“آه، لا… لا شيء. كنت أهذي فقط. أرجو أن تتجاهلي ما قلت.”
هزّ ليدر رأسه بارتباك وهو ينظر إلى الأمام، لكنه لم يستطع التركيز على المباراة حتى لدقيقة واحدة، واستمر في التحديق خلسةً نحو ماي.
كيف انتهى به المطاف إلى مشاهدة المباراة مع خادمة السيّدة، بمفردهما؟
بدأ الأمر كله باقتراح من السيّدة.
—
“هل ترغب في خوض موعد أعمى؟”
“موعد أعمى؟”
بعد حادثة المسرح، كان ليدر قد تخلّص أخيرًا من مشاعره العالقة تجاه البارون ألفريد وزوجته، فتركا في نفسه فراغًا ووحدة.
ومن ثم، بدأ يردد بلا وعي تقريبًا: “أريد أن أرتبط، أريد أن أرتبط”.
لكنه في الواقع لم يكن راغبًا بجدية في الدخول في علاقة، كما لم يتوقع أن تكلّف السيّدة نفسها عناء ترتيب موعد له.
وحين عرضت سييلا بالفعل أن تعرّفه إلى فتاة، فكّر في رفض الفكرة فورًا، معتقدًا أن أي امرأة تختارها “سييلا الشيطانية” لا بد أن تكون شيطانية مثلها.
غير أن سييلا قالت حينها:
“أنت تعرف خادمتي، أليس كذلك؟ ماي. لقد كانت تشتكي مؤخرًا كلما رأتني بأنها تودّ الارتباط بشخص ما.”
في الحقيقة، وإن لم يُظهر ذلك، إلا أن ليدر كان يحمل انطباعًا جيدًا عن ماي.
في اليوم الذي أحضرت فيه بطاقة “نقابة التلاعب بالحب في سيل”، رجته أن يعتني بالسيدة عناية تامة، مما ترك أثرًا لطيفًا في نفسه. كما شعر تجاهها بشيء من الألفة، كونهما يخدمان الشخص نفسه.
“ما رأيك؟ هل ترغب بلقائها؟ إذا كنت مهتمًا، يمكنني أن أرتّب لقاءً بشكل طبيعي.”
رغبته الأولى في الرفض تراجعت إلى مجرد تفكير عابر: حسنًا، يمكنني أن ألتقي بها، لما لا؟
فأومأ ليدر برأسه دون أن يفكر كثيرًا.
—
والآن، كان ليدر يتمنى لو استطاع العودة إلى الماضي لصفع نفسه على هذا القرار.
لم يكن يندم على لقائه بماي.
لكن مضى وقت طويل منذ آخر مرة تحدث فيها مع امرأة، حتى إنه لم يعد يعرف ماذا يقول.
قال لنفسه: «أنا… ليس لديّ حبيبة!» ما هذا الغباء؟ من يقول شيئًا كهذا؟!
ظلّ يوبخ نفسه داخليًا على ما تفوّه به قبل دقائق، وهو يعصر ذهنه مفكرًا:
لا يمكنني الحديث عن النقابة، والمواضيع التجارية قد تبدو مملة بالنسبة لها…
ما الذي يمكن أن يقوله ليتجاوز هذا الصمت المحرج؟ شعر وكأن الجلوس على الشوك أهون من هذا.
“منذ متى وأنت تعرف الآنسة؟”
خلافًا لليدر الغارق في التفكير، فتحت ماي الحديث دون تردد. إذ شعر بالسعادة، وكأنه وجد أخيرًا خيط اتصال بينهما، فأجاب بحماسة:
“ليس منذ زمن طويل.”
“أحقًا؟ بدوتما مقربين جدًا.”
“وما عنكِ؟ منذ متى وأنتِ قريبة من الآنسة؟”
“أنا؟ كنت بجانبها منذ ولادتي.”
ضحكت ماي ضحكة رقيقة، وكأن السؤال كان مضحكًا بحد ذاته.
ثم تذكّر فجأة: آه، صحيح. لقد نشأت مع السيّدة منذ الطفولة كخادمتها.
أدرك ليدر أخيرًا أن سؤاله كان غبيًا، فسارع إلى تدارك الأمر قائلًا:
“لا بد أن الأمر كان صعبًا، أن تتعاملي مع شخصيتها منذ الولادة.”
“أبدًا! الآنسة طيبة القلب للغاية.”
“طيبة؟!”
صاح ليدر من شدة الدهشة بصوت عالٍ.
لكن نظرات التوبيخ التي وُجهت إليه من كل الجهات كانت تطالبه بالصمت، لا سيما نظرة سييلا التي كانت تراقبهما من بعيد، مختبئة بينما كانت تتناول سيخ دجاج مشوي، ما جعله ينكمش في مكانه كجرو وُبّخ للتو.
“آه، نعم… إنها طيبة. فهمت…”
نبرته التي لم تُخفِ عدم تصديقه دفعت ماي إلى أن تضحك مجددًا.
وسرعان ما بدأت تسرد حكايات عن طفولة الآنسة.
* * *
ما تلك الملامح المذهولة؟
كان يمكنني رؤية علامات الصدمة على وجه ليدر كلما تحدثت ماي. لم أكن بحاجة إلى سماع ما تقول لأخمّن محتوى حديثها.
شرعت في تناول سيخ “نَفَس التنين” – الطبق الشهير الذي أُعيد إحياؤه بمناسبة مهرجان سيف الشتاء – وكأنني أنتقم من الدجاج.
“السيدة… أعني، الآنسة فعلت ذلك؟ مستحيل! كم هي شر… أعني، شخصيتها قوية للغاية!”
نعم، كما توقعت تمامًا. إنهما يتحدثان عني.
على أية حال، كنت آمل أن تسير الأمور بينهما على ما يرام.
صحيح أن ماضي ليدر المهني لم يكن مشرفًا، لكنه تورّط فيه بسبب داينا، وقد قطع علاقته بتلك الأعمال منذ وقت طويل.
ثري، ووسيم إلى حدّ معقول، ورئيس نقابة تجارية، ومن النوع المخلص الذي لا يرى إلا امرأة واحدة في حياته، مما يجعله خيارًا لا يُستهان به.
عندما رفعت راتب ماي بسبب حادثة صندوق الطعام، وسألتها إن كانت تملك حبيبًا، تشبثت بي قائلة: “هل تحاولين أن تعرّفيني على أحد؟” وكدت أذوب من التوتر..
إن نجحت الأمور، فلن أسمع تلميحاتها المزعجة لبعض الوقت. يا لَراحتي.
أبعدت نظري عن الاثنين وعدت أنظر إلى ساحة المباريات. كانت بطولة السيف تُقام بأسلوب الإقصاء الفردي، لكن رينوس لم يدخل بعد.
أيًا يكن خصمه، كنت واثقة من فوزه. تابعت تناول سيخ الدجاج وأنا أتمنى أن يدخل رينوس الساحة قريبًا.
ها قد دخل!
أخيرًا، دخل رينوس إلى الساحة.
رغم أنه ارتدى ملابس بسيطة ليتماشى مع المشاركين من عامة الشعب، إلا أن وسامته كانت كفيلة بجعل التعرف عليه سهلًا حتى من بعيد.
وبطبيعة الحال، كنت على يقين من فوزه، لكن لأن هذه أولى مبارياته، كنت أتابع وأنا أتناول السيخ بتوتر.
“همف، يبدو أن الجولة الأولى ستكون فوزًا تلقائيًا.”
سمعت شخصًا يسخر بجانبي. عذرًا؟
استدرت بسرعة وعيناي تشعّان شررًا، فرأيت من تفوّه بتلك السخرية. كان أحد أبناء النبلاء من فصيل الأمير الثاني، ذلك الذي حاول مع أليس النيل من رينوس في حفل تهنئتي، لكنه نال جزاءه حينها.
هو نفسه الذي نجا بفضل تسامح رينوس، ومع ذلك، عندما التقت نظراتنا، نفخ الهواء من أنفه وكأنه يقول: “هل قلتُ شيئًا خاطئًا؟”
سألته بنبرة حادة:
“فوز تلقائي؟”
“آه نعم، خصم سمو ولي العهد. إنه أحد فرسان الحرس الإمبراطوري المعروفين إلى حد ما.”
“إذاً، أنت تظن أن صاحب السمو سيُهزم؟”
“ألا ترين الأمر كذلك أنتِ أيضًا، يا ماركيزة؟ أعني، نعم، كان سموه فارسًا من الحرس الإمبراطوري في السابق، لكنه لم يكن فارسًا فعليًا، بل شخص يحمل اللقب فحسب.”
ثم ضحك ساخرًا وقال:
“من الصعب أن يهزم فارسًا حقيقيًا. لم يحالفه الحظ.”
“هل تراهن؟”
“عذرًا؟”
“هل تراهن على ما إذا كان سموه سيفوز أم يخسر؟”
“لم لا؟ أشعر بالملل، وهذه فرصة مناسبة. وما هو رهانكِ؟”
“سند ملكية منزلي. وأنتَ؟ راهن بسند منزلك.”
تجمّد للحظة أمام عبارتي القاطعة، ثم ابتسم ساخرًا بعد صمت قصير وقال:
“ألا تظنين أن هذه مزحة مبالغ فيها
“أنا جادة. لا تقل لي إنك حقًا تظن أن سموه…”
بفرقعة خفيفة، فتحتُ مروحتي ولوّحت بها برقة وأنا أقترب، ثم همست بنبرة مستفزة:
“أتعني أنك تظن أن الفارس الذي اخترته سيُهزم؟”
لو تراجع الآن، لكان ذلك بمثابة إقرار صريح بفوز رينوس. ولهذا، لم يستطع النبيل الشاب الرد بسهولة.
هززت رأسي بأسى، وكأنني أراه مثيرًا للشفقة.
“أهكذا تفتقر إلى الثقة بكلماتك؟ أهذا كل ما يعنيه لك سند ملكية؟ كم هو محزن أن تخون قناعاتك مقابل ما لا يعدو كونه حفنة نقود! كم هو مخجل أن نكون من الطبقة ذاتها، أنا وأنت، وأنت من يغيّر رأيه بهذا الشكل من أجل فتات.”
“فلنفعلها.”
قال النبيل الشاب وهو يطحن أسنانه غيظًا، بعد أن ناله الاستفزاز.
“لنُكمل الرهان. فقط تأكدي أنكِ لن تتراجعي عن كلمتك بسبب مجرد حفنة من النقود!”
“وهل هناك من هو أحق بهذه الملاحظة منك؟”
غطيت فمي بالمروحة وضحكت ضحكة أرستقراطية ناعمة.
انتهيت. سأحوّل منزلك إلى موقع لبناء متجر فاخر.
في تلك اللحظة—بانغ!
دوّى صوت حاد أشبه بطلقة نارية. لقد بدأت المباراة.
وهكذا، ومن دون علم المتبارزين، انطلقت مواجهة بملايين تُقام خلف الكواليس، وقد وُضع على المحك فيها سندا ملكية لمنزلين من أرقى منازل النبلاء.
* * *
كان ديف ينظر إلى ولي العهد الذي وقف مقابله، وكانت ملامحه توحي بالارتباك.
كان فارسًا من الحرس الإمبراطوري، لكنه لم يسبق له أن رأى رينوس من قبل، مع أنه يُفترض أنه كان زميلًا له في ذات الفيلق.
السبب أنه كان دائمًا يصاحب النبلاء ذوي الرتب العليا، خاصة أولئك الموالين للأمير الثاني.
> “يا رجل، لا بد أن تفوز.”
“إن خسرت، فستكون فضيحة مدوية.”
كانت كلمات رفاقه تتردد في أذنه وهو يخطو إلى داخل ساحة المباراة.
وكانوا محقين—فلا خيار أمامه سوى الفوز. لم يكن من الممكن أن يخسر هذه المباراة.
هو واثق من مهاراته، وكان يستخف برينوس. لو كان الأخير ماهرًا حقًا، لكانت انتشرت سمعته في الفيلق منذ زمن.
بل عندما رآه لأول مرة، انتابه شعور بالريبة: “هل مثل هذا كان بيننا في الفيلق؟” وجهه بالكاد يُذكر.
لا بد أن مهاراته لا تُذكر كذلك.
هو شخص قيل إنه لم يخرج من غرفته على الإطلاق، فماذا عساه يُقدّم في ساحة المبارزة؟ هكذا ظن ديف.
في الحقيقة، كان رينوس يتعمد الابتعاد عن الأضواء، إلا أن الموالين للأمير الثاني لم يدركوا هذه الحقيقة.
“سنبدأ الآن.”
رفع الحكم مسدس الإشارة.
شد ديف قبضته على سيفه، ولعق شفتيه الجافتين بتوتر.
خصمه هو ولي العهد ذاته، وتلك أولى مبارياته في البطولة.
لو استطاع إذلاله علنًا في هذه المباراة… فقد يكسب ثقة الأمير الثاني إلى الأبد.
سواء كان رينوس يعلم بهذه الحسابات أم لا، فقد كان يقف هناك دون أن يظهر أي تعبير على وجهه.
سيفه ينسدل من يده، ونظراته تتجه من وقت لآخر نحو الصفوف الأمامية لمقاعد كبار الشخصيات (VVIP)، وكأن ذهنه مشغول بشيء آخر تمامًا.
تتبع ديف نظراته، فرأى الماركيزة لابرينث الصغيرة جالسة هناك، تتجادل مع أحد النبلاء، وفي يدها سيخ دجاج فارغ.
يبدو أنه يحاول إثارة إعجابها.
ابتسم ديف ساخرًا دون صوت.
بانغ!
أطلق الحكم إشارة البدء.
“هاااااهه!”
صرخ ديف صرخة قتالية مدوية، وانقض على ولي العهد.
وبعد مرور أربع ثوانٍ فقط، ارتسم قوس فضي في الهواء…
طار أحد السيوف بعيدًا.
“…”
“…”
طننننغ!
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
ترجمة : أوهانا
الانستا : han__a505
الواتباد : han__a505
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 116"