12
استمتعوا
في اللّحظة التي دخلتُ فيها، فقدت مرآةُ الاتّصال بريقَها مع صوت طقطقة لسانٍ يُنِمُّ عن الاستياء.
أكان يُجري اتّصالًا؟
حين أرمشتُ بعينيّ، هزّ نائبُ القائد رأسَه كأنّ الأمر لا يستحقّ الذِّكر.
“ادخلي.”
أومأتُ برأسي.
ثمّ توجّهتُ نحو القائد الذي جلس على الكرسيّ فور سماعه أنّ الطّعام ليس ضلوعًا مطهوّة.
وضعتُ الصّينيّة على الطّاولة أمام كرسيّ القائد.
“إنّها شوربةُ الكونسوميه ولفائفُ الملفوف.”
شوربةُ الكونسوميه تُدفئ الجسد، ولفائفُ الملفوف تُساعد على إزالة السّموم وتعزيز الدّورة الدّمويّة.
استعملتُ في حشوة لفائف الملفوف لحمَ البقر الغنيّ بالعناصر الغذائيّة والفاصوليا المليئة بالأحماض الأمينيّة.
‘إنّها وجبةٌ خاصّة لاستعادة الحيويّة.’
نظر نائبُ القائد إلى القائد بتردُّد، وعلى وجهه تعبيرٌ محرَج.
“آنسة، الأطعمةُ التي ترفع حرارةَ الجسم غيرُ مناسبة.”
“حرارةُ جسده مرتفعةٌ دومًا منذ أن أُصيب باللّعنة، أليس كذلك؟”
“أكنتِ تعلمين؟”
كان تعبيرُه يقول. لماذا أعددتِ مثل هذا الطّعام إذا كنتِ تعلمين؟
“مركزُ الطّاقة حيث تتجمّع المانا قد اجتاحه البردُ، لذلك رفع الجسمُ حرارتَه لطرد ذلك البرد.”
الملفوف، لحمُ البقر، الفاصوليا، والجوز الذي هو المكوّن الرّئيسيّ لشوربة الكونسوميه.
جميعُها مكوّناتٌ تُساعد على طرد البرد من مركز الطّاقة.
“إن تناوله بانتظام، فسيكون مفيدًا جدًّا لجسده.”
“فهمت.”
بدا على نائب القائد الارتياح.
لكنّ القائد كان يُحدّق في الصّينيّة بصمت.
‘آه.’
اقتربتُ من القائد على عَجَل.
“هل خاب أملُك لأنّها ليست ضلوعًا مطهوّة؟”
عندها، أطلق نائبُ القائد ضحكةً خافتة.
“سيّدي القائد ليس لديه تفضيلاتٌ في الطّعام باستثناء عشبة ميونغجونغتشو.”
“أحقًّا؟ كنتُ أنوي إعداد الضّلوع المطهوّة غدًا، لكن يبدو أنّني يجب أن أُعِدّ طعامًا أكثر فائدةً لجسده.”
لكنّ الأمر كان غريبًا.
نظر القائدُ إلى نائب القائد.
ولسببٍ ما، بدا الأمرُ وكأنّه يلومُه بنظراته، ممّا جعلني أُحرّك رأسي متعجّبة.
لا بُدّ أنّه سوءُ فهم، فحتّى نائبُ القائد الذي خدمه طويلًا لم يبدُ عليه أيُّ ردّ فعل خاصّ.
ربّما كان يتردّد لأنّه ظنّ أنّ العشبة مُضافةٌ إليه.
“سيّدي القائد، لم أُضِف عشبة ميونغجونغتشو.”
“ألم تُضيفي عشبة ميونغجونغتشو؟”
على سؤال نائب القائد، أجبتُ بالإيجاب.
“في فطور هذا الصّباح كان هناك ساندويتش فاستطعت تناوله دون العشبة، لكنّك لم تتناول شيئًا في المرّات السّابقة.”
شوربةُ عشبة ميونغجونغتشو.
سمكٌ مطهوٌّ بعشبة ميونغجونغتشو.
معكرونةٌ بعشبة ميونغجونغتشو.
لم يمسّ أيَّ طعامٍ تكون رائحةُ العشبة فيه قويّة.
“يجب أن تأكل أوّلًا لتستعيد قوّتك، لذا لم أُضِفها.”
“فهمت.”
بعد سماعه لحوارنا أنا ونائب القائد، أمسك القائدُ بأدوات الطّعام.
‘جيّد، يبدو أنّه سيتناول الطّعام.’
إذًا عليّ أن أقوم بأعمالٍ أخرى.
بعد أن رأيتُه يبدأ بتناول الطّعام، أنزلتُ عن ظهري الحقيبة الضّخمة التي أحضرتُها معي.
ثمّ أخرجتُ منها مختلفَ الأشياء.
حين رأى نائبُ القائد تلك الأغراض، سأل.
“…ما كلُّ هذا؟”
“إنّها مستلزماتٌ لرعاية القائد.”
“…كلُّ هذا؟”
“نعم.”
كان تعبيرُه يقول. إلى أيّ حدٍّ أنتِ جادّة؟
حقًّا، كانت أغراضًا مُثيرةً للدّهشة بعض الشّيء.
قِربةُ ماءٍ ضخمة، إناءٌ، مناشف، بطّانيّات ووسائد، أوعيةٌ تحتوي على أعشابٍ طبّيّة مطحونةٍ أو مُجفَّفة، أوعيةٌ تحتوي على وجباتٍ خفيفة مثل الفواكه المُجفَّفة، أوعيةٌ تحتوي على أوراق الشّاي، زيوت، إبريق، أكواب، كتب، أجراسُ ريحٍ تُصدر أصواتًا صافية… وما إلى ذلك.
حين رأى أنتونيو هذه الأغراض، سأل.
‘هل تلك الحقيبة من الآثار المقدّسة أم ماذا؟’
كيف يُمكن أن يتّسع كلُّ هذا فيها؟
“أشكرُكِ على اجتهادكِ، لكنّني لستُ متأكّدًا إن كان سيّدي القائد بحاجةٍ إلى كلّ هذه الأشياء، في الحقيقة، كمّيّةُ الطّعام التي أحضرتِها أيضًا كثيرة، فسيّدي القائد يأكل قليلًا عادةً…”
توقّف نائبُ القائد وهو ينظر نحو القائد وسط حديثه.
فقد نظّف القائدُ الطّعام تمامًا في لمح البصر.
ثمّ دفع الصّحن إلى طرف الطّاولة.
نهضتُ بسرعةٍ وقُلت.
“هل أُحضر لك المزيد؟”
أخرجتُ لفّةَ ملفوفٍ أخرى من الوعاء الذي أحضرتُه احتياطًا.
حين وضعتُها في الصّحن، بدأ القائدُ بتناولها بصمتٍ مرّةً أخرى، وكان نائبُ القائد بوجهٍ مُرتبِك.
***
بعد عودة نائب القائد إلى القلعة بتعبيرٍ مُذهَل، خيّم الصّمتُ على البُرج الحلزونيّ.
كان القائدُ الذي أنهى وجبتَه ينظر إلى الأوراق بصمت.
كنتُ أقف بجانب الجدار أراقبُه بذهول.
‘إنّه لا يفعل سوى العمل.’
لم يكن هناك أيُّ حوارٍ بيننا منذ أن سألتُه إن كان سيتناول الحلوى بعد الوجبة وأجاب.
وبعد أن بقيتُ صامتةً هكذا لبعض الوقت.
فتح القائدُ فمَه وعيناه لا تزالان مُثبّتتَين على الأوراق.
“أتنوين البقاء هناك باستمرار؟”
“هل تُفضّل أن أبقى خارج الباب إن كان وجودي يُزعجك؟”
“لماذا؟”
“نعم…؟”
“هل هناك سببٌ يدعوكِ للبقاء في ذلك المكان طوال أربع ساعاتٍ حتّى في تنفُّسكِ تتوخَّين الحذر؟”
“لديّ بعض الأسئلة التي أردتُ طرحَها عليك حين يكون لديك متّسعٌ من الوقت… أعتذر.”
“أوَ يُعَدّ الإجابةُ على الأسئلة أمرًا صعبًا؟”
“ماذا؟”
“أعني أنّه يُمكنكِ السّؤال.”
أشرق وجهي وذهبتُ نحو القائد على الفور.
ظننتُ أنّني سأضطرّ لمراقبة تفضيلاته من خلال مراقبة ما يأكله فحسب، لكن يا لها من راحه.
من الواضح أنّ إجاباتِه المباشرة ستكون أكثر فائدة.
“أم… لكنّ الأسئلة كثيرةٌ بعض الشّيء، هل يُمكنني؟”
“حسنًا.”
“شكرًا لك!”
بعد قول ذلك، أخرجتُ من جيبي ورقةً من الرّقّ.
حين فتحتُ الرّقّ المُلتَفّ، امتدّ من صدري حتّى رُكبتَيّ.
توقّف القائدُ للحظة.
“أهي كثيرةٌ حقًّا؟”
نظرتُ إليه بحذرٍ مُتسائلةً إن كان عليّ اختيار بعضها.
وضع الأوراق جانبًا.
بدا أنّه يستعدّ للإجابة بِجِدّ.
‘لماذا وُصِف القائدُ في اللّعبة بأنّه بارد القلب؟’
حين رسبتُ في الامتحان، أبقاني أبي البيولوجيّ واقفةً ليس أربع ساعاتٍ، بل أيّامًا.
لم ينظر إليّ أبدًا كما لو كنتُ قطعةَ ديكورٍ موجودة هناك.
لم أتمكّن من التّحدّث إليه إلّا بعد أن حقّقتُ التّخرُّج المُبكّر.
‘بالمقارنة معه، القائدُ شخصٌ طيّب.’
“أعددتُها على شكل لعبة توازنٍ لتسهيل الإجابة، فقط اختر أحدهما، أوّلًا. البحر أم الجبل؟”
“…”
حدّق القائدُ بي مباشرةً.
في الحقيقة، كان يظنّ أنّني سأسأله عن عشبة ميونغجونغتشو.
فوجودي بجانبه كان لاستعادة قوّته.
كنتُ أنوي في الأصل إعداد أسئلةٍ من هذا النّوع.
‘لكنّ كُرهه لطعم عشبة ميونغجونغتشو قد يكون مُرتبطًا بصدمةٍ نفسيّة.’
لكنّ سؤال القائد مباشرةً إن كان لديه صدمةٌ نفسيّة أمرٌ غير لائق.
كثيرون لا يُحبّون أن تُكشَف نقاطُ ضعفهم.
خاصّةً شخصٌ عاش بسرّيّةٍ مثل القائد.
لذا أُريد استنتاجَ حالة القائد من خلال هذه الأسئلة.
‘أَسَيَرفض الإجابة لأنّها تفصيليّةٌ جدًّا؟’
نظرتُ إليه بوجهٍ مُتوتّر.
تنهّد بخِفّةٍ ثمّ قال.
“الجبل إن كان الصّيف.”
“أليس العكس عادةً؟”
يا للهول.
سألتُه بدهشة.
لكنّ القائد قال بوجهٍ هادئ.
“لأنّ الأسلحة تصدأ بسهولةٍ في بحر الصّيف.”
“آه، إذًا السّؤال التّالي. الملح أم السّكّر؟”
“الملح.”
“البرد أم الحرّ؟”
“البرد.”
“السّيّد أنتونيو بعمر خمس سنواتٍ أم خمسة من أنتونيو؟”
“…أنتونيو بعمر خمس سنوات.”
“الدّم أم الألم؟”
“…”
آه؟
صمت القائدُ للحظة.
“اتركي ورقة الأسئلة وسأُشير إلى الإجابات.”
“لكن…”
“اتركيها.”
“…حسنًا.”
لم أستطع إقناعَه أكثر.
لأنّ تعبير القائد كان باردًا.
“إذًا، سأفعل هذا فقط ثمّ…”
نظرتُ إليه بحذرٍ وبدأتُ بترتيب الأغراض التي أحضرتُها بكثافةٍ هنا وهناك.
بعد أن أنهيتُ ذلك بسرعة، انحنيتُ بِجِدّ.
ثمّ خرجتُ من الغرفة وأنا أعقد حاجبَيّ.
‘المكانُ الذي توقّف عنده القائدُ بالتّأكيد كان عند الدّم.’
لكن لماذا الدّم؟
أيُّ شيءٍ أكثر ألفةً لقائد نقابة اغتيال من الدّم؟
بينما كنتُ أُفكّر بتململ، رفعتُ رأسي فجأةً.
لأنّني تذكّرتُ مشهدًا رأيتُه في اللّعبة.
كان هناك مشهدٌ حيث تلقّت الأميرة – لا، دوقة إسغاروت الآن – معلوماتٍ عن أسلان من مُخبِرها.
“مَن أنقذه حين كان رضيعًا هو حارسُ والدته العجوز، تعلّم أسلان كلَّ شيءٍ منه. المَشي، حَمل السّيف، قتل النّاس… كلّ شيء.”
“حارسٌ عجوز؟ أتذكّره، لكن أين هو الآن؟ يبدو أنّني لن أرتاح حتّى أُمزّقه بيدَيّ.”
“لقد مات، قُتِل على يد أسلان نفسه.”
“…لماذا؟”
“يُقال إنّه نجا من المجاعة الكُبرى بشُرب دم أُستاذه.”
“حقًّا إنّه وحشٌ بامتياز.”
لو كانت تلك القصّة حقيقيّة…
لو بقي دمُ الأُستاذ صدمةً نفسيّة…
‘عشبةُ ميونغجونغتشو بالنّسبة للقائد ستبدو مثل الدّم.’
نظرتُ نحو باب الغرفة بوجهٍ جامد.
كانت الصّدمةُ النّفسيّة أخطر بكثيرٍ ممّا توقّعت.
***
لم تخطر على بالي طريقةٌ مناسبة لإطعامه عشبة ميونغجونغتشو.
وهكذا مرّت عدّة أيّام.
بعد التّفكير، قرّرتُ في النّهاية الذّهاب لنائب القائد.
“أتطلبين منّي كتابة شهادة هُويّة؟”
“نعم، أحتاج إلى شهادة هُويّةٍ لدخول مُدنٍ أخرى، وأنا طُرِدتُ من عائلة أندريس فلم أتمكّن من استخراجها.”
“يُمكنني كتابتها لكِ، لكن ماذا تنوين أن تفعلي؟”
“أنوي البحث في كلّ مكانٍ عن عشبةٍ قد تحلّ محلّ عشبة ميونغجونغتشو.”
“ماذا؟”
بدا نائبُ القائد مُندهشًا جدًّا عند سماعه أنّني لن أستخدم عشبة ميونغجونغتشو.
فأنا مَن كان يُشدّد على أهمّيّة العشبة ويُصرّ على إطعامها له بأيّ شكل.
‘لكن إن كان لديه صدمةٌ نفسيّةٌ بهذه الخطورة، فلا أُريد إجباره على تناولها.’
تلعثمتُ ثمّ فتحتُ فمي بحذر.
“بالنّسبة لي، طعمُ عشبة ميونغجونغتشو يُشبه مصلَ الحقيقة.”
“ماذا…”
“قبل طردي من العائلة، كان الخدمُ يُمسكون أطرافي كلّ يومٍ ويُجبرونني على شُرب مصل الحقيقة.”
‘كانوا يطالبونني بالاعتراف بأنّني سمّمتُ ستيلا.’
لكنّه لم يكن فعلي، فلم يكن لمصل الحقيقة أيُّ فائدة.
لكنّ أحدًا لم يُصدّق كلامي.
شربتُ زجاجاتٍ عديدة من مصل الحقيقة يوميًّا رغم أنّ كمّيّةً قليلة تكفي.
حتّى حين كنتُ أتقيّأ من عدم قُدرتي على تحمُّل سُمّيّة المصل، لم يكن ذلك مُجديًا.
فقد كانوا يسكبون المصل في فمي حتّى لو كان مليئًا بالقيء.
‘لذا، بالتّحديد، طعمُ عشبة ميونغجونغتشو بالنّسبة لي يُشبه مصل الحقيقة المُختلط بالقيء.’
طعمٌ حامض، قابض، يجعلني أشعر بالغثيان.
“حين أتناول عشبة ميونغجونغتشو، تطفو تلك الذّكريات وأعجز عن التّنفُّس.”
القائدُ لو كان في حالته فستكون أسوأ، إن لم تكن أقلّ.
لذا…
“إن كان الأمرُ كذلك بالنّسبة له، فلا أُريد إجباره على تناول عشبة ميونغجونغتشو بعد الآن، أُريد إيجاد حلّ.”
“…”
“ألن يُسمَح لي؟”
“…إن كانت شهادةُ الهُويّة تكفي، هل تحتاجين شيئًا آخر؟”
كان ذلك موافقةً.
قُلتُ بفرحٍ كأنّني سأقفز.
“هذا يكفيني، شكرًا لك.”
“أنا مَن يشكرك.”
“نعم؟”
“أعلم أنّكِ تبذلين قُصارى جهدِك، شكرًا لك.”
حككتُ رأسي ثمّ ابتسمتُ.
هنا، أسمع كلمة ‘شكرًا’ كثيرًا حقًّا.
كان شعورًا مُبهِجًا دائمًا أن يعترف أحدُهم بمجهودك.
إنّه شعورٌ مُؤثّرٌ لم أشعر به في أندريس.
“أنا… أنا…”
ترددتُ ثمّ قُلتُ بوجهٍ خجول.
“أُحبّ هذا المكان.”
“…نعم؟”
“الجميعُ لطيفون، كأنّني في عالمٍ من القصص الخياليّة.”
“…”
“لذا، شكرًا لك.”
حين انحنيتُ، لم يستطع نائبُ القائد قول أيّ شيءٍ لبرهة.
وبعد مُدّة، فتح فمَه أخيرًا.
“عودي بسلامة.”
أترون؟
أنا أُحبّ هذا المكان حقًّا.
لذا يجب أن أبذل جهدي.
قبضتُ على يدي بعزمٍ وخرجتُ من القلعة.
كانت هذه أوّل مرّةٍ أخرج من قلعة سان ميغيل منذ زمن.
***
لكن…
“عشبةٌ تقوم بدور عشبة ميونغجونغتشو؟ لم أسمع بمثل هذا الشّيء قطّ.”
“ابحثي في الجبال والحقول طوال حياتِك، هل توجد مثل هذه العشبة؟”
“عشبةٌ مثل ميونغجونغتشو؟ أيُّ كلامٍ سخيفٍ هذا؟”
…هزيمةٌ نكراء.
‘زُرتُ كلّ متاجر الأعشاب ولا أحد يعرف شيئًا.’
بحثتُ منذ الصّباح طوال الوقت، لكنّني لم أجد أيّ دليلٍ في متاجر الأعشاب القريبة.
ليست مدينةً كُبرى مثل الأراضي التّابعة مباشرةً لإسغاروت، فعددُ متاجر الأعشاب قليل…
‘لحظة، الأراضي التّابعة لإسغاروت؟’
بالحديث عن ذلك، كان هناك مكانٌ كنتُ أزوره أحيانًا في اللّعبة عند البحث عن أشياء نادرة.
كوخٌ صغيرٌ في الغابة القريبة من الأراضي التّابعة.
إنّه مثل مأوى يستريح فيه جامعي الأعشاب المُسنّون لبرهة.
‘ربّما أستطيع الحصول على معلوماتٍ من هناك.’
لكنّني مُترددة.
فهذا هو اليومُ الثّاني الذي لم أعُد فيه إلى القلعة.
‘تركتُ السّيّد أنتونيو يعتني بالقائد…’
أتُراه يُحسن التّصرُّف؟
“…إذًا تُريدني استخدام كلّ ما أعدّته الآنسة الصّغيـ… الآنسة؟”
“لست بحاجةٍ لاستخدام كلّ شيء، فقط ما تحتاجه، الأوعيةُ المُرقّمة بالرّقم 1 تحتوي على وجباتٍ خفيفةٍ مُتنوّعة، كلُّها حلويّات فقدّمها له حين يبدو مُتعَبًا، وإن شعر بالحرّ، فاستبدل كتلة الثّلج المُلصَقة خلف المروحة واستعملها له، إنّها تعمل كمُكيّف… أعني أنّها أكثر برودة.”
“…”
“وفي الأوعية المُرقّمة بالرّقم 2 توجد أعشابٌ طبّيّة، اخلطها بالماء حسب المذكور في الملاحظة وقدّمها له في أوقاتها، كما يُستحسَن أن تُدلّكه بالمرهم رقم 3، افعل ذلك أيضًا حسب الملاحظة مع مراعاة المناطق المُحدّدة.”
“أتقولين إنّكِ كنتِ تفعلين كلّ ذلك؟”
“نعم.”
“…هل يُمكنني الاستسلام؟”
استرضيتُه بالحلويّات لأنّه كان يفتقر إلى الثّقة.
‘لكنّ الوقت يُداهمني.’
يبدو أنّ وشمَ القائد على وشك الوصول إلى طرف عنقه.
في النّهاية، قرّرتُ الذّهاب إلى الأراضي التّابعة لإسغاروت.
دفعتُ قطعةً فضّيّة واحدة وركبتُ عربة شحنٍ تابعة لقافلة.
استغرق الأمرُ نصف يومٍ كاملًا من السّير المُتواصل، بالإضافة إلى ساعتَين أُخريَين للوصول إلى الأراضي التّابعة لإسغاروت.
كان جسدي كلّه يصرخ من الألم بعد أن كنتُ مُحمَّلةً في عربة الشّحن التي كانت تهتزّ بلا توقُّف.
كان عليّ التّحرُّك بسرعةٍ للوصول إلى مأوى جامعي الأعشاب قبل غروب الشّمس.
وهكذا، بعد المرور عبر الغابة الوعرة، وصلتُ أخيرًا إلى الكوخ.
أمام الكوخ الذي بدا على وشك الانهيار، كانت هناك عربتان فاخرتان.
‘إنّه هنا بالفعل.’
المكانُ الذي يُشاع عنه أنّه يُوفّر كلّ أنواع الأعشاب، حتّى تابعي النُّبلاء الكِبار يقصدونه.
العربتان الفاخرتان أثبتتا أنّ هذا هو المكان المقصود.
نوك نوك.
طرقتُ الباب.
“اعذرني.”
عند قولي ذلك، فتح لي رجلٌ عجوزٌ مُحدَّب الظّهر الباب.
حين نظرتُ إلى الدّاخل، رأيتُ أشخاصًا بملابس فاخرة يملؤون الكوخ الصّغير.
جميعُهم بتعابير غاضبة.
“ماذا تفعلين في منتصف حديثنا؟”
“لم أرَ شخصًا بهذا الوقاحة!”
كانوا مُتعجرفين لارتباطهم بنُبلاء كبار.
لكنّني…
“تحيّةً لك يا سيّدي، لقد أتيتُ لسماع نصيحتك الكريمة.”
انحنيتُ بظهرٍ مُستقيمٍ تمامًا.
بدا أنّ ظهري الذي أُنهِك في عربة الشّحن يصرخ، لكن لم يكن ذلك مُهمًّا.
‘هذا العجوز يُقدّر آداب الطّرف الآخر كثيرًا.’
لو كان شخصًا يُعطي الأولويّة للمال أو السّلطة، لكان قد فتح متجر اعشاب لائق.
لكنّه يعيش هنا ويتلقّى طلباتٍ صغيرة.
ممّا يعني أنّ المال والسّلطة لا يُمكنهما تحريك هذا العجوز.
ابتسم العجوزُ الذي كان يُحدّق بي ابتسامةً خفيفة.
“ادخلي، سأُقدّم لكِ الشّاي.”
“ماذا، ماذا؟!”
صرخ الذين كانوا يحتلّون الكوخ قبلي.
لم يُقدّم لهم حتّى كراسيَ فبقوا واقفين.
يبدو أنّهم دخلوا بالقوّة دون حتّى الحصول على إذن.
قدّم لي العجوزُ كرسيًّا صغيرًا وشايًا.
“انتظري قليلًا، سأستمع إلى حديثكِ بعد أن أطرد الدُّخلاء.”
“دُخلاء؟”
في تلك اللّحظة، تقدّم رجلٌ كان في الزّاوية بعيدًا عن الأنظار بعد إبعاد النّاس.
حين رأيتُ ذلك الوجه، تجمّدتُ في مكاني.
هو… ذلك الرّجل…
“أنا… أنا حقًّا لم أؤذِ ستيلا…”
“يبدو أنّ الدّواء لم يكن كافيًا.”
كان شعورًا خانقًا.
ابتسامتُه المُرعِبة التي رأيتُها في المرّة الأخيرة هي ما ملأت عقلي بالكامل.
نظر إليّ الرّجلُ الذي تقدّم أمام النّاس.
للحظة، اتّسعت عيناه بلمعةٍ غريبة.
“يوفيس… أنت تعرف أنّني لن أفعل ذلك… أنت أُستاذي الذي علّمني… أرجوك…”
“ما الذي تأملينه بكشفِ ذكرياتٍ مُقرِفة؟”
ارتفعت زاوية فمِه بشكلٍ مائلٍ كما في ذلك اليوم في زنزانة السّجن.
“أراكِ هنا… أيّتها الآنسة.”
“…البارون يوفيس…”
الشّابُ المُوهوب الذي أصبح مُستشارًا رئيسيًّا في أندريس وهو في العشرينيّات.
صديقي وأُستاذي، والذي يُدعى الآن السّيف الجميل الذي يحمي ستيلا.
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 12"