استمتعوا
“كلا، ما أريده هو محبة من عائلتي فقط، لذا لا حاجة لي بمحبتك.”
حينما سمعتُ أن سوفيلا قد تفوهت بهذه الكلمات وسط حفلة نظمتها عائلة الماركيز، وقد صاحبتها مهارة مذهلة لفتت الأنظار، لم أتمالك نفسي من الضحك.
آه يا سوفيلا… كما كنت أظن، لم يكن لك سندٌ حقيقي سواي أنا.
حتى بعد زواجك، من كنتِ تبحثين عنه حقًا هو أنا، أخوكِ الحقيقي.
وإن كنتِ كذلك… فأنتِ بلا شك ستساعدينني، أليس كذلك؟
رغم أنني لم أكن لكِ عونًا من قبل، إلا أنني لطالما خاطبتكِ بكلمات رقيقة. لذا، فإنكِ، التي كنتِ تضعين آمالك فيّ، ستنقذينني من هذا الوضع الأليم، أليس كذلك؟
“قلتِ إنّ الكونت أخذ ثروته ورحل؟“
لم أصدق ما سمعته من أمي، فأعدتُ عليها السؤال.
لكنها لم تزد عن البكاء، ولم تبح لي بالتفاصيل.
لماذا؟ لماذا يفعل أبي ذلك في وقتٍ عصيبٍ كهذا؟
لقد ظننتُ دومًا أنه يحبني.
صحيحٌ أنه لم يسمح لي قط بأن أناديه ‘ابي‘،
وكان الوحيد في هذا القصر الذي تعامل مع سوفيلا ومعي بالطريقة ذاتها…
بل إنه تجاهلنا كليًّا دون تفريق.
رغم ذلك، كنتُ أظن أن في موقفه ذاك شيئًا من المحبة.
لطالما دللتني أمي حد التعلّق، لذا ظننت أن أبي إنما يتشدّد معي ليوازن الكفّة، فلا أفسد بسبب محبة أمي المفرطة.
ومع ذلك، في هذا الظرف العصيب، وبعد أن ألقي القبض على كبير الخدم الذي كان يتولى إدارة الإقطاعية بأكملها،
يأتي الكونت، أبي، ويهجر عائلة الإيرل ستانلي؟
“لكن… لكن جاريت سيصبح كونتًا… آه… ابني جاريت… سيصبح الكونت…”
هكذا ظلت أمي تكرر الكلمات كآلة معطلة، وهي تبكي بلا توقف.
حتى لو أصبحت أنا رئيس هذه العائلة،
ما الذي سأرثه سوى الظلمة؟ المستقبل حالك السواد.
لقد قررت الدولة إرسال مسؤول حكومي للإشراف على العائلة، ضمانًا لعدم تكرار المخالفات.
أنا أملك مهارة ‘الإدارة‘،
فربما أستطيع مع ذاك المسؤول إعادة بناء الوضع المالي.
لكنّ رأس المال اللازم لذلك… كان أبي، الكونت، قد هرب به!
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن فضائح أمي وسلوكها اللاإنساني جعلت سمعة عائلة ستانلي تهوي إلى الحضيض.
فمع افتضاح أمر الإساءة التي كانت تُمارس على سوفيلا،
ظهرت شهادات الخدم الذين تركوا العمل مسبقًا، مما أظهر للعالم المعاملة المهينة التي تلقّتها جدّتنا أيضًا على يد أمي.
ومع تردي هذه السمعة،
لم يعد هناك نبيل واحد قد يقبل بمساعدتنا.
لكن سوفيلا…
سوفيلا، التي أصبحت الآن دوقة لعائلة براون…
هي وحدها كانت دوماً إلى جانبي.
هي من ستسارع بمساعدتي.
تحقيق الاستقرار المالي، واستعادة السمعة الاجتماعية…
كلاهما صارا في متناول يدها الآن.
★☆★
“سوفيلا… مضى وقتٌ طويل، أليس كذلك؟“
استجابت لرسالتي التي كتبتُ فيها ‘أود رؤيتك‘،
وهكذا اجتمعنا مجددًا في قصر دوقية براون.
مرّت ستة أشهر، وسوفيلا التي التقيتُ بها كانت مختلفة تمامًا عن تلك التي غادرت قصر ستانلي.
شعرها الذي كان باهتًا يابسًا اصبح يلمع ببهاء،
جسدها النحيل اصبح ممتلئًا ناعمًا، وأهمّ من كل ذلك، نظراتها.
تلك النظرات التي وجهتها إلى دوق براون المرافق لها،
لم أرها يومًا أكثر هدوءًا وسكينة مما كانت عليه الآن.
“سُررتُ بلقائك مجددًا، سيد جاريت.”
“لا تكوني رسميّة هكذا… كما في السابق، ناديني ‘أخي‘، لا بأس.”
“شكرًا لك.”
كان وجهها حين قالت ذلك مفعمًا باللطف،
مما جعلني أشعر بالطمأنينة.
استُقبلتُ بشاي فاخر وحلويات لم أذق مثلها حتى في قصر الكونت، فغرقت في نشوة التفوق.
أجل، ما زلتُ أنا وحدي العائلة الحقيقية لسوفيلا.
وبينما كنا نتبادل أطراف الحديث في جو من الألفة،
سألتها عن أمرٍ طالما شغل بالي.
“سوفيلا… ألم تكن امي قد منعتكِ من استخدام مهاراتك في قصر ستانلي؟ أنا بالطبع شعرت بالأسى من أجل ذلك…
لكنكِ استخدمتِ مهاراتك في ذاك اليوم، فهل كنتِ تتدرّبين خفيةً؟“
“لقد خالفتُ أوامر الكونتيسة مرةً واحدة، وذلك في ذلك اليوم فقط.
لم أستخدم مهاراتي يومًا، ولا حتى لاختبارها، داخل قصر عائلة ستانلي.”
“هذا مستحيل… وإلا كيف تمكنتِ من استخدامها بذلك الشكل المتقَن؟“
“كنتُ أُجري تدريباتي في ‘الأحلام‘. كانت أوامر الكونتيسة ‘يُمنع استخدام المهارات ولو لمرة واحدة داخل هذا القصر‘.”
“الـ… الأحلام؟“
ماذا تقول؟ هل تسخر مني؟
“إنها مهارة لأختي رين. أليست رائعة؟ كل ما أتعلمه داخل ‘الحلم‘ يُختزن في واقعي كخبرة حقيقية. هكذا تعلّمتُ كل شيء من آداب السلوك إلى المهارات، وتلقّيت التعليم من أفراد عائلة دوق براون في أحلامي.”
من كانت تُدعى تلك الفتاة المليئة بالندوب… كانت مهارتها بهذه القوة؟ تبا… لماذا مهارتي أنا تافهة لهذه الدرجة؟
إن كنتُ محبوبًا من أمي، فالمهارة الخارقة يجب أن تكون من نصيبي!
“لكن انتظري! ألم تقابلي الآنسة رين للمرة الأولى بعد زواجكِ من دوق براون؟ أصلاً، زواجكِ تم بعد مغادرتكِ القصر بقليل، فكيف يمكن أن يكون كل هذا التدريب قد جرى في فترة قصيرة كهذه؟“
سؤالي كان وجيهًا لا غبار عليه،
لكنها ضحكت مع دوق براون، ثم نظرت إليّ بلطف، وقالت.
“سرّ صغير.”
ماذا؟ تخفين أمرًا عني؟ أنا من كنتِ تعتبرينه عائلتك الوحيدة؟
غمرني الغضب، فقطعتُ الحديث العابر ودخلتُ في صلب الموضوع.
“سوفيلا… أنا أحبكِ.
لذلك أرجوكِ، ساعديني، وساعدي عائلة ستانلي!”
رويت لها كل شيء…
لأختي التوأم الوحيدة في هذا العالم.
وهكذا… حسبتُ أنني سأُنقَذ.
وسأعطيها بالمقابل ما تريده: حب العائلة.
فأنا القادر على منحه لها،
لذا كنت أظن أنني وأمي وعائلة ستانلي… سننجو.
“آسفة… لا أملك القوة التي تؤهلني لإنقاذك، سيد جاريت.”
لكنها، بوجهٍ بدا عليه الأسف، وإن خُيّل لي أنه مُصطنع…
نطقت بكلمات لم أستطع تصديقها.
“ماذا تقولين؟! هذا غير معقول!
أنتِ دوقة براون، كيف لا يمكنكِ مساعدتي؟!
أنا في محنة شديدة! طلبتُ العون لأول مرة!
كيف لكِ أن ترفضي؟ هذا قاسٍ جدًا!”
صرخت من فرط الصدمة، لكنها مع ذلك، نظرت إليّ بلطف.
“سيد جارِت… أشعر بالحزن لما آلت إليه أحوال عائلة ستانلي. وأعتذر لأنني عاجزة عن تقديم العون. لكن لا تقلق… أنا هنا. وسأبقى دومًا في صفك.”
ما الذي تقوله هذه المرأة؟
هل تظن أن كلماتٍ جوفاء كهذه ستنقذني؟
ثم كيف تزعم أنها عاجزة؟
وهي من تعيش في وضع أفضل مني بكثير!
أنا لا أريد اعتذارها الكاذب،
ولا كلماتها الرقيقة الملفقة…
لا أريد شيئًا سوى العون!
هي تملك القوة لمساعدتي… فلمَ لا تفعل؟
… لا، بل… هذا… إعادة تمثيل…
نعم، إنه تكرار…
لذلك اليوم، قبل ست سنوات…
حين طلبت سوفيلا عوني،
فأجبتها بـ ‘كم هو أمر مزعج‘…
ثم تخلّيت عنها…
الآن انقلبت الأدوار.
وهذا المشهد… ما هو إلا تكرارٌ لما جرى.
كلمات سوفيلا…
نظراتها…
كانت نسخةً منّي، حين تركتها وحيدة.
رغم اختلاف لون العيون بيننا، إلا أن ملامحنا متشابهة.
إذًا… فذلك الوجه، الذي رأته سوفيلا في ذاك اليوم، حين توسّلت إلى أخيها التوأم للمرة الأولى… كان هذا هو وجهه…
وجهٌ بلا دفء، قناعٌ مزيّف…
الآن فقط، أدركت…
كنتُ أظن أنني تخلّيت عن سوفيلا يومها،
وأنها لم تلحظ ذلك، وأنني ما زلتُ في نظرها الأخ الرحيم الوحيد…
لكن… لا.
هي أيضًا، كانت قد تخلّت عني.
تخلّت عن كل أملٍ في ‘أخيها‘ .
“لا تقلق… أنا وحدي في صفك، سيد جاريت.”
كلماتها تلك، وملامحها تلك، كان من المستحيل أن تمنحني السلوى. أو أن تبعث في قلبي الأمل.
بل على العكس… كانت تعني بوضوح.
“أملك القوة، لكنني لن أستخدمها لأجلك.”
وهكذا، سقطت في اليأس.
كما سقطت سوفيلا في ذاك اليوم تمامًا.
★☆★
“جاريت! كيف كانت النتيجة؟!”
حين عدتُ إلى المنزل أخيرًا، وجدتُ أمي بانتظاري،
كما كنتُ أنا قبل الانطلاق، مفعمةً بالأمل لا تشك في حصولنا على المساعدة من دوقية براون.
“… لم نحصل على شيء…”
كنتُ مرهقًا حد الإنهاك،
فاكتفيتُ بإخبارها بالحقيقة.
ولم أعد حتى راغبًا في الحديث معها.
بل إنني بدأتُ أتساءل في داخلي…
لو لم تكن أمي قد أساءت معاملة سوفيلا…
“لا بأس، لا تقلق… سأذهب بنفسي لأقابل سوفيلا. إن تحدثتُ معها بصدق، فستفهم. ففي النهاية، نحن عائلة.”
عندما نطقت أمي بهذه الكلمات،
وعيناها تتلألأ بطريقة مريبة…
راودني شعورٌ سيئٌ للغاية.
تذكرتُ كلمات سوفيلا…
“كلا، ما أريده هو محبة من عائلتي فقط، لذا لا حاجة لي بمحبتك.”
لم أعد أجد في هذه الكلمات ما يُضحك.
لا أعرف ما الذي تعنيه سوفيلا بـ ‘العائلة‘ ،
لكنني على يقين،
أنني لم أعد جزءًا منها.
منذ تلك اللحظة التي غادرت فيها،
وعيناها الحمراوان تطفئهما حزنٌ عميق…
سوفيلا…
لم تعد تعتبرني من العائلة.
ولم أعد أنا من يستحق محبتها.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 10"