الفصل 10
اختارت “إلينا” أن تحمي طفلها.
وفضّلت الطريق الذي قد تتمكن فيه من لقاء “فل”، الذي كانت تشتاق إليه طوال الوقت.
لم يكن السبب في ذلك أنها تحمل مشاعر تجاه الطفل الذي لم تعرفه إلا منذ وقت قصير فقط.
لكن، بعدما كُشف أمر حملها، فإن لم تُجهض الطفل، فعليها مغادرة قصر “فالوا”.
وحتى إن أجهضت وبقيت في القصر، فبمجرد معرفة أنها كانت حاملًا، كانوا سيبتزونها ويدفعونها للزواج المدبّر من أي نبيل، أو حتى سيعتبرون ذلك سببًا لحرمانها من حقها في الميراث.
لذا، منذ أن كُشف كل شيء، بدأت تفكر جديًا في مغادرة القصر.
وبذلك، ستتمكن من حماية الطفل بشكل طبيعي.
منذ بدأت تشك في أنها قد تكون حاملًا، لم يفارقها التفكير في الطفل و”فل”.
كانت تدرك جيدًا أن هذا لن يكون أمرًا جيدًا بالنسبة لها،
لكنها لم تستطع أن تمنع نفسها من التساؤل إن كان لديها فرصة للقاء ذلك الشخص، الذي لم يتعدّ بينهما اللقاء ليلة واحدة فقط.
كان بحوزتها عنوان كتبه لها، لكنها كانت حذرة من الذهاب إليه دون تفكير، خوفًا مما قد يحدث.
فمهما كانت حقيقته، فإن من تلك اللحظة فصاعدًا، لم يعد الأمر مجرّد علاقة عابرة، بل مسؤولية أكبر يجب أن تتحملها.
لكن الحقيقة أنها قد اتخذت قرارها بالفعل.
نعم، كانت تشعر بالندم، لكن الندم الآن لم يكن ليغير شيئًا.
خرجت “إلينا” من مكانها بسرعة، وسارت دون توقف نحو الغرفة العلوية الصغيرة التي كانت قد ملّت من التردد عليها.
لن يمنعها أحد اليوم من مغادرة هذا القصر.
فهذا بالضبط ما كانوا يريدونه.
أن تغادر “إلينا” القصر بعدما فقدت حقها الشرعي في الميراث.
يا لها من نتيجة ثقيلة لخطأ ارتُكب مرة واحدة.
كانت تغلي من الغضب وهي تتخيل “السيدة لاشيتيه” تضحك بصوتٍ عالٍ الآن، لكنها لم تكن قادرة على فعل شيء.
ماذا لو أنها اختارت أن تُجهض الطفل وتبقى في القصر حتى النهاية؟
سواء كان ذلك بإرادتها أو رغماً عنها، فإنها كانت ستبقى تعاني وحدها، وهي تحتضن بطنًا خاليًا من ذلك الطفل الذي كان ينمو في داخلها.
لا يمكن أن يختفي طفل ينمو داخلها بهذه البساطة، دون أي أثر.
ولو استمرت في العمل المرهق بتلك الحالة، فقد تسقط في مكان ما داخل القصر… وبالطبع، هي مجرد فرضيات، لكنها قد تموت حينها بالفعل.
لذلك، ما إن اتخذت “إلينا” القرار، حتى بدأت بالتحرك مباشرة.
كانت تدرك جيدًا أن مجرد بقائها هنا أكثر من ذلك قد يضر بالطفل من فرط التوتر.
فمنذ أيام، كانت تشعر بآلام في بطنها كلما اضطرت إلى أداء المهام المزعجة.
حتى لو خرجت من القصر الآن، لم يكن الطريق مسدودًا أمامها تمامًا للحصول على ميراث والديها اللذين أحباها كثيرًا.
ولذا، بدأت “إلينا” تتخلّى قليلًا عن مشاعر التردد.
كانت تفكر في ذلك الحل منذ فترة طويلة، وهو رفع دعوى ضد “السيدة لاشيتيه”، التي اقتربت عمدًا من طفلة صغيرة طمعًا في ثروة آل “فالوا”.
كانت فرصة الفوز بتلك الدعوى ضئيلة جدًا، ولهذا لم تكن تجرؤ على اتخاذ هذا القرار من قبل، لكن الآن، لم يعد لديها مكان تتراجع إليه.
صرير.
انفتح باب الغرفة العلوية المهترئة بقوة، وكأنها ستُكسر، وربما تحطمت إحدى زواياه بالفعل.
“لكن… ماذا عساي أن أفعل؟ يجب أن أجرب على الأقل.”
حتى الطفل في بطنها، لم يكن من المفترض أن يولد، إلا أنه وُجد رغم احتمالات ضعيفة.
رغم أنها لم تستخدم وسيلة منع حمل، إلا أن فرصة الحمل في ذلك الوقت لم تكن عالية أيضًا.
“لنذهب. سأحميك بنفسي.”
ما إن فُتح الباب بالكامل، حتى بدأت “إلينا” تجمع كل ما في الغرفة بسرعة.
وكانت الأشياء التي جمعتها متنوعة حقًا.
ملابسها المعلّقة في الخزانة.
الإكسسوارات الصغيرة التي قدمتها لها “السيدة لاشيتيه” منذ زمن بعيد.
بعض النقود التي كانت تتلقاها تحت مسمى “مصاريف المحافظة على الكرامة”.
ثم، بحذر شديد، جمعت بعض التذكارات التي كانت تخبئها في أركان الغرفة، والتي تذكّرها بعائلتها التي لم تعد موجودة.
بعض المجوهرات الجميلة التي ما زالت تبدو رائعة حتى الآن.
كان والداها يديران شركة “فالوا” التجارية بكل تفانٍ حتى اللحظة الأخيرة.
كانت تلك الشركة متخصصة في صنع وبيع المجوهرات التي كانت “إلينا” تحبها كثيرًا وهي صغيرة.
وحادث العربة الذي أودى بحياتهما، كان في طريق عودتهما من مفاوضات تجارية في الإمبراطورية المجاورة.
“كم من الوقت سأستطيع الصمود بهذا؟…”
في الواقع، لم تكن “إلينا” تعرف الكثير عن العالم الخارجي.
فمنذ أن فقدت والديها في سن صغيرة، عاشت تحت “حماية” السيدة لاشيتيه.
رغم الإهانة والمعاملة القاسية، كانت تحصل على الحد الأدنى من الطعام والمأوى.
ولم تكن تغادر القصر إلا في المهام البسيطة فقط.
“عليّ الخروج الآن. آه، هذا ثقيل جدًا. لن أستطيع حمل كل هذا.”
عندما حاولت حمل الحقيبة التي ملأتها بكل تلك الأشياء، أرخَت قبضتها سريعًا.
كان الأمر أشبه بالطمع الزائد.
بدأت تخرج الأشياء من الحقيبة واحدة تلو الأخرى، حتى وقعت عيناها على ورقة مكرمشة فوق الخزانة في زاوية الغرفة.
نعم، الورقة التي كانت قد سحبتها وهي تبحث قبل قليل.
كانت تنوي أولًا أن تذهب لرؤية “فل” عندما تخرج.
بغض النظر عن ما إذا كان يرغب في ذلك أم لا، فعليها إخباره. أن له طفلًا في هذا العالم.
وإن أمكن، أن يعيشا معًا…
وما إن وصلت أفكارها إلى ذلك الحد، حتى قطّبت “إلينا” حاجبيها من تلقاء نفسها.
بما أنها لا تملك شيئًا الآن، فما الذي يجعلها تفكر في الزواج أصلًا؟
ثم تذكّرت نفسها منذ أيام، حين كانت تفكر بأن وجود الطفل نفسه قد لا يكون أمرًا جيدًا.
كانت تشعر بالضيق.
صحيح أنها سترفع دعوى ضد “السيدة لاشيتيه”، لكنها لم تكن واثقة أبدًا من أنها ستكسب القضية.
وقد يرفضها “فل” أيضًا.
ماذا لو أنه كان ذو مكانة مرموقة، وكذب عليها وقال إنه من النبلاء الصغار؟
احتمال ضعيف، لكن… من أكون لأفكر بهذا الشكل؟
“آه، لا يهم. سيحلّ كل شيء .”
ربما عندما تنظر إلى هذا اليوم لاحقًا، لن يكون هو الخيار الأمثل،
لكن في هذه اللحظة، لم يكن هناك خيار أفضل.
من حياة مستقرة ممهدة، إلى هذا السقوط المدوي.
لا تدري كيف وصلت إلى هذا الحد.
أدخلت “إلينا” يدها بين خصلات شعرها الزيتوني، ثم فتحت حقيبتها للمرة الأخيرة لتتأكد من محتوياتها.
تخلّت عن الملابس الثقيلة، وأخذت فقط المجوهرات الثمينة والأشياء التي تحمل ذكريات عميقة.
وأخيرًا، ذلك الأثر الوحيد لـ”فل” الذي تنوي مقابلته الآن.
أمسكت الورقة المكرمشة التي كُتب عليها رقم طويل، وتحركت بكل قوتها.
—
* * *
“هل يمكنك أن تأخذني إلى هذا العنوان؟”
أخفت “إلينا” وجهها تحت عباءتها الوحيدة، واقتربت من مكتب تأجير العربات.
كانت هذه المرة الأولى التي تزور فيها هذا المكان، وبدت عليها علامات التوتر بوضوح.
بينما كانت تنظر حولها بقلق، أخذ السائق الورقة المكرمشة وتفحّصها.
أصدر صوتًا: “همم…” ولم يجبها بسهولة.
لكن “إلينا” لم تحاول الإلحاح، لأنها كانت تعلم أن ذلك لن يسرّع الإجابة،
فبدأت تتحقق مجددًا من ملابسها وحقيبتها بينما تنتظر بصمت.
لم يمنعها أحد من مغادرة القصر
قاد السائق “إلينا”، التي كانت واقفة بصمت، إلى داخل العربة الفارغة مطمئنًا إياها بأنه يمكنها الوثوق به.
وقبل أن تتمكن “إلينا” المتفاجئة من فتح فمها والتحدث، بادر السائق قائلًا إن العنوان غريب بعض الشيء لذا لم يستطع تمييزه على الفور، لكنّه أكّد أنه سيجده بسهولة إن انطلقت العربة.
وبما أنه قد حصل بالفعل على جزء من الأجرة مقدمًا، فقد بدا عليه إصرار واضح على عدم التخلي عن هذه الراكبة حتى النهاية. عند رؤية عزيمته القوية تلك، صعدت “إلينا” إلى داخل العربة.
كان الجزء الداخلي من العربة صغيرًا، لكن بدا أنه مُعتنى به جيدًا.
وقد كان من نفس مستوى العربات التي كانت “السيدة لاشيتيه” تسمح لها باستخدامها أحيانًا عندما ترسلها لقضاء المهام.
عربة تناسب خادمة في بيت من بيوت النبلاء المرموقة، أو إحدى النبيلات من الطبقة الدنيا.
أما بالنسبة لـ”إلينا”، الابنة النبيلة لعائلة “فالوا”، فكانت هذه العربة أقل من مقامها.
لكن… متى كانت آخر مرة اهتمت فيها بشيء كهذا؟
رغم ذلك، فإنها تختلف بالتأكيد عن العربات التي يستخدمها عامة الناس.
حتى السائق الذي يقودها، بدا عليه الفخر بكونه سائق هذه العربة.
بعد أن تأكّد مجددًا من العنوان، حمل السائق حقائب “إلينا” التي كانت بالخارج، وأغلق باب العربة بإحكام.
وبعد لحظات، بدأت العربة تتحرك تدريجيًا.
تكأت “إلينا” على المقعد بارتخاء، وراحت تحدّق عبر نافذة العربة.
مرت بجانبها وجوه ناس يبدون سعداء، يتجولون في الطرقات.
أناس لا ينقصهم شيء على ما يبدو.
“هل يمكنني أن أعيش مثلهم يومًا ما؟”
راحت “إلينا” تُمَرّر يدها على بطنها دون أن تشعر، وعيناها تتنقلان بين المشاهد المتحركة خارج النافذة، كما لو كانت تتبع مجرى ماء لا ينقطع.
خلافًا لتوقعها بأن الرحلة ستستغرق وقتًا طويلًا، بدأت العربة تهدئ من سرعتها بعد فترة قصيرة.
ربما لم يمر أكثر من ثلاثين دقيقة.
حينها توقفت “إلينا” عن التحديق في المناظر الخلابة، واعتدلت بسرعة لتنادي السائق.
“هل وصلنا؟”
نظرت حولها، لكنها لم تكن أمام مبنى محدد.
بل كانت العربة في وسط شارع واسع من النوع الذي يفضله النبلاء.
وإن كان لا بد من الإشارة إلى مبنى معين، فقد كان هناك مبنى ضخم يقف شامخًا أمامها…
“آه، لا، أعني… نعم، هذا هو، ولكن… هل أنتِ متأكدة من أن هذا هو العنوان؟”
قال السائق وهو يفتح النافذة الصغيرة التي تفصل بينه وبين داخل العربة، وقد بدا عليه التردد وهو ينظر باستغراب إلى ذلك المبنى.
كان المبنى محاطًا بسياج حديدي حاد وعالٍ.
أما المبنى الرئيسي، فقد كان ضخمًا لدرجة تُذكّر بقصر الإمبراطور نفسه.
حتى “إلينا”، رغم جهلها الشديد بتفاصيل مجتمع النبلاء، استطاعت أن تتعرف على الشعار المرسوم على العلم الذي كان يرفرف في الهواء.
“لا يمكن أن يكون هذا صحيحًا…”
وفي لحظة، مرّت آلاف الأفكار في رأسها.
وبلا وعي، بدأت تحرّك شفتيها بكلمات غير مسموعة.
“قصر دوق رينيز…؟”
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 10"