيّ أثر …
لكن مع ذلك.
“أحبّك.”
أعلم أنني كنتُ أسوأ حظٍّ في حياتك.
لكن بالنسبة لي…
كنتَ أعظم سعادة.
***
1. العودة
‘هذه كذبة.’
حدّقت كلوديل في انعكاسها في المرآة بذهول.
الفستان الأبيض الذي يلفّ جسدها النحيل بإحكام.
التاج المرصّع باللآلئ والألماس الذي يتلألأ ببرودةٍ فوق شعرها الفضي المصفّف بدقّة.
وفوقه، طرحة الزفاف الشفاف الذي تدفّق مثل الضباب.
طرحة الزفاف الذي يخفي وجه العروس، لا يمكن رفعه إلّا من قبل الزوج.
هذا يعني أنها لم تقابل زوجها المستقبلي بعد.
لكن.
‘هل هذا ممكن؟’
ارتعدت عيناها الزرقاء الصافية المليئة بالارتباك.
‘لكن … لقد مِتُّ بالفعل.’
في اليوم الذي احترقت فيه قلعة فالديمار.
ما زالت تشعر بالإحساس بالسقوط من السور.
في اللحظة التي لفظت فيها أنفاسها الأخيرة، وهي تنظر إلى السماء التي كانت تصبغ بصرها بالزرقة. جعلتها تلك السماء تشعر بالراحة بدلاً من الحزن.
الشيء الوحيد الذي ندمت عليه…
‘أنني لم أتأكّد من أنكَ بقيتَ آمناً حتى النهاية.’
راينهاردت فون فالديمار.
الدوق الوحيد في المملكة، الحاكم العظيم الذي يحظى بثقة الشمال.
بسبب تفوّقه، أُجبِر على أن يصبح الزوج الثالث للعشيقة القذرة للملك الفاسد.
… وأيضاً الرجل الذي شاركها الدفء لأوّل مرّةٍ في حياتها البائسة.
في تلك اللحظة.
استعادت كلوديل وعيها فجأةً وكأنه ألقي عليها ماءٌ بارد.
‘الدوق.’
لقد رأته يغادر القلعة بسلامٍ مع فرسان فالديمار.
لكنها لا تعرف ما حدث بعده.
‘هل بقي راينهاردت على قيد الحياة حتى النهاية؟’
‘هل تخلّص بيت فالديمار من تهمة التمرّد؟’
‘ماذا حدث لأتباع الدوق؟’
امتلأ رأسها بالعديد من الأسئلة.
في النهاية، لم تستطع كلوديل كبح جماحها أكثر من ذلك. وكادت أن تقفز من مقعدها عندما …
“سيدتي.”
نادها صوتٌ بارد. في لحظة، اختفى كلّ تعبيرٍ من وجه كلوديل.
استدارت ببطء.
“غريت.”
خادمةٌ جاءت معها من منزل والدها، فيكونت دوتريش.
لكن في الواقع، كانت عيني وأذني والدها.
راقبت غريت كلوديل بدقة، وأبلغت عن كلّ حركةٍ لها إلى الفيكونت.
«وصل بلاغٌ إلى القصر! يقولون أن بيت فالديمار يخطّط للتمرد!»
«سمعت أن الدوقة أرسلت خادمة! قالوا إن الخادمة شهدت!»
… في اللحظة الأخيرة، طعنت كلوديل في ظهرها.
“خذي هذا.”
أعطتها غريت ذات الوجه الخالي من التعبير خنجرًا فضيًّا صغيرًا بحجم كف اليد.
من خلال قفازات الدانتيل الرقيقة، شعرت ببرودة المعدن. كان هذا الإحساس واقعياً جداً.
أخذت كلوديل نفساً عميقاً وسألت غريت.
“غريت، ما تاريخ اليوم؟”
“…..”
حدّقت غريت في كلوديل بتعبيرٍ بدا وكأنه يكاد يموت من الضجر.
“لماذا تسألين فجأة…”
“بسرعة.”
حثّتها كلوديل على الإجابة.
أجابت غريت بلامبالاة.
“26 نوفمبر 1826.”
نعم.
يوم الزفاف.
نهضت كلوديل مترنّحة ورفعت الستارة الشتوية السميكة التي تغطّي النافذة.
عندما رأت الحديقة الشتوية المغطاة بالثلج.
“……”
شعرت فجأةً بأنها ستنفجر في البكاء، عضّت شفتها السفلى.
يأتي الشتاء إلى الشمال أبكر من الجنوب حيث العاصمة.
أشجار الحديقة العارية، والممرّات التي مشتها مع راينهاردت.
وحتى أحواض الزهور حيث قدّم لها زهور لا تنساني.
كان كلّ شيءٍ مغطًّى بالثلج.
هذا المشهد أيضاً مطابقٌ لحديقة فالديمار التي رأتها في يوم زفافها.
‘يبدو أنني حقاً… عدتُ خمس سنواتٍ إلى الوراء.’
لم تستطع كلوديل كبح المشاعر المتصاعدة، وأمسكت الخنجر الفضي بقوّة.
إذاً، ماذا سيحدث الآن؟
هل سأصبح مرّةً أخرى العيب الوحيد في حياتكَ المشرقة؟
بسببي، مرّةً أخرى.
إذا رأيتُ فالديمار تحترق …
“سيدتي.”
في نفس اللحظة، نادتها غريت بصوتٍ قلق.
“ليس لدينا الكثير من الوقت.”
“ماذا؟”
“أوه، حقاً. لماذا تتصرّفين بهذا الغباء فجأة؟”
هزّت غريت رأسها وأشارت إلى الخنجر الذي تمسكه كلوديل.
“هناك شيءٌ قاله الفيكونت دوتريش.”
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 6"