بعد أن انفصلت عن ذلك الأحمق عديم النفع الذي واعدته خمس سنوات، عاد السلام أخيرًا إلى حياتي.
كنت أتنقل من عمل جزئي إلى آخر، لكنني في النهاية ركّزت على دراستي بجد حتى حصلت على وظيفة جيدة.
جمعت من راتبي شيئًا فشيئًا، وتمكنت من مغادرة ذلك القبو الكئيب الذي يشبه السجن، بل ورقّيتُ وجباتي الخفيفة إلى دجاج بولداك فاخر من ماركة شهيرة.
قد يراها البعض حياة بسيطة، لكنها بالنسبة لي كانت مرضية بكل المقاييس.
“سأخرج أولًا. عطلة نهاية أسبوع سعيدة!”
كنت منهكة من ضغط العمل، فما إن دقّ جرس انتهاء الدوام، حتى انطلقت كالسهم قبل أن يلمحني مشرفي المهووس بالعمل.
اليوم هو الجمعة المنتظرة! سأعود إلى المنزل لأتناول دجاج البولداك مع كأس بيرة باردة، ولن أغادر بطّانيتي طوال الليل.
وبينما كنت أصفّر بفرح، وصلت إلى ردهة الطابق الأول من المبنى. هناك، التقطت أذناي همسات الموظفين الذين خرجوا معي، وهم يرمقون شخصًا ما بنظرات جانبية.
“من هذا؟”
“وسيم للغاية… هل هو ممثل مشهور؟”
فالوجه الوسيم، كما يصفه الناس، نعمة للبصر.
استدرت بسرعة أبحث عمّا جذب أبصارهم، وعندها تجمدت من الدهشة.
كان هناك رجل يجلس على مقعد، يحدّق في نقطة بعيدة وكأنه ينتظر أحدًا. وما إن التقت عينانا، حتى حرّك نظره نحوي. كانت حركة بسيطة، لكنها جعلت الزمن يتباطأ، وكل تفصيلة فيه انطبعت في عينيّ ببطء بالغ.
شعره الأشقر المتطاير كان يتلألأ تحت الضوء، وعيناه الذهبيتان النقيّتان، حين التقتا بعيني، اتسعتا قليلًا وارتجفتا كأنهما على وشك البكاء.
لم أره من قبل قط، ومع ذلك لم أستطع أن أصرف نظري عنه.
وقفت هناك، أتأمله، بينما ظل هو يبادلني النظرات بصمت، دون أن ينطق بكلمة.
ثم نهض واقترب بخطوات هادئة، وأمسك بذراعي بقوة حتى شعرت بألم لاذع.
“آخ…”
كان الألم شديدًا حتى كادت دموعي تفرّ من عينيّ. وحين أطلقت أنينًا خافتًا، ارتبك قليلًا وخفف قبضته، لكنه لم يتركني.
وبعينين مرتجفتين، أخذ يتفحص ملامحي بدقة، كأنه يبحث عن أثرٍ مفقود أو ينتظر مني إشارة معينة.
انكمشت حاجباي لا إراديًا، وفور أن فعلت ذلك، تجمد جسده من جديد.
ثم، فجأة، انحدرت دمعة وحيدة على وجنته.
وقفت مذهولة، عاجزة عن النطق. ماذا يحدث هنا؟
المارة من حولنا بدؤوا يرمقوننا بنظرات مشجعة، كما لو كنا عاشقين في خصام يترقبون صلحنا. حتى مشرفي النادر ظهوره خارج المكتب، كان ينظر إليّ بنفس النظرة.
كلا، هذا الرجل ليس حبيبي!
لكن الغريب أخذ يبكي بحرقة، فلم أستطع إخراج كلمة واحدة.
آه، تبًا.
كان عليّ أن أغادر قبل أن يزداد عدد الشهود.
أشرت بارتباك نحو الخارج وحاولت التحدث بلغة إشارة بسيطة:
“أنت… هناك، نذهب، أوكي؟”
بدا أنه فهم، فأومأ برأسه. لكن للأسف لم يُفلت ذراعي، فاضطررت إلى الخروج معه وهو متشبث بي كظلّ لا ينفصل عن صاحبه.
بعد بضع محاولات للتفاهم، أدركت بارتياح أنه يفهم ما أقول إلى حد ما. أما التواصل الحقيقي، فتلك قصة أخرى تمامًا.
“أنا آسفة، لكن يبدو أنك تخلط بيني وبين شخص آخر. لم أرك من قبل— لا، لا تبكِ. أنا آسفة.”
وما إن أنهيت قولي بأنه لم يسبق لي رؤيته، حتى انهمرت من عينيه دموع كحبات الخرز الصغيرة على وجنتيه.
يا إلهي، لماذا يبكي بهذا الشكل؟
ومع ذلك، لم يكن يثير نفوري بقدر ما كان يبعث على الشفقة. بدا كطفل ضائع، فمددت له حتى مناديل الطوارئ التي أحتفظ بها دائمًا في حقيبتي.
لكن بدلًا من استخدامها، ضمّها برفق كأنها كنز ثمين، ووضعها في جيبه بعناية، ثم مسح عينيه المحمرتين بطرف كمّ قميصه.
كنت أحدق فيه بدهشة من تصرفه الغريب، حين وقع ما لم أتوقعه.
أخيرًا توقف عن البكاء، وتردد لحظة كأنه يفكر في أمر ما، ثم أمسك بكفّي وبدأ يرسم عليه شيئًا بأصابعه.
[ㄴㄴ]
… ما هذا؟ هل رأيت ذلك صحيحًا؟
نظرت إليه وعلى وجهي ملامح استفهام مشوبة بالذهول، فما كان منه إلا أن عضّ شفته ثم رسم حرفًا آخر.
[ㅇㅇ]
ثم أضاف في النهاية:
[ㅠㅠ]
“……”
ما هذا بحقّ الله؟ كيف يُفترض بي أن أفهم هذا؟
غشي ملامحي انزعاج خافت. لحظة… أنت تعرف الكورية؟ إذن ما كانت كل تلك التمتمات قبل قليل؟ هل كنت تمزح؟
لكنه بدا مذعورًا فجأة، وهز رأسه بسرعة، ثم بدأ يتحدث متعجّلًا، كما لو كان يحاول تبرير موقفه.
“rlqns tkdgkrp gkfuejs rp dkslfk ghrtl rldjrdl skfRk gotj, rmfotj.”
“… إذًا، تقصد أنك لا تعرف الكورية، صحيح؟”
طرحت استنتاجًا تقريبيًا، فأومأ برأسه بقوة.
كان يبدو كجرو صغير ينظر إليّ بعينين بريئتين، يلوّح بذيله خوفًا من أن يُهجر… لا أدري لماذا، لكن شعورًا غريبًا تسلل إلى قلبي.
أردت أن أتخلص من ذلك الإحساس، فأنزلت بصري إلى الأرض. وبينما كنت أفكر في كيفية التصرف مع هذا الرجل، لم يكن بإمكاني أن أطرد من ذهني ما فعله منذ قليل.
تلك الحركات الغريبة… وكأن أحدًا ما قام بالحركات ذاتها معي منذ زمن بعيد.
لا، لا يمكن أن يكون حبيبي السابق… إذن من؟ من الذي فعل هذا معي من قبل؟
عقدت حاجبيّ، محاوِلةً تذكّر الأمر. مع من قمت بمثل هذا التصرف المليء بالإحراج…
بييب!
في تلك اللحظة، سمعت ما يشبه عواء حيوان صغير—كأنه طنين في أذني، لا أكثر.
فزعتُ ورفعت رأسي بسرعة، لكن لم يكن هناك أي حيوان قريب يمكن أن يصدر ذلك الصوت.
في الوقت نفسه تقريبًا، فتح أحدهم باب المقهى على صرير خافت ودخل، فظننت أني تخيلت الصوت، ولهذا تجاهلت الأمر.
…لكن الظلام كان قد بدأ يحلّ في الخارج، ويبدو أن وقت العشاء قد مضى منذ فترة.
فكرت بأن أشتري له وجبة على الأقل قبل أن أغادر، فتفحصت المتاجر القريبة عبر نافذة المقهى، لكن الوقت قد تأخر، وجميعها أغلقت أبوابها.
ورغم شعوري ببعض الذنب، قررت أنه قد حان وقت توديعه.
“انظر، أعلم أنك تمرّ بظرف ما، لكن عليّ حقًا أن أعود إلى المنزل الآن.”
“…!”
اتسعت حدقتا عينيه فجأة بذهول شديد عندما سمع أنني أودّعه.
شعرت وكأنني أجبر طفلًا متعلّقًا بي على الابتعاد.
رغم شعوري العارم بالذنب، أخفيت ذلك، ووقفت من مكاني ببرود.
فجأة، نهض على عجل، وركض خلفي، ثم أمسك بيدي بكلتا يديه، متوسلًا بصوت مرتجف فيه رجاء شديد:
“dptmzhxmgkrp go wnaus dks ehlfRk؟”
“إذا ذهبتَ إلى مركز الشرطة وطلبت المساعدة، ربما يتمكنون من مساعدتك في العثور على من تبحث عنه. يمكنني أن أوصلك هناك.”
لكنّه هز رأسه بعنف، وكأنه يقول إن ذلك ليس ما يقصده.
همم… حسنًا، ليفعل ما يشاء.
تقبلت الأمر، وسحبت يدي بلطف من بين يديه كإشارة إلى أن الوقت قد حان للرحيل. ولحسن الحظ، لم يحاول منعي.
كنت أظن أن هذا هو الوداع الأخير.
“…!”
لكن، وما إن استدرت لأمضي، حتى باغتني بعناقٍ مفاجئ من الخلف.
رائحة الحمضيات التي كانت عالقة بجسده غمرتني دفعة واحدة، وكدت أنفجر بالبكاء في لحظة خاطفة. لم أفهم لماذا هذه الرائحة تحديدًا جعلت قلبي ينكمش بهذا الشكل المؤلم.
أنفاسه الدافئة، وحرارة جسده التي تسللت إلى جلدي وقرعت قلبي برفق… ورغم أنني كنت أستطيع الإفلات منه بأبسط حركة، إلا أنني وقفت ساكنة كفريسة مقيّدة بسلاسل غير مرئية.
وحين أدرك أنني لا أقاوم، شدّني إلى صدره أكثر.
ثم، بصوت مرتجف أقرب إلى البكاء، همس بخفوت في أذني:
كانت كلمات بلغة لا أفهمها. ومع ذلك، لسببٍ ما، وصلت بوضوح، كأن قلبي هو من استمع إليها لا أذني.
ومن دون أن أدرك، أومأت برأسي.
・ 。゚ ✧ : * . ☽ . * : ✧ ゚。 ・
ولحسن الحظ، لم يفعل أكثر من مرافقتي حتى باب منزلي، ثم انصرف بهدوء.
بدت عليه ملامح التردد في توديعي، لكنه، على عكس ما خشيت، لم يلحّ في الدخول أو يتشبث بي. وهذا جعلني أفكر… ربما لم يكن شخصًا سيئًا بعد كل شيء.
رغم أننا، على الأرجح، لن نلتقي مرة أخرى.
استحممت سريعًا، وارتديت منامة مريحة، ثم طلبت دجاج “بولداك” الحار.
وقبل أن أبدأ الاستمتاع بليلة جمعة هادئة مع علبة بيرة باردة من الثلاجة—
طَرق، طَرق، طَرق.
سمعت طرقًا على الباب. ما هذا؟ هل وصل الدجاج بهذه السرعة؟
أملت رأسي في حيرة، ونهضت لفتح الباب على الفور.
لكن، لم يكن هناك أحد. لم أرَ سوى ممر فارغ تمامًا.
“…ما هذا؟”
قطبت جبيني، وتساءلت إن كنتُ توهمت الصوت، وهممت بإغلاق الباب.
لكن حينها—
صرير خافت…
صدر صوت غريب من أسفل قدمي.
بشكل غريزي، نظرتُ إلى الأسفل حيث صدر الصوت.
وإذ بي أجد أمامي مخلوقً
ا صغيرًا، بحجم قبضة يدَين تقريبًا، يشبه سحلية سوداء صغيرة ذات جناحين وعينين واسعتين لامعتين، يمسك في يده الصغيرة زهرة برّية واحدة بإحكام.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
ترجمة : أوهانا
الانستا : han__a505
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 173"