كنتُ أتساءل ما الشيء الآخر، غير الطول، لكنني شعرتُ أنه من الأفضل ألّا أطرح السؤال. فإن فعلت، فسيبدو كأنني أُقرّ بوسامة روبليت وثروته، ومن المؤكد أن رينوس سينزعج من ذلك.
تماسك يا روبليت… لا تنسَ، أنت وسيم… وثري أيضًا، بالطبع.
* * *
«هل تقول إن جاستيس رفض البقاء إلى جانب بوريتينا؟»
قطّب نوكس، الذي كان يظهر في المرآة، حاجبَيه حين نقل إليه البابا مجريات الأمور.
قبل أيام، استدعى بوريتينا ليعرف ما الذي حدث حتى فقدت اهتمام وليّ العهد. وحين علم أن من أنقذها لم يكن أحد المقرّبين من وليّ العهد، بل “لابرينث”، أدرك حينها أن ما طرأ على الواقع من تغيير كان سببه تدخّل لابرينث.
لهذا، أمر بوريتينا بالابتعاد عن لابرينث، والتقرّب من وليّ العهد ودوق جاستيس بدلًا منه.
كنتُ أتوقّع ألّا تنصت بسهولة، لأن لابرينث هو من أنقذها، لكن…
الغريب أنها كانت تُكنّ مشاعر سلبيّة تجاه لابرينث، ولم يحتج نوكس حتى إلى استخدام سحر الإغواء عليها.
بل إنها، دون أن يقول لها الكثير، انخرطت في البكاء قائلة: «لا أحد عاملني بهذه اللطف سوى نوكس!»
وبسهولة، كسب نوكس ولاء تيرييل، ثم استدعى روبليت. فقد أراد أن يضعه كحارس شخصيّ لبوريتينا تحسّبًا لأيّ طارئ—كما فعل في الماضي.
لكن…
«السحر لم يُجدِ نفعًا.»
رغم أن سحر الإغواء الذي يستخدمه ليس أصليًا، بل مقلّد من قوة التنين المقدّس “أبشوليكتار”، إلا أنه، في جوهره، لا يزال قوة تنين، وكان من المفترض أن يؤثر في بشرٍ عاديين مثل جاستيس.
فلماذا لم يُجدِ نفعًا هذه المرّة؟
ولماذا تنحرف الأمور باستمرار عن مسارها، بخلاف ما حدث في السابق؟
في الحقيقة، وبسبب الشكوك الطويلة التي ظلّت تساور روبليت بشأن دوق أبشلكتي، نشأت لديه مناعة ما تجاه سحر الإغواء، لكن نوكس لم يكن يعلم بذلك.
هل هذا أيضًا بسبب لابرينث؟ وكان ذلك التفسير الوحيد الذي خطر بباله.
«كم هو أمرٌ مُحبط.»
شعر نوكس بغيظ شديد، وحدّق في البابا الذي كان يجلس أمامه محدّقًا بعينين خاليتين من التركيز، كدمية.
لو كان بمقدوري التحرك بحرية، مثل ذلك الإنسان، لتحقّقت بنفسي. ولكن…
بسبب اللعنة، كان نوكس محاصرًا داخل هذه المرآة، ولا يملك وسيلة للتواصل سوى من خلال البابا.
لو كانت لديّ قوة التنين الشرير فقط…
لو امتلكها، لكان بمقدوره الخروج من هذه المرآة اللعينة. وما زاده حسرةً أنه كاد ينجح في المرّة السابقة، لولا الصدمة التي تلقّاها وجعلته يفقد وعيه، وهو ما أخّر ظهوره هذه المرة.
لو لم تستخدم بوريتينا تلك العشبة اللعينة، لكان كلّ شيء على ما يرام…
قبض نوكس على قبضته بشدة، ثم قاطع حديث البابا، الذي كان يثرثر أمامه بمعلومات لا تنتهي، وبوجه بليد.
«أريد مقابلة لابرينث.»
«…لابرينث، تقول؟ ولكن—»
تلعثم البابا وتوقف، وقد بدا عليه التردد. فلم يكن من مصلحته أن يُكشف أمر وجود مرآة ناطقة في المعبد.
في الواقع، هذه المرآة هي من بقايا مملكة “إلدورادو”، مملكة السحر القديمة التي دمّرها التنين الشرير أولًا.
ورغم أنها تُصنَّف ضمن “الرموز المقدّسة”، فهي في حقيقتها أداة سحرية. ولهذا السبب، كان البابا متردّدًا، إذ إن امتلاك أداة سحرية في معبدٍ يحظر استخدام السحر، قد يُحدث فضيحة.
ورغم تشديده على التحفّظ، فقد أراها بالفعل لبوريتينا وجاستيس. وإن أضاف لابرينث إلى القائمة، فسيُصبح عددهم ثلاثة…
«ما رأيك أن تخبرني بما تودّ قوله، وسأتولّى أنا إيصاله بنفسي؟»
قال البابا محاولًا إقناع المرآة، إذ لم يكن يرغب في استدعاء “سييلا” إلى المعبد.
لكن محاولته ذهبت أدراج الرياح، حين فاحت رائحة الورود التي أطلقها نوكس.
* * *
أخيرًا، بدأ مهرجان قمر الياقوت الشتوي.
وعلى خلاف مهرجان قمر الياقوت الصيفي، الذي تملؤه الأزهار الزاهية، فإن مهرجان قمر الياقوت الشتوي—أو ما يُعرف بـ”مهرجان سيف الشتاء”—يُقام وسط الثلوج البيضاء النقيّة.
في إمبراطورية أرجينتايم، ولا سيّما في العاصمة، كانت الثلوج تهطل بغزارة خلال فصل الشتاء، ويزداد ذلك بشكل خاص مع اقتراب ظهور قمر الياقوت.
ولهذا، لم يكن هناك موضع في العاصمة لا يغمره الثلج.
بفضل ذلك، كانت أحجار التدفئة التي طوّرتها شركة لومينوس بالتعاون مع برج السحر تُباع كالنار في الهشيم. وبعد رفع القيود التي فرضتها الإمبراطورة، تم تعديل التصميم ورفع السعر، فحققت هذه المنتجات هامش ربح ضخمًا.
وبالمثل، كانت تذاكر اليانصيب تُباع بكثافة أيضًا. وقد عرض عليّ الإمبراطور، الذي بدا أنه وجدني لطيفة المظهر، أن يمنحني الحق الحصري في بيعها، بشرط أن أقدّم جزءًا من الأرباح كضرائب، واصفًا ذلك بأنه “لعبة مسلية للغاية”.
من يرفض نعمة تأتي على طبق من ذهب؟
فبطبيعة الحال، قبلتُ عرض الإمبراطور على الفور. ولم يكن من المستغرب أن يبدأ ينظر إليّ بعين أكثر دفئًا، بعدما امتلأت خزانة الإمبراطورية بالذهب.
وعلاوة على ذلك، كانت لفائف التعاويذ تُباع هي الأخرى بشكل ممتاز.
ونتيجة لذلك، كانت خزائني تمتلئ بالنقود تدريجيًا. حتى إنني لم أعد بحاجة لاسترجاع المبلغ الذي أقرضته للابرينث في وقت سابق، نتيجة لهجمات الإمبراطورة.
المال متوفّر، وكلّ ما أحتاجه الآن هو العثور على مبنى لأفتتح فيه المتجر الكبير.
لكن حتى سوق العقارات كان تحت سيطرة الإمبراطورة، ولم تكن أي من المباني الجيّدة معروضة للبيع. تمنّيتُ لو يسقط عليّ مبنى مناسب من السماء…
بينما كنتُ أفكّر في ذلك، تابعتُ تطريز منديل صغير بنفسي، متجاهلةً دعوة المعبد السخيفة التي تطلب مني المجيء لتلقّي “رسالة”.
وقد تتساءلون: لماذا أطرّز منديلاً فجأة؟
في بطولة السيف التي تُقام احتفالًا بمهرجان سيف الشتاء، هناك تقليد معروف: أن تُهدي الفتيات النبيلات مناديل مطرّزة بأيديهنّ إلى النبلاء الذين يبدين اهتمامًا بهم. وغالبًا ما يُهدي الفائز في البطولة نصره إلى النبيلة التي أعطته المنديل.
قد يبدو الأمر رومانسيًا عند سماعه، لكن…
الواقع ليس بتلك البراءة.
فالفتاة النبيلة قد تُهدي مناديلها لأكثر من شاب، والشاب بدوره قد يتلقى مناديل من فتيات عدّة.
ونتيجة لذلك، كثيرًا ما يُقسَّم “شرف الفوز” بين عدد من الفتيات، ما يجعل الأمر يبدو سخيفًا.
في العام الماضي، حين فاز الأمير الثاني شيد، بلغ عدد الفتيات اللواتي قسمن معه شرف الفوز 122 فتاة! وهذا يكفي لتفهموا الصورة.
على كلّ حال، وبعد جهدٍ كبير، أنهيتُ تطريز المنديل الذي سأقدّمه لرينوس، وزيّنت أحد أركانه برسم وجه “بييك” الأسود الصغير.
عندما رأته “ماي”، تساءلت بدهشة:
«يا إلهي، ما هذا الشكل؟… توليب أسود بنقطة حمراء؟»
لكنّي تجاهلتها. ويبدو أنني تحسّنت قليلًا هذه المرّة، فقد بدا هذا المنديل أكثر ترتيبًا بكثير من أوّل منديل صنعته. بل كانت هذه هي المرّة التاسعة فقط، بينما السابقة تجاوزت العاشرة. اممم، أحرزتُ تقدّمًا، أليس كذلك؟
وبكل فخر، ذهبتُ في اليوم الأوّل من البطولة إلى غرفة الانتظار، وقدّمتُ المنديل إلى رينوس.
«سموك، تفضّل.»
عندها، بدأت أعين النبلاء الشباب القريبين مني—والذين كانوا يتساءلون لمن ستمنح “نجمة الصيف” منديلها—تتّقد غيرةً ودهشة.
ومع هذه الخطوة، فإذا أبلَى رينوس بلاءً حسنًا، فاختياره كـ”سيف الشتاء” لهذا العام بات شبه محسوم.
لكن بما أنّني لم أتلقَّ رشوة من أحد، فلم يكن لديهم الحقّ في الاعتراض علنًا.
صحيح أنّ مبيعات مطعم لومينوس ارتفعت بفضلهم بعد جمع الملصقات، لكنهم فعلوا ذلك من تلقاء أنفسهم، ولم أطلبه منهم.
بل إنهم، في النهاية، استمتعوا بذلك بصدق تحت شعار “إصدار محدود”، ومن المرجّح أن يستمرّ هوس جمع الملصقات حتى بعد انتهاء البطولة.
وبينما ظلّوا منزعجين لفترة، أخذوا يتهامسون فيما بينهم، يرمقون رينوس بنظرات جانبيّة وكأنهم وجدوا فريسة جديدة للغيبة.
ومن السهل تخمين ما كانوا يقولونه:
«يُقال إنه ظلّ حبيسًا في غرفته بسبب لعنة التنين الشرير.»
«سمعتُ أنه موهوب في السحر، لكن… هل أمسك بسيف في حياته؟»
«غالبًا ما سيُقصى في الجولة الأولى.»
«إذًا، سيكون لقب سيف الشتاء من نصيب شخصٍ آخر.»
أما رينوس، الذي كان محور تلك الأحاديث، فلم يُبدِ أيّ ردّة فعل. لم يكن غافلًا عمّا يُقال، بل بدا وكأنه لا يريد أن يمنح أولئك الحمقى ما يُثيرهم.
عندها، قرّرت أن أتجاهلهم بدوري وأفتخر بعملي قليلًا.
«ما رأيك؟ أليس هذا أجمل من الذي أعطيتك إيّاه سابقًا؟»
فأجابني رينوس بنبرة هادئة، دون تردّد:
«المنديل السابق كان جميلًا، وهذا أيضًا جميل.»
وتلقّاه برقة امتزجت بحلاوة صادقة.
وفجأة، ظهرت مجموعة من الفتيات النبيلات من العدم، يتدافعن لتقديم مناديلهن المطرّزة إلى رينوس أيضًا.
«سموّ الأمير… أنا جانا من عائلة ميليّا. أرجو أن تقبل منّي هذا المنديل أيضًا…»
«أنا إيلّيا، يا صاحب السمو. قضيتُ الليل كلّه أطرّز هذا المنديل وأنا أفكّر بك. أرجو أن تقبله منّي!»
«يشرفني أن أراك، سموّ الأمير. هذا المنديل طرزته بنفسي! أرجو أن تقبله!»
ما هذا بحق الجحيم؟! ابتعدن، هيّا، انصرفن!
…كان هذا ما أوشكتُ على قوله، وكانت الكلمات قد بلغت حلقي بالفعل، لكنني لم أتمكّن من التفوّه بها.
صحيح أنني لم أكن أنوي تقديم المنديل سوى لرينوس، لكن لا يمكنني أن أفرض عليه أن يقبل مني فقط.
وفوق ذلك، لم أُقرّ له بمشاعري بعد، لذا لا يحقّ لي الاعتراض، مهما بلغ عدد المناديل التي سيتلقّاها.
لكن…
«…!»
رينوس، الذي كان لا يزال يمسك بالمنديل الذي أهديته له، طبع قبلة خفيفة على صورة “بييك” التي طرزتُها بيدي. ثم التفت إلى الفتيات المندهشات من تصرّفه المفاجئ، ورفض عروضهنّ بلطف وجديّة.
«ليست لديّ نيّة في قبول أيّ منديل سوى ما قدّمته الآنسة لابرينث.»
«آه… ن-نعم…»
«هكذا إذًا…»
«نعتذر على الإزعاج…»
تراجعت الفتيات بخيبةٍ واضحة. كان رفضه قاطعًا وواضحًا إلى درجة أنهنّ لم يجدن سبيلًا للمماطلة أو التوسّل.
شعرتُ بالحرارة تصعد إلى وجهي، بينما كنت أراقب رينوس وهو يربط المنديل الذي أهديته له بعناية حول مقبض سيفه.
هل يُعقل أنه لاحظ غيرتي؟
لا… مستحيل. أنا بارعة جدًّا في التحكم في تعابير وجهي.
وفي تلك اللحظة، التفت إليّ رينوس بعينين تلمعان بابتسامة مرحة.
«حين تغضبين، يرتفع طرفا عينيكِ، آنستي.»
تبا، لقد كُشفتُ.
وضغطتُ بأصابعي على طرفي عينيّ بخجل، في محاولة لتسويتهما. يا لهذا الطرف من العين، انزل قليلاً! لو كان لديّ مرآة الآن فقط… لا أعلم إن كان قد عاد لطبيعته أم لا.
ثم لامست يدٌ دافئة وكبيرة يدي بخفة. اقترب وجهه حتى شعرتُ بأنفاسه، وهمس في أذني بصوت خافت:
«أراهن أنّكِ لا تدركين كم أنتِ لطيفة وأنتِ على هذا النحو.»
«هُمف، إذًا وجهي الغاضب بدا لطيفًا في نظرك، أليس كذلك؟»
«أتظنين أن الأمر يقتصر على ذلك؟ حتى حين تتنفّسين، تبدين لطيفة.»
«…»
أطلقتُ سؤالي على سبيل المزاح، لكنّ ردّه جاءني بكل صدق، حتى تمنّيتُ لو تنشقّ الأرض وتبتلعني. يبدو أنّ رينوس قرر اليوم أن يقصف قلبي بوابل جديد من قنابله العاطفية.
انخفض رأسي بخجل، فما كان منه إلا أن أطلق ضحكة خفيفة، وهو ينظر إليّ وكأنّ الأمر ممتع للغاية بالنسبة له.
وفي تلك اللحظة، اقترب منّا أحد حرّاس الأمن، المسؤولين عن تنظيم مجريات البطولة.
«عليك التوجّه الآن، صاحب السمو.»
يا إلهي، هل مرّ الوقت بهذه السرعة؟
حين نظرتُ حولي، كان جميع النبلاء قد غادروا منذ فترة. ولم يكن غريبًا ألّا أشعر بمرور الوقت وأنا برفقة رينوس.
ودّعته بهدوء دون أن أشعر بالقلق.
«أتمنّى لك التوفيق، سموّ الأمير.»
بالطبع، المركز الأول سيكون من نصيبه. من ذا الذي قد يتغلّب عليه في المبارزة؟ لا أحد.
«احذر من أن تتحوّل إلى تنّين شرير. فمع ظهور قمر الياقوت، ستزول فعالية الدواء بسرعة.»
«حسنًا، سأعود وقد أديتُ أداءً جيدًا.»
ثمّ ابتعد بخطوات واثقة، يترك خلفه ابتسامته التي بدأتُ أعتاد عليها. لكنه ما لبث أن توقّف فجأة، وكأنه تذكّر شيئًا مهمًّا، فعاد نحوي بخطى سريعة.
«هل نسيتَ شيئًا؟»
«نعم.»
أجاب باختصار، ثم فاجأني بقبلةٍ خاطفة على خدي. ماذا؟!
حدّقتُ فيه بعينين متّسعتين من الصدمة، فما كان منه إلا أن ابتسم ببساطة وقال:
«هذا ما نسيته.»
ثم ابتعد من جديد بخطى هادئة.
…؟
…ماذا؟
…ما هذا بحق السماء؟
واو…
ظللتُ أحدّق بشرود في ظهره وهو يبتعد. ثمّ رفعتُ يدي المرتجفة للمس موضع شفتيه على خدّي… لا يزال دافئًا… كأن نارًا قد لمست يدي.
وبسبب ذلك، لم ألحظ أن تيرييل، التي أضاعت فرصتها في تقديم منديلها لريينوس، كانت تراقبني بوجه جامدٍ تمامًا.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل "114"