كنت أستمع إلى ثرثرة نوكس بلامبالاة، بينما أتفحّص المرآة، ولاحظت وجود شقّ في أحد أطرافها.
لم يكن هناك أي ضرر سابقًا، فلا شك أن ذلك نتج عن قوّة رينوس. فهل يعني هذا أنه إذا كسرتُ المرآة، يمكننا القضاء على نوكس أيضًا؟
“صاحب السمو، إذا كسرتُ هذه المرآة… هل سينتهي الأمر؟”
“هاه؟ أ-أجل…”
أجابني رينوس بتردّد، وقد بدا عليه الارتباك من سؤالي المفاجئ.
بدأت أبحث حولي عن شيء أستخدمه كسلاح. لو كنت أعلم أن الأمر سيؤول إلى هذا، لأحضرت مطرقة من المنزل على الأقل…
『الماركيزة الصغيرة لابرينث!』
أوه؟ هذا قد يفي بالغرض.
تجاهلت صراخ نوكس، وتوجّهت إلى زاوية الغرفة حيث كانت هناك عصا بيضاء ناصعة.
كانت العصا مزينة بزخارف فاخرة وتنبعث منها هالة مقدّسة، مما يدل على أنها قطعة أثريّة مقدسة دون شك، لكنني قررت استخدامها على أي حال.
إن كانت هذه العصا ستفنى لتكسر المرآة التي يسكنها شيطان، فستكون فخورة بتضحيتها.
متّ أيها الوغد، من تجرأ على تعذيب رينوس اللطيف!
سأتدبّر العواقب لاحقًا. رفعت العصا عاليًا بكل قوتي، وفي تلك اللحظة، صرخ نوكس بجزع:
『لن تستطيعين كسر المرآة بذلك الشيء!』
حقًا؟
نظرت إلى رينوس بطرف عيني، وكأنني أستفسر منه إن كان كلام نوكس صحيحًا. وعندها، أومأ برأسه بارتباك، وعيناه تفضحان اضطرابه من تصرّفي المفاجئ.
تبًّا.
تنهدت داخليًا بخيبة أمل، ثم أنزلت العصا بحرج.
وبهدوءٍ مصطنع، وضعت يديّ خلف ظهري برصانة، كما تفعل السيّدات، وكأنّ شيئًا لم يحدث.
『أأنتِ حقًا الماركيزة الصغيرة لابرينث؟』
سأل نوكس مجددًا وكأنه يريد التأكّد.
ولأنني خشيت أن أقع تحت تأثير سحره، لم أُجب هذه المرة أيضًا. وما إن حدّق فيّ طويلاً، حتى انفجر ضاحكًا بغتة.
『آه… هاهاها. هكذا إذًا. لهذا كنتَ تعيد الزمن مرارًا وتكرارًا! من أجل تلك المرأة التي تشبه أختي، لتتمكن من إنقاذها!』
ثم اقترب من سطح المرآة حتى التصق به، وهمس كالأفعى:
『هل تعتقدين حقًا أن وليّ العهد يحبكِ؟ لا، إنه فقط يعاملكِ بلطف لأنكِ تشبهين امرأةً أخرى.』
“كفّ عن هذا الهراء!”
صرخ رينوس بغضب، لكن نوكس تجاهله تمامًا، واستمر في الحديث:
『وليّ العهد غير قادر على الحب. لأنه لا يستطيع أن ينسى امرأة ماتت منذ زمنٍ بعيد. هل تظنين أن قلبه يحمل لكِ ذرة حب؟ إن كان فيه ذرة واحدة من المشاعر تجاهكِ، فاعتبري نفسكِ محظوظة!』
“اصمت! آنستي، لا تُصغي له!”
『ما هو مؤكّد… أن وليّ العهد يعشق مظهركِ الخارجي. حتى أنا، للحظة، ظننتكِ أختي. فكيف به؟』
تفوه نوكس بسلسلة من الكلمات القاسية وكأنها سهام. ولو لم أكن على علم بالحقيقة، لكانت تلك الكلمات قد جرحتني بعمق.
ثم ارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ باردةٌ متشفّية.
في لحظة، بدأ عبير وردٍ صناعي ينبعث من المرآة. وسرعان ما شعرت وكأنني أتمايل في حلم، وبدأ وعيي يتلاشى تدريجيًّا.
وحين لاحظ رينوس أن عينيّ قد فقدتا التركيز، توقف عن مهاجمة المرآة، وهرع ليحتضنني بذعر:
“لا! لا تفعلي!”
『ما دمتَ تعيش في ظلّ أختي، فلن تتمكن من هزيمتي أبدًا!』
ما إن توقفت هجمات رينوس، حتى بدأت المرآة تُرمّم نفسها بسرعةٍ مذهلة.
ظهر نوكس في المرآة التي عادت إلى حالتها الطبيعية، وهو يهتف بانتصار:
『الماركيزة الصغيرة لابرينث! أطيعيني! اقتلعي قلب آبشوليكتار، وأحضريه إليّ!』
“كلا، لن أفعل.”
『أجل، هذا ما… مـ-ماذا؟!』
ظهر الشرخ في وجه نوكس، الذي قبل لحظات فقط، كان يبدو وكأنه يملك العالم بأسره.
عقدتُ حاجبيّ، ووضعت يدي على رأسي من شدّة الألم.
“آه، رأسي…”
كان الألم قاسيًا، كأنني أعاني آثار ثمالة ثقيلة. حاولت جاهدة التحرر من هذا العذاب، فناداني رينوس، الذي بدا عليه الارتباك مثلي:
“آنستي؟ هل أنتِ بخير؟”
“نعم…”
كنت أظن أنني واقفة منذ لحظات، لكنني حين استعدت وعيي، وجدت نفسي شبه منهارة بين ذراعي رينوس.
وبالنظر إلى ردود فعله هو ونوكس، يبدو أن نوكس هاجمني بطريقة ما—لكنني لم أتذكر شيئًا، لذا لم أكن أملك ما يؤكّد ذلك.
『ما الذي… ما الذي جرى هنا…؟!』
كان نوكس يتخبّط داخل المرآة في حالة من الذعر، ثم صرخ مجددًا موجهًا كلامه إليّ:
『أمري آبشوليكتار أن يخضع لي!』
“…قلت لك، لن أفعل.”
كانت الفجوات المتكرّرة في ذاكرتي تبعث في نفسي شعورًا بالقلق وعدم الارتياح. وبينما كنت أقطّب جبيني، لمعت فكرةٌ في رأسي.
أوه، لا بد أن هذا تأثير السحر. سحر الإغواء، على الأرجح. لكن… لماذا لم أُصب به؟
اشتد غضب نوكس حين أدرك أن الأمور لا تسير وفق رغبته، فصرخ بأعلى صوته:
『آبشوليكتار لا يحبكِ! إنه فقط يقدّس مظهركِ الخارجي لأنه يشبه أختي! تعالي معي، وسأُريكِ متعة لا تضاهى في هذا العالم!』
“صاحب السمو، دعنا نُسرع بتحطيم هذه المرآة والخروج من هنا.”
أشرت إلى المرآة التي كانت تصرخ وتزمجر كطفل مدلل.
كان رأسي يؤلمني بالفعل، وصوته المرتفع، الذي دوّى في المكان، جعلني أشعر بالغثيان.
لو كانت جدران الغرفة أقلّ عزلًا للصوت، لاندفع البابا نفسه إلى الداخل ليرى ما يحدث.
عندها فقط، أدرك نوكس أن كلماته لم تُصِبني بأيّ أذى. فتغيّرت ملامحه.
كان يتفحّصني بنظرة حائرة لبرهة، ثم بدا وكأنه تذكّر شيئًا، فاتّسعت عيناه بدهشة مصحوبة بشك، وارتجف صوته وهو ينطق:
『لا يُعقل… هل أنتِ فعلًا أختي؟』
لم أُجب، واكتفيت بالصمت.
ومع ذلك، بدا أن هذا وحده كان كافيًا ليدفعه إلى استنتاجه بنفسه.
شحب وجهه تمامًا.
『كيف… كيف يكون هذا؟ هل حقًا تجسّدتِ من جديد؟ لكن حتى وإن كان ذلك صحيحًا، كيف لكِ أن تتذكّري حياتكِ السابقة…؟!』
لكن لم تمضِ سوى لحظات حتى تحوّل ذهوله إلى نظرة حادّة صوب رينوس.
『أنت من فعلها، أليس كذلك، يا آبشوليكتار؟ أنت من حاول استرجاع ذكريات أختي بالقوة. لم تتغيّر أبدًا، لا في الماضي ولا الآن—تتصرف دومًا دون أن تأبه لما يعنيه أن تكون بشريًا!』
ارتجف جسد رينوس عند هذا الاتهام.
وفي لمح البصر، عاد لون شعره إلى الذهبي من جديد، وعيناه، اللتان كانتا بلون الدم، تغيّرتا أيضًا.
لكن، بدلاً من الرد أو الهجوم، بدا وكأنه فقد كل عزيمته في لحظة واحدة، مما دفعني للشعور بالحاجة إلى حمايته.
تماسكت رغم الدوار، ونهضت بصعوبة ووقفت أمامه، حاجبةً إياه بجسدي.
“ومن تكون أنت لتتحدث بهذا الغرور؟”
『ماذا؟!』
“عدا عن نبشك في جراح الآخرين من داخل المرآة، ما الذي تجيده أيضًا؟ حتى كلبًا ضالًا في الطريق قد يكون أنفع منك.”
كان صوتي لاذعًا وساخرًا، فتجمّدت ملامح نوكس كالحجر.
كوحشٍ مفترسٍ يكشّر عن أنيابه، ردّ بنبرة تهديدية:
『حتى وإن كنتِ أختي، فأنتِ لستِ هي. لو كنتِ تملكين ذكرياتها حقًا، لما دافعتِ عن آبشوليكتار بهذه الطريقة. لكن، لو لم تكوني هي حقًا، فلماذا يعتني بكِ بهذه الطريقة…؟』
ثم اقترب أكثر من سطح المرآة، وهمس بصوتٍ شيطاني، كصيادٍ يُغري فريسته:
『هل ترغبين بأن أُخبركِ بالحقيقة التي لم يُخبركِ بها آبشوليكتار؟』
『لو لم يكن آبشوليكتار موجودًا، لما ماتت أُختي. ما كان أحد ليكرهها، ولا ليغبطها أحد — كانت ستعيش أيامها بسلام، كما كانت تتمنّى.』
“…”
『لقد ماتت بتلك الطريقة بسبب آبشوليكتار. لقد أحبّ بشريًا، وهو كائن لا يليق به، فانتهى به الأمر إلى جلب التعاسة لذلك البشري ولكل من حوله.』
شعرت بجسد رينوس، الذي كان يحتضنني، يرتجف.
فضحك نوكس عليه بسخرية.
『وليس هذا كلّ شيء، انظري! حتى الآن، لا يُخبركِ بالحقيقة التي يجب أن تعرفيها، بل يختار فقط الذكريات التي يحتاج إليها، ويستخدمكِ كما يشاء! بعد كل هذا، ما زلتِ في صف هذا التنين، أُختي؟!』
“نعم.”
『…ماذا؟!』
“كنت أسمع كل شيء منذ البداية. صاحب السمو، لا تُعِر لتفاهاته أيّ اهتمام. دعنا نكسر هذه المرآة ونخرج من هنا.”
أمسكت بذراع رينوس بقوة، وقد احمرّ طرف عينيه كمن كاد يبكي في أية لحظة.
وبدأ بريقٌ ضئيل يعود إلى عينيه اللتين كانتا فارغتين، وكأنهما تائهان في كابوسٍ طويل. ومع ذلك، ظلّ يحدّق فيّ بنظراتٍ شاردة، فمددت يدي الأخرى وأشرت إلى المرآة.
“هيا، بسرعة.”
“…نعم…”
ردّ عليّ بصوتٍ خافت بالكاد يُسمع، كما لو أنه سيتلاشى مع نسمات الهواء، لكنه في النهاية أجهش بالبكاء.
وتظاهرتُ أنني لم ألحظ ذلك.
وبينما كان يحتضنني، وقف رينوس، وبدأ مجددًا في ضخّ طاقته نحو المرآة.
كانت قوته لا تزال غير مستقرة، وغير مكتملة تمامًا، لكنها بدت أكثر تماسكًا من ذي قبل، وكأن كلماتي قوّته وشجّعته.
وفجأة، صرخ نوكس في هلع، وقد رأى الشقوق تتسارع في الظهور على سطح المرآة:
『آبشوليكتار! هل تنوي قتل إنسانٍ آخر؟!』
“أنت لست إنسانًا! أيها الوغد الشيطاني!”
صرخت بعنف، خشية أن يشعر رينوس بالذنب مرة أخرى.
عندها، صرّ نوكس على أسنانه حتى علا صوت الطحن، ثم تلاشى فجأة. واختفى تمامًا بعدما انقسمت المرآة إلى نصفين.
بدأت المرآة المظلمة تتوهّج من جديد، وعادت لتُظهر غرفة البابا كما فعلت من قبل. وتلاشى ذلك الإحساس الغريب والمقلق الذي كان يبعثه وجود نوكس منها.
أحقًا… انتهى الأمر بهذه السهولة؟
التفتُّ فورًا إلى رينوس:
“هل انتهى الأمر؟”
“…لا. لقد فرّ.”
كنت أعلم. لقد بدا الأمر سهلًا أكثر من اللازم.
لكن كيف فرّ؟ أليس من المفترض أنه محبوسٌ داخل المرآة ولا يستطيع الخروج منها؟
فتحت شفتيّ لأسأله، لكنني سرعان ما أغلقت فمي، بعدما رأيت وجه رينوس شاحبًا تمامًا، والعرق البارد يتصبّب منه.
نوكس أو غيره… المهم الآن أن يحصل على قسطٍ من الراحة أولًا.
ساعدته على الاستلقاء على أريكة قريبة، وكان قد عاد إلى هيئته الأصلية، بشعره الذهبي وعينيه الذهبيّتين.
“استرح قليلًا قبل أن نخرج.”
“أجل…”
كان منهكًا تمامًا، وكأنه على وشك أن يفقد الوعي — ومع ذلك، ظلت يده التي تمسك بي ثابتة،
لا تهتز.
حاول جاهدًا ألا يغمض عينيه، رغم ثقل جفنيه، ثم تمتم بصوتٍ بالكاد يُسمع:
“آنستي…”
“نعم؟”
“…حتى بعد ما سمعتهِ من نوكس… أنتِ… ما زلتِ لا تكرهينني؟”
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
ترجمة : أوهانا
الانستا : han__a505
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 160"