أمام هذا السؤال، تردّد راينهاردت للحظةٍ بوجهٍ مليءٍ بالتفكير.
“بغض النظر عما يقوله الآخرون، أنتِ زوجتي الشرعية. لديّ مسؤوليةٌ لحمايتك.”
“……”
لكن شكوكاً عميقة ما زالت عالقةً على وجه كلوديل.
زوجة.
كان هذا منطقيًا، فطوال حياتها لم تعش كلوديل يوماً تحت حماية هذا اللقب.
بل على العكس، لطالما تم الدوس عليها بسبب كونها ‘زوجة’.
ابتسم راينهاردت، الذي كان يراقبها، ابتسامةً مريرة.
“لكن هذا الجواب لن يقنعكِ بالطبع.”
هزّ كتفيه براحة.
“أنا فقط أريد ذلك.”
اتّسعت عينا كلوديل قليلاً.
“… فقط لأنكَ تريد؟”
“نعم. لا يحتاج الإنسان لسببٍ خاصٍّ ليعامل إنساناً آخر كشخصٍ مساوٍ له، أليس كذلك؟”
إنسان.
علق هذا اللفظ في أذنيها.
كان راينهاردت ينظر إليها كـ’إنسانٍ’ مساوٍ له.
هذه المرة الأولى في حياتها.
… شعرت كلوديل بوخزٍ غريبٍ في صدرها.
* * *
بعد ذلك،
غادر راينهاردت الغرفة طالبًا منها أن ترتاح جيدًا.
«لن تكوني مرتاحةً لزواجكِ بي بينما قلبكِ مع رجلٍ آخر. أنا أفهم.»
هزّت كلوديل رأسها بسخريةٍ وهي تتذكّر كلماته.
والدها الفيكونت دوتريش، والملك الذي جعلها عشيقته، وأزواجها السابقون.
جميعهم قالوا إنهم يحبّونها.
لكن الوحيدة التي تمزّقت تحت راية هذا الحب كانت كلوديل.
لذا لم تعد قادرةً على تصديق كلمة ‘حب’.
بل على العكس…
‘لا يريد أن يسيء فهمي …’
لم تكن تعلم أن مثل هذا الشخص موجودٌ في العالم.
ليس كعشيقة للملك، ولا كامرأةٍ ماجنةٍ غيّرت أزواجها كالقفازات.
بل كإنسانٍ يريد معرفة ‘كلوديل’ كشخص.
إذاً…
هل يعني هذا أنها لم تعد مضطرةً للقلق أو الخوف بجانب زوجها؟
حدّقت كلوديل بضمادها السميك على معصمها، ثم أغلقت عينيها بهدوء.
في تلك الليلة،
غرقت كلوديل في نومٍ عميقٍ دون حتى أحلام.
* * *
كانت الحياة في مقاطعة الدوق مسالمة.
في البداية، وجدت كلوديل هذا الانسجام غريباً.
لكنها اعتادت تدريجياً على هذه الدفء، كما يعتاد الثوب على المطر الخفيف.
“هل تناولتِ الطعام؟ إذا لم تفعلي، فلنتناول معاً.”
كانت كلوديل وراينهاردت يتناولان وجبةً واحدةً يومياً معاً.
“الطقس جميل، هل تريدين التجوّل قليلاً؟”
أحياناً كانا يتجوّلان معاً في الحديقة.
بينما كانت تتردّد في السابق عند مدّ يده لها، أصبحت الآن تأخذها بلا تردد.
“أحلاماً سعيدة، كلوديل.”
بينما كانت تستمع إلى أنفاس راينهاردت المنتظمة بجانبها على الوسادة،
تعلّمت أن زوجها لن يرفع يده عليها.
مرّت ليالٍ تنام فيها بسلامٍ دون رعب … كم كانت سعيدةً لذلك.
‘لابد أن الدوق يشعر بالشفقة عليّ.’
كما لم يستطع أن يدير ظهره لجروٍ مُهمَلٍ تم التخلّي عنه يرتجف تحت المطر.
كان دفؤه لها من هذا النوع.
رغم أنه كان أقرب للعطف منه لحبّ الزوجية، إلّا أن راينهاردت احترمها كزوجة.
ووجدت كلوديل الخلاص في هذا الدفء.
وفي أحد أيام الصيف المبكّر،
بينما كانا يمشيان، قطف راينهاردت زهرةً وقدّمها لها دون تفكير.
كانت براعمٌ زرقاء تتفتّح على ساقٍ واحدة.
زهرة لا تنساني.
“هذه الزهرة تشبه لون عينيكِ.”
بعد تردّدٍ بسيط، قَبِلت كلوديل الزهرة بكلّ تقدير.
“… إنها جميلةٌ حقاً.”
داعبت أصابعها النحيلة البتلات بحذر.
“شكراً لك.”
ابتسمت كلوديل، التي كانت كدمية ثلجٍ بلا تعابير، للمرّة الأولى.
لم تكن مجوهراتٍ ثمينةٍ أو حريرٍ جميل،
مجرّد زهرةٍ صغيرةٍ لا قيمة لها من الحديقة …
في تلك اللحظة، وأمام هذا المنظر،
شعر راينهاردت باضطرابٍ خفيفٍ يهزّ صدره.
* * *
وهكذا، في إحدى الليالي في وقتٍ متأخر،
بعد نصف عامٍ من زواجهما،
جمعت كلوديل شجاعتها المتبقية وأمسكت بملابس راينهاردت بخفّة.
“أ- أنا… مستعدةٌ الآن.”
كانت جملةً بدون مقدّمات.
لكن راينهاردت فهم ما تعنيه فوراً.
فمنذ البداية، كان راينهاردت يؤجّل ليلة الزفاف احتراماً لرغبتها.
“كلوديل، لستِ مضطرةً لإجبار نفسكِ.”
عندما قال هذا بقلق، هزّت كلوديل رأسها بالنفي.
لو كان أنت، فلا بأس من إجبار نفسي.
لا، بل إنني أريد ذلك لأنه أنت …
لكنها لم تجد الشجاعة لقول هذه الكلمات العالقة في حلقها كشوكة.
فقط أطبقت يدها على ملابسه بقوّة.
في تلك اللحظة،
غاصت عيناه البنفسجيتان، اللتان لطالما طانتا هادئتين، في رطوبة الجو.
“كلوديل.”
لامست يده الكبيرة خدها بلطف.
“… أنتِ مَن سمحتِ لي.”
بدأ الأمر بقبلاتٍ انهمرت كالمطر.
متعةٌ حلوةٌ أشعلت دفء جسدها كله.
كان مختلفاً تماماً عن الليالي التي قضتها مع الملك وأزواجها السابقين.
لم يكن هناك قبضةٌ قاسيةٌ تشدّ شعرها، ولا كلماتٌ نابيةٌ تسبّها وتصفها بأنها عاهرةٌ قذرة.
كان الأمر مليئًا بالدفء والنعومة فحسب.
أغلقت كلوديل عينيها بإحكام، لم تدرِ ماذا تفعل أمام هذه المشاعر الجديدة.
ولكن ما إن أمسك راينهاردت بثوب نومها الرقيق الذي يلفّ جسدها بإحكامٍ بيدين يائستين…
‘آه.’
تجمّدت كلوديل في مكانها.
[هيرمان رويال تشيرينجن فلاندر]
الاسم الملعون للملك، المحفور في جسدها كصكّ المُلكية.
ظنّت بالتأكيد أنه لا بأس في رؤيته.
فقد تلقّت الكثير من راينهاردت حتى الآن.
لذا إذا احتقرها بسبب هذا الوشم … عليها تقبّل الأمر فحسب.
لقد قرّرت ذلك بالتأكيد.
“لا…!”
شعرت بالفزع يسيطر على عقلها.
قاومت كلوديل وهربت من لمسته.
في تلك اللحظة،
في صقيع الموقف، انزلق ثوب النوم الرقيق عن جسد كلوديل.
“……”
“……”
ساد صمتٌ كالموت.
حدّق راينهاردت حدق باسم الملك المحفور عبى جسدها بعينين سوداوين.
‘ماذا أفعل؟ لقد رأى…’
أصيبت كلوديل بالذعر لدرجة أنها شعرت بالدوار.
نظرت إليه بوجهٍ مرعوب.
‘سيظنّ أنني قذرةٌ الآن.’
تذكّرت تعابير وجوه أزواجها السابقين عندما رأوا الندبة لأوّل مرّة.
كانت الاشمئزاز والكراهية تعابير مألوفة.
لكن، حتى لو كان مألوفًا، هذا لا يعني أنه لم يعد يؤلم.
إذا نظر إليها راينهاردت بنفس النظرة …
‘لنُنهِ هذا.’
ضبطت كلوديل ياقة ملابسها على عجل.
“أ-أنا آسفة… إذا كنتَ منزعجاً…”
“……”
حتى ذلك الحين، كان راينهاردت صامتاً، يحدّق في اسم الملك.
ثم…
“كيف … كيف يمكنه أن يفعل هذا بإنسان…؟”
تدفّق صوتٌ كأنه أنينٌ من بين أضراسه المشدودة.
تضاربت مشاعر لا تحصى في عينيه البنفسجيتين المرتعشتين.
الندم، والألم، و… ذنبٌ لأنه لم يحمِها من هذه القسوة.
‘لماذا…’
أمام هذا التعبير الذي لا يمكن وصفه، شعرت كلوديل بثقلٍ في صدرها.
أولئك الذين آذوها ما زالوا يعيشون برؤوسٍ مرفوعة.
لم يعتذر أحدٌ منهم قط عن أخطائهم السابقة.
لكن لماذا…
أنتَ الذي علّمني السعادة لأوّل مرّة، لماذا تضع مثل هذا التعبير…؟
بعد لحظة.
تنهّد راينهاردت طويلاً وحاول ضبط مشاعره.
ثم انحنى دون تردّدٍ وقبّل الندبة.
“د ـ دوق؟”
نادته كلوديل بصوتٍ مرتجف.
“لم ترتكبي أيّ خطأ. لذا …”
همس راينهاردت بهدوء، وشفتاه تلامس المكان الذي نُقش فيه اسم الملك.
“لا ترتعشي.”
شعور دفء شفتيه، وأنفاسه المنعشة التي لامست جلدها.
في تلك اللحظة.
غادرت القوة جسد كلوديل، الذي كان متيبسًا من التوتر، كما لو أن خيطًا قد انقطع.
“ألستُ قذرة؟”
سألت كلوديل دون أن تدرك.
ربما أرادت التأكد.
أن هذا الرجل بالذات لا يحتقرها.
أنه على الرغم من أنها دُهست وانكسرت مرّاتٍ لا تُحصى، إلّا أنها من الممكن أن تأمل في شخصٍ ما.
أنها هي الأخرى، ربما، يمكن أن تُحَب من قِبَل شخصٍ ما …
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 4"