الفصل 19 :
بالتعاون مع أليكسيس، بدأنا نبحث سرًّا عن قصر يمكن شراؤه، دون علم الشخصين الآخرين.
حقًّا، ليس كلّ النّبلاء على قدر واحد من الثراء.
كلّما رأيتُ قصرًا جديدًا، أدركتُ أنّ حجم القصور التابعة لرتبة النّبلاء ذاتها، يختلف كثيرًا باختلاف موقعها في العاصمة. ومع رؤية هذه الأمور التي لم أكن ألاحظها من قبل، بدأت نارٌ تتأجّج في صدري.
‘عائلتنا… كانت فقيرةً فعلًا.’
بعد أن لمحتُ كيف يعيش النبلاء الآخرون، أدركتُ الواقع، وقرّرتُ شراء أفضل قصر معروض للبيع بين العقارات المتاحة في السوق، مستنزفةً جميع ما لديّ من قطع الذّهب الضخمة.
“هذا هو المكان الذي سنعيش فيه من الآن فصاعدًا.”
في اليوم الذي عرضتُ فيه القصر الجديد على عائلتي كمفاجأة، رأيتُ تعابير الذّهول على وجهي كالاد ومارسيلّا، ولم أشعر بأيّ ندمٍ على ما أنفقتُه.
“كاترينا، ما هذا الكلام؟”
“لقد ربحتُ الكثير من المال. أظنّ أنّني بحاجةٍ إلى مكتبٍ خاص، لذا… نسّقتُ الأمر مع والدي ووجدنا هذا القصر.”
في الحقيقة، أنا من أصررتُ على الأمر، وقد بدا القرار متهوّرًا قليلًا، لكن لم أُفصح عن ذلك.
“هل حجرة التّدريب بهذا الاتّساع؟”
“يا إلهي، يوجد حتّى بيتٌ زجاجي! يُمكننا الاستمتاع بوقت الشاي فيه.”
بينما كان الاثنان يتجوّلان في أنحاء القصر ويُبدون إعجابهم مرارًا، كانت تعابير السعادة مرسومةً على وجهيهما.
من دون أن أشعر، كنتُ أرافقهما في كلّ مكان، أشرح لهما كيف سنستخدم كلّ غرفة.
“هممم، الهواء هنا نقيٌّ جدًّا.”
“أنا سعيدة لأنّ المكان راقَ للجميع.”
وحين دخلنا الغرفة التي ستُصبح مكتب أليكسيس، حاول أن يتظاهر بعدم الاهتمام، لكنّه ما لبث أن تباهى بالنافذة الكبيرة.
‘بما أنّنا انتقلنا إلى قصرٍ جديد، كنتُ أرغب في شراء أثاثٍ جديد أيضًا.’
لكنّ المال نفد بالكامل بعد شراء القصر، واستئجار ساحر لمساعدتنا في النّقل.
حسنًا، عليّ أن أبدأ بكسب المال مجدّدًا.
أرغب في شراء سيفٍ جديد لأليكسيس، وزينةٍ جميلة لمارسيلّا، وبدلة مبارزة عالية الجودة لكالاد.
ظهرت العديد من الأهداف، وكلّها تحتاج إلى المال.
أتمنّى أن أمتلك موهبةً سحريّةً في حياتي القادمة.
السّاحر الذي استأجرناه أنهى تنظيف القصر وتغيير ورق الجدران، وأتمّ الانتقال خلال نصف يوم فقط.
“هل أخبرتِ دار النشر سافاير بأنّنا انتقلنا؟”
“نعم، آنستي. وقد وصلت الىسائل المنتظرة لهذا اليوم أيضًا.”
رغم أنّها لا تُعدّ فترة انقطاعٍ حقيقيّة، فإنّني كنتُ متوقّفةً تمامًا عن العمل خلال هذه الفترة.
فإن كان هناك أمرٌ عاجل، فسيُخبِرونني عبر كرة الاتّصال السحريّة، لذا كنتُ مطمئنّة.
حين فتحتُ رسالة دانيال التي وصلت متأخّرة، لفتَ انتباهي أوّلًا ارتفاع مبيعات الجزء الثاني من حفلة الأقنعة بشكلٍ كبير.
“…لكن، لماذا ارتفعت المبيعات فجأة؟”
أعداد مبيعات الجزء الأوّل من فرسان السماء – التي كانت تسير بوتيرةٍ ثابتة – بدأت ترتفع بشكلٍ مفاجئ.
‘كنتُ أفكّر أصلًا في كتابة الجزء الثاني قريبًا.’
جلستُ في المكتب الجديد، على الكرسيّ والمكتب المألوفين، وبدأت أتصفّح الصّحف.
“كارما، من تكون هذه الفتاة؟”
“طوابير منظمة لشراء كتاب”
“لماذا تُعدّ حفلة الأقنعة وفرسان السماء عملَين رائعَين؟”
مررتُ عيني بسرعة على المقالات، حتّى وجدتُ عبارة بدت السببَ المحتمل لهذا الاهتمام المفاجئ.
إحدى الصّحف، وهي صحيفة غولد تايم – والتي أراها من صحف القيل والقال – ذكرت أنّ الماركيز بيرن استمتع بقراءة فرسان السماء.
لا أعلم إن كانت المعلومة صحيحة أم لا، لكنّها أدّت غرضًا ترويجيًّا ممتازًا.
“ابن التّاجر الأكبر إيفرغرين، إلى أين يذهب كلّ ليلة؟”
―شهادة شهود عن لقاءات سرّية.
هذه الصّحيفة معروفة بمواضيعها المثيرة للجدل، ولهذا تحقّق مبيعاتٍ عالية دائمًا.
وحين قلبتُ إلى الصّفحة التالية، وجدتُ صورًا لحياة النبلاء الخاصة وقد كُشفَت تفاصيلها.
‘الماركيز بيلمور… ما زال وسيما.’
يبدو وكأنّه يشرب من نبع الشّباب.
حتى إخوتُه، الذين ورثوا شعره الأسود وعينيه الحمراوين، كانت ملامحهم متناسقة وجذّابة.
“إذا كان سيصبح خطيب آنستي، فيجب أن يكون وسيمًا على هذا النّحو!”
قالت كلوي، وهي تلمع بعينيها، بعد أن لاحظتُ أنّني توقّفت طويلًا عند صفحة الماركيز بيلمور.
“…من يدري، هؤلاء الشّباب لديهم آلافٌ من طلبات الزّواج أساسًا.”
رددتُ ببرود وأنا أقلّب الصّفحة التالية، فظهر أمامي شابٌ آخر وسيم.
‘لا أعلم مَن البطلة، لكنّها محظوظةٌ بلا شك.’
لا أعلم أيّ عمل روائيّ ينتمي له، لكنّني واثقة أنّني في عالم رواية خياليّة نسائيّة.
فالنبلاء الذكور، خصوصًا أصحاب الرّتب العالية، يمتازون بوسامةٍ خارقة.
رغم أنَّ ذوقي الشخصيّ يميل إلى بيلمور، فإنَّ ماركيز بيرسيون، الذي يشبه أميرًا يركب الحصان الأبيض، يحظى بشعبيّةٍ أيضًا.
‘ياليتني قرأتُ ولو عملًا واحدًا من قبل.’
العمل الأصليّ؟ لا أعرفه ولا أحتاجه.
حتى إن كانت نهاية هذا العالم وشيكة، فأنا أهتمّ بمستقبلي القريب فقط.
“حان الوقت لبدء الكتابة.”
“سأذهب لإحضار بعض الكعك وشاي الليمون من المطبخ!”
هرعت كلوي إلى الخارج كالرّصاصة، فهي باتت تفهم ما أفكّر فيه دون أن أقول شيئًا.
***
كاترينا، فخر عائلة بلاين.
كان والدها أليكسيس ووالدتها مارسيلّا فرحين بنجاح ابنتهم، ويسعيان جاهدَين للتّأقلم مع القصر الجديد.
“آه، ضعوه هناك من فضلكم.”
“هل نختار الرّمادي الداكن أم الفاتح؟”
كان هذا حالهم إلى أن بدأ الأثاث الجديد يصل بمعدّل شبه يوميّ.
الأثاث بدا فخمًا وأنيقًا، وباهظ الثّمن من منظور نبلاء آخرين.
وكانت المشكلة الوحيدة هي أنّ من يشتري كلّ هذا من دون تردّد… هي ابنتهما.
لكن الأثاث كان رائعًا بالفعل.
“وجدتُ هذا بالصدفة، خذيه يا أمّي.”
لكن، كيف يمكن لأيّ شخص أن ‘يجد’ عقدًا مرصّعًا بالرّوبي؟!
رغم أنّ عقل مارسيلّا أراد رفض الهدية، فإنّها لم تستطع مقاومة روعة العقد الأحمر الذي يُشبه لون شعر عائلتها.
وكانت تبتسم لا إراديًّا كلّما نظرت لنفسها في المرآة.
“يبدو أنّ الإنفاق ازداد كثيرًا في الآونة الأخيرة. لو أنفقتِ أكثر من طاقتكِ، قد تنهارين في لحظة واحدة.”
قال أليكسيس بوجهٍ متجّهّم، لكنّ كاترينا أجابت بثقة:
“لا تقلق، أبي. أن الذّهب يتكدّس يومًا بعد يوم.”
وقد حملت إليه الصّحيفة بنفسها، لتريه ردود الأفعال على كتبها وتُطمئنه.
مع أنّهما كانا يعلمان أنّ روايات كارما مذهلة لدرجة يصعب تصديق أنّ ابنتهما كتبتها، فإنّ حجم المال الذي جلبته كان يفوق تخيّلهما.
هي لم تُقامر، بل كان المال مالها، لذا من الصّعب أن يمنعاها من التّصرّف به.
بعد أن تخلّصا من القلق، ركّزا فقط على التّأقلم مع الحياة الجديدة، وبدآ يُحبّان القصر الجديد.
“كنتُ أعلم أنّكِ ستنجحين.”
“سيدتي بلاين، أظنّني لم أرَ هذا العقد من قبل؟”
مع ازدياد الاستقرار، بدأت ألسنتهما تُصبح نشطة أكثر.
‘كارما المشهورة هي ابنتي!’
من الطّبيعي أن يفخر الأهل بأبنائهم، وخصوصًا حين يتغيّر حالهم بهذه السّرعة.
لم يتركهم النبلاء المحيطون بهم لحظة بعد انتقالهم إلى القصر الجديد.
مارسيلّا، بصفتها سيّدةً نبيلة، تعاملت مع الأمر ببراعة.
لكن…
“هاه… آه…”
أليكسيس لم يسلم من الأمر، وكان يُطارد بكثرة.
وحين لم يعُد قادرًا على كتمان الأمر، قرّر التّحدّث إلى شخصٍ واحد فقط، يرسل له رسائل دوريّة للسّلام والسّؤال.
فكتب له عن انتقالهم، وبدأ يفتخر بكلّ شيءٍ يخصّ كالاد وكاترينا.
‘يا له من شعور مريح!’
لكنّه لم يُدرك إطلاقًا ما العواقب التي قد تترتّب على ما فعله…
***
“أنتِ إذًا كاترينا.”
“…تشرفتُ بلقائك.”
الزّائر المفاجئ الذي وصل إلى القصر دون سابق إنذار، كان وجهه غريبًا… ولكن مألوفًا في الوقت نفسه.
جسده الضّخم وتجاعيده العميقة دلّت على عمرٍ طويل، أمّا عيناه الحادّتان وشعره الأحمر… فقد رأيتُ مَن يشبهونه هنا، ثلاث مرّات على الأقل.
“هذه ليست المرّة الأولى. رأيتُكِ وأنتِ بحجم كفّ يدي، لم أتوقّع أن تصبحي كاتبة روايات.”
نظرتُ إليه باندهاش، فهو يُفصح عن أشياء لا يفترض به أن يعرفها.
وما دام الأمر كذلك، فهناك مشتبهٌ واحدٌ فقط قد أفشى سرّي.
نظراتي، ونظرات الشّخصين الآخرين، توجّهت نحو أليكسيس.
“همم، لو كنتَ ستأتي، كان عليك أن تُخبرنا سلفًا.”
“جئتُ لأفاجئكم بعد طول غياب، ولكن لا أرى أيَّ ترحيب… تافه. أرني غرفتي.”
قال الزّائر، وسحب أليكسيس الذي بدا مرتبكًا على غير عادته.
‘أعتقد أنّ الأثاث القديم وُضع في غرفة الضّيوف مؤقّتًا.’
غرفة لم تُستخدم من قبل، لأنّ أحدًا لم يزر قصر بلاين سابقًا، استقبلت ضيفًا غريبًا لأوّل مرّة.
“ربّما لا تتذكّرينني لأنّكِ كنتِ صغيرة جدًّا… أنا الجدّ، كايلو بلاين، رئيس عائلة بلاين السّابق ووالد أليكسيس.”
جدّي، الذي لم أره يومًا.
منذ أن رأيتُه، شعرتُ أنّنا من نفس الدّم، لكنّني لم أشعر بأيّ ارتباطٍ عاطفيّ.
ففي النّهاية، الأقارب الغرباء موجودون في كلّ تجمّعٍ عائلي.
ظننتُ أنّه سيقيم أيّامًا قليلة ويغادر، فعُدتُ إلى مكتبي وأكملتُ كتابة فرسان السّماء – الجزء الثاني.
وكانت الكتابة على وشك الاكتمال…
“…ما اسمك الكامل؟”
“كايلو. كايلو بلاين. يُشبه اسمك اسم بطل روايتكِ، أليس كذلك؟”
نظرتُ إلى الجدّ الجالس في مكتبي بنظراتٍ مليئة بالريبة.
حدسي أخبرني… أنّه لم يأتِ لرؤية أبي.
بل أتى خصّيصًا… لأجلي.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 19"