السّحرة الموهوبون غالبًا لم يكونوا ينتسبون إلى الأبراج، بل كانوا يعملون مستقلّين أو يعقدون عقودًا مباشرة مع العائلة الإمبراطوريّة أو مع الأسر النبيلة، أمّا من يليهم في القوّة فكانوا عادةً يلجؤون إلى الأبراج.
ومن بين هذه الأبراج، كان البرج العاشر – الذي أُنشئ مؤخرًا – هو الأقلّ نفوذًا.
“لم يمضِ على تأسيسه بعد ثلاثين سنة، وهو قائمٌ حاليًّا في أطراف العاصمة سوليان.”
“برج السحر الأوّل والثاني يركّزان على سحر العناصر وسحر القتال… أمّا البرج الثالث فهو متخصّص في التعويذات والتّصنيع.”
“البرج العاشر يشبه البرج الثالث من حيث النّمط، لكنّ أغلب سحرته متخصّصون في صناعة الأدوات السحريّة.”
حين أردتُ في البداية نشر الحفل التنكّري، كنتُ قد بحثتُ تكلفة الإنتاج لدى البرج الثالث.
ثم بعد نجاح الجزء الأوّل من فرسان السماء، أرسل البرج الثالث اقتراحًا لتولّي إنتاج الكتب، لكن لم يُكتب للأمر أن يتمّ بسبب خلافاتٍ في خفض تكلفة الإنتاج وفي التّفاوض عمومًا.
أمّا هذه المرّة، فالرسالة جاءت مباشرةً من سيّد البرج العاشر نفسه.
من البداية كان لديّ شعورٌ جيّد حيال الأمر.
“وماذا عن شخصيّته؟”
“السيّد ديارشي شخصٌ نشيطٌ للغاية لدرجة أنّه شارك بنفسه في بناء البرج، بينما أخوه الأصغر، السيّد دييرون نائب سيد البرج، يتولّى ضبط التفاصيل.”
بضرب بعض الأمثلة بدا واضحًا أنّ المقصود أنّ سيّد البرج يتقدّم كالجرّافة لبدء المشاريع بينما يتولّى نائبه إصلاح ما يخلّفه وراءه.
وبما أنّ رسالة بهذا المضمون قد وصلتني، فهذا وحده يكفي لأفهم أنّ تحرّك سيّد البرج ليس عاديًّا.
“لنرسل جوابًا مع عقدٍ سرّي للحفاظ على السريّة.”
لم أمانع اللقاء، لكنّني لم أُرد أن يُفتضح أمري إن ساء الحوار، مهما كان الطرف الآخر سيّد برج.
وإن رفضا الأمر، فلن يكون لي حيلة.
“لقد أرسلنا نسخةً واحدة من العقد، لكنّهما أعاداه اثنتين.”
فما إن أرسلتُ الجواب حتّى عاد العقد ليس باسم السيّد وحده، بل باسم نائبه أيضًا، وتمّ تحديد موعدٍ للقاء الاثنين معًا.
“كم يبلغان من العمر؟”
“السيّد ديارشي في السادسة والأربعين، والسيّد دييرون في الخامسة والأربعين!”
“…… إن كان السيّد ديارشي أوّل سيّدٍ للبرج، فهذا يعني أنّه أسّسه وهو في السادسة عشرة.”
إنّه من زمرة العباقرة الذين يتجاوزون حدود الخيال.
فبخلاف الأبراج الأخرى التي استمرّت قرونًا، ما زال أوّل سيّدٍ للبرج العاشر حيًّا ويقوده.
وحين التقيتُ الاثنين في مكتبي.
“سُررتُ بلقائكِ، كارما. أنا ديارشي، سيّد البرج العاشر وإحدى أعظم السحرة.”
“وأنا دييرون، ساحر اضطرّ للانتماء إلى البرج العاشر نائبًا للسيّد.”
كلاهما كان ذا شعرٍ أسود وعينين سوداويْن.
‘لا يمكن أن يكونان هما من جاءا إلى دار النشر؟’
تذكّرتُ ما قاله دانيال عن المرأة ذات الشعر الأسود الطويل التي تشبه السحرة، وتطابقت الصّورة مع هيئة السيّد.
رغم أنّهما في الأربعين، إلا أنّ ملامحهما أقرب إلى عشرينيّين، رجلًا وامرأة.
“أريد أن ألتقي برجل مثل إيزك، هل تعرفين أحدًا مثله يا كارما؟”
“نعم؟”
“شدّني كثيرًا، ذلك النوع مِن الرجال الذين يستخدمون السيف العظيم بصمتٍ كالوحوش… ألا يوجد أمثالُه؟”
قالت ديارشي بصوتٍ هادئ وهي تميل برأسها، فارتبكت عيناي لحظة.
“تجاهليها ببساطة.”
أضاف دييرون بلا مبالاةٍ، فاستعدتُ هدوئي.
‘آه، إذن هذه طبيعتها.’
وكلّما طال الحديث، بدت ديارشي أكثر كقارئةٍ شغوفة تعبّر عن آرائها من كونها سيّدة برج.
“ما رأيكِ بعملٍ آخر بعنوان سحرة السماء بدلًا من فرسان السماء؟”
طبعًا، لم أوافق على أيٍّ مِن مقترحاتها، لكنّ الجو كان ودّيًّا ومرحًا.
***
“أودّ أن أراكِ كثيرًا مستقبلًا… لكن يبدو أنّني سأنشغل طويلًا.”
قالت ديارشي بنبرةٍ تُشبه التذمّر بعد أن أُبرم العقد بسلاسة.
“أعتمد عليكِ إذن، سيّدة ديارشي.”
“لا تقلقي، أنا سأنشر كتبكِ حتّى إلى أطراف الإمبراطوريّة.”
ما إن خاطبتها حتّى تغيّر أسلوبها سريعًا.
‘كنتُ أظنّ التّفاوض سيكون صعبًا.’
لكن تبيّن أنّ مودّتها لي عظيمة. فقد خفّضت تكلفة الإنتاج بنفسها، وقدّمت شروطًا جيّدة من تلقاء ذاتها.
“سنرفع سعر البيع بقطعة فضّة واحدة فقط، ونأخذها حصّتنا.”
فكان هدف البرج العاشر هو توسيع نفوذه، مكتفيًا بهامش ربحٍ ضئيل.
إضافةً إلى أنّهم قادرون على إنتاج الأدوات السحريّة، ما يمنحهم مجالاتٍ تجاريّة أخرى غير بيع الكتب.
لم أعرف كم ساحرًا تحت أمرهم، لكنّ أهمّ ما كان يهمّني هو أنّهم سيتولّون إنتاج الكتب وتوزيعها وإدارتها بالكامل، فشعرتُ براحة كبيرة.
“هل يمكنكم تركيب البوّابة اليوم؟”
“نعم، هذا ممكن.”
في هذا العالم، السحر هو الأساس لا العلم.
فقررتُ أن أستنزف كلّ ما أملك من مال لتركيب بوّابةٍ خاصّة تصل بين دار النشر ومنزلي.
“هل اخترتم المكان؟”
“آه، كلوي ستتولّى إرشادكم.”
وبما أنّ أحجار المانا غالية للغاية وتستهلك كميّةً أكبر بحسب المسافة، كان الأمر كلّما ابتعد أغلى بكثير.
‘يجب أن أعمل بجدٍّ لأكسب مالًا.’
خطرت في بالي طرقٌ عدّة، منها تنظيم فعالياتٍ لاحقًا.
وبعد أن نُصبت البوّابة بنجاح، فُحصت كلّ الهدايا والرسائل المكدّسة في دار النشر على يد ساحر من البرج العاشر، ثمّ وصلت إليّ.
“آه… الزمرد الأخضر والياقوت الوردي… هل يعلم الجميع أنّني امرأة؟”
تساءلتُ وأنا أتأمّل الصناديق المليئة بالحُليّ من قِبل النبلاء، من عقودٍ وأقراطٍ وتيجان.
مع أنّني لن أرتديها خارجًا أصلًا.
وحين رأت مارسيلّا الصندوق، شهقت.
“يا إلهي، عقدٌ مُرصّع بجواهر من أعلى درجة… أسرعي، أسرعي وأحضري فستانًا يناسبه…!”
كانت يداها ترتجفان من شدّة الانفعال، لكن لم يكن أمامي إلا أن أضع الصناديق جانبًا.
“هل أضع هذه الزهور هنا يا آنسة؟”
“نعم، أنها تناسب ذاك المكان.”
كثرت الورود بين الهدايا حتّى امتلأت الغرفة بأجواءٍ ربيعيّة غير متوقّعة.
وبوجهٍ متهلّل راحت كلوي تتنقّل بين المكتب وغرفة النوم لتزيينهما، فاستُخدمت الهدايا النبيلة إمّا للزينة أو للاستخدام المباشر.
‘حقًّا، الفرق شاسع.’
إنّه طَعم الرأسماليّة.
فالمتعارف أنّ شهيّة الترف لا تعرف نهاية.
وبعد نحو أسبوعٍ من إبرام العقد مع البرج العاشر.
「مقابلةٌ سرّية بين سيّد البرج ديارشي والكاتبة كارما」
「الجزء الثالث من فرسان السماء بات متاحًا في كلّ مكان」
「إعلانٌ مشترك بين كارما والبرج لإنتاج الأدوات السحريّة」
انهمرت المقالات كالمطر.
وإن كنتُ سمحتُ بالإشارة إليّ دون ذكر هويّتي أو مكانتي، إلّا أنّ الأضواء انصبّت عليّ.
「أجرينا حوارًا حصريًّا مع نائب سيّد البرج دييرون: كيف هي شخصيّة كارما؟
إنّها دقيقةٌ للغاية، وكلّما تحاورتُ معها اكتشفتُ كم تفكّر بعمق وتدرس الأمور من كلّ جانب…」
فأكثر ما أثار الصحافة والجمهور كان الحديث عن شخصيّتي.
“أنا في الحقيقة أكثر اندفاعًا من كوني دقيقةً… لكن لا بأس بهذا الانطباع.”
وبانتشار الأخبار، تعطّلت أعمال دار النشر مرّةً أخرى.
فقد بدأ كبار السحرة من الأبراج الأخرى بالتوافد، وكان لا بدّ من التعامل معهم.
لكنّهم جاؤوا متأخّرين، إذ كان العقد قد وُقّع بالفعل، ولم يَفُز بحقّ التّعاون سوى ديارشي ودييرون، لأنّهما قدّما شرط “الاحتكار” مقابل قبول كلّ شروطي.
فلن يُلغى العقد إلا إن أخلّا بهِ مستقبلًا.
“ها قد صار لدي صيدٌ تلقائي.”
فإن انتشرت الكتب في كلّ الإمبراطوريّة، فسيتضاعف دخلي عشرات المرّات، فارتسمت ابتسامةٌ عفويّة على وجهي.
لكنّني محوتُ الأفكار سريعًا حتّى لا أنصدم لاحقًا، وبدأتُ بجانب كتابتي للجزء الثالث من الحفل التنكّري بالتّخطيط للفعاليات.
“آنسة كاترينا، السيّدة الكونتيسة تطلب حضوركِ.”
نادَتني مارسيلّا.
ولو كان الأمر معتادًا لشربتُ الشاي في الحديقة، لكن ما إن دخلتُ الغرفة حتّى شعرتُ ببوادر غير مريحة.
“جئتِ.”
كان في عينيها وابتسامتها لطفٌ قد يُخدع بهِ الآخرون، لكن بالنسبة إليّ كان أمرًا مريبًا.
“أمّكِ فخورةٌ بكِ، كاترينا.”
ولأنّها لم تكن عادةً تبادر بالمديح، فقد تحسّبتُ وجلستُ متأهّبة.
“يبدو أنّ المرآة قديمةٌ بعض الشيء، هل أبدّلها لكِ؟”
“…… لا بأس، سأتركها.”
ثمّ تنفّست مارسيلّا الصعداء وعادت إلى ملامحها المعتادة قبل أن تدخل في صلب الموضوع.
“سيُقام قريبًا حفل التأسيس، ثمّ سيحين موسم الدّيبوتان – أول ظهور لكِ في المجتمع – فعليكِ الاستعداد.”
“لكن لديّ الجزء الثالث من الحفل التنكّري لأكتبه.”
“حتى إن لم تُخطبي، فعليكِ أن تجعلي ظهوركِ الأوّل ناجحًا كي لا تتعرّضي لمتاعب.”
فكلّ النبلاء مضطرّون لخوض هذا الحفل في سنّهم، سواء خُطِبوا أم لا.
فشرحت لي مارسيلّا كم للسمعة الاجتماعيّة مِن أهمّيّة.
“والتحضيرات ليست شاقّةً، فلا تقلقي. ستختارين بعض الفساتين والحُليّ… وما عليكِ سوى تعلّم بعض خطوات الرقص الأساسيّة.”
ثمّ حاولت إقناعي بأنَّ الأمر لن يعطّلني عن الكتابة، بل قد يًلهمني أكثر.
“حسنًا.”
أومأتُ بوجهٍ عاديّ، دوّن اكتراث.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 27"