“… لا يمكن أن أكون كذلك.”
“إن توسلتُ إلى جلالتك، حتى لو اضطررت للركوع والتوسل، هل ستتزوجني؟”
“إيلا!”
“أنا أعلم… أعلم أنك كنت مخطوب لآنسة نبيلة. فكيف يمكن أن تتزوجني مع ذلك…؟”
حين حاولت إلينا النهوض من السرير والركوع على الأرض الباردة، ارتبك فلويد بسرعة وأمسك بها.
ذراعاها النحيلتان كانتا ضعيفتين للغاية، حتى أنه بدا وكأنها قد تنكسر بمجرد لمسة. فقادها فلويد بلطف إلى السرير مجددًا، ثم حرّك شفتيه متحدثًا:
“أعلم أنك لا تثقين بي. لكنني جاد. لن تكوني عشيقة أو ما شابه، بل سنتزوج رسميًا.”
“جلالتك… هل بإمكانك حقًا أن تعدني بحياة كاملة بعد ليلة واحدة فقط قضيناها معًا؟”
“أعدك.”
“حقًا…؟”
هل يمكنها حقًا أن تصدّق كلماته؟ أن تتجاهل القوانين والعادات والتقاليد التي قيدتها طوال حياتها…؟
في تلك اللحظة، انتشرت رائحة حلوة لتارت الفراولة داخل غرفة النوم. بدا أن كمية السكر والزبدة المستخدمة كانت كثيرة، إذ كانت الرائحة قوية للغاية.
دخلت الخادمة ومعها تارت الفراولة، وتبادل معها فلويد بضع كلمات قبل أن تغادر الغرفة بسرعة.
“كلي شيئًا أولاً. قلتِ إنك لم تأكلي شيئًا طوال اليوم، أليس كذلك؟”
قطع فلويد قطعة صغيرة من التارت بالشوكة وقدّمها لها، ولم تستطع إلينا أن ترفض، فوضعتها في فمها.
كان طعم تارت الفراولة لذيذًا. فمن الطبيعي أن تكون كذلك، بما أنها من صنع طاهٍ يعمل في قصر الدوق.
أغمضت إلينا عينيها للحظة ثم فتحتهما على وسعهما.
لكن أفكارها ظلت تتجه نحو السلبية والتشاؤم. كانت تدرك جيدًا أن زواج أفراد العائلة الإمبراطورية لا يتم فقط بموافقة الطرفين.
كانت تعرف مسبقًا أن هناك عادات زواج خاصة بالنبلاء رفيعي المستوى. ولأن السيدة راشيت أصبحت وصيتها القانونية، كانت قد أجبرتها على تلقي دروس في آداب النبلاء وتدريبات لإعداد العروس.
رغم أن تلك الذكريات تعود إلى سنوات مضت، إلا أنها كانت تعرف أمرًا واحدًا: هذا الانحراف عن التقاليد لن تكون له نهاية سعيدة.
شعرت بالغثيان. أرادت فقط أن تتجاهل كل شيء، أن تتشبث بإخلاص فلويد وتصدقه وتنتظره، لكنها تعلم أن ذلك وحده لا يكفي لتسير الأمور على ما يرام.
“ماء… أعطني بعض الماء. هئيك.”
“هل أنتِ بخير؟ يمكنكِ التوقف، لا تجبري نفسك على الأكل… لا تبكي.”
في اللحظة التي دخل فيها الماء البارد فمها، تقيأت ما كانت تأكله. لم تستطع ابتلاع هذا الشيء الحلو واللذيذ.
كان حلقها يؤلمها، ولم تستطع إخراج صوتها جيدًا. وحتى تصرفها بهذا الشكل أمام فلويد كان سببه أنه كان يعاملها بلطف، وكان يهدئها كلما بكت، فظنت بشكل ساذج أنه سيظل يعاملها بلطف مهما حصل.
“الطفل في بطني… هو طفلك، يادوق. لا يجب أن تشك في ذلك، مفهوم…؟”
“لم أشكّ فيكِ أبدًا. ولن أضع مشاعري في أمر لست متأكدًا منه.”
“لكن…”
“لا تفكري كثيرًا بالأمور. لن يحدث ما هو أسوأ.”
“لكن لا يمكنني الزواج من فرد من العائلة الإمبراطورية فقط لأنك قررت ذلك يا جلالتك…”
“أعلم أنكِ تشعرين بعدم الأمان. لكني أعدك، لن أُبقيكِ كعشيقة فقط، فلا تقلقي.”
“وما أدراك يا جلالتك! أنتَ… أنت أمير من العائلة الإمبراطورية. لست مضطرًا للتوسل كما أفعل أنا، ولهذا يمكن لجلالتك أن تتحدث هكذا بثقة!”
وفي اللحظة التي بدأت فيها نبرة إلينا بالتصاعد، سُمِع طرق على باب غرفة النوم.
فقال فلويد بكلمة قصيرة “ادخل”، فدخلت الخادمة التي خرجت قبل قليل، ومعها طبيبة إلينا الخاصة.
“مرحبًا آنسة إلينا، كيف حالكِ اليوم؟”
“… ليست جيدة يا بيانكا.”
“يبدو أن تارت الفراولة لم تكن على ذوقكِ. ألا يوجد شيء آخر ترغبين في تناوله؟ تادا! أحضرت عصير البرتقال أيضًا…!”
حولت إلينا نظراتها من عيني فلويد إلى بيانكا. رغم أنها رأت هذه المرأة عدة مرات في الأيام الماضية، إلا أنها لم تستطع التعود عليها بعد.
لم تكن تعرف إن كانت تعاملها كطفلة أم تحاول مواساتها. لم تستطع أن تفهم نواياها تمامًا.
“سأشرب عصير البرتقال.”
“ماذا عن سلطة مع تتبيلة منعشة؟ وربما بعض شرائح اللحم المقدد المشوي قليلًا؟ أو دجاج مشوي خفيف؟”
“افعلي ما ترينه مناسبًا…”
عندما نظرت إلى الساعة، اكتشفت أنه وقت الغداء. عرضت بيانكا الطعام على فلويد أيضًا، ووضعت السلطة التي أحضرتها على الطاولة الصغيرة بجانب السرير.
وأحضرت معها أيضًا خبزًا دون أن يُطلب منها. من المؤكد أنها ستصر على أن تأكله بحجة هذا وذاك.
“لكنني لا أريد أكل الخبز… إن استمريتِ بإحضاره فلن آكله.”
“فقط كلي واحدة. سأأكل الباقي. أنتِ لم تتناولي الفطور حتى.”
“إذاً كُل نصف قطعة فقط. هذا الخبز طازج وقد خُبز للتو، طعمه لذيذ للغاية.”
عندما وضعت الخبز الدافئ بعيدًا، وبقيت تحدق به مترددة، أمسك فلويد قطعة منه ووضعها في فمه.
أما بيانكا، فاكتفت بابتسامة خفيفة. فهي لا تعتني بصحتها فقط، بل تهتم بتغذيتها أيضًا.
رغم كل شيء، لا يزال هناك أناس لطفاء إلى هذا الحد…
“أريد الهرب…”
“عذرًا؟ ماذا قلتِ؟”
“لا شيء… قلت إنني سأأكل الخبز.”
—
* * *
في كل مرة ترى فيها وجه فلويد، تشعر إلينا بالغثيان.
كانت هذه المشاعر تلاحقها منذ فترة، لكنها ازدادت سوءًا منذ الأمس، حتى أنها بكت وأخبرته بأنها لم تعد تحتمل رؤيته.
فمجرد رؤيتها لوجهه كانت تذكّرها بكلمات الناس الذين كانوا يلومونها هي وهو، وكانت تكره نظرات الموجودين في الممر كلما دخل غرفتها.
وحتى الآن، لم تستطع تقبل حقيقة أن الطفل الذي في بطنها هو ابن شخص من العائلة الإمبراطورية.
وبدا أن فلويد تأذى كثيرًا عندما سمع كلماتها تلك.
لكنها كانت تخشى أيضًا من أن يكون فلويد يفكر في قلبه: “حتى بعد كل هذا اللطف، لا تزال هذه المرأة ترفضني؟” رغم أنها لا تزال تكرهه، لم تكن تتمنى أن يبتعد عنها.
فهو شخص يعاني من أجلها. يأتي إلى غرفتها أثناء وجبات الطعام، ويزورها كلما سنحت له الفرصة.
لم يتخلَ عن الطفل في بطنها، وكان يحاول تحمّل المسؤولية أكثر منها، أكثر من مجرد ترديد “أريد حمايته” وهي تبكي.
“آنسة إلينا، هل أنتي بخير؟ هل أُعطيكِ هذا؟”
“نعم…”
“من الجيد أنكِ تناولتِ بعض الطعام اليوم… أرجوكِ، فكّري بأشياء سعيدة فقط، آنسة إلينا. أرجوكِ…”
“أريد ذلك يا بيانكا… لكن كل ما يخطر في بالي هو أمور سيئة، ماذا أفعل؟”
ما قدمته لها بيانكا كان حبة من الحلوى بطعم الليمون، تبدو كأنها لؤلؤة لامعة. ربما أعطتها إياها خوفًا من أن يكون مكمل الحديد الذي تناولته منذ قليل مرّ الطعم.
لكنها كانت تتحمل كل هذه الظروف، فهل يمكن أن تزعجها حبة دواء واحدة؟
ماذا لو… لم يحدث كل ما حدث حتى الآن؟ هل كانت ستستطيع فعل أي شيء وقتها؟
لكن حتى لو لم تكن قد التقت بفلويد، لكانت حياتها لا تزال تعيسة. فقد عاشت حياة مملوءة بالخداع على يد السيدة راشيت منذ طفولتها، ولاحقًا عانت من سوء المعاملة.
نظرًا لأن زواج النبلاء رفيعي المستوى لا يمكن أن يتم بين ليلة وضحاها، حتى وإن تم الزواج فعلاً، فإن الأمير سيتحمل الكثير من العناء خلال هذه المرحلة.
مما فهمته من كلماته العرضية أثناء تناول الطعام معي، أنه يحاول إقناع خدمه ومرافقيه، لكن يبدو أن ذلك ليس بالأمر السهل إطلاقًا.
فوق ذلك، لم يكن جلوسه على عرش الدوقية لمجرد كونه الابن الوحيد للدوق السابق رينيه، كما يبدو.
أتذكّر يوم لقائنا الأول، حين لم نكن نعرف هوية بعضنا البعض، لكنه أخبرني ببعض الأمور عن عائلته.
كان من الواضح أن علاقته بوالده، أي بالدوق السابق، كانت سيئة للغاية.
كنت أرغب في معرفة التفاصيل بدقة، لكنه غيّر الموضوع وتجنب الإجابة بشكل واضح.
الآن عليه أن يواجه خدمه الذين يعارضون هذا الزواج، كما عليه أن يتحملني أنا، التي أبكي في كل مرة يأتي فيها وأقول له بأني أكرهه كثيرًا. لا بد أنه يعاني كثيرًا على الصعيد العاطفي.
“لقد قلتَ إنك ستحمي الطفل الذي في بطني، أليس كذلك؟ إذًا، فكر فقط بالطفل الآن. صحيح أن الأطفال أقوى مما نعتقد، لكن… إن انهرتِ أنتِ، فلن نتمكن من فعل أي شيء.”
“أشعر أن كل ما أفكر فيه الآن هو الطفل فقط… والدليل أنني حتى طردتُ جلالته من الغرفة لهذا السبب.”
“همم… من وجهة نظري، يبدو أن جلالته يفكر بك كثيرًا أيضًا. لا أظنه في حالة جيدة الآن، لكن… حتى وإن كنتِ تلومينه، فلن يكرهكِ أحد يا آنسة.”
“الناس يكرهونني بالفعل، وهذا طبيعي… أنا حتى لا أستحق أن يُكرهني أحد، لأنني بلا قيمة.”
حتى أمام الشخص الوحيد الذي يحاول أن يقول لي كلامًا جميلًا من أجلي، لم أتمكن سوى من الرد بسخرية. كنت أتمنى فقط أن أتماسك، لكنني لا أعرف كيف.
كلمات الخادمات التي كنّ يتهامسن بها لا تزال تدور في رأسي، وقد غرقت في هذا المستنقع الذي صُنع لأجلي، ولا أستطيع الخروج منه بمفردي.
“جلالته أيضًا يبذل جهدًا كبيرًا… وكلام الناس، مهما كان مؤلمًا، فسيزول بمرور الوقت. هناك الكثير من الكلمات الجارحة التي لا تستند إلى أي سبب… فقط القليل من الوقت، وسينتهي كل هذا…”
“لكن الزمن يمضي ببطء شديد بالنسبة لي… مهما قيل في الخارج، جلالته الآن يحميني من تلك الكلمات… لكن ما سمعته فعلًا، وما قد أسمعه لاحقًا، يخيفني كثيرًا…”
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات