الفصل 8 :
في اليوم الأوّل من إصدار كتاب الحفلة التنكّر الذي طال انتظاره.
“مكتبة فلورنس طلبت خمسين نسخة من الإصدار العادي، وعشرين من الفاخر… وشركة شارت طلبت سبعين نسخة من الفاخر فقط…”
بفضل الجهد المبذول في التنقّل والتفاوض، تمكّنت دانيال من الحصول على شبكة توزيع تفوق توقّعاتها بكثير.
ولكي لا تخطئ في الكميّات، أعادت التحقّق مرارًا وتكرارًا وسجّلت كميّات الطلبات بدقّة.
ورغم أنّها لم تستلم بعدُ ثمن البيع، إلّا أنّها أحصى عدد الكتب المطلوبة إلى جانب دفعات العربون، محاولةً تهدئة قلبها الذي كان يخفق بقوّة.
“أليس من الممكن أن تُباع كلّها في يومٍ واحد، وتأتيني طلباتٌ جديدة غدًا؟”
بصفتها القارئ الثاني لـ الحفلة التنكّر، كانت ثقتها وتوقّعاته من الكتاب مرتفعةً إلى حدٍّ يلامس السماء.
لكن بعد صدوره بثلاثة أيّام تقريبًا، لم تصل أيُّ رسالةٍ من أي مكتبة إلى دار النشر سافاير بعد الطلب الأوّل.
***
في إمبراطوريّة إينودرا، من يبحث عن المكتبات هم في الغالب من عامة الناس الذين يحتاجون إلى المعرفة.
مكان لشراء الكتب التي توسّع معرفتهم وتحمل ما يحتاجون إليه. هكذا كانت تُعرَف المكتبات.
وكانت مكتبة رافني صغيرةً وعدد زبائنها قليلًا أصلًا، لكنّ المالك، ويليام، جلب نسخةً من الحفلة التنكّر بدافع مفاجئ.
‘المحتوى ممتعٌ فعلًا.’
وبسبب رغبةٍ مجهولة، اشترى منها عشرات النسخ، لكن في اليوم الأوّل لم تُبَع أيٌّ منها.
فأسرع في اليوم التالي إلى لصق ملصقٍ على الجدار البارز في المكتبة.
“ما هذا؟”
“آه، إنّه روايةٌ جديدة صدرت للتو… ممتعةٌ جدًّا، لن تندم إذا قرأتها.”
ولحسن الحظ، لفت الملصق أنظار بعض الزبائن، فتمكّن من تقديم شرحٍ بسيط لهم.
اشترى بعضهم الكتاب بدافع الفضول، من بينهم أصدقاء لأشخاص يعرفهم ويليام مسبقًا.
وكانت لوسي، الطالبة في الأكاديميّة، من بين هؤلاء.
أصلًا، جاءت لشراء كتاب مرجعيٍّ لدروسها، لكن الملصق جذب انتباهها.
<الحفلة التنكّر> – الجزء الأول
“الحبّ لا يهمّ في الزواج.”
رواية ستسرق وقتك، أوّل إصدارٍ حصريّ.
لم يستغرق الأمر وقتًا طويلًا لقراءة العبارة الموجودة تحت الرسمة المذهلة التي لم ترَ مثلها من قبل.
وكونها من الزبائن الدائمين الذين اعتادوا زيارة مكتبة رافني لسنوات، فقد كانت هذه أوّل مرّةٍ تشهد فيها تغييرًا كهذا.
“بكم هذا؟”
“هذه النسخة بخمس قطع فضيّة، وتلك بخمسين.”
نظرت لوسي إلى النسخة ذات الخمس قطع التي أمامها، ثم إلى الأخرى التي تقع في مكان لا يُمكن الوصول إليه إلّا بمساعدة البائع.
“ما الفرق بين هذه وتلك؟”
“هذه النسخة العاديّة، وتلك الفاخرة… المحتوى واحد، لكنّ تلك مصنوعة بجودةٍ أعلى.”
شرح ويليام بحماس مزايا النسخة الفاخرة، لكن لوسي لم تكن تملك المال الكافي لشرائها على أيّ حال.
وكان واضحًا أنَّ ويليام يعرف ذلك أيضًا.
استمعت لشرح البائع حتّى النهاية، ثمّ التقطت في النهاية نسخة واحدة من النسخة العاديّة.
“سآخذ هذه.”
كان المال مخصّصًا أصلًا لشراء الكتاب المرجعي، لكنها اشترت الكتاب بسبب اندفاعها نحو الملصق.
خبّأت الكتاب الذي اشترته في حضنها وغادرت المكتبة متّجهةً إلى المنزل، وهناك، جلست على الكرسي وفتحت الصفحة الأولى بلا أي تفكير.
سطرٌ… سطران… صفحة.
عينها كانت تنزلق للأسفل دون وعي، ويدها تقلب الصفحات واحدة تلو الأخرى.
ورغم أنّها لم تغيّر حتى ملابسها بعد، فقد قرأت نصفه وهي تحبس أنفاسها لرؤية ما سيحدث لاحقًا.
“هيه! أمّي تقول تعالي كُلِي!”
لكنّ زائرًا عديم الإحساس جاء فجأة، واضطُرّت إلى التوقّف وسط الأحداث.
حتى عندما حاولت تجاهله ومواصلة القراءة، جاءها مرارًا وتكرارًا، فانهارت قدرتها على التركيز.
برغبةٍ عارمة في مواصلة القراءة، أنهت طعامها على عجل وهرعت عائدةً إلى غرفتها.
“…ما هذا؟! لماذا لا يوجد جزءٌ ثانٍ؟”
أتمّت قراءة الحفلة التنكّر حتّى نهايته في وقتٍ متأخّر من الليل، لتجد نفسها فجأةً في دوّامةٍ من الإحباط.
كانت الساعة قد تجاوزت وقت إغلاق المكتبة، وفي صباح اليوم التالي، ذهبت بنيّة شراء الجزء الثاني قبل الذهاب إلى صفوفها.
“عذرًا… أين الجزء الثاني من هذا الكتاب؟”
“الذي صدر قبل ثلاثة أيّام فقط هو الجزء الأوّل، لا نعلم إن كان هناك جزء ثانٍ أصلًا. أنا نفسي أودّ قراءته.”
“إذًا، أرجوك أضيف المزيد من النسخ من الإصدار العادي.”
ومن بعيد، لاحظت أن المكتبة التي كانت مكانًا هادئًا لها أصبحت مكتظّةً على غير العادة.
‘كانت هذه مكتبتي الصغيرة وحدي…’
ركلت الأرض بخفّة، ومضت بخطى متثاقلة نحو الأكاديميّة.
بدلًا من التحدّث عن الأمور المملّة في الدراسة، بدأت تحكي لصديقاتها عن الكتاب الذي قرأته البارحة.
“جرّبوه أنتنّ أيضًا.”
وبحماسٍ شديد، مدحت الحفلة التنكّرية حتى زرعت شوقًا لقراءة الجزء الثاني في نفوس صديقاتها.
وهكذا، بعد مرور أسبوعٍ تقريبًا، كانت مكتبة رافني قد باعت كلّ النسخ المتوفّرة لديها من حفلة التنكّر.
***
بعد أكثر من شهرٍ من التحضير للجزء الأوّل من الحفلة التنكّرية، اجتاحتني مشاعر القلق متأخّرة.
رغم أنَّ المشروع كان يكبر شيئًا فَشيئًا، إلّا أنّه لم تظهر أيّ نتيجة ملموسة.
لأستعيد الحدّ الأدنى من التكلفة، كان عليّ أن أبيع ألف نسخةٍ على الأقل.
في هذا السوق المحافظ، لم أكن متأكّدةً إن كان ذلك ممكنًا، لكنّني حاولت تهدئة قلبي القلق عبر وضع خططٍ جديدة.
ولأنّني أملك دار نشر بالفعل، لم يكن بوسعي تغيير مهنتي، لكنّني أستطيع على الأقل تجربة نوع أدبيٍّ جديد.
“لِمَ لا أكتب كتابًا فلسفيًّا هذه المرّة؟”
تخيّلت فشل حفلة التنكّر وكتبت يوميًّا دون توقّف، لكن لم يكن هناك أيُّ تقدّمٍ يُذكَر.
‘مملّ جدًّا.’
ومع كرهي المتزايد للكتابة، بدأت أتهرّب منها شيئًا فشيئًا.
أصبحت نزهاتي في حديقة القصر أطول، دون رغبةٍ في الخروج.
“يبدو أنَّ السيّد كالّارد يتدرّب من جديد اليوم.”
“فقد اقترب موعد اختبار القبول في فيلق الفرسان، فلا بدّ له من الاجتهاد.”
لضيق مساحة القصر، كان يمكنني رؤية كالّارد في ساحة التدريب من النوافذ أو الممرّات.
أحيانًا كان يتدرّب وحيدًا، لكن غالبًا ما كان يتلقّى تعليمًا أو يخوض مبارزات.
‘لا يبدو عليه، لكنّه يعمل بجدّ فعلًا.’
وبما أنّني لا أملك شيئًا أفعله، فقد أصبحت أراقب حركات سيفه أحيانًا عندما يتدرّب.
حتى أنّه بدا وكأنّه يقيم في ساحة التدريب، إذ لم أره في أيِّ مكان آخر سوى طاولة الطعام.
“هممم… ربّما يمكنني استخدامه كمادّةٍ للكتابة؟”
وفي يومٍ ما، بينما كنت أراقب كالّارد كعادتي، خطرت لي فجأةً فكرةٌ ممتازة من مشهدٍ عابر له أثناء التدريب.
إذا فشل الرومانسي، فربّما عليّ الاتجاه إلى النوع المعاكس تمامًا: مانغا الفتيان!
لا مشاعر رومانسيّة ولا أجواء ناعمة، فقط قصّةٌ تثير الحماسة.
عندما بدأت أتخلّى عن فكرة الكتاب الفلسفي، بدأت تتدفّق عليّ الأفكار واحدةٌ تلو الأخرى.
“ما اسم بطل الرواية في هذا العمل الجديد؟”
“…كايل.”
ليس لأنّني كنت كسولة، واستلهمت الاسم من كالّارد… أبدًا.
بينما كنت أكتب تحت سمع كلوي، التي خرجت للحظة من الغرفة، شعرتُ بالإثارة.
ورغم أنّني كنت نشيطةً حين وضعت الإعدادات الأولى، على عكس حفلة التنكّر التي انسابت بسلاسة، فقد علقت كثيرًا بعد أوّل فصول العمل الجديد.
ربّما لأنّني لا أملك خبرةً كافية في السيوف والقتال أصلًا.
الكلمة المفتاحيّة هي: “النموّ”.
وصمّمت بطل الرواية ليكون بعيدًا تمامًا عن العبقريّة، وحينما كنت أتعثّر في كتابة مشهدٍ جديد، كنت أذهب إلى ساحة التدريب.
هناك، أراقب كالّارد لأجمع مادّة للبحث، وأستلهم الأفكار في الوقت ذاته.
“لِمَ لا تهاجم من الأسفل؟”
“…سأفعل.”
كنت أُبدي رأيي من حينٍ لآخر بينما أحافظ على مسافة كافية من كالّارد المتعرّق، وأنا في حالٍ نقيّة ومنعشة.
‘اختبار القبول في فيلق الفرسان الملكي.’
في البداية لم أهتمّ كثيرًا، لكنّني بدأت أفهم لاحقًا كيف يعمل نظام الاختبارات بالتفصيل.
كما طرحت أسئلةً على سايمون، مدرّبه المؤقّت، وجمعت معلوماتٍ من هنا وهناك.
وكان من المتطلّبات الأساسيّة للقبول في الاختبار، أن يتمكّن المرشّح من إظهار “الهالة”.
ولأنَّ كالّارد كان قد تمكّن من إظهار الهالة، ولو بصورةٍ ضعيفة، فقد استوفى هذا الشرط.
“هممم… لكن أعتقد أنَّ جعله يصبح قائد فيلق الفرسان سيكون مملًّا.”
حين عدت إلى غرفتي بعد نزهة، وبينما غابت كلوي للحظات، جلست أمام آلة الكتابة ولففت خصلة شعر بين أصابعي بتعبيرٍ جاد.
كان من الممكن أن أروي قصّة دخول بطل مثابر إلى فيلق النخبة الملكيّ وتطوّره، لكنّها بدت مملّةً جدًّا.
القوّة الحقيقيّة تكمن في الصعوبات.
“إذًا، لنُسقطه في الاختبار.”
وحين اتّخذت هذا القرار البسيط، بدأت تنهال عليّ الأفكار.
فـ كايل، بطل هذا العمل، عكس روز بطلة حفلة التنكّر تمامًا، سيشقّ طريقه عبر الأشواك.
ومع ازدياد زياراتي إلى ساحة التدريب وأنا أرتدي فستاني المنزلي، بدأ الجميع يلاحظ.
“يبدو أنَّ الآنسة أتت لتشجيعك مجدّدًا، يا للحظّ السعيد!”
“…إنّها فقط لا تجد ما تفعله، لا تُشغل بالك. ركّز في التدريب.”
“لقد استعدّتَ أنفاسك، لنبدأ مجدّدًا.”
وبشكلٍ غير مقصود، بثثت في قلبيهما المجهدين روحًا جديدة.
ورغم أنّهما لم يكونا يعلمان ما يجري في كواليس بعضهما، إلّا أنَّ النتيجة كانت جيّدة.
وهذا يكفي.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 8"