الأهم من ذلك، أن كلوديل لم تمضِ وقتًا طويلاً منذ قدومها إلى الشمال.
لقد كان الأمر أسوأ لأنها لاحظت وضع كلوديل الوحيدة وتقرّبت منها متظاهرةً باللطف.
في هذه الأثناء، كان وجه الكونتيسة يشحب أكثر فأكث بمرور كلّ لحظة.
“أنـ أنفاسي.”
لم تستطع التنفّس بشكلٍ صحيح.
كانت الهالة القاتلة المنبعثة من راينهاردت تخنقها.
“أنا، أنا …!”
حرّكت الكونتيسة شفتيها بشكلٍ يائس.
لكن في تلك اللحظة.
“دوق.”
نادت كلوديل راينهاردت بإلحاح.
اختفى الهالة القاتلة التي كانت تثقل جسدها على الفور.
انهارت الكونتيسة، التي استسلمت ساقاها، على الأرض.
“ها، ها، ها….”
أمسكت الكونتيسة بحلقها وهي تلهث لتلتقط أنفاسها.
نظر راينهاردت إلى الكونتيسة بنظرةٍ باردة. نظرةٌ مليئةٌ بالاشمئزاز، كأنه ينظر إلى قذارة.
“لا تقتربي من زوجتي مرّةً أخرى. هل فهمتِ؟”
***
بعد ذلك.
أصبح مجتمع النبلاء في الشمال صاخبًا بسبب حادثة حفل القَسَم.
وذلك لأنه لأوّل مرّةٍ، طُرِدَت عائلةٌ نبيلةٌ من العهد.
لذا، كانت السيدات النبيلات يجلسن في وقت الشاي ويتحدّثن بحماسٍ عن حفل القَسَم هذا.
“كونتيسة مانفريد وقحةٌ حقًا، ألا تظنّون ذلك؟”
“لا تذكري الموضوع. كيف تجرؤ على العبث بالأواني المستخدمة في حفل القَسَم؟”
طقطقت كلٌّ من السيدات النبيلات بألسنتهنّ استنكارًا.
انكشفت القصّة كاملة
كانت كونتيسة مانفريد تتواطأ مع نقابة بورغيس التجارية وتبيع أدوات مائدةٍ فضيّةٍ مزيّفةٍ حتى الآن.
وبما أن السلع باهظة الثمن، حتى لو تم بيع كميةٍ صغيرة، كان يدرّ عليها بربحٍ كبير.
ولأن قطع الحرفي بيدرو كانت نادرة، كان الناس ينخدعون بسهولة.
بالإضافة إلى ذلك، لأنها سلعةٌ مضمونةٌ من قبل عائلةٍ مرموقةٍ مثل عائلة كونت مانفريد، كان الناس يثقون بها أكثر.
“يُقال إنها باعت كميّاتٍ هائلةٍ ليس فقط لفالديمار، ولكن أيضًا لعائلاتٍ نبيلةٍ أخرى.”
“كيف كانت تخطّط لمعالجة العواقب؟”
“حسنًا … ألم تكن تخطّط لإغلاق النقابة في الوقت المناسب والادعاء بأنها أيضًا كانت ضحية؟”
أكملت إحدى السيدات النبيلات كلامها وهي تهزّ كتفيها.
“على أيّ حال، أليس من المعروف أن عائلة كونت مانفريد في حالة فوضى هذه الأيام؟ بسبب تعويض الأضرار للعائلات الأخرى.”
“يا إلهي. حتى للكونت مانفريد، يجب أن يكون هذا المبلغ ثقيلاً.”
“أتعلمين؟ سمعتُ أنهم باعوا الأراضي الزراعية التي كان الكونت يمتلكها سابقًا.”
“أوه، هل هذا صحيح؟”
اتسعت أعينهنّ للحظة. لكن سرعان ما ارتسمت ابتسامةٌ خفيّةٌ على شفاه السيدات.
“بصراحة، الأمر يبعث على السعادة. أثناء عدم وجود مضيفةٍ في فالديمار، كانت الكونتيسة تتظاهر بالثراء والفخامة.”
“هذا صحيح. كانت الكونتيسة خصمًا شرسًا.”
في الواقع، كان المبلغ كبيرًا، لكن الضرر الذي لحق بمصداقية العائلة كان أكبر.
بسبب خيبة أمل النبلاء الآخرين الكبيرة من هذه الحادثة، أصبحوا يتردّدون في التعامل مع الكونت مانفريد.
يُقال إن عائلة مانفريد اعتذرت مرارًا وتكرارًا ليس فقط لعائلة دوق فالديمار ولكن أيضًا للعائلات الأخرى، لكن لم يقبل أحدٌ اعتذارهم.
كما أن نقابة بورغيس التجارية أفلست في النهاية.
وذلك لأن مناطق الشمال رفضت التعامل مع بورغيس.
“إذن، ماذا عن الطعام الذي قدّمته الدوقة في حفل القَسَم هذه المرّة؟”
“من أجل وحدة الشمال، يجب معاقبة عائلة كونت مانفريد أو شيءٌ من هذا القبيل …. هل هذا ما كانت تقصده؟”
في الواقع، كان هذا تفسيرًا مبالغًا فيه.
لأن كلوديل كانت تريد فقط إيذاء مشاعر الكونتيسة مانفريد قليلاً.
وسط نمو هذا سوء الفهم الإيجابي.
كانت قلعة دوق فالديمار، حيث انتهى حفل القَسَم للتوّ، هادئةً وسلميّة.
كانت كلوديل تجلس على أريكةٍ مشمسةٍ وتغفو.
في يدها إطار تطريزٍ لم تنتهِ منه بعد.
وعلى الطاولة، وضعت صحن كعكة الليمون التي أكلت نصفها.
«ما هذه الكعكة؟»
«لقد أرسلها المطبخ. قالوا إنها مخبوزةٌ حديثًا ولذيذة، وأرادوا من سيدتي أن تتذوّقها.»
منذ برهة. قالت بينيلوبي، التي أحضرت وجباتٍ خفيفةٍ كثيرة، وهي تبتسم.
غمرت كلوديل مشاعرٌ عميقة.
في حياتها الماضية، لم يقترب منها أحدٌ في قلعة الدوق أولاً.
لكن الآن …
«أخبريهم أنني ممتنّةٌ من فضلكِ.»
ابتسمت كلوديل بخفّةٍ ورفعت الشوكة.
أضافت بينيلوبي على الفور.
«أوه، طلب كبير الخدم أن أُوصل رسالة. قال إن الطلب قد تم تقديمه للحرفي بيدرو بأمان.»
«حقًا؟ هذا جيد.»
ابتسمت كلوديل بخفّة.
قرّرت استبدال كؤوس القرون القديمة التي كانت تُستَخدم في حفل القَسَم حتى الآن بقطعٍ جديدةٍ بموافقة النبلاء الآخرين.
هذه المرّة، تم تقديم طلبٍ للحرفي بيدرو للحصول على قطعةٍ أصليةٍ باسم عائلة دوق فالديمار مباشرة.
«كانت سيدتي محقّة. لأنني قمتُ بغسل جميع أغطية الفراش في غرفة الضيوف هذه المرّة، ثم …»
وهكذا برفقة بينيلوبي، بينما كانت تأكل نصف الكعكة، شعرت بالشبع.
كانت الشمس المتدفّقة من فوقها دافئةً بشكلٍ مريح.
لذا فقد غفتُ دون وعي.
‘….. ها؟’
شعرت بشخصٍ يعانقني ويحملني برفق.
رمشت كلوديل، التي كانت عيناها نصف مغمضتين، ببطء، وشعرت فجأةً بأنها قد استيقظت تمامًا من نعاسها.
‘دوق؟’
كان راينهاردت.
لقد غفت قليلاً فقط، وفي تلك الأثناء جاء راينهاردت.
بدا أنه يحاول نقلها إلى السرير.
‘ماذا أفعل. هل يجب أن أقول له أنني استيقظت؟’
لكنها كانت لحظةً فقط من التردّد الشديد.
أغلقت كلوديل عينيها بقوّة.
لأن حضن راينهاردت كان دافئًا جدًا.
‘قليلاً، فقط قليلاً … ألا يمكنني البقاء هكذا في أحضانه؟’
لم تكن تعرف متى ستتمكّن من احتضانه هكذا مرّةً أخرى.
سيظنّ الدوق أنها ما زلت نائمةً على أيّ حال …
في النهاية، قرّرت كلوديل أن تكون جشعةً هذه المرّة فقط.
زمّت شفتيها، واتّكأت على كتفه بمحاولةٍ لتبدو عفوية، وفي تلك اللحظة.
سمعت صوتًا مليئًا بالضحك من فوق رأسها.
“كلوديل.”
احمرّ وجه كلوديل بشدّةٍ في الحال.
كان وجهها محمرًّا لدرجة أنها شعرت أن الدم سيسيل من وجهها إذا لمسته.
“هل نمتِ جيدًا؟”
بسبب هذا السؤال اللطيف، لم تستطع كلوديل إلا أن تعبس بوجهٍ على وشك البكاء من الحرج.
ماذا أفعل؟
لقد اكتشف الأمر، هذا محرج!
“مـ منذ متى وأنتَ تعرف؟”
“إمم ……”
في الواقع، عرف منذ البداية.
كان راينهاردت، الذي عاش حياته في قمة الفروسي، يمكنه بسهولةٍ ملاحظة أشياء مثل تنفّس شخصٍ ما أو وجوده.
خاصّةً وأنها كانت بين ذراعيه.
لكن في هذه اللحظة، بدت كلوديل محرجةً لدرجة أنها على وشك أن تفقد وعيها من الخجل …
اختار راينهاردت ببساطةٍ تحويل الموضوع بلطف.
“شكرًا لكِ على جهودكِ هذه المرّة.”
“…….”
بدلاً من الرّد، تلوّت كلوديل وهزّت كتفيها.
عندما نظر إليها وهي غير قادرةٍ حتى على مواجهته بنظرها، لم يستطع راينهاردت إلّا أن يبتسم.
أهذا هو شعور الحبّ؟
“هل لديكِ شيءٌ تريدينه؟”
عند هذا السؤال، رمشت كلوديل بعينيها بحيرة.
“شيءٌ أريده؟”
“نعم. لأنكِ مررتِ بوقتِ عصيبٍ في حفل القَسَم هذه المرّة.”
أجاب راينهاردت بلطف.
“أردتُ أن أعتني بكِ فقط.”
كان قد فكّر ماذا سيقول إذا جاء الرّد المعتاد ‘لا داعي’، لكن …
بدت كلوديل غلرقةً في التفكير بشكلٍ غير متوقّع.
وبعد ذلك.
“…. مع الدوق.”
خرج صوتٌ خافت، كزحف نملة.
“أريد أن نقضي اليوم بمفردنا، نحن الاثنان فقط.”
“نحن الاثنان فقط؟”
“نعم. أريد أن نتناول الطعام معًا، ونتحدّث، ونتنزّه.”
تلعثمت كلوديل ووجها محمرّ.
“كنا كلانا مشغولين مؤخّرًا… لذلك لم نتمكّن من رؤية بعضنا البعض كثيرًا.”
“……”
أصبح راينهاردت عاجزًا عن الكلام للحظة.
كان مستعدًّا لتلبية طلبها بكلّ سرورٍ لو طلبت أيّ شيءٍ ثمين.
لكن، كلّ ما أرادته هو …
“هل هذا كلّ شيء؟”
“نعم، هذا كلّ ما أريد.”
أومأت كلوديل برأسها بسرعةٍ ثم سرعان ما تغيّر تعبير وجهها إلى قلق.
“هل، هل قلتُ شيئًا طفوليًّا جدًا؟”
“حسنًا. لا أعرف.”
هزّ راينهاردت كتفيه وعانق كلوديل مجددًا.
ثم تابع كلامه بصدق.
“أنا سعيدٌ لأنكِ تخبرينني بما تريدينه، كلوديل.”
“……”
لسببٍ ما، كان من الصعب النظر في عيني راينهاردت.
بينما أدارت كلوديل عينيها لتتجنّب عينيه، سألها راينهاردت سؤالًا بلطف.
“إذن، ما الذي تريدين فعله أولاً؟”
“…. أريد التنزّه.”
“حسنًا. لنذهب للتنزّه الآن.”
صوتٌ حلوٌ عذبٌ كما لو كان يداعب طفلاً.
شعرت بالحرج والخجل، بل بقليلٍ من الحنق لأن راينهاردت يعاملها هكذا …
‘لكنني سعيدة.’
لتحاول إخفاء وجهها المحمرّ بأيّ طريقة، احتضنت كلوديل عنقه بقوّة.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل " 28"