بعد إصدار حفلة التنكّر، ظلّت دانيال ترسل أخبارًا متقطعة عبر شبكة الاتصال، إلى أن زارت القصر أخيرًا بعد فترةٍ من الغياب.
“……لقد بِيعت بشكلٍ أفضل بكثير مِمّا توقّعتُ.”
كان أوّل ما أخبرتني به هو عدد النسخ التي بيعت، والتي تجاوزت عشرة آلاف نسخة، مُرفقًا بذلك تقرير المبيعات الذي كنتُ قلقةً بشأنه بشدّة.
منذ أن رأيتُ دانيال لأول مرة ذلك اليوم، استنتجتُ من إشراق وجهها وثقتها البادية على كتفيها أنَّ الأمور سارت على ما يُرام، لكنّ الحقيقة فاقت توقّعاتي.
ففي البداية، كانت المبيعات منخفضة، لكن بعد أسبوع واحدٍ فقط، تضاعفت الأرقام، ولم تنخفض بعد ذلك أبدًا.
“اليوم نُفِذت النسخ بالكامل! خصوصًا النسخة العادية، لم يبقَ منها شيء، والمطبعة تُعِدّ نسخًا جديدة على عجل… إذا نظرتِ هنا، سترين أنَّ المبيعات في تصاعدٍ مستمر.”
لسببٍ ما، لم أشعر بفرحٍ غامر بل بشيءٍ من الذهول.
‘صحيح أنّني بذلتُ جهدًا كبيرًا…’
لكني كنتُ محظوظةً في عدّة جوانب لأنَّ النّجاح جاء منذ البداية.
“ماذا عن النسخة الفاخرة؟”
“لم تُبَع كلّها بعد، لكنّ الطّلبات لا تتوقّف! كما أخبرتِني، وزّعناها على عدّة أماكن، لا على متجرٍ واحد فقط!”
بدأت دانيال تذكر أسماء المتاجر بصوتٍ مفعمٍ بالحماس.
مع أنَّ سافاير دار نشرٍ حديثة العهد، فقد انتشر التوزيع بشكلٍ مفاجئ في أماكن متعدّدة، وحتى كشف الحساب البنكي المختوم بختم المصرف بيّن أنَّ العائدات قد غطّت تكاليف الشراء وزادت.
طوال الفترة الماضية، لم أكن أسألها بالتفصيل بل كنتُ أكتفي بما كانت وقوله باختصار عبر شبكة الاتصال.
فقط الآن، تنفّستُ الصعداء، ولو متأخرة.
“أحسنتِ العمل. مع مرور الوقت، ستثبت مكانتها وتستقرّ. سنوظّف المزيد من الموظّفين… وسأترك لكِ إدارة كلّ شيء كما هو الآن.”
دانيال التي بدات خجولةً ومتوتّرةً في البداية، ضربت على صدرها بثقة.
“اتّكلي عليّ فقط!”
ضحكتُ من تلقاء نفسي عند رؤيتها على هذه الحال، لكنّ صوتها أصبح حذرًا فجأةً حين سأل:
“بما أنَّ الطّلبات لا تتوقّف… هل لي أن أعرف متى سيصدر الجزء الثاني؟”
لقد مرّ بالفعل شهران منذ أن أنهيتُ الجزء الأول من حفلة التنكّر وقدّمتُه.
وبما أنّني قسمتُ العمل إلى ثلاثة أجزاء، فإنَّ روايتي لم تكن سميكة مثل الكتب المتداولة في السوق.
‘سمعتُ أنَّ الكتّاب هنا يُصدرون كتبًا كلّ نصف عام تقريبًا…’
لكن بسبب انشغالي بكتابة عملٍ جديد، لا يزال الجزء الثاني في بداياته فقط.
“لا يزال أمامه الكثير ليكتمل. لقد بدأنا للتوّ ببيع الجزء الأول، لذا أعتقد أنَّ الأمر سيستغرق وقتًا… قبل إصدار الثاني.”
كلامٌ بديهيّ، لكن دانيال تنهّدت بخيبة أملٍ واضحة.
ثمّ حكّت أنفها بخجل وهي تقول:
“كلّما ازداد عدد مَن يقرأ الجزء الأول وينتظر الجزء الثاني، سيكون التفاعل أفضل لاحقًا عند صدوره.”
أضفتُ ذلك بنبرةٍ هادئة، فأومأت برأسها موافقةً.
“لكنّني جهّزتُ شيئًا آخر.”
“……ماذا؟ لا تقولي إنَّ الجزء الثاني جاهزٌ بالفعل؟”
ظننتُها استسلمت، لكنّها لم تفعل.
رؤية دانيال وهي تتمسّك بالأمل حتى النهاية جعلتني أقول بحزم:
“الجزء الثاني فعليًّا غير موجود. لقد كتبتُ عملًا آخر بدلًا منه، ألقي نظرةً عليه.”
وبسبب ملامحها التي تُظهِر مشاعرها بوضوح، كان من السهل قراءة الشعور بالخذلان في عينيها، لكنّي تجاهلتُ ذلك وتابعتُ:
“ما زال مسودّةً أوليّة، وفيها كثيرٌ من النقائص. اقرأيها أنتِ وغريك، واتركا تعليقاتكما، سأُراعيها عند التعديل.”
دانيال، وكأنّها لم تُظهِر خيبة الأمل قبل لحظة، احتضنت الظرف الذي يحتوي على المسوّدة بحماس.
رغم أنَّ أرباح الجزء الأول من حفلة التنكّر لم تكن ضخمةً، لكنها كانت بدايةً جيّدة.
‘والمال، كلّما زاد، كان أفضل.’
بفضل الثقة التي اكتسبتُها، أصبح لديّ شعور قويّ بأنَّ العمل الجديد سينجح هو الآخر.
***
“سُعدتُ بلقائكِ من جديد، آنسة كاترينا.”
“……وصلني الخبر من دانيال. أتمنّى أنّكِ كنتِ بخير.”
في اليوم التالي مباشرةً بعد أن أخذت دانيال المسودّة الجديدة، أعلن غريك للمرّة الأولى عن رغبته في زيارة القصر، فالتقينا في غرفة الاستقبال.
“نعم، بفضلكم، كنتُ بخير.”
رغم أنَّ الهالات السوداء تحت عينيه لا توحي بذلك، إلّا أنَّ عينيه لمعَتا للحظة.
نظرًا لأنَّ معظم التواصل كان يتمّ مع دانيال، لم أكن على احتكاكٍ مباشر مع غريك، لكنّني كنتُ أشعر تجاهه بألفةٍ داخليّة.
ولحسن الحظ، ساد بيننا صمتٌ مريح بدلًا من الإحراج.
“هل قرأتَ المسودّة التي أعطيتُك إيّاها أمس؟”
بسبب استرسالي في الكتابة، أصبح هذا العمل أطول من الجزء الأول من حفلة التنكّر.
“لم يتّسع الوقت سوى لقراءتها ثلاث مرّات فقط.”
هل كان يقرأ طوال اليوم دون فعل أيِّ شيءٍ آخر؟
قبل أن أسأله، بدأ هو بالكلام:
“إن سمحتِ لي بالتعبير، فهذا العمل بلا شكّ سيتجاوز حفلة التنكّر. لا أعلم إن كانت كلماتي ستُفيدكِ، لكن……”
كانت كلماته مشحونةً بالحماسة، ولم أرَه من قبل بهذه الطريقة.
بما أنَّ المسودّة كانت غير مكتملةٍ مقارنةً بـحفلة التنكّر، بدأتُ أستوضح منه النقاط التي أردتُ أن أعرف رأي القارئ فيها.
“لا بدّ أنَّ هناك أجزاءً كانت صعبة الفهم. هل هناك ما شعرتَ أنّه يحتاج إلى توضيحٍ أكثر؟”
“أم… لم أفهم تمامًا ماهيّة الوحوش.”
كما طلبتُ من قبل، وقفت كلوي إلى جانبي لتدوين كلّ ما يقوله.
‘يبدو أنَّ عليّ زيادة الوصف وتوضيح المعلومات، وربما إضافة رسمةٍ للوحوش.’
وبينما أتخيّل الحلول الممكنة، تابعتُ الأسئلة:
“من هو أكثر شخصيّة أو مشهد أثّر فيك؟”
“لحظة تخلّي كايل عن الفرسان الإمبراطوريّين… وظهور إيزيك قرب النهاية. لم أكن أعلم أنَّ هناك فرقةً من هذا النوع في أقصى جنوب الإمبراطوريّة.”
بينما كان يتحدّث بجديّة، هززتُ رأسي نافية:
“هذهِ مجرّد رواية، ولا توجد فرقةٌ مثلها فعلًا في الجنوب.”
“……آه، أعتذر.”
“بل على العكس، أعطيتَني فكرةً جيّدة. لذا تابع الحديث براحتك.”
حتى حفلة التنكّر كانت روايةً خياليّة، لكن يبدو أنّني سأحتاج إلى وضع تنبيهٍ واضح في بداية الكتاب أنّه عملٌ خيالي.
“من هي أكثر شخصيّة لم تترك أثرًا فيك؟”
“روكي.”
أجاب بلا تردّد، ثمّ أضاف بعد لحظة من التردّد:
“……بصراحة، لم أفهم سبب كونه القائد.”
رغم أنَّ غريك عبّر بلُطف، لكنّه كان يتساءل ما إذا كان روكي يستحقّ هذا المنصب.
لكن بما أنَّ روكي لم يكن بطلًا بارزًا في الجزء الأوّل، لم أُمانع نقده.
وبينما أتذكّر الفصل الذي سيتألّق فيه لاحقًا، أومأتُ برأسي.
لا أعلم كم من الوقت استغرق في القراءة، لكنّه كان دقيقًا للغاية.
حتى أسئلتي العشوائيّة أجاب عنها بسلاسة، وكانت آراؤه مفيدة جدًا.
“شكرًا لك، أظنّ أنّه سيكون أفضل بكثير بعد التعديلات.”
قلتُ ذلك دون قصد باستخدام صيغةٍ غير رسميّة.
مع دانيال، أصبحتُ أرتاح في الكلام مع الوقت، لكن لم يكن ذلك حال غريك.
“إن أردتِ، يمكنكِ الحديث براحةٍ معي أيضًا.”
قال ذلك بابتسامةٍ خجولة.
“……حسنًا.”
“إنّه لشرفٌ عظيم أن أكون ذا فائدة. آه، هل يمكنني أن أسأل سؤالًا واحدًا قبل أن أغادر؟”
حين بدأت الجلسة تقترب من نهايتها:
“تفضّل.”
“ما هو عنوان هذه الرواية؟”
مع أنّه كان سؤالًا بسيطًا، إلا أنّه فاجأني، لأنّني لم أخبره العنوان مسبقًا، وأرسلتُ له المسودّة فحسب.
في الحقيقة، هذه غلطتي.
استوحيتُ العنوان من السماء الزرقاء بينما كنتُ أراقب تدريبات كالاد.
“فرسانُ السّماء الزّرقاء.”
“……كنتُ أتوقّع ذلك. عنوان رائع.”
فمن يقرأ المسودّة سيلاحظ ذكر الاسم وسط الأحداث.
“هل تعرفين متى ستُحوّلينها إلى كتاب؟”
“لا أعلم كم سيستغرق التعديل، لكن على الأرجح سأُنهيه خلال أسبوعين.”
بعدها سأبدأ بجمع الرسومات، وحساب التكاليف، وتبادل النماذج كما فعلتُ سابقًا.
الآن وقد خضتُ هذه التجربة من قبل، لم يعُد الأمر صعبًا.
“أتطلّع إليه كثيرًا. أخبريني وقتما تحتاجين إليّ!”
يبدو أنَّ حفلة التنكّر نالت إعجاب دانيال، بينما فرسان السّماء الزّرقاء أثّرت في غريك أكثر.
ربّما يرجع الأمر إلى اختلاف الأذواق.
في تلك الليلة، واصلتُ كتابة مغامرات كايل، وشعرتُ بمتعةٍ جديدة لم أختبرها من قبل.
***
“من هو كارما؟”
“الاسم يوحي بأنّه مِن عامّة الناس، لا يبدو نبيلًا. حتى الأسلوب بسيط.”
هزّ ديفيد، الصحفي في الجريدة، رأسه نافيًا رأي زميله الأصغر.
“ما يبدو بسيطًا هو في الحقيقة الأكثر تعقيدًا. من يستطيع الكتابة بهذا المستوى لا بدّ أن يكون من النبلاء.”
حتى عندما تواصل مع دار النشر، أو قلّب صفحات الكتاب، لم يجد أيِّ تعريفٍ بالمؤلّف.
عادةً، أيّ نبيل ينشر كتابًا في الإمبراطوريّة يُفاخر بذلك، لكنّ كارما لم يفعل.
أنهى ديفيد قراءة حفلة التنكّر في أقلّ من ساعة، ثمّ أعاد قراءتها مرّتين.
وبحكم عمله كصحفيٍّ حسّاس لأحدث التوجّهات، أراد أن يُقيّم هذه الرواية المفاجئة التي أثارت الجدل.
‘أن تكتب جملة: “الحبّ لا يهمّ في الزّواج” وتقدّم بطلةً تعيش حبًّا نقيًّا؟’
حتى لو لم يكن ذلك الحبّ قد تبلور بعد، إلّا أنّ فكرة حفلة التنكّر نفسها كانت شديدة الإثارة.
الرقص بالأقنعة؟ كلامٌ غير منطقيّ.
لكنّ هذا بالضبط ما جعل لقاء روز بالرجل منطقيًّا. كيف لنبيلٍ من الطبقة العليا أن يلتقي بنبيلةٍ منخفضة الشأن؟ الأمر غير معقول.
البطلة روز، لم تعرف طوال الرواية أنَّ إدويـن هو وريث دوقية.
“كارما بلا شكّ امرأة.”
قال ديفيد ذلك بثقة، ثمّ أعاد قراءة الرواية بحثًا عن عنوانٍ جذّاب للمقال.
سمع صوت زميله يهمهم بانزعاج، لكنه تجاهله، إذ أنّه حين يفتح الكتاب، ينفصل عن العالم.
وأخيرًا، كتب العنوان التالي لصفحة الجريدة:
“من هي الفتاة التي أُعجب بها وريث الدوقيّة من أوّل نظرة؟”
ونظرًا لأنّ أغلب قرّاء جريدة سنيك هم من النبلاء، فقد كان هذا العنوان مثاليًّا.
وفي نفس اليوم الذي طُبعت فيه الجريدة، اقتيد ديفيد إلى مكتب المدير، ليخرج من هناك وهو غارقٌ في العار.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 9"