كل مناسبةٍ تحتاج إلى ميزانية.
وبطبيعة الحال، لم يكن حفل القَسَم استثناءً.
من حيث المبدأ، كانت سيدة المنزل قد حصلت على ميزانيةٍ لإدارة الشؤون الداخلية، وكان بإمكانها إنفاقها بحريّةٍ دون إذن ربّ المنزل طالما بقيت ضمن حدود الميزانية.
لكن كلوديل قرّرت أن تطلب الإذن من راينهاردت.
بالطبع، في الماضي، لم يُسبّب لها راينهاردت أيّ إزعاجٍ في مثل هذه الأمور.
لكن…
‘لأننا لم نتزوّج منذ وقتٍ طويلٍ بعد.’
كما أن كلوديل لم ترغب في القيام بأيّ فعلٍ قد يجعل راينهاردت ينفُر منها.
لكن المشكلة كانت…
‘لا أعرف كيف أبدأ الحديث.’
عندما حاولت فتح الموضوع، لم تستطع إيجاد الكلمات المناسبة.
شعرت ببعض الإحراج.
‘هل سيعتقد أنني طموحةٌ أكثر من اللازم؟’
ماذا لو استاء الدوق من طلبي …؟
في خضمّ هذه الأفكار المتدافعة التي أشغلت رأسها، سمعت صوتًا.
“كلوديل.”
كان راينهاردت هو مَن بدأ الحديث.
ارتعدت كلوديل من المفاجأة ورفعت رأسها بسرعة.
“نـ نعم؟”
“ألا ينبغي أن نبدأ الاستعدادات لحفل القَسَم؟”
كان صوته دافئًا، وكأنه قرأ ما في قلبها.
شعرت كلوديل بضيقٍ في صدرها.
لم تتوقع أبدًا أن يبادر هو بطرح الموضوع.
“إذا كنتِ بحاجةٍ إلى أيّ شيءٍ أو مساعدة، فلا تتردّدي في إخباري.”
ارتعشت عيناها الزرقاوان عند سماع هذه الكلمات.
ابتلعت كلوديل ريقها بجفاف، ثم شدّت يدها على فخذها وسألت بحذر.
“…هل يمكنني حقًا أن أتولّى تنظيم الحفل؟”
في عقلها، كانت تعرف الإجابة.
أن راينهاردت لا يحمل أيّ تحيّزٍ ضدها.
وأنه كلّما قصّرت في أداء دور المضيفة، زادت فرصة تدخّل الغرباء.
نعم، أشخاصٌ مثل كونتيسة مانفريد على سبيل المثال.
كما أن مستقبل كلوديل في فالديمار يعتمد على كسب ثقة الحاشية.
فإذا واجهت المعارضة في كلّ خطوة، لن تتمكّن من إنجاز أيّ شيء.
ولتحقيق ذلك، عليها أن تنجح في تنظيم حفل القَسَم هذا…
‘لكنني أريد أن أتأكد منكَ شخصيًا مرّةً أخرى.’
أرادت أن تسمع من فم راينهاردت كلمة ‘نعم’.
فقط حينها ستشعر بالاطمئنان.
في هذه الأثناء، عندما سمع راينهاردت السؤال، نظر إلى كلوديل بنظرة حيرة.
“إذا لم تكوني أنتِ، فمَن سيتولى التنظيم إذن؟”
“…هذا…”
“أنتِ مضيفة فالديمار، أليس كذلك؟”
أضاف راينهاردت بهدوء.
اتّسعت عيناها الزرقاوان تأثّرًا.
ذلك الشعور بأن أمرًا ما بديهيًا للآخرين…
في الحياتين، كان راينهاردت الوحيد الذي منحها هذا الإحساس بالاكتمال.
شعرت بفرحٍ يملأ صدرها وكأنها حصلت على العالم بأسره.
“نعم، سأبذل قصارى جهدي.”
لم تستطع كلوديل إلّا أن تبتسم على نطاقٍ واسع.
في هذه الأثناء، وهو يواجه تلك الابتسامة، شعر راينهاردت بشعورٍ متجدّدٍ بالديجافو.
وكأنه مُنقذ حياتها.
مثل فرخ الطير الذي يخرج من البيض لأوّل مرّةٍ ويرى أمه.
تلك النظرة المليء بالإعجاب الأعمى.
“سأعتمد على كلوديل تمامًا.”
ربما كان هذا هو السبب.
ردّ راينهاردت بهذه الطريقة دون تفكير.
ازداد إشراق وجه كلوديل.
“نعم!”
راينهاردت، وهو يواجه تلك النظرة المُتلهّفة…
….. بطريقةٍ ما، شعره بغصّةٍ في قلبه.
* * *
بعد أيام قليلة…
التقت كلوديل بكبير الخدم للمرّة الأولى.
كان كبير الخدم رجلاً متوسّط العمر بمظهرٍ صارم، ومشهورًا بدقّته في العمل حتى في حياتها السابقة.
ولهذا السبب، كان ينظر باستياءٍ إلى عجز كلوديل.
“هل قضيتِ ليلةً هانئة، سيدتي؟”
حيّاها كبير الخدم بأدب.
ردّت كلوديل بابتسامةٍ خفيفة.
“نعم، سررتُ بلقائك.”
رغم أنها التقت به عدّة مرّاتٍ منذ زواجها، إلّا أن هذه كانت المرّة الأولى التي تلتقيه فيها رسميًا كسيدةٍ للبيت وكبير خدم.
سألها كبير الخدم بأدب.
“هل تحتاجين إلى شرحٍ عن حفل القَسَم؟”
“لا، لا داعي.”
هزّت كلوديل رأسها برفق.
في نفس اللحظة، ظهرت نظرة شكٍّ خفيفةٍ على وجه كبير الخدم.
لكنها كانت ممتنةً لأنه لم يُظهِر شكّه علانية.
‘في الماضي أيضًا…’
قبل العودة إلى الماضي، كان خدم الدوق يكرهون كلوديل.
لكن السبب في احترامها كسيدةٍ للقصر كان معاملة راينهاردت لها كزوجةٍ شرعية.
والآن أيضًا…
رغم أن تصرّفات كبير الخدم كانت أكثر لطفًا من قبل، إلّا أنه كان واضحًا أنه قلقٌ من احتمال وقوعها في خطأ.
لكنها لم تشعر بالإزعاج.
لأنه…
‘في الماضي، لم أكن أعرف حقًا أيّ شيءٍ عن حفل القَسَم.’
…كيف تحمّل راينهاردت وجودي كدوقة؟
كتمت كلوديل تنهيدةً وفتحت فمها.
“سيُقام حفل القَسَم في قاعة الشمس، أليس كذلك؟”
قاعة الشمس…
المكان الذي أقيم فيه حفل زفافها أيضًا.
أومأ كبير الخدم برأسه.
“نعم، هذا صحيح.”
في لحظة، خفّت حدّة تعابير وجه كلوديل تعابير.
في حياتها السابقة، لم تُقَم مراسم الزفاف، لذا لم تدخل هذه القاعة أبدًا.
ولهذا، كانت قاعة الشمس مكانًا خاصًّا بالنسبة لها.
إقامة حفل الزفاف هناك كان بمثابة دليلٍ على إمكانية تغيير المستقبل.
“رأيتُها أثناء حفل الزفاف، كانت جميلةً حقًا.”
“…هل تعتقدين ذلك؟”
“نعم، لا أعتقد أن هناك حاجةٌ لتغيير أيّ شيءٍ فيها.”
أومأت كلوديل برأسها وهي تبتسم.
“إنها واحدةٌ من أكثر الأماكن التاريخية في القصر، لا يمكنني العبث بها.”
ظهر بريقٌ غريبٌ في عيني كبير الخدم.
كانت قاعة الشمس مكانًا ذا تاريخٍ عريق.
لكن الدوقة الجديدة عادةً ما تحاول تغيير المنزل حسب ذوقها.
خاصةً أن هذا أوّل حدثٍ تقيمه كمضيفة لفالديمار.
لذا، كان قلقًا سرًّا من أن تُظهِر كلوديل طموحًا أكثر من اللازم ….
“ربما تكون شخصًا استطيع التفاهم معه.”
في تلك اللحظة، سمع صوتًا هادئًا.
“إذن، في الوقت الحالي، الميزانية الرىيسية ستكون لمكونات الوليمة وزينة الزهور وغيرها من النفقات العرضية، أليس كذلك؟”
“نعم، سيدتي.”
“جيد. إذن، لنبدأ بقاعة الولائم أولاً.”
نهضت كلوديل بخفّةٍ من مقعدها. تبعها كبير الخدم وهو ينحني برأسه.
بعد فترةٍ طويلة، فُتحت أبواب قاعة الولائم.
دخلت الخادمات أولاً وفتحن الستائر.
كلانك!
مع الصوت الخفيف لفتح الستائر، دخل ضوء الشمس الساطع إلى القاعة الواسعة.
في وسط أشعة الشمس الشفافة، لمعت جزيئات الغبار الذهبية.
ظهرت ملامح القاعة بالكامل.
طاولةٌ طويلةٌ وكراسي تكفي لجلوس العديد من الأشخاص جنبًا إلى جنب.
غطتها قطعة قماشٍ بيضاء ناصعة.
“هل يمكنكنّ إزالة هذه الأغطية؟”
رفعت الخادمات الأغطية جميعها.
تفحّصت كلوديل الأثاث بعناية.
كانت قطع الأثاث الفاخرة،التي خضعت للعناية الدقيقة على مرّ الزم، لامعة.
ولكن، نظرًا لاستخدامها لفترةٍ طويلة، فقد كانت تبدو قديمة الطراز.
‘حسنًا، إذا كنتِ ستستبدلين الأثاث هذه المرّة، فسأقبل.’
رضخ كبير الخدم. فرغم أن الأثاث كان في حالةٍ ممتازة، إلّا أنه في بلدٍ يتصدّره الموضة، سيُعتبر بلا شك قديم الطراز.
خاصةً أن كلوديل، كما يُقال، عاشت حياة البذخ كعشيقة الملك.
بالتأكيد لن ترضى بهذا…
“سنستخدم الأثاث كما هو، لكن سنغير الأجزاء المغطاة بالجلد على الكراسي فقط.”
“ماذا؟”
اتسعت عينا كبير الخدم قليلاً.
أمالت كلوديل رأسها بفضول.
“لماذا أنتَ مندهشٌ لهذه الدرجة؟ الأثاث ليس تالفًا، سيكون من الإسراف استبدال كلّ هذه القطع الفاخرة.”
“نعم، هذا صحيح.”
أومأ كبير الخدم برأسه بسرعة.
واصلت كلوديل حديثها بهدوء.
“تغيير أغطية المقاعد فقط سيعطي شعورًا مختلفًا. لكن احرصوا على ألّا تكون المواد مريحةً أكثر من اللازم.”
“لماذا؟”
“إذا كانت مريحةً جدًا، ستسبّب آلامًا في الظهر. الأفضل أن تكون قاسيةً بعض الشيء.”
… لم أتوقع أن تهتمّ حتى بأعمار النبلاء.
طان كبير الخدم معجبًا بمراعاتها في داخله.
رغم أن حالة راينهاردت، الذي أصبح دوقًا لفالديمار في سنٍّ صغيرة، كانت استثنائية.
فمعظم النبلاء الذين سيحضرون حفل القَسَم كانوا كبارًا في السن.
“لكني أودّ تغيير الستائر بالكامل، هل هذا ممكن؟”
“نعم، بالطبع.”
أجاب كبير الخدم بوجهٍ مشرق.
كان قد استعد لقبول أيّ طلب، حتى لو كان إعادة تصميم القاعة بالكامل، لكن يبدو أنه يمكن توفير الكثير من الميزانية.
“كما أنني أفضّل تقليل زينة الزهور قدر الإمكان. الجو باردٌ جدًا، لذا فإن نقل الزهور الطازجة سيكون مكلفًا.”
قطّبت كلوديل، التي بدأت حديثها، حاجبيها قليلاً.
“ومع ذلك، قلّة الزهور قد تجعل المكان يبدو باهتًا، لذا سأفكّر في هذا الجزء أكثر. أما بالنسبة لطعام الوليمة…”
رمش كبير الخدم بنظرةٍ فارغةٍ بينما استمرّت كلوديل في الكلام بسلاسة.
كان ردّ فعله مفهومًا، لأن كانت كلوديل تقدّم اقتراحاتٍ عمليةً جدًا.
كانت تحمل حكمةً وكأنها سيدة منزلٍ مخضرمةٍ لسنوات.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
الرواية موجودة لغاية فصل 21 على قناة التيلجرام 💙
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 16"
ممكن لينك التليجرام؟