تساءل ماركيز لابرينث، الذي كان واقفًا مذهولًا بعدما سمع أن عائلة لابرينث قد أصبحت دوقية، بنبرة شاردة يغلب عليها الذهول.
ثم، حين التقى بنظرات الإمبراطور الثابتة، انحنى مسرعًا على عجل.
“ن-نعم، نعم. في الواقع، كنتُ أفكر في التقاعد قريبًا على أيّ حال.”
أوه، حقًا؟ تقاعد؟ يا لك من كاذب. على الأقل، حاول أن تبذل جهدًا أكبر في الكذب.
تمتمتُ في داخلي، وأنا أعرف الحقيقة جيدًا.
فمنذ أن أصبحت عائلة لابرينث تُعامل معاملة تعادل مرتبة دوقية، بدا أن تغييرًا طرأ على حال الماركيز، إذ أصبح يعمل بجدّ لدرجة أنه كاد يُصاب بالصلع من فرط الإجهاد.
وما زاد الطين بلّة، أنني كنت قد قصصت بنفسي نصف ما تبقّى من شعره بالمقص، لذلك كان الآن يرتدي شعرًا مستعارًا مخصصًا لتغطية تلك البقعة.
ويبدو أن الإمبراطور قد لاحظ ذلك.
إذ رمقه بنظرة فيها شيء من الشفقة، ثم أشار إليه وسأله مباشرة:
“إذن، ما رأيك أن تتقاعد اليوم؟”
“هـه؟!”
شهق الماركيز ورفع رأسه فجأة، ثم انحنى سريعًا من جديد عندما التقت عيناه بعيني الإمبراطور.
“هل هو مبكر جدًا؟”
“آه، نعم. أعتقد أن اليوم… قد يكون مبكرًا بعض الشيء—”
أجاب الماركيز بتلعثم، لكنه توقف فجأة عندما التقت عيناه بعينيّ. لم تدم وقفته طويلًا، إذ سرعان ما خفض بصره وأكمل حديثه بنبرة خافتة فيها شيء من الانكسار:
“أعني… اليوم يبدو مبكرًا نوعًا ما…”
ثم توقف مجددًا وهو يراقب ما كنت أفعله.
كنت قد ضيّقتُ عيني وصنعتُ بإصبعي شكل مقص، وأنا أُشير بحركة قصّ الشعر.
إن لم تتقاعد فورًا، فسأحلق لك رأسك حالما نصل إلى المنزل، يا أبي.
ارتجف بؤبؤا عيني ماركيز لابرينث برعب، وهو الذي سبق أن فقد شعره مرة من قبل،
ومع ذلك، لم ينطق بكلمة واحدة تُشير إلى قبوله الفوري، مما يعني أن التهديد لم يكن كافيًا بعد.
حينها، استغللتُ لحظة انشغال الآخرين عني، ووضعتُ يديّ فوق بعضهما وكأنني نائمة، ثم كررتُ إشارة قصّ الشعر مجددًا.
الهروب لن يُجديك نفعًا. سأحلقه لك وأنت نائم.
…!
بل وسأحلق حاجبيك أيضًا. وسأنتف رموشك شعرة شعرة.
ثم أخذت أُقلّد بإصبعي وكأنني أقصّ حاجبي، وأقوم بحركات تمثيلية كأني أنتف رموشي واحدة تلو الأخرى.
إذا كنت لا تمانع التجول بذلك الشكل، فاستمر في العناد كما تشاء.
وأخيرًا، بعدما أدرك أنني جادّة تمامًا، أسرع الماركيز بالرد على الإمبراطور.
“أفهم. إذن، سيتم منح اللقب رسميًا لاحقًا—”
“لا، يا جلالة الإمبراطور. أنوي التقاعد اليوم.”
“أحقًا؟”
“نعم. ابنتي ذكية للغاية، وقد اكتسبت خبرة كافية في أداء مهام الماركيز بالنيابة عني. أثق بها ثقة تامة، وأؤمن أن الوقت قد حان لأتنحّى.”
هاه، أحسنت القول.
كنت على وشك تنفيذ تهديداتي بجدية إن أصرّ على الرفض حتى النهاية، لكن لحسن الحظ، انتقلت وراثة اللقب بسلاسة.
وما إن تأكدت من نجاح الأمر، أدرتُ رأسي إلى الأمام كما لو أنني لم أقم بتلك التهديدات قبل لحظات.
وفجأة—تلاقت أعيننا.
راينوس كان ينظر إليّ، وعلى شفتيه ابتسامة خفيفة.
ومن ملامحه، بدا أنه قد رأى كل شيء منذ البداية.
آه…
في تلك اللحظة، شعرتُ وكأن رأسي أصبح صفحة بيضاء فارغة.
لطالما أردت أن أبدو جميلة في عيني رينوس. وبالرغم من أنه رأى مني ما يُرى وما لا يُرى، إلا أنني كنت أحاول أن أتمالك نفسي قدر المستطاع… ولكن…
حين خفضتُ رأسي بانفعال وقد احمرّ وجهي من شدة الحرج، حرّك رينوس شفتيه بلا صوت:
أحسنتِ.
رجاءً، لا تُثنِ عليّ. هذا يجعل الأمر أكثر إحراجًا.
انحنيت برأسي إلى الأمام حتى كاد جبيني أن يلامس الأرض.
・ 。゚ ✧ : * . ☽ . * : ✧ ゚。 ・
منذ ذلك اليوم، لم يعُد يُشار إلى التسلسل الهرمي للنبلاء في الإمبراطورية بـ”دوقيتَي الشرف”، بل أصبح يُعرف باسم “الدوقيات العظمى الثلاث”.
وقد أُذهل مواطنو الإمبراطورية حين علموا أن العائلة التي حظيت بهذا اللقب للمرة الأولى منذ تأسيس الإمبراطورية لم تكن سوى عائلة لابرينث، التي لم يمر وقت طويل على وصفها بعائلة المتسولين.
“إذًا، باستثناء عائلة الكونت بيوريتنا، جميع المؤسسين أصبحوا الآن دوقات؟”
“…على أي حال، عائلة لابرينث تستحق ذلك. أما بيوريتنا… فمن العار أن تُدرج ضمن المؤسسين من الأساس.”
“سمعتُ أن ما جرى مؤخرًا قد يؤدي إلى خفض رتبتهم إلى فيكونت.”
أخذ النبلاء يهزّون رؤوسهم اشمئزازًا، مؤكدين أن عائلة بيوريتنا بلغت حدًّا من الانحدار لا يُطاق.
لا سيما وأن عائلة ماركيز تشيريش كانت تطالب بتعويضات عن الأضرار التي سببتها تيرييل، ولم تلقَ حتى أدنى تجاوب منهم، مما زاد من استيائهم.
وفي المقابل، ارتفع شأن دوقية لابرينث بسرعة صاروخية، وكأنها لم تعد ترى حدود السماء.
فمع ظهور روحٍ كانت تُعدّ من الأساطير، وارتقاء العائلة إلى رتبة الدوقيات، بدا وكأن الناس يتزاحمون لمجرد استنشاق الهواء ذاته الذي نتنفسه.
“مبارك ترقيتكم، دوقة لابرينث. هذا تعبير بسيط عن احترامي…”
“آمل أن نبني علاقات جيدة في المستقبل، يا دوقة لابرينث.”
حتى شركة لومينوس التجارية، المعروفة بأنها تحت رعايتي، شهدت ازديادًا مفاجئًا في عدد الذين يتوددون إليها.
ولم يقتصر الأمر على ذلك.
فقد أرسلت إحدى النقابات السرية هدية إلى قائد نقابة التلاعب بالحب في سييل، مرفقة برسالة تقول: “نبارك لكِ في نجاح من تحبين من طرف واحد.”
وقد وصفتُ هذا الوضع بكلمة واحدة:
“آه… يبدو أن الوضع قد اختل قليلًا.”
نعم، بدا فعلاً وكأن الأمور خرجت عن السيطرة.
تخيلوا أن يُقال إن الدوق واقع في حب من طرف واحد… مع نفسه! كل هذا بسبب اسم مستعار واحد، يا للعار. أقسم أنني سأحمل هذا السرّ معي إلى القبر. لن يعرف أحد يومًا أنني أنا “القائدة”.
ومع ذلك، وبما أنني أطمح إلى أن أكون دوقة نزيهة، فقد رددتُ الرشاوى ورفضت جميع الطلبات والتوسلات.
فعائلتنا ليست في ضائقة مادية إلى درجة تجعلنا بحاجة لتلك التبرعات، أليس كذلك؟
صحيح أنني التزمت الصمت سابقًا حتى لا أرفع من شأن الماركيز لابرينث، لكني أرى أن الوقت قد حان لكشف الأمر.
لقد قررت أن أعلن أنني أنا المالكة الفعلية لشركة لومينوس….
لذا، أعلنت هذا الخبر خلال أول اجتماع رسمي لي مع النبلاء التابعين لي بصفتي دوقة لابرينث.
كانت تعابير الدهشة المرسومة على وجوههم مشهدًا لا يُنسى.
لقد أُعجب الحاضرون حين اكتشفوا أن مصدر الأموال التي ساعدت لابرينث على الصمود أمام هجوم الإمبراطورة كانت مني أنا، دوقتهم.
بل إن أحدهم هتف فرحًا قائلاً: “إذاً، لسنا بحاجة إلى سداد تلك الأموال بعد الآن!”
لكنني قاطعته على الفور، بنبرة صارمة:
“عن ماذا تتحدث؟ تلك ديون تقع على عاتق الماركيز السابق. ومن الطبيعي أن يُسدّدها بنفسه.”
وبالطبع، تحوّل وجه الماركيز السابق إلى رماد.
فبعد أن تنازل عن اللقب، لم يتبقّ له سوى جسده، وها أنا أطلب منه سداد مبلغ ضخم كهذا.
لكن ذلك لم يكن شأني. أدرجتُ رسميًا جميع الديون التي تكبّدناها أثناء هجوم الإمبراطورة باسم الماركيز السابق.
فليقضِ بقية عمره أسيرًا لعائلة لابرينث، لا يهمني.
وبعد تلك التسوية الممتعة، ذهبت إلى مقر نقابة التلاعب بالحب في سييل بعد غياب طويل، لأتفاجأ بأن رينوس، المتنكر بهيئة ولي العهد، جالس على أحد مقاعد الاستقبال وكأنه ينتظر أحدًا.
“هـووووووه!”
كنت قد دخلت من الباب الخلفي المخصص لأعضاء النقابة، ومن شدة دهشتي أطلقتُ لا إراديًا صوتًا غريبًا.
وما إن التفت رينوس نحو الصوت حتى سارعتُ بالاختباء خلف الجدار، ثم هرعت إلى غرفة القائد وقفزت على الأريكة وارتميتُ عليها.
طَرَق طَرَق.
“هل حضرتِ؟”
كان ذلك صوت ليدر يطرق الباب.
وما إن دخل، حتى لم أُمهله فرصة للحديث وصرختُ فيه مباشرة:
“لماذا لم تخبرني أن ولي العهد جاء؟!”
“لقد وصل للتو. كان يسأل عنكِ. قال إنه سينتظر حتى تحضري.”
لكن صوته بدا غريبًا، كأن شيئًا أثقل قلبه. كأن شخصًا دخل في شجار قبل قليل.
كان وجهي لا يزال مدفونًا في الوسادة، لكنني رفعت رأسي ونظرت إليه…
ثم صرخت مذهولة:
“…أأنت تبكي؟”
“لا، من قال إنني أبكي؟”
“لكن عيناك حمراوان.”
“إنه… التهاب في العين.”
“لا تقترب مني.”
سارعتُ إلى استخدام دمية التنين الشرير لحجب وجهي.
لكن ما إن سمعتُ صوت شهيقٍ متقطّع خلفها حتى فوجئت، فأنزلتُ الدمية ونظرتُ إلى ليدر.
كان على وشك البكاء… حقًا!
…ما الذي يجري؟ لم أره بهذه الحالة من قبل، إلا عندما كان يعاني من صدمة عاطفية بعد انفصاله عن حبيبته السابقة.
وبينما كنتُ أفكر في الأمر، سألته بحذر:
“هل تشاجرت مع ماي؟”
“…لا.”
لكنه تأخر في الردّ. إذًا، تشاجرا فعلًا. لا عجب أن ماي كانت تمشي وهي تغلي غضبًا منذ البارحة.
كان رينوس بانتظاري، صحيح، لكن بدا لي أن تهدئة ليدر أهمّ في هذه اللحظة.
فاستدعيتُ أحد أعضاء النقابة وطلبتُ منه إبلاغ رينوس أن ينتظر قليلًا في غرفة الاستقبال.
ثم أشرتُ إلى الأريكة المقابلة لليدر كي يجلس وأستمع لما لديه.
“بماذا تشاجرتما؟”
“في الحقيقة… أرجو أن يبقى هذا سِرًّا عن صغيرتي.”
“…”
صغيرتي؟ … هل قال صغيرتي؟
للحظة، رغبتُ بشدة في مغادرة الغرفة وترك كل شيء خلفي. لكني تماسكتُ بصعوبة، وبدأتُ أُفرغ غضبي في تمزيق دمية التنين الشرير المسكينة.
بييييييب—أطلقت الصافرة الصغيرة داخلها صوتًا متألمًا تحت قبضتي.
نظر إليّ ليدر بنظرة قلقة، ثم أعاد الطلب بإلحاح:
“ستُبقي الأمر سِرًّا… أليس كذلك؟”
“…نعم، تحدّث. ما الذي حدث؟”
“حسنًا، الأمر هو…”
بدأ صوته يخفُت، وأخذ يفتش في معطفه حتى سحب شيئًا من جيبه، قطعةً صغيرة بحجم قبضة طفل، كانت دمية محبوكة على شكل كتكوت أصفر زاهي اللون.
كنتُ قد رأيتُ ماي تصنع مثل تلك الدمى أثناء حديثها مع الخادمات، وكنت أظن أنها مجرد هواية… لكن يبدو أنها كانت تصنعها خصيصًا لليدر.
تمتم ليدر بصوت خافت:
“ألا ترين أن لون منقار هذا الكتكوت الأحمر أجمل؟ أعتقد أنه أفضل بكثير من اللون الأسود… لكن صغيرتي تقول إن الأسود أجمل، وتصر على إعادة صنعه.”
“…”
“في الحقيقة، أنا أفضل شكله كما هو الآن. لذا قلتُ لها إنها لا تحتاج إلى بذل المزيد من الجهد، وقلتُ إنه لطيف كما هو. لكنها ما زالت تصرّ على أن شكله لا يعجبها مهما نظرت إليه.”
“…”
“قالت إنها ستغيّر لون المنقار وتعيده لي، وطلبت أن أُعطيها إياه. فرفضت. قلتُ لها إنني أحبه كما هو، وإن الأسود سيبدو كئيبًا جدًا. لكنها لم تتراجع، وأصرت على أنها ستعود سريعًا بنسخة جديدة—”
“قل لها ببساطة أن تصنع واحدًا بالأحمر وآخر بالأسود، وانتهى الأمر.”
أشحتُ بوجهي وأنا أتنهد بانزعاج. كم من الوقت أضعناه على أمر تافه.
رميتُ دمية التنين جانبًا، ونهضتُ من الأريكة.
ثم بدّلت ملابسي إلى زيّ القائدة، وتركت ليدر خلفي، وهو جالس وقد انبثق في عينيه بريق من الاكتشاف، وكأنه أدرك أخيرًا: “آه…! هكذا كان الحل ببساطة!”
كنت أرغب في صفعه، لكنني سامحته هذه المرة… فقد ساعدني على التخلص من التوتر الذي كنتُ أشعر به قبل لقاء راينوس بصفتي القائدة.
لكن راحتي لم تدم طويلًا. فما إن تلاقت نظراتنا، حتى عادت نوبة القلق تهجم عليّ وكأنها لم تغادرني.
شعرتُ بأن قلبي ينبض بعنف، كما لو أن أرنب القمر يضربه بمدقة الأرز دون توقف.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 154"