في صالون “ريماي” المخصص للنبلاء رفيعي المستوى فقط، سادت أجواء مشحونة وغريبة.
“يا إلهي، آنسة تشيريش الصغرى! من أين لكِ هذا الفستان؟ إنه جميل للغاية!”
رنّ صوت فنجان الشاي حين وضعته أليس بقوة. كانت تحدّق في من تجرأت على التلفظ بلقب “الآنسة تشيريش الصغرى” بنظرة تكاد تفتك بها.
تلك التي تفوّهت بهذا اللقب كانت الآنسة الباكية نفسها التي حاولت ذات مرة تدفئة يديها بحجر التدفئة أمام أليس، لكنها لم تنل سوى حروق بالشاي وطُردت من المكان. وها هي الآن تنادي تيرييل بذلك اللقب السخيف.
ارتعدت تلك النبيلة من نظرات أليس الحادة، وتقلّص جسدها من الخوف. وفي الحقيقة، فإن كل من التفّوا حديثًا حول “الآنسة تشيريش الصغيرة” فعلوا الشيء ذاته.
كنّ نساءً عانين من نفور أليس لأسباب شتى، وتهمّشن في صالون ريماي نتيجة لذلك.
وبالتالي، كان من الطبيعي أن يرحّبوا بظهور “آنسة تشيريش” جديدة قد تطيح بأليس التي لطالما تسيّدت المكان بلا منازع.
وبينما كانوا يراقبون أليس بتوتر، شعروا أخيرًا بالراحة حين سمعوا ضحكات تيرييل المرِحة إلى جانبهم، فنفخوا صدورهم بفخر.
“أليس كذلك؟ لقد خُصص لي هذا الفستان بأمر من والدي، وقال إنه أغلى بكثير من فستان أختي! آسفة لأنكن لم تعرفن من أكون حتى الآن!”
“ومن قال إنكِ أختي؟!”
لم تستطع أليس كبح غضبها أكثر، فنهضت صارخة من مقعدها. وتبعتها على الفور فتيات دائرتها المقربة.
ساد الهدوء القاعة التي كانت تضجّ قبل لحظات.
فرغم تبادل الأحاديث، كانت الأعين والآذان متّجهة بالكامل نحو أليس وتيرييل.
أما أنا، فقد كنت أحتسي الشاي بصمت وأشاهد ذلك التوتر بصمت.
يا للمهزلة.
نعم، كانت مهزلة بكل ما للكلمة من معنى. لكن، ما الجديد؟ فقد اعتادت عائلة ماركيز تشيريش أن تكون دائمًا في قلب العاصفة.
قبل فترة قصيرة، أطلق ماركيز تشيريش تصريحًا زلزل الإمبراطورية.
أعلن أنه أقام علاقة غير شرعية مع الكونتيسة بوريتينا، وأن تيرييل في الواقع هي ابنته.
هذا الإعلان المفاجئ قلب الإمبراطورية رأسًا على عقب. فتأثرت سمعة عائلة تشيريش بشدة، وحتى الإمبراطورة والابن الثاني للإمبراطور لم يسلما من تبعاته.
وتسارعت الشائعات: إذا كان شقيقها قد أقام علاقة غير شرعية، فلا بد أن الشكوك طالت حتى الإمبراطورة.
لكن في المقابل، كانت عائلة بوريتينا، التي كانت قريبة من الانهيار، تعيش الآن انتعاشة غير متوقعة.
صحيح أن سمعتها التي انهارت بعد حادثة “نجمة الصيف” لم تتعافَ بالكامل بعد، لكنها على الأقل جذبت أنظار النبلاء الذين بدأوا يراقبونها عن كثب.
وفوق ذلك، أعلن ماركيز تشيريش أنه ممتن لهم لرعايتهم تيرييل، بل وتعهّد بدعمهم ماليًا، فلا شك أن تيرييل الآن تتلقى معاملة كأنها جوهرة ثمينة.
لكن، هناك ما يثير الشك.
في الرواية الأصلية، كان والد تيرييل قد مات منذ زمن.
فقد كانت ثمرة علاقة بين الكونتيسة بوريتينا، حين كانت عزباء، ورجل من العامة التقته خلال سفرها.
نجحت في إخفاء وجود الطفلة عن عائلتها، لكنها كانت تشعر بالعار من كونها ابنة لرجل من العامة. وحتى وهي تدرك أن قدراتها ستفضح أمرها يومًا، ظلّت ترغب في إخفائها.
أما والدها، الرجل العامي، فقد ابتزّ الكونتيسة حين علم بقدرات ابنته، مطالبًا بالمال مقابل الصمت.
وحين لم يحصل على المال، وكادت الطفلة أن تُسلب منه، اختفى مع تيرييل. وعُثر لاحقًا على جثته في الأحياء الفقيرة، بعد أن مات فقيرًا معدمًا.
فلماذا الآن، يدّعي ماركيز تشيريش أنه والدها؟
ما المكاسب التي يسعى إليها؟ والأغرب من ذلك، أنه لا يوجد أي شبه ظاهر بينه وبين تيرييل.
“لم ولن أعتبر يومًا فتاة مثلكِ أختًا لي!”
جاء الصراخ كالصاعقة، فأفقت من أفكاري.
كانت أليس هي من صرخت، ترتجف بكامل جسدها وهي تحدّق في تيرييل بعينين تقدحان شررًا.
“آنسة تشيريش، لا توجد إلا واحدة، وهي أنا!”
“…هذا قاسٍ يا أختي…”
ردّت تيرييل بصوت مرتجف كأنها على وشك البكاء، ثم رمشت بضع مرات، لتتجمّع الدموع في عينيها الخضراوين الواسعتين.
وكان مظهرها كفيلًا بأن يذيب قلوب الرجال، فما إن رآها الشبان من حولها حتى بادروا للدفاع عنها.
“نحن نفهم مشاعر الآنسة الكبرى، لكن نأمل أن تظهري بعض التفهّم.”
“تخيّلي فقط وقع الصدمة على الآنسة الصغرى حين علمت أن والدها الذي ظنّت أنه ميت، لا يزال على قيد الحياة—”
“ومن قال إنها آنسة تشيريش الصغرى!!!”
صرخت أليس بأعلى صوتها حتى ارتجّ صالون ريماي بأكمله. لم تعد النبيلة الهادئة المهذبة، بل بدت كفرس هائج خرج عن السيطرة.
تراجع النبلاء الشبان متفاجئين، وقد أطبقوا أفواههم بصمت. وانتهزت أليس تلك الفرصة لتصرخ مجددًا:
“أنا وحدي الآنسة تشيريش! لا أحد غيري!”
ثم اقتربت من تيرييل التي كانت تقف أمامها، وصفعتها على خدها صفعة مدوية (طرَاخ!).
[أوهانا: أنا في فريق أليس]
شهق الحاضرون من النبلاء بصدمة، وكأن أنفاسهم انحبست في حلوقهم.
أما تيرييل، التي احمرّ خدها الأيسر في لحظة، فقد بقيت واقفة مذهولة، وكأنها لم تدرك بعد ما الذي أصابها. ثم، فجأة، بدأت الدموع تنهمر من عينيها بغزارة.
صرخت أليس بحدّة واحتقار:
“كيف لشيء قذر مثلك أن يكون أختي؟!”
كانت شرايين عينيها منتفخة من الغضب، وصوت أنفاسها الغاضبة يخترق الصمت، ولم يجرؤ أحد على الحديث.
وبينما عمّ السكون المكان، تحدثت الآنسة الباكية، التي كانت تلتصق بتيرييل طوال الوقت، بصوت مرتجف:
“لـ… لكن… ألم يعترف ماركيز تشيريش بنفسه؟”
“ما الذي قلته؟!”
أطلقت أليس صرخة وهي تغلي من الغضب، ثم صفعت الآنسة الباكية بقوة (طرَاخ!)، بنفس الصوت العالي الذي سُمِع عندما صُفِعت تيرييل.
كادت الآنسة أن تسقط إلى الوراء من شدة الضربة، لولا أن أحدهم سارع إلى الإمساك بها.
وهنا بدأ النبلاء الذين كانوا يُكنّون الضغينة لأليس منذ زمن بالتحدث، واحدًا تلو الآخر:
“فلنعترف بالأمر كما هو.”
“نتفهم أنكِ غاضبة، لكن ما يحدث الآن خاطئ.”
“أعتقد أن ما جرى كافٍ إلى حدّ كبير.”
ردت مجموعة أليس معارضة:
“كافٍ؟! لا يوجد أي دليل على أنها بالفعل ابنة الماركيز تشيريش!”
“صحيح، ربما يكون الماركيز قد أخطأ! الآنسة تشيريش الحقيقية هي الآنسة أليس فقط!”
لكن في تلك اللحظة، تقدمت إحدى الفتيات من أنصار تيرييل وقالت بثقة:
“ألم يقلها البابا بنفسه؟ لقد قال إن الآنسة تيرييل هي بالفعل ابنته.”
تلك الجملة جعلت المدافعين عن أليس يلوذون بالصمت.
فهذا هو تحديدًا ما جعل الإمبراطورة والأمير الثاني يطحنون أسنانهم غيظًا دون أن يستطيعوا فعل شيء.
لو كان إعلان الماركيز وحده، لاعتُبر هراءً محضًا ولتم تجاهله. لكن الوضع تغيّر تمامًا بعد أن صرّح البابا نفسه بصحة ذلك الادعاء.
ازدادت جرأة أنصار تيرييل وارتفعت أصواتهم:
“يجب أن تعترفي بالأمر الآن. الآنسة تيرييل هي بالفعل الابنة الثانية لعائلة تشيريش.”
“أليس من الجيد أن تعرفي أن لديكِ أختًا؟”
“بالفعل!”
“أنا كذلك أعتقد هذا. فوجود اثنتين خير من واحدة.”
“أيّ هراء هذا؟!” صرخت أليس وهي تقطع تلك الأصوات المستفزة من كل جانب.
“لن أعترف بها أبدًا!”
صرختها الغاضبة كانت كافية لإسكات المدافعين عن تيرييل للحظة.
حينها، تدخلت تيرييل، التي كانت تبكي وهي محاطة بتعاطف الشبان، بنبرة مرتجفة:
“أخ…تي…”
“من أختكِ؟!”
(طرَاخ!)
أليس، وقد فقدت سيطرتها تمامًا، صفعت تيرييل مجددًا، ولكن هذه المرة على خدّها الآخر.
[أوهانا: أليس حنا معاكي للموت!]
ترنّحت تيرييل من قوة الضربة، فأسرع بعض النبلاء لإسنادها.
نظرت أليس إليها بحدّة واحتقار، وقالت ببرود:
“إن كنتِ تريدين الحفاظ على فمكِ سليمًا، فلا تناديني أختكِ مرة أخرى، أيتها اللعينة!”
“أختي…!”
(طرَاخ!)
“كفى! أوقفي هذا الجنون فورًا!”
وقف أحد النبلاء الشبان بشجاعة، حائلًا بين أليس وتيرييل، التي احمرّت وجنتاها بلونٍ داكن من شدة الصفعات.
وكانت تلك الشرارة التي دفعت الآخرين إلى التدخّل، فبدأوا يتقدّمون واحدًا تلو الآخر.
“مهما بلغ بكِ الغضب، ما فعلتِه مبالغ فيه جدًا!”
“آنسة بوريتينا— أعني، الآنسة تشيريش الصغرى، هل أنتِ بخير؟”
“قلت لكم إنها ليست آنسة تشيريش!”
لكن صرخة أليس، التي اقتربت من حدود اليأس، لم تجد صدىً في آذانهم، بل على العكس، زاد ذلك من عزلتها أكثر.
ولأنها المرة الأولى التي يشهد فيها النبلاء انكسار أليس بهذا الشكل، فقد استغلّ من كانوا يضمرون لها مشاعر الامتعاض هذه اللحظة، واصطفّوا بكل حماسة إلى جانب تيرييل.
“يكفي الآن، آنسة تشيريش الكبرى!”
“لن تجني شيئًا من مواصلة هذا التصرف.”
“أنتِ… أنتِ…!”
لم تعد أليس قادرة على كبح غضبها، فقبضت على يديها بقوة حتى ارتجفت قبضتاها.
وبدت على وشك استخدام قبضتها بدلًا من كفّها، إلا أن الذين أحاطوا بتيرييل لحمايتها كانوا أكثر من أن يسمحوا لها بتوجيه ضربة أخرى. فاضطرت لأن تعضّ شفتيها غيظًا وتغادر المكان بعنف.
“آنسة تشيريش!”
“آنسة!”
هرعت مجموعة أليس المصدومة خلفها، راكضة على عجل.
وما إن بدأت خطواتهم تتلاشى، حتى خيّم الصمت على المكان.
ولم يبقَ في الصالون إلا جماعة تيرييل، الذين غمرهم شعور جارف بالنصر، إلى جانب من بقوا مثلنا نراقب من دون انحياز لأي طرف.
“هـهق، هـهق…”
حتى في تلك اللحظة، كانت تيرييل تبكي بين ذراعي شاب وسيم من النبلاء، يحيط بها الجميع بكلمات المواساة والتعاطف، متأثرين بضعفها الظاهر.
[أوهانا: ياريت أليس شدت كشتك]
أما أنا، فاكتفيت بالنظر إليهم بصمت، ثم انسحبت بهدوء من الصالون.
* * *
ومنذ ذلك اليوم، ترسّخت مكانة تيرييل رسميًا كابنة ثانية في عائلة تشيريش.
في الأحوال العادية، لم يكن من المفترض أن تبدأ تيرييل استخدام اسم “تشيريش” على الفور، فهناك إجراءات قانونية للتبنّي يجب أن تُتبع، حتى إن كان الماركيز نفسه من أعلن أنها ابنته.
لكن عدد الذين كانوا يكرهون أليس منذ البداية كان كبيرًا جدًا، وقد انتهزوا تلك الفرصة ليرفعوا من شأن تيرييل دون تردّد.
وهكذا، قبل أن يجفّ الحبر على الأوراق الرسمية، أصبحت تيرييل بالفعل الابنة المعترف بها لعائلة تشيريش، اسمًا ومقامًا.
“هل فقد ماركيز تشيريش صوابه تمامًا؟!”
لم يكن من الغريب أن تفقد الإمبراطورة صوابها من شدة الغضب.
“ما قمتُ به ليس إلا إعادة الأمور إلى نصابها.”
أجابها الماركيز إيارون، الذي طالما تدخّل في شؤون شقيقته بكل تفانٍ، بصوت بارد.
كانت حدقتاه الفارغتان دليلًا واضحًا على أنه لم يكن بكامل وعيه، لكن لم يلحظ أحدٌ ذلك.
“آه… آه…”
وسرعان ما بدأت سمعة عائلة تشيريش، التي كانت تتدهور أصلًا، تنهار بوتيرة أسرع بعد هذه الواقعة. وبدت الإمبراطورة شاحبة الوجه، وكأنها تختنق، تتوسّل بمرارة:
“ماركيز— لا، إيارون… لا يمكن أن تكون قد خنتني مع امرأة مثلها… ومع من؟ مع كونتيسة بوريتينا تحديدًا؟ لماذا؟! ما الذي كان ينقصك لتلجأ إلى مثل تلك المرأة؟”
[أوهانا: أنتم مش مرتاحين زي صح ‘-‘؟]
“…أعتذر، أختي.”
“لا… ليس هذا ما أريد سماعه!”
“أعتذر… سأعود الآن.”
“إيارون! إيارون—!!!”
ومع مغادرته دون أي أثرٍ للندم، أخذت الإمبراطورة تنتحب وهي تعتصر صدرها من الألم.
لكن البكاء وحده لم يكن كافيًا لحل شيء.
فجمعت ما تبقى لها من رباطة جأش، واستدعت أحد الكهنة الكبار الذين كانت قد زرعتهم في المعبد منذ زمن، لتستجوبه عن سبب دعم البابا لتصريح الماركيز المفاجئ.
فما إن حضر الكاهن المرتبك، حتى جثا راجفًا وبدأ يتوسّل:
“أنا… أنا لا أعلم لماذا تصرّف قداسة البابا بتلك الطريقة… حتى المعبد الآن يعيش حالة من الارتباك والفوضى.”
فازداد غضب الإمبراطورة، فأخذت تضرب صدرها وتصرخ.
ذلك البابا الحقير! كم من الرشاوى أغدقتُها عليه، ومع ذلك، يخونني بهذا الشكل؟!
وبينما كانت تواصل تصبّ عليه الشتائم دون توقّف، ارتفع ضغطها فجأة، وفقدت وعيها وسقطت أرضًا.
وفي تلك الأثناء، كانت عائلة تشيريش قد أصبحت مركز العاصفة.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
ترجمة : أوهانا
الانستا : han__a505
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 123"