تجمّدتُ في مكاني، وما زلت أحتضن دمية ولي العهد. عندها، تحدث ليدر بسرعة وقد لاحظ الصدمة التي اعترتني.
“يبدو أن سموّ ولي العهد قد أتى بمفرده، فلا وجود للجنود برفقته.”
وهذا يعني أنه لم يأتِ للقبض عليّ.
ومع ذلك، لم أستطع استيعاب الأمر. لماذا؟ لماذا أتى رينوس إلى هنا؟ لأي سبب؟ ما الداعي؟
وفي تلك اللحظة، بدأ مدخل النقابة يعجّ بالضجيج. لا أعلم كيف علموا، لكن بقية أعضاء النقابات الأخرى جاؤوا مسرعين لحمايتي بعد أن سمعوا أن ولي العهد قد أتى!
آه…
شعرت بدوار مفاجئ يغشاني. إن رآهم، كيف سيفسر رينوس هذا الموقف؟ ماذا سيظن بي؟
لا بد أنه سيظن أنني قائدة نقابة شريرة لا ترحم.
رغم أن سمعتي قد تلطخت من قبل، إلا أن فكرة أن يظن بي رينوس سوءًا كانت لا تُطاق.
رميتُ دمية ولي العهد من حضني على عجل، وأخفيت ملامحي، ثم خرجت بخطى سريعة كأنني أركض.
عند مدخل النقابة، كان أفراد النقابات الأخرى قد أحاطوا برينوس بالفعل، يهددونه دون خوف.
“لماذا يسعى فرد من العائلة الإمبراطورية لأخذ سيدتنا؟!”
“اقضِ علينا أولًا، إن كنت تنوي ذلك!”
“لن تمسّ سيدتنا ولو بشعرة، قبل أن تقتلنا جميعًا!”
كفى.
حبست دموعي من شدة الخزي، وتقدّمت من بينهم بثبات.
ثم، وأنا واقفة أمام رينوس، الذي كان يتحمل كل الإهانات بصبر، وينتظرني بهدوء، تحدثت بنبرة رسمية متماسكة:
“يشرفني لقاء شمس الإمبراطورية الصغيرة. سمعنا أنك طلبت رؤيتي.”
حدّق رينوس بي مليًّا، ثم صرف نظره جانبًا، وغطّى فمه بظهر يده. ربما بسبب البرد، فقد احمرّت وجنتاه وأطراف أذنيه بلون خفيف.
وبعد لحظة من الصمت، أجاب بصوت خافت:
“نعم…”
“…”
“…؟”
وكان هذا كل شيء. ماذا؟ أليس من المفترض أن يشرح سبب قدومه على الأقل؟
وقفتُ مشدودة الأعصاب، أترقّب أن يدخل في صلب الموضوع.
وخلفي، جميع أفراد نقابتي، “نقابة التلاعب بالحب في سيل”، بالإضافة إلى أعضاء النقابات الأخرى في العالم السفلي، كانوا يحدّقون في رينوس بنظرات تهديد واضحة، وكأنهم يقولون: “تجرّأ وقل شيئًا غير لائق لسيدتنا، وسنمزّقك إربًا.”
وفي خضم هذا الصمت الخانق—
دوووم!
انفتحت أبواب النقابة فجأة بعنف. ما الأمر الآن؟
وبينما كنت متجمّدة من الصدمة، دخل روبليت مندفعًا، واقتحم المسافة بيني وبين رينوس، واقفًا، كأنه يحاول حمايتي منه.
وكان المدهش أنه نسي أن يتنكر كعضو من نقابة “غريم ريبر”، وظهر بهيئته الأصلية.
“ه-هذا—!”
“إنه دوق جاستيس!”
صرخ أحد أعضاء النقابات في العالم السفلي بذهول، إذ إن روبليت، بصفته مسؤولًا عن الأمن والنظام في العاصمة، كان وجهه معروفًا لهم.
عندما كان يتنكر كأحد أعضاء “غريم ريبر”، كان يرتدي ثيابًا بالية ويدهن وجهه بطبقات تخفي ملامحه، لذا لم يتعرف عليه أحد.
ما الذي يجري بحق السماء…؟
تفاقم ارتباكي إلى أقصاه، حتى وجدت نفسي أفتح فمي كالبلهاء من وراء القناع. حينها، قال روبليت لرينوس بنبرة متعجرفة:
“ما سبب زيارة سموّك لسيدتنا؟”
أجاب رينوس ببرود، وقد اختفى الاحمرار من وجهه بمجرد أن رأى روبليت:
“لقد أمرني جلالة الإمبراطور بإحضارها.”
فرد روبليت بسرعة، وكأنه لا ينوي التراجع:
“هل يمكننا معرفة السبب وراء هذا الطلب؟”
“هذا الأمر يتجاوز صلاحياتك، كما أظن.”
انخفض صوت رينوس إلى درجة جعلته يبدو مخيفًا ومفعمًا بالرهبة.
“تنحَّ جانبًا. أم أنك تنوي تحدي سلطة جلالته؟”
“طرحتُ سؤالي فقط لأن الأمر الصادر لم يكن مفهومًا بالنسبة لي.”
“وهذا هو بعينه تجاوز للصلاحيات. أحذّرك للمرة الأخيرة، تنحَّ الآن. وإلا—”
“لحظة من فضلك.”
تقدمتُ بينهما ووقفت فاصلةً المسافة بين رينوس وروبليت. ثم نظرت إلى رينوس، الذي بدا كأنّه سيخلع قفازه ويطلب المبارزة في أي لحظة، وقلت:
“سأذهب إلى القصر.”
“……!”
“سيّدتي!”
“لا تفعلي هذا، سيّدتي!”
تعالت أصوات الاعتراض من خلفي، من أفراد نقابتي. ولكن ما إن فتح ليدر فمه بالنيابة عني حتى عمّ الصمت فجأة.
“سيدتنا قد قررت، أليس كذلك؟”
“…….”
رغم علامات الاستياء التي علت وجوههم، إلا أن أحدًا لم يعترض بعد ذلك. حتى روبيلت، الذي كان يمنع رينوس بقوة منذ قليل، لم يجد إلا أن يعضّ على شفتيه بصمت.
نظرتُ إلى ليدر وأومأت له بعيني، إشارةً إلى أن يتولى أمر تهدئة الوضع بعد مغادرتي. ثم تبعت رينوس وغادرت النقابة.
* * *
لتفادي جذب الأنظار، كانت هناك عربة مهترئة بانتظارنا خارج النقابة.
رفعتُ ردائي الطويل الذي يصل إلى ساقيّ وصعدتُ إلى العربة. عندها، توقف رينوس، الذي كان ينوي مرافقتي داخلها، فجأة.
أن يُرافق سيد نقابة سيّئة السمعة ووحشية؟ لا بد أن الموقف بدا غريبًا له.
والأدهى من ذلك، أن داخل العربة كان مغايرًا تمامًا لمظهرها الخارجي المهترئ؛ فقد كان أنيقًا ومصمَّمًا بذوق راقٍ، أقرب إلى عربة تخصّ الآنِسات النبيلات.
بل إن المفاجئ أكثر هو أن العربة لم تكن مُرافقة بأي حرّاس؛ لم يكن ثمة جنود يحمونه أو يراقبونني.
بمعنى آخر، لم يكن هناك أحد غيرنا نحن الاثنين، والسائق.
حتى وإن كان رينوس يتمتع بقوة قتالية استثنائية، فذلك لم يكن منطقيًا على الإطلاق.
إلا إذا… كان فعلاً لا يعلم من أكون.
انطلقت العربة بسلاسة بعد ذلك.
وساد الصمت.
“…….”
“…….”
كنت أنوي سؤاله عن سبب استدعاء الإمبراطور لي، لكن رأسي كان فارغًا تمامًا، وكأن أحدهم قد مسح كل الأفكار منه. ماذا عليّ أن أفعل الآن…؟ من الواضح أنه يعرف من أكون… أليس كذلك؟
فجأة، راودتني تلك المحادثة الطريفة عن العلاقات العاطفية، التي دارت يومًا بيني وبين “ذلك الرجل”:
«هل تحبّين أسياخ الدجاج؟»
«نعم، أحبها.»
«وهل تتحملين الأطعمة الحارّة؟»
«نعم، أستطيع.»
…آه.
آه… آه…
تجمّدت في مكاني، أعبث بأصابعي بشرود بينما أحدّق في أرضية العربة.
أما رينوس، فقد كان يحدّق في الزاوية المقابلة من العربة، بتعبير يصعب تفسيره.
ثم، وقد بدا أن الصمت يثقل كاهله، كسر الجمود بنبرة متردّدة:
“الأمر لا ينطوي على ما يدعو للقلق… فلا أظن أنّ عليكِ أن تقلقي.”
انتهت جملته بنبرة مبهمة، لكنه كان يحاول الطمأنة بصدق. ومع ذلك، كنت غارقة في حالة من الذهول والعجز عن الرد.
ظنّاً منه أنني متوترة بسبب الذهاب إلى الإمبراطور، وبدأ يحاول رفع معنوياتي بكلمات تشجيعية.
“سمعت… أن لديكِ مهارة في… خيانة العلاقات.”
كان يقصد أنني خبيرة في كشف أو معالجة قضايا الخيانة الزوجية، لكن التعبير بدا سيئًا للغاية. فجأة، بدا الأمر وكأنني محترفة خيانة، بلا ضمير.
ورغم فداحة ما قاله، بقيت صامتة.
فأخذ رينوس يتحدث بإصرار، وكأنه يحاول جاهدًا أن ينتزع مني أي تفاعل مهما كان بسيطًا.
“سمعتُ أن قدراتكِ… فائقة التميّز.”
“…….”
“وتُحسنين الاستماع في جلسات الاستشارة… وتُجيدين تقديم النصيحة أيضًا…”
“…….”
“ويبدو أن جلالته… يرغب في الاستفادة من مهاراتكِ تلك للتحقق من أمرٍ ما.”
“عذرًا؟”
ما الذي يقصده بذلك؟
فوجئتُ تمامًا بهذه الكلمات غير المتوقعة، فرفعت رأسي على عجل — لكنني ما إن التقيتُ بعينيه الذهبيتين، حتى أدرت بصري على الفور. وبتلعثم، تمتمتُ باعتذار، مدركة تمامًا أن التحديق في وجه أحد أفراد العائلة الإمبراطورية دون إذن يُعد تجاوزًا لا يُغتفر.
“أعتذر. لقد تصرّفتُ بوقاحة.”
“…لا بأس.”
همس رينوس بصوت خفيض، وهو يشيح بوجهه أيضًا بسرعة.
…آه.
في تلك اللحظة، أدركت الحقيقة.
ولي العهد رينوس، لا يحق له أن يتهرب من نظراتي، أنا، مجرد زعيمة نقابة تنتمي للعالم السفلي. بل ولا يجوز له أن يشعر بالحرج إلى درجة احمرار وجنتيه، بسبب تلاقي نظراتنا فحسب.
سمعت صوتًا يتهاوى داخل رأسي، وكأن شيئًا قد تحطّم بالكامل.
كان صوت كرامتي تنهار.
سكون خانق خيّم على العربة.
وفي هذا الصمت القاتل، لم يكن يُسمع سوى صوت حوافر الخيل المنتظم والقاسي وهو يطرق الأرض خارج العربة.
* * *
في الظروف الطبيعية، كان من المفترض أن أُجرَّد من سلاحي تمامًا، بل وأُجبر على إزالة كل ما يُخفي هويتي قبل المثول أمام الإمبراطور.
لكنني دخلت قاعة العرش دون أن يُطلب مني الكشف عن هويتي، وكأن رينوس قد رتّب الأمر مسبقًا.
لم يكن هذا تفضيلًا يمكن أن أحظى به ما لم يكن رينوس يعلم من أكون.
ما العمل الآن…؟
راودني شعور حقيقي بالرغبة في البكاء.
لو لم يكن هذا موعدًا مع الإمبراطور نفسه، لكنت قد لذت بالفرار راكضة إلى منزلي، ثم دفنت رأسي تحت الغطاء لأمكث شهرًا كاملاً لا أخرج.
“…لا يحق لك النظر مباشرة إلى وجه جلالة الإمبراطور. كذلك، لا تقم برفع ظهرك حتى يُؤذن لك بذلك—”
رغم أنني كنت بالكاد أعي ما يدور حولي، فقد كان كبير خدم القصر يلقنني آداب المثول أمام الإمبراطور بسرعة كبيرة.
كانت نظراته الحذرة، بل العدائية، توحي بأنه إن أنا حرّكت إصبعًا واحدًا في غير موضعه، فسوف يأمر الجنود فورًا باعتقالي صارخًا:
“اقبضوا على هذه المتجرئ الدنيء!”
“ن-نعم، فهمت…”
رغم رغبتي العارمة بالفرار، أجبته بانصياعٍ تام.
وأخيرًا، عندما انتهى من إلقاء التعليمات، وخرج الإمبراطور من خلف الستار —
ارتميت أرضًا كما علّمني الخادم.
آه، ليت الأرض تنشقّ وتبتلعني الآن.
“هذا الكائن الحقير يمثل أمام شمس الإمبراطورية، بداية ونهاية هذا العالم، مبيد الظلمات ومُفيض النور، ممثل حاكم الشمس، وجلالة إمبراطور الإمبراطورية.”
“انهض.”
كان الصوت الذي ردّ عليّ بهدوء هو صوت رينوس، لا الإمبراطور.
فرفعت جزئي العلوي بتردد.
عندها، حدق الإمبراطور فيّ بنظرة صارمة تشي بعدم الرضا، ثم قال بصوت عميق:
“أنت زعيم نقابة التلاعب بالحب في سيل؟”
“نعم، يا صاحب الجلالة…”
عدت إلى وضعية الانبطاح مجددًا. تمنيت لو أمكنني أن أذوب في الأرض.
لكن الإمبراطور لم يكتفِ بذلك — بل دفنني بالكامل بكلماته التالية.
“سمعتُ أنك واقع في حب من طرفٍ واحد نحو الماركيزة الصغيرة لابرينث.”
…آه.
آآآه…
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
ترجمة : أوهانا
الانستا : han__a505
الواتباد : han__a505
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 119"