استمتعوا
أجبرتُ عينيّ المُتصلّبتَين على التّحرُّك ونظرتُ حولي.
والآن أتأمّل، الوجوهُ تبدو مألوفةً بعض الشّيء.
ذلك الرّجلُ الضّخمُ هناك يُشبه رئيس القافلة التّجاريّة.
وذلك الرّجلُ ذو اللّحية الشّبيهة بذيل الطّائر بجانب البارون يوفيس يُشبه طبيبًا مشهورًا.
يعني أنّه بينهم صله دم.
فهمتُ الآن لماذا أتى شخصٌ عظيمٌ مثل البارون يوفيس حتّى هنا يقود هؤلاء.
‘ستيلا مريضةٌ في مكانٍ ما.’
لا بُدّ أنّه جاء ليبحث عن دواء.
فهي بطلة لعبةٍ تحتوي على عناصر رومانسيّة، لذا جسدُها ضعيف.
لكنّها ليست في خطر الموت بعد.
في ذلك الوقت، سيبحثون عنّي لزراعة الأعضاء، لا للبحث عن أعشاب.
“حسنًا، هل يجب أن أسمّي هذا صدفةً مُسلّية أم قَدَرًا مُروّعًا؟”
على كلام البارون يوفيس، أجبتُ بصوتٍ خالٍ من الانفعال.
“الأقربُ هو صدفةٌ مُروّعة.”
“لهجتُكِ أصبحت خشنة، هل هذا تأثيرُ الأشباح؟”
حين ذُكِر الأشباح، ارتعشتُ.
‘إنّه يعلم.’
حسنًا، بالطّبع.
في المرّة السّابقة في الحيّ التّجاريّ، أنقذني القائدُ.
مُظهِرًا الصّليب المَعكوس الذي هو شِعارُ الأشباح.
إذًا، هذا الرّجلُ يعلم أنّني مُرتبطةٌ بالأشباح.
فهو كان المُشرف العامّ على جهاز معلومات أندريس.
‘لا يُمكنني السّماح بذكر الأشباح أكثر.’
“هل هناك سببٌ يدعونا لمواصلة الحديث؟”
“حسنًا.”
“إن لم يكن، فاصمت واختفِ. لأنّك مُقرِف.”
حين قُلتُ ذلك ببرود، توقّف للحظة.
ثمّ نظر إليّ بعينَين تلمعان بالفضول.
هذه أوّلُ مرّةٍ يراني أتحدّث بهذه الطّريقة.
في رأسه، أقصى شتيمة يُمكنني قولها هي ‘صدفةٌ مُروّعة’.
في أندريس، عشتُ هكذا.
بأناقةٍ ورقّة.
هادفةً لأن أكون آنسة لا يستطيع أحدٌ انتقادها، حتّى في الأيّام التي كدتُ أنهار فيها كنتُ أرتدي حذاءً بكعبٍ عالٍ وفساتين تخنق العنق.
مَن علّمني كلّ ذلك كان البارون يوفيس.
أي رافييل يوفيس ذاك.
لم يكن يتخيّل حتّى في أحلامه أنّني، التي كنتُ وديعةً إلى هذا الحدّ، سأنطق كلمة ‘مُقرِف’.
بعد أن حدّق بي، ضحك بخفّة.
“مُسلٍّ.”
ثمّ جذب معصمي فجأةً.
في لمح البصر، انجرفتُ نحوه.
“أصابعُكِ الجميلة أصبحت خِرَقًا، وخدُّكِ الذي لم تعلَق به ذرّةٌ قطّ امتلأ بالغبار، فلماذا بريقُ عينيكِ أكثر إشراقًا من أيّام القصر؟”
“أطلِقني.”
“ومع ذلك، كبرياؤكِ لا يزال غير مُنكسِر.”
“قُلتُ أطلِقني.”
“افتحوا باب العربة، يجب أن آخذها إلى الإقطاعية.”
ماذا؟
ماذا يقول هذا المجنون؟
شددتُ كلّ عضلات جسدي لأقاوم انجراري.
“رافييل يوفيس!”
لكن دون جدوى.
قضيتُ يومَين أتجوّل في الشّوارع دون راحةٍ حقيقيّة.
لم يكن جسدي قادرًا على مُقاومة قوّة رجلٍ بالغ.
في النّهاية، حُمِلتُ إلى عربة البارون يوفيس.
ثمّ أُغلِق البابُ مباشرةً.
“ماذا تفعل؟!”
صرختُ، لكنّ البارون يوفيس كان هادئًا تمامًا.
فتح النّافذة قليلًا وأمر.
“اكتشفوا الجواب من العجوز بأيّ طريقةٍ كانت، يجب ألّا نعود إلى رئيس العائلة دون إجابة.”
“نعم.”
انحنى الرّجلُ الضّخم والرّجلُ ذو اللّحية كذيل الطّائر.
بدأت العربةُ بالانطلاق فورًا.
كان البارون يوفيس يبتسم بهدوءٍ وساقاه مُتشابكتان.
“لقد فقدتِ عقلَكِ تمامًا منذ آخر مرّة.”
“لديّ أسئلةٌ كثيرة، هل نبدأ بالحديث عن الأشباح أوّلًا؟”
“…!”
لم يأخذني عبثًا.
الأشباح الذين يُقال إنّ لهم يدًا في كلّ شؤون الإمبراطوريّة الكُبرى والصّغرى.
لكن لم يستطع أحدٌ الحصول على معلوماتٍ مُفيدةٍ عنهم.
أنا كنتُ خيطًا يُوصِل إلى معرفة هؤلاء الأشباح.
رجلٌ كالأفعى لن يُفوّت فريسةً كهذه.
رفع حاجبَيه قليلًا وهو ينظر إليّ المُتصلّبة.
“كيف التقيتِ بالأشباح؟”
“…”
“هل أصبحتِ عضوةً؟”
“…”
“أين هم الآن؟”
أحكمتُ إغلاق فمي بعناد.
“هل أصبحتِ غبيّةً بدلًا من مُثيرةٍ للاهتمام؟ أنتِ تعرفينني.”
“أعرف. على أيّ حال، حين نصل إلى الإقطاع ستُجبرينني على شُرب مصل الحقيقة، لذا من الأفضل أن أُجيب بطواعيّة.”
ضحك بصوتٍ عالٍ.
حدّقتُ به بحِدّةٍ وواصلتُ.
“وإن كنتُ سأُرغَم على الكلام، فمن الأفضل أن أتحدّث بفمي لأحصل على شيءٍ في المُقابل.”
“صحيح.”
“أنا أعرف البارون، لكن يبدو أنّ البارون لا يعرفني.”
“لا، أنا أعرفُكِ، أعرف أنّكِ ضعيفةٌ جدًّا أمام مديحي.”
كان ذلك صحيحًا.
كنتُ أفرح بكلمة ‘جيّد’ واحدة منه كما لو كافأتْني على كلّ جهودي.
نظرتُ خارج النّافذة.
كانت العربةُ قد وصلت إلى طرف الغابة.
نظر البارون يوفيس إليّ.
“يجب أن تكوني طفلةً مُطيعة، آنستي اللّطيفة.”
“كوني طفلةً مُطيعة، آنستي اللّطيفة.”
…كما في أيّام كونكِ تلميذةً مُطيعةً بسذاجة.
“كان هناك وقتٌ كنتُ أفرح فيه بمثل هذه الكلمات.”
“نعم، لذا…”
“لكن ليس الآن.”
فتحتُ باب العربة بقوّة.
سرعةُ العربة المزروعة بأدوات سحريّة كانت أسرع بكثيرٍ ممّا تخيّلت.
اندفعت رياحٌ حادّةٌ إلى داخل العربة.
“أتمنّى ألّا نلتقيَ ثانيةً أبدًا.”
“…!”
قفزتُ خارجًا مباشرةً.
في اللّحظة الأخيرة، رأيتُ تعبير البارون وهو ينظر إليّ يتجمّد ببرود.
ذلك الوجهُ كان الوجه الحقيقيّ لرافييل يوفيس.
أنا أعرف ذلك جيّدًا.
‘أعرف أيضًا أنّني لو ذهبتُ إلى قلعته، فسأُجبَر بطريقةٍ مُروّعةٍ على الإفصاح عن الأشباح.’
تدحرج جسدي على الأرض بعد القفز من العربة.
لحُسن الحظّ، امتصّ العُشبُ بعض الصّدمة، لكن ذلك كان جزءًا صغيرًا فقط.
لا أدري أين اصطدمتُ بشدّة، لكنّ الدّم يسيل من وجهي.
لكن لم يكن لديّ وقتٌ للشّعور بالألم.
‘يجب أن أهرب.’
ركضتُ بسرعة.
سمعتُ صوت البارون يوفيس من خلفي.
“قفوا! أمسكوا بالآنسة!”
بسرعة، أرجوكِ…!
لا يُمكنني أن أُمسَك هكذا.
لا يُمكنني أن أُمسَك وأذكر اسم الأشباح.
قد يجد البعضُ هذا سخيفًا، لكنّ ذلك المكان كان أكثر دفئًا لي من أيّ عالمٍ خياليّ.
“المعلمة الصغيرة، شكرًا لكِ.”
حين كنتُ أعمل بِجِدّ، شكروني.
“عودي بسلامة.”
قالوا لي أن أعود.
أعطوني غرفةً وقالوا إنّه يُمكنني العودة.
“أوَ يُعَدّ الإجابةُ على الأسئلة أمرًا صعبًا؟”
حين أسأل، تأتيني إجابة.
‘لا يُمكنني إزعاج هؤلاء النّاس…!’
حجب الدّمُ المُتساقطُ رؤيتي، لكن لم يكن ذلك مُهمًّا.
قصدتُ عمدًا الأماكن الكثيفة بالأشجار.
كي لا يستطيعوا اللّحاق بي بالخيول والعربات.
حتّى حين طعنتْ الأشواكُ الحادّة جسدي كلّه، لم أشعر بالألم.
ركضتُ حتّى انقطع نفَسي ووصل إلى حلقي، وأنا في حالة شبه إغماء دون أن أعرف كم ركضت.
فجأةً، امتدّت أيدٍ من خلفي.
‘لا، لا…!’
كان أمامي جُرفٌ.
نهرٌ خطيرٌ سريعُ التّيّار ومليءٌ بالصّخور.
‘لكن… أفضل من أن أُمسَك…’
“أيّتها الآنسة!”
التصقت يدٌ بظهري.
أُصِبتُ بذعرٍ شديدٍ فنفضتُ اليد وركضتُ نحو الجُرف.
“توقّفي!”
“أطلِقني! لن أتكلّم!”
“أيّتها الآنسة!”
“لا أُريد! الأشباح أناسٌ طيّبون! لن أتكلّم أبدًا…!”
في تلك اللّحظة.
جُذِبَ معصمي فجأةً.
لم أستطع التّنفُّس إلّا بعد أن احتضنني أحدُهم.
“اهدئي.”
الآن أستطيع رؤية ما أمامي.
لم يكن البارون يوفيس.
ولا أحد تابعيه.
“…آه.”
الذين كانوا يُلاحقونني…
هؤلاء النّاس المُجتمعون أمامي…
وهذا الرّجلُ الذي يحتضنني…
“…القائد.”
…كانوا الأشباح.
كان نائبُ القائد وأنتونيو والأعضاء ينظرون إليّ.
سقطتُ على الأرض فجأةً.
ركض نائبُ القائد وأنتونيو نحوي وأنا أنهار كورقةٍ بلا قوّة.
“تأخّرتِ كثيرًا في العودة فبحثنا عنكِ، ثمّ رأيناكِ تُطارَدين فأتينا لمُساعدتك.”
“تمّ التّعامل مع الذين كانوا يُطاردونكِ.”
عند سماع ذلك، ارتعش جسدي كلّه.
لا، حدث ذلك لرؤيتي لهم.
حرّكتُ جسدي المُتصلّب قسرًا ونظرتُ إلى القائد.
“…لم أتكلّم.”
“…”
“ومُستقبلًا… أبدًا… لن أتحدّث عن الأشباح…”
“…”
“لذا… لا تتخلَّوا عنّي…”
تدفّقت الدّموع.
القنواتُ الدّمعيّة التي ظننتُها اختفت بعد طردي من العائلة أفاضت بدموعٍ ساخنة.
“…”
“…”
“…”
لم ينطق أحدٌ بكلمة.
وبتلك الذّكرى، أظلم كلّ شيء.
انتهى بي الأمر أخيرًا إلى الإغماء.
***
نُقِلت يوستيا إلى غرفتها في قلعة سان ميغيل.
كان الطبيب الذي استُدعي إلى القلعة مسبقًا بانتظارهم، وما إن وصلت يُوستيا حتى باشر بفحصها.
“ذراعها اليمنى وأضلاعها مكسورة. يبدو أنّها قفزت من مكانٍ مرتفع، إذ ذراعها ممزّقة ورأسها مصاب.”
عندها رفع أحد أعضاء الفرقة المكلّفين بحراسة البارون يوفيس يده سريعًا.
“لقد قفزت من العربة. وفقًا لأقوال الفارس الذي قبضنا عليه، فقد ألقت بنفسها منها.”
“من العربة؟”
تجمّدت ملامح أنتونيو وسائر الرفاق.
بدأت خيوط الحادث تتضح لهم شيئًا فشيئًا.
“اتركني! لن أقول شيئًا!”
“لا! الأشباح أناسٌ طيبون! لن أقول عنهم شيئًا أبدًا…!”
لابدّ أنهم سألوها عن الأشباح.
ويبدو أنّ يُوستيا، خوفًا من أن تُجبر على الاعتراف، فضّلت أن تُلقي بنفسها من العربة.
“إلى أيّ حدٍّ يمكن لإنسانة أن تذهب…؟”
قال أحد الرفاق مذهولًا، لكن الطبيب قطع عليه كلامه بنبرةٍ جادّة.
“ليست تلك كل إصاباتها.”
“وماذا أيضًا؟”
سأله أنتونيو، فأجابه الطبيب.
“في معصميها جروحٌ قطعيّةٌ عميقة، متكرّرة.”
“جروح؟ أيْ أنّ أحدهم طعنها بسكين؟! أولئك الأوغاد تجرؤوا على ذلك؟!”
“لا يبدو الأمر كذلك. هذه جروحٌ قديمة، تكرّر ظهورها وشفاؤها عدّة مرّات.”
“إذًا… تعرّضت لذلك في القصر؟”
ساد الذهول المكان، ثمّ رفعت تشارلي، أحد أفراد وحدة أنتونيو، رأسها فجأة كأنّ فكره صعقتها.
“لا يمكن… أهو ذاك الشيء؟”
“عمّ تتحدثين؟” سأل أنتونيو.
أسرعت تشارلي إلى الخزانة، فتحتها، وأخرجت منها شيئًا.
“حجر المينجُنج؟”
كان في الوعاء حجرُ المينجنج، ممتزجًا بسائلٍ أحمر قاتم.
تمتمت تشارلي، وجهها شاحب كالرماد.
“حين غادرت الانسة القصر أوصتني بذلك. قالت إنه مزيجٌ من الدم والماء المقدّس، وأمرتني أن أضعه مرتين يوميًا. ظننته دم دجاجٍ أو بقرٍ… لكن—”
لم يكن كذلك.
بل كان دمًا بشريًا.
‘لقد حاولت أن تُبطل حاجز حجر المينجُنج بدم الإنسان.’
وكان الدم كثيرًا إلى حدٍّ أنّها كادت تموت لو زاد الأمر قليلًا.
ضحك أنتونيو بخفّةٍ مريرة.
“أكانت بهذا الحال، تصعد وتنزل البرج الحلزوني لتتفقد القائد؟”
أغمض نائب القائد عينيه بإحكام.
كانت تُصارع الموت وحدها، تبذل ما بقي لها من قوّةٍ دون أن تُظهر ضعفًا أو شكوى.
ومع ذلك، حين سمعت كلمة شكرٍ واحدة، ابتسمت كمن امتلك الدنيا بأسرها.
لقد قفزت من العربة بتلك الحالة المزرية، وكلّ ما قالته بعد ذلك…
“فقط… لا تتخلّوا عنّي…”
“يالها من حمقاء…”
تفجّرت الكلمات من فم أنتونيو وهو يعضّها بأسى.
ولم يجرؤ أحد بعده على النطق بشيء، حتى القائد أَسلان نفسه.
***
أغمضتُ عينيّ، ثمّ فتحتهما ببطء.
أوّل ما رأيته كان سقف غرفتي.
‘لقد نجوتُ إذن…’
تنفّستُ الصعداء.
صحيح أنّني فعلت ما فعلتُ وأنا أُسلّم نفسي للموت، لكنّني لو متّ الآن حقًا، لكان ذلك موتًا ظالمًا.
لم أرغب أن يكون سبب موتي هو البارون يوفيس، من بين جميع الناس.
“كم مرّ من الوقت؟”
تمتمتُ وأنا أحاول النهوض، فإذا بصوتٍ منخفضٍ يسبقني.
“ثلاثة أيام.”
“…!”
كدتُ أقفز من مكاني فزعًا.
التفتُّ بسرعة، فرأيت ظلّ رجلٍ يقف عند النافذة، يتألق وجهه تحت خيوط الشمس، كأنّها تُحيط به بهالةٍ من ضوء.
كان ذلك أَسلان، قائد الأشباح.
“سيّدي القائد…”
“لا تنهضي.”
اقترب منّي بخطواتٍ وئيدة، وجلس على كرسيٍّ قريب.
قال بهدوء.
“هل لديكِ أسئلة أخرى؟”
“نعم… ماذا عن البارون يوفيس؟”
“كان قد انسحب قبل أن نصل نحن.”
“فهمت… وهل تعرف ما حلّ بالعجوز صاحب كوخ الأعشاب؟ أرجو ألا يكون النبلاء قد أمسكوا به.”
“هو من دلّنا على مكانك. حرّرناه من أيديهم.”
“يا لها من راحة… كنتُ أريد سؤاله عن عشبةٍ بديلةٍ ميونغجونغتشو… آه!”
حاولتُ الجلوس مجددًا، فصرختُ ألمًا. كانت جراحي أسوأ مما ظننت.
قطّب القائد حاجبيه.
“لا تتحركي.”
“لكن…”
“قال الطبيب أن تتناولي الدواء مع شوربةٍ خفيفة إن أمكن.”
“ها؟ أيمكنني… حسنًا، أظنّ ذلك.”
جلب القائد صينيّةً فيها زجاجة دواء وشوربةٌ رقيقة، وإلى جانبها صحنُ سلطةٍ بسيط.
وعندما وقع بصري عليه، شهقتُ.
‘ميونغجونغتشو؟!’
وضع القائد صحن الشوربة أمامي، ثم أخذ صحن السلطة لنفسه.
“هل أنت… ستأكل هذا؟”
“…”
“لستَ مضطرًّا! هذه العشبة مذاقها فظيع!”
“طعمها أهون من مزيج القيء ومصل الحقيقة.”
اتّسعت عيناي دهشةً.
‘لابدّ أنّ نائب القائد هو من أخبره بذلك.’
حرّك القائد شوكته قليلًا وقال بصوتٍ خافت.
“تذكّريني بمعلمي.”
“…”
“الرجل الذي مات لينقذني.”
“…”
إذًا، فالشائعات كانت كاذبة.
لم يكن هو من قتل معلمه، بل المعلّم هو من ضحّى بنفسه لينقذه.
تمتمتُ وأنا أداعب زجاجة الدواء.
“كان لي أيضًا معلّم.”
رفع رأسه ينظر إليّ.
“أشعر بالعذاب حين أتذكّره كذلك، لكن على عكسك، كان معلمي إنسانًا مريعًا.”
“…”
“ولهذا… أحسدك.”
قال بهدوءٍ متألم.
“ذلك العجوز لم يكن أيضًا أستاذًا صالحًا بالقدر الكافي.”
ثمّ وضع قطعة من عشبة ميونغجونغتشو في فمه، وارتجف وجهه اشمئزازًا.
“كان عليه أن يستحمّ أكثر.”
ضحكتُ خافتةً وأنا أرفع الملعقة، وتردّد صوتُ الأواني في الغرفة، لكنّ الصمت لم يكن ثقيلًا.
كنتُ أعلم أنّه يأكل تلك العشبة الكريهة فقط لأنّها تعني لي الكثير.
‘أرأيت؟ القائد رجلٌ طيّب بالفعل.’
منذ بكائي عند حافة ذلك الجرف، وغدواتي ودموعي تتسابق في عينيّ بلا إذن.
مسحتُ عينيّ المبللتين بقوّةٍ وقلتُ بين شهقةٍ وضحكةٍ صغيرة.
نظر إليّ القائد متردّدًا، ثمّ سأل بعد صمتٍ قصير.
“هل الطعام سيّئ؟”
“لا، أبدًا.”
كانت الشوربة بلا طعمٍ تقريبًا، لكن لا أعلم لماذا شعرتُ أنّها أطيب ما تذوّقت في حياتي.
***
في مساء ذلك اليوم، في البرج الحلزوني، تلقّى القائد أَسْلان وأنتونيو ونائب القائد رسالةً من فرقة النخبة المكلّفة بجمع المعلومات.
[…وهكذا، فإنّ المرشحين الستة من منطقة سان ميغيل للمشاركة في اختيار المرؤوسين هم هؤلاء.]
ما عدا ابن البارون أوليفان، كانت البقيّة خمس فتياتٍ شابات.
ويبدو أن حضور الأمراء الشباب أغرى العائلات الثرية بإرسال بناتهم طمعًا بمكانة الأميرةٍ المستقبلية.
تأمل القائد ونائبه وأنتونيو الصور التي أُرسلت بصمت.
[…العائلات عظيمة الشأن فعلًا، لكن… بحقّ السماء، لماذا أنتم صامتون هكذا؟]
حتى أنطونيو ضيّق عينيه مركزًا على الصور.
“ألا ترون شيئًا مختلفًا؟”
[…ما الذي تهذي به الآن؟]
“أعني أن الفتيات يبدين مختلفات قليلًا. فساتينهنّ أكثر انتفاخًا، وأكمامهنّ أطول وأكثر رفرفةً…”
[…ربّما اشترين فساتينهنّ من أشهر المتاجر في العاصمة. إنها الموضة الرائجة.]
“ألم تكن الموضة السابقة تعتمد على عشرات الأشرطة والربطات؟”
[…موضة العاصمة تتبدّل كل شهر.]
تقطّب حاجبا نائب القائد وقال باستياء.
“إذًا، فتاتُنا ستدخل الاختبار بثوبٍ قديم الطراز؟”
[…يبدو ذلك. وما المشكلة؟]
“سمعتُ أن الفتيات في سنّها يخجلن من ذلك كثيرًا.”
[…صحيح. ولكن؟]
حدّق فيهم المُخبر مذهولًا.
‘أجنّ هؤلاء؟ ما شأنهم بثوبها؟ ولماذا يذكرونها كل لحظة وكأنها ابنتهم؟’
[…حسنًا، بما أنّ عقلَيهما غزاه العفن، فدعني أشرح للقائد مباشرةً… سيدي القائد؟]
لكنّ القائد هو الآخر كان يحدّق في الصور مكفهرّ الوجه.
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 13"