━━━●┉◯⊰┉ الفصل 24 ┉⊱◯┉●━━━
“هاه؟”
“قالت المربية إن الحلويات تجعلني أسمن… وقالت إنني إذا أكلت سأصبحُ بدينةً على الفور.”
نظرت رينا إلى داليا بذهول.
كيف يُمكن أن تُجبر طفلةٌ في السادسة من عمرها على الحذر من طعامها خوفًا من السمنة!
في عيني رينا، كانت داليا مجرد طفلة ذات جسم ممتلئ بشكل لطيف.
إذا دقّقنا النظر، فإن ما تملكه هو خدود طفولية لطيفة وليس بدانة.
بل إن جسمها، مقارنة بأقرانها، يمكن أن يُعتبر نحيفًا بعض الشيء.
شعرت رينا بالضيق وهي ترى طفلة لا تتناسب أبدًا مع وصف ‘بدينة’ تخاف بهذا الشكل من السُمنة.
“إذًا، لن تأكلي؟”
أومأت داليا برأسها بعنادٍ وتردد.
رأت رينا تردد داليا المستمر في الأكل، فأخذت السكونز بنفسها، ووضعتها في طبق، ودهنتها بكمية وفيرة من الجبنة الكريمية.
【ملاحظة/سأشرح معنى السكونز في نهاية الفصل، ولكنها تعني نوعًا من أنواع الحلوى ببساطة.】
كسرتها إلى قطع صغيرة ووضعت واحدة في فمها، تمضغها ببطء، حتى رأت داليا تبتلع ريقها بلهفة.
قرأت رينا تلك النظرة المتوقدة في عينيها، فقالت:
“في الحقيقة، أنتِ ترغبين في تناولها، أليس كذلك، داليا؟”
حينها انتفضت داليا.
عندما أظهرت داليا اضطرابها، وضعت رينا قطعة سكونز في طبقها وقالت:
“وقت الشاي بعد الظهر هو من أساسيات الآداب. مشاركة الطعام اللذيذ تجعلنا نقترب من بعضنا تلقائيًا. لذا، يجب أن تعرفي كيف تستمتعين بالطعام، أليس كذلك؟”
في الحقيقة، لم يمضِ وقت طويل منذ بدأت رينا نفسها تستمتع بالحلويات بهذه الراحة.
بعد اختفاء أخيها الكبير في الماضي، لم تكن قادرة على تناول أي شيء لفترة.
وعلاوة على ذلك، بعد فترة وجيزة، سُجنت في قبو على يد الإمبراطور، لذا كانت تعتمد على ذكريات بعيدة قبل كُل هذا وهي تُعلم داليا.
“هيا، جربي.”
“آه.”
وضعت داليا، دون أن تدرك، قطعة السكونز التي ناولتها إياها رينا في فمها ومضغتها.
ثم لمعت عيناها وهي تهمس:
“لذيذة جدًا.”
“أليس كذلك؟ هذه السكونز تتناسب أكثر مع الجبنة الكريمية بدلا من المربى. وهذا الشاي سيكون مناسبًا معها.”
صبّت رينا الشاي بنفسها وقدمته لداليا، فتناولته وشربت.
كان مزيج السكونز المقرمش والشاي الأسود رائعًا جدًا.
عندها، بدأت داليا تمسك بالشوكة بنفسها وتتذوق الحلويات واحدة تلو الأخرى.
نظرت رينا إليها بابتسامة راضية، واستمتعت هي الأخرى بوقت الشاي بعد مرور فترة طويلة على مثل هذه الراحة.
***
في المساء، تناولت رينا العشاء مع كايدن.
منذ وصولها إلى الشمال، كان من الصعب رؤية كايدن.
بسبب الوضع المزدحم في الإقليم والتدريبات العسكرية، كان من النادر رؤيته إلا في المساء.
ومع ذلك، كان يحرص دائمًا على قضاء وقت العشاء معها.
كانت تشعر بالامتنان لأنه، رغم مسؤولياته الكبيرة، يعاملها بدفء على الرغم من أن زواجهما مجرد عقد.
في تلك اللحظة، سأل كايدن بهدوء:
“كيف كانت الدروس؟”
ثم وضع قطعة ستيك مقطعة بدقة أمام رينا بشكل طبيعي.
نظرت رينا إلى اللحم المقطع بعناية بذهول.
كانت القطع مربعة تمامًا، كما لو أنها قُطعت بيد تمسك السيف بمهارة.
بينما كانت تحدق في اللحم دون حراك، حثها كايدن:
“كُلي.”
لطالما شعرت أن له جانبًا غريبًا من اللامبالاة مصحوبًا بلمسة من اللطف.
شعرت رينا، وهي تتلقى هذا الاهتمام الدقيق، بحرارة في وجنتيها.
“شكرًا.”
مضغت قطعة من اللحم وأجابت:
“الدروس كانت جيدة. داليا طالبة سريعة التعلم، كان من الممتع تدريسها.”
“حقًا، لقد كانت ذكية منذ صغرها.”
ابتسم كايدن ابتسامة خفيفة وهو يمدح ابنة أخته.
كان حبه لها واضحًا من النظرة الأولى.
شعرت رينا بوخز في قلبها عندما تذكرت ماضيها الذي سلب منه كل شيء، خاصة وأنها بدأت تشعر بتعلق خاص بداليا الآن لذلك تريد أن تجعلها سعيدةً.
في تلك اللحظة، قال كايدن:
“يبدو أنها تتبعكِ بشكل جيد. كانت دائمًا تتشاجر مع معلميها السابقين، لذا تم استبدالهم كثيرًا.”
“حقًا؟ لم أشعر أبدًا بأنها ترفض الدروس أو تكرهها…”
“طباعها رقيقة، لذا كان هناك من يحاولون استغلال ذلك. بالطبع، السيدة ماري كانت دائمًا تتخلص منهم.”
توقفت رينا لحظة عند ذكر اسم السيدة ماري.
‘قالت المربية إنه ممنوع…’
حتى في درس واحد فقط، شعرت رينا مرات عديدة أن السيدة ماري تحاول التحكم بداليا بشكل غير مباشر.
كانت داليا تذكر المربية في نهاية كل جملة وتتردد.
كانت رينا تعرف جيدًا ما يعنيه ذلك.
فهي نفسها استُغلت بهذه الطريقة من قبل الإمبراطور، لذا لم تستطع إلا أن تلاحظ الأمر.
وعلاوة على ذلك، كان يراودها شعور بأنها تفوت
شيئًا ما.
وعلى غرار هذا…سألت رينا بنبرة قلقة:
“هل تثق بِالسيدة ماري، يا كايدن؟”
فوجئ كايدن بسؤالها المفاجئ، فأجاب بلا مبالاة:
“إنها امرأة خدمت داليا لفترة طويلة، لذا يمكن اعتبارها جديرة بالثقة. لماذا؟ هل شعرتِ بشيء غريب؟”
“كنتُ فقط أتساءل.”
توقفت رينا عن الحديث. لم تكن قد فهمت بعد نوايا السيدة ماري بالكامل.
التسرع في الحديث قد يضعها في موقف محرج.
كانت السيدة ماري شخصية موثوقة لفترة طويلة.
لم تكن متأكدة مما إذا كان كايدن سيثق بكلامها، وهي التي لم يمضِ وقت طويل على معرفته بها.
قررت رينا أن تظل حذرة حتى تتأكد أكثر، فسألت بهدوء:
“هل يمكنني رؤية قائمة بأسماء معلمي داليا السابقين؟”
ضحك كايدن بخفة وقبل طلبها بسهولة:
“سأطلب من دايف ترتيب ذلك.”
ثم سألها:
“بالمناسبة، بعد أسبوعين سيكون عيد ميلادكِ. هل هناك شيء ترغبين به؟”
“آه.”
تنهدت رينا بهدوء. منذ وصولها إلى الشمال، كانت منشغلة لدرجة أنها نسيت عيد ميلادها، وهو من أهم المناسبات.
تجولت بنظرها حولها بعدم تركيز. ثم، عندما رأت كايدن أمامها، شعرت بأسى.
فكرة أنها لن ترى هذا الوجه بعد فترة وجيزة جعلتها تشعر بفراغ أكبر مما توقعت.
البشر مخلوقات غريبة حقًا. فرحة استعادة بصرها في البداية أصبحت الآن أمرًا عاديًا جدًا.
كانت تعيش لحظات عابرة وكأنها أبدية.
على أي حال، بعد أسبوعين، سينتهي هذا العالم السعيد الذي قامت ببنائهِ في خيالها.
نظرت رينا إلى وجه كايدن بصمت.
عندما أظلمت ملامحها فجأة، مال كايدن برأسه متسائلًا.
اقترب منها ووضع يده على جبهتها وسأل:
“هل أنتِ بخير؟”
“لا… لا، أنا بخير. أي شيء سيكون جيدًا. لكن، متى تنوي عقد العهد؟”
تراجعت رينا خطوة إلى الخلف، فتوقف كايدن لحظة.
شعر بالحرج لتصرفه العفوي.
سحب كايدن يده بتردد وأكمل:
“هل تفكرين حقًا في عقد العهد؟”
“بالطبع. ألم يكن هذا هو اتفاق زواجنا؟”
زواجٌ بالعقد.
كانت هذه العبارةُ تزعج كايدن بشكل خاص.
في البداية، قبل الاقتراح لأنه لم يثق برينا التي ظهرت فجأة.
لكن الآن، كان يتردد في عقد العهد معها.
فكرة أنه لا يريد تعريضها للخطر كانت غريبة عليه.
عهد التنين يعني جعل الطرف الآخر تابعًا له.
في اللحظة التي يُعقد فيها العهد، تصبح حياة الطرف الآخر ملكًا للتنين.
إمكانية إيقاف قلب الطرف الآخر في أي لحظة تجعل العلاقة واضحة بسهولة.
حتى الإمبراطور الأول، الذي كان صديقًا لكرينسيا، كان يخشاها بشكل غير مباشر، مما يجعل النتيجة واضحة.
لم يرد كايدن أن ترى رينا فيه مصدرًا للخوف.
أراد فقط أن يكون علاقتهما متساوية، فغيّر الموضوع فجأة:
“ليس هناك ما يستعجل، أليس كذلك؟”
“ماذا؟”
“بدلاً من ذلك، ما الذي ترغبين في فعله في عيد ميلادكِ؟”
“إذا كان حفل عيد ميلاد، فمن الأفضل إقامته في اليوم السابق.”
“ليس في اليوم نفسه؟”
أظهر كايدن تعبيرًا متعجبًا، فضحكت رينا بحزن.
بدأت الحمى في يوم ميلادها بالضبط.
لم تكن تريد أن تسقط مغشيًا عليها أثناء الحفل وتفسد الاحتفال.
للأمان، كان من الأفضل إقامة الحفل في اليوم السابق.
بالطبع، كان هذا اقتراحًا غريبًا بالنسبة لكايدن، الذي لا يعرف ظروفها.
عادةً، يفضل الناس إقامة الحفلات في يوم الميلاد نفسه.
حينها قالت رينا:
“في ذلك اليوم، أريد أن أقضيه بهدوء. هل يمكنكَ البقاء معي؟”
{توضيح/ السكونز (Scones) هي فطائر بريطانية صغيرة تُخبَز من الطحين والزبدة والحليب، وتكون هشّة من الداخل.
تُقدَّم عادةً مع المربّى والكريمة وتعد جزءًا من وقت الشاي الإنجليزي، ويمكن أن تكون حلوة أو مالحة.
ويقال أن كلمة سكونز تم أخذها من اللغة الهولندية القديمة أو اللغة الأسكتلندية وتعني الخبز الجميل.}
__تَرْجم بِكلِّ حُبٍّ مِنْ قَبْلِ كَارِيبِي
التعليقات لهذا الفصل " 24"