على الرغم من أنه قد تقرّر أن تُحكَم بالإعدام، كنتُ ما أزال أظنّ أنّ مكانتها بصفتها صاحبة قدرة التطهير قد تُخفّف من عقوبتها. لكن إن كانت تلك القدرة في طريقها إلى الزوال—
ابتلعتُ ريقي الجاف.
وكأن روبليت قد فهم ما يدور بذهني، أجاب ببطء ووضوح:
“قضيّة الإيستالوت تأجّلت بسبب الحداد الوطني، لكنها الآن تُحقَّق بجدّية. ما لم يحدث أمر غير متوقّع، فالأحكام ستتدرّج بين السجن المؤبّد والإعدام، تبعًا لجسامة الجريمة.”
“فهمت.”
وهذا يعني أنّه لن تكون هناك فرصة لرؤية تيرييل خارج السجن أبدًا. وكذلك الحال مع الكونت إيسيت والبارون ألفريد.
أما البارون ألفريد، الذي زوّد الإيستالوت، فمصيره حتمًا الإعدام… أمّا ديانا فقد نجت بفضل طلاقها. وماذا عن دوفال ورايلا؟ سمعتُ أنّ ممتلكاتهما آلت إلى جيرالد.
جمعتُ ما كنت أعلمه قبل غيبوبتي مع ما سمعته من روبليت، وأخذتُ أفكّر في كيفية الاستعداد للأحداث القادمة.
وبينما كنتُ غارقة في التفكير، رفع روبليت بصره قليلًا وكأنّه تذكّر شيئًا، ثم قال:
“هل تنوين حقًّا تعلّم المبارزة؟”
“أفكّر في الأمر. أمّا أنت، فحتى لو فقدتَ قدرتك، فلن تفقد فجأة مهارتك في استخدام السيف، صحيح؟”
“بما أنّ جسدي قد تأقلم بالفعل، نعم. باستثناء قدرة الضربة القاضية، لن يتغيّر الكثير في مهارتي.”
“يا لك من محظوظ. أمّا أنا… فماذا عساي أفعل؟”
تنهدتُ لا إراديًّا.
فبفضل قدرتي على التحكّم بالمتاهة، كنتُ أتمكّن من إخضاع أعضاء النقابة الأشقياء رغم ضعف جسدي. لكن الآن… ماذا بوسعي أن أفعل؟ لا يمكنني أن أتقن فن المبارزة بين ليلة وضحاها.
وحين كانت القدرة في جسدي، كنتُ أشعر دائمًا بأنها عبء يثقّل كاهلي ويجعلني عاجزة. لكن بعدما فقدتها، فها أنا الآن أفتقدها.
ماذا عليّ أن أفعل؟ ألن يستغلّ أولئك الفرصة لمحاصرتي من جديد؟ وبينما كنتُ أفكّر بقلق، قال روبليت بنبرة منخفضة:
“أظن أنّكِ لستِ مضطرّة للقلق. حينما تنكّرت كعضوٍ في نقابة غريم ريبر وتحققتُ بنفسي أنّ…”
“هاه؟ ماذا قلت؟”
لقد خفَت صوته فجأة، فلم أسمع جيدًا. وحين طلبتُ منه أن يعيدها، اكتفى بهزّ رأسه قائلًا بخفّة:
“لا شيء. على أيّة حال، إن أردتِ تعلّم المبارزة فأخبِريني في أي وقت. فأنا أجيدها على كل حال.”
…هل كان مجرّد وهم، أم أنّه كان يعلم حقًّا ما يقلقني؟ أملتُ رأسي قليلًا وقلتُ ببرود:
“لكن مهارتك لا تُضاهي مهارة سموّ الأمير رينوس. لذا من الطبيعي أن أتعلّم من سموّه.”
“هل كان لا بدّ أن تقولي هذا؟”
“إنها الحقيقة.”
“إذن إن تغلّبتُ على سموّ وليّ العهد، فهل ستقبلين أن تتعلّمي مني؟”
“لا مبارزات.”
رمقتُه بصرامة: لا تُرهق نفسك في معركة خاسرة.
عندها ارتفع بصر روبليت كقطّ غاضب، فعيناه مالتا إلى الأعلى بحدّة. لم أتوقّع أن أراه يُظهر مثل هذا التعبير.
لكن، بالنظر إلى أنه كان يُعتبر الأقوى في الإمبراطورية، ثم يتلقّى أول هزيمة له على يد رينوس، فلا عجب أنّه كان يتوق للثأر.
وبينما فسّرتُ عزيمته بتلك الطريقة، لوّحتُ بيدي كمن يحثّه على التراجع وعدم الإقدام على تهوّر.
لكن، ورغم محاولتي منعه، لم يمضِ وقت طويل حتى تحدّى روبليت رينوس في مبارزة غير رسمية.
وكانت النتيجة… هزيمة نكراء.
・ 。゚ ✧ : * . ☽ . * : ✧ ゚。 ・
حينما انتشر الخبر بأنّ دوقة لابرينث، التي ظلّت طريحة الفراش أشهرًا، قد استيقظت أخيرًا،
تقاطر الكثيرون لزيارتي، يحملون الهدايا الثمينة ويغدقون عليّ عبارات الدعاء بزهوٍ مبالغ فيه من أجل شفائي.
ولأنني لم أستعد عافيتي بعد، كنت مترددة في التصديق… لكن يبدو أنّ الأمر حقيقة: لقد باتوا ينظرون إليّ بوصفي “بطلة أنقذت الإمبراطورية”.
ومن بين الضيوف الذين قدموا إلى الدوقية كان جيرالد وأليس.
أهداني جيرالد كتابًا لأتسلّى بقراءته وقت فراغي، أمّا أليس فقد أصرّت أن أجمل الهدايا هي الأغلى ثمنًا، فأهدتني دمية صغيرة على هيئة أرنب، مصنوعة بالكامل من الجواهر.
لقد كان حقًا هدية تليق بهما تمامًا.
خلال الأشهر القليلة التي لم أرهما فيها، كان الاثنان قد تجاوزا حدود العلاقة التعاقدية وتطوّرا إلى عاشقَين حقيقيَّين. وبالطبع، بدا واضحًا أنّ أليس تكنّ مشاعر أعمق بكثير لجيرالد، أكثر مما يكنّه هو لها.
“أنتِ حقًا حمقاء لدرجة أن تُصابِي بالمرض. هل تدركين كم قلق السيّد جيرالد عليكِ؟ كان عليكِ أن تعتني بنفسكِ أكثر… يو!”
وبينما كانت أليس تتذمّر بنبرة توبيخ، أضافت على عجل لاحقة الاحترام “يو” عند رؤيتها نظرة جيرالد المحذّرة.
بما أنّني دوقة، وهي ابنة ماركيز، كان من الطبيعي أن تخاطبني بنبرة الاحترام. لكن أليس، التي لا تملك سوى كبريائها، كانت ترفض بعناد أن تعترف بأنني أعلى منها مكانة.
تنهد جيرالد بخفّة معتذرًا:
“آسف، أليس ما زالت طفولية بعض الشيء.”
“سيّد جيرالد!”
فقلتُ لها متعمّدة وضعها عند حدّها:
“من الآن فصاعدًا، من الأفضل لكِ أن تخاطبيني بالألقاب. وإلا فسأعارض علاقتكما.”
“ماذا…!”
عندما تعمّدتُ أن أخاطبها بنبرة آمرة، عضّت أليس على شفتيها واحمرّ وجهها تمامًا.
ومع ذلك لم تستطع الرد، فاكتفت بأن تدير رأسها بعناد، مطويةً ذراعيها على صدرها وهي تزمجر في سرّها.
كان واضحًا أنّها تفضّل الصمت المطلق على أن تنطق بكلمات الاحترام.
وبما أنّ ذلك كان خيارها، كففتُ عن الاكتراث لها وعدتُ ببصري نحو جيرالد.
“كيف هي الأمور مع كونت إيسيت؟”
“لقد عُثر في مكتبة الكونت السرية على وثائق تثبت أنه حاول التلاعب بوالدنا ليجعله دمية في يده من خلال الإيستالوت.”
لكن الكونت إيسيت، المعروف بدهائه، لم يكن ليدع خلفه أدلةً تدينه على هذا النحو. كان الاحتمال الأكبر أن هذه الوثائق مزوّرة من صنع جيرالد نفسه.
ومع ذلك لم أشأ أن أعلّق على الأمر، فيما واصل جيرالد حديثه بهدوء دون شرح إضافي:
“لقد جُرّد الكونت من لقبه. أمّا ثروته، كما تعلمين، فقد كنتُ قد حوّلتها باسمي مسبقًا، فلم يتبقَّ له شيء. الكونت—لا، إيفال—حُكم عليه بالإعدام. أمّا أبناؤه، فسيُرسلون إلى المناجم بموجب مبدأ العقاب الجماعي.”
“فهمت.”
إذا كان سيّد الأسرة قد حُكم عليه بالإعدام، فإن إرسال أبنائه إلى المناجم وحده يُعدّ عقوبة رحيمة نسبيًّا بمقياس العقاب الجماعي. أومأتُ ببرود.
وبعد أن أنهيتُ لقائي مع جيرالد، شرعتُ أستعدّ بمساعدة ماي لخروجي الأول بعد غياب طويل.
・ 。゚ ✧ : * . ☽ . * : ✧ ゚。 ・
وفي أول خروج لي، قصدتُ القصر الإمبراطوري لتحية الإمبراطور، ثم توجهتُ مباشرة إلى “نقابة التلاعب بالحب في سيل”.
“سيّدتي!”
“لقد أتيتِ أخيرًا!”
“لقد افتقدناكِ كثيرًا!”
وما إن فُتحت الأبواب الحديدية الثقيلة—المشهورة بعزلها التام للصوت—حتى اندفع رجال يرتدون ملابس سوداء من كل جانب يحيّونني بحماس.
كان المشهد أقرب إلى كلاب ضخمة تهزّ ذيولها مرحًا، فوجدتُ ابتسامةً ترتسم على وجهي من دون أن أشعر.
وما هي إلا لحظات حتى تقدّم ليدر إلى مقدمة أعضاء النقابة، ثم جثا على ركبة واحدة ومدّ إليّ باقة ضخمة من الزهور.
“تادا! إنها هدية بمناسبة عودتكِ!”
قلتُ ضاحكة وأنا أستلمها:
“آه، حقًا. ما قصة هذا الـ ‘تادا’؟”
لكن سرعان ما أدركتُ أن الباقة لم تكن من زهور حقيقية، بل مصنوعة من جواهر نفيسة.
وخز أنفي فجأةً من تأثّر غير متوقّع، وفي تلك اللحظة بدأ أعضاء النقابة يغنّون بصوت واحد:
“نهنّئكِ بعودتكِ! نهنّئكِ بعودتكِ!”
“لأج… أحم أحم، لسيّدتنا الحبيبة—”
“نهنّئكِ بعودتكِ!”
“واااااااه!”
ثم دوّت التصفيقات الصاخبة من كل مكان، بينما كانت الألعاب النارية السحرية، التي أُطلقت من اللفائف، تنفجر من حولي في الأرجاء.
ضيّقتُ عينيّ حتى لا يلاحظ أعضاء النقابة الدموع التي بدأت تترقرق. لكن ليدر كان يثرثر كعصفور، بنبرة يملؤها الأسف.
“ألن تبكي؟ صغيرتي أقسمتُ أنّكِ ستنفجرين بالبكاء في هذه اللحظة.”
وعند سماع ذلك، تلاشت الدموع على الفور. تَبًّا له، ألن يكفّ عن ترديد كلمة “صغيرتي” تلك؟!
“إن كنتَ تريد أن تجعلني أبكي، فلتجلب لي عربة مرصّعة بالجواهر على الأقل.”
“كما هو متوقّع من دوقتنا، معاييركِ فاخرة.”
“بصراحة، لو لم تقل ذلك، لكنتُ بكيت حقًا.”
“كنتُ أعلم أنكِ ستفعلين، ولهذا قلته.”
ابتسم ليدر بخبث، نفض الغبار عن ركبتيه، وقادني نحو مكتب سيّد النقابة.
غرفة السيّد، التي عدتُ إليها بعد ثلاثة أشهر، كانت على نحوٍ مدهش مطابقة لآخر ما رأيته، لم يتغيّر فيها شيء.
وهذا يعني أنّه لم يطأها أحدٌ في غيابي.
…… في الحقيقة، شعرتُ ببعض الصدمة.
فحتى وإن كان ليدر وأعضاء النقابة قد أقسموا بولائهم لي، إلا أنّ البداية كانت بسبب السلطة القهرية للمتاهة. ثم فجأة انهرتُ ذات ليلة في حالة احتضار لا أمل منها. كنتُ أتوقّع أن تظهر بعض الشقوق في صفوفهم على الأقل.
لكن الأمر بدا وكأنني لم أغب سوى في عطلة قصيرة.
وعندما رمقته بنظرة دهشة، بدا ليدر أكثر حيرة.
“لماذا تنظرين إليّ هكذا؟”
“ظننتُ أنك ستستولي على هذه الغرفة.”
“مع وجود السيّدة، كيف لي ذلك؟”
“لكن ربما لم أكن لأستيقظ أبدًا.”
“عندها كان مقعد السيّدة سيبقى شاغرًا إلى الأبد. وأنا أفضل أن أبقى نائبًا للسيدة.”
حكّ ليدر خدّه، وأجاب بخجل.
كنتُ قد سمعتُ من ماي أنّها كلما غمرها الحزن وهي تندب: “ماذا سيحلّ بسيّدتنا؟” كان ليدر يطمئنها دائمًا بأنني سأستيقظ قريبًا. لم أظن يومًا أنه كان يقولها بصدق… لكنه كان يعنيها حقًا.
ذلك الصعلوك… يعرف تمامًا كيف يحرّك مشاعر الناس.
أخفيتُ الغصّة بسعالٍ مفتعل، ثم طلبتُ منه أن يحضر لي تقارير المالية للنقابة وشركة لومينوس التجارية.
وكأنه كان ينتظر تلك اللحظة، فقدّمها لي على الفور. ومن النظرة الأولى فقط، كان واضحًا أنّ تدفّق الأموال نقي تمامًا ــ لا اختلاس، ولا سوء إدارة.
بل إنّ متجر لومينوس الكبير، الذي كنتُ قد خططت له بعناية، قد افتتح بالفعل وحقق نجاحًا كبيرًا.
كل شيء كان يتقدّم بسلاسة حتى في غيابي. اجتاحتني موجة من المشاعر، امتزجت بلسعة غيظ صغيرة.
فأطلقتُ على ليدر تعليقًا جافًا متعمّدًا:
“يبدو أنكم بخير حتى من دوني.”
“أوه، مستحيل! لقد شعرتُ أنني سأموت من التعب. ألا ترين هذا الفراغ في شعري؟”
“يبدو كثيفًا جدًا في نظري.”
“كثيف؟ بهذا المعدل سأصبح أصلع قريبًا. لذا أرجوكِ عودي بسرعة، وإلا فقد أهرب مع متجر لومينوس.”
“يا لصِغَر طموحاتك. أن تهرب فقط بمتجر! خذ على الأقل خزائني معك.”
“سآخذ كلامك على محمل الجد.”
وبصوت ليدر الخفيف الخالي من أي جدية، عانقتُ الباقة المرصّ
عة بالجواهر وانفجرتُ ضاحكة.
ثم فكرتُ:
ربما أعظم إنجاز حققته لم يكن “نقابة التلاعب بالحب في سيل” ولا “لومينوس”، بل كان مشروع الموارد البشرية… هؤلاء الأشخاص الأوفياء.
═══∘ ° ❈ ° ∘═══
ترجمة : أوهانا
الانستا : han__a505
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 179"