الفصل 18 :
الكوكب الثالث لإمبراطوريّة إينودرا.
كانت الأميرة روزابيل تُحدِّق في ركنٍ من الغرفة الواسعة، وعلى وجهها تعبيرٌ راضٍ.
خزانة عرضٍ صنعتها يدُ صانعٍ شهير من زجاجٍ معزّز من أعلى درجة.
تَعاونت مع برج السّحر لِحمايتها بطبقاتٍ من التّعاويذ، فلو حاول أحدٌ غير روزابيل فتحها عنوةً، لانطلقت صفّارات الإنذار.
وفوق هذا، كانت متينةً لدرجة أنّ معظم الأسلحة لا تستطيع خدشها، ممّا يجعلها—من حيث الأمان—الأفضل في الإمبراطوريّة دون مبالغة.
لقد استحقّت أن تنفق أكثر من نصف مخصّصاتها الشهريّة في الحفاظ على مكانتها.
‘ما يمكن أن يدخل هذه الخزانة هو حصريًّا النّسخ المُوقَّعة.’
وُضِعت أربعة كتبٍ جنبًا إلى جنب دون تمييز بين الإصدارات، من بينها نُسَخٌ تلقّتها مباشرةً من كاترينا.
ورغم أنّها لم تفز بالنّسخة الموقَّعة من الجزء الثّاني من حفلة الأقنعة، فقد اشترتها مقابل مبلغٍ ضخمٍ من الفائزة بها.
فالأشياء التي لا تُشترى بالمال، يجب دومًا أن يُراجَع المبلغ المعروض إن لم يُفلح.
حان وقت الاستمتاع أخيرًا.
كانت تملك نُسَخًا للقراءة، غير تلك المُخصّصة للحفظ.
تذكّرت أنّ المشهد الأخير انتهى حين واجهت روز رجلًا غير إدوين…
لتفادي أيِّ إزعاج، أمرت جميع الخادمات بمغادرة الغرفة.
“هممم…”
هذه المرّة، بدأ السّرد من وجهة نظر الرّجل.
كانت روزابيل مستلقية على السّرير، قد فتحت إصدار الديلوكس من الرّواية، وسرعان ما غاصت في أسلوب كارما القصير والمكثّف.
「ما الّذي يجعل هذا ممتعًا؟
اضطرّ جيرارد لحضور حفلة التنكّر بعد أن خسر رهانًا.
دون أن يحمل سيفه المعتاد—الأمر الّذي لم يحدث أبدًا من قبل.
وقف بثباتٍ على بُعد خطواتٍ قليلةٍ من المدخل، يُطبِق قبضتَيه ثمّ يُرخيهما. لم يرد سوى أن تمرّ السّاعات سريعًا.
‘لماذا تتّجه تلك المرأة نحوي؟’
تزايد الزّحام عند المدخل، ولاحظ من بعيد امرأةً تتقدّم نحوه بينما تلتقي عيناها بعينيه، فشعر بالارتياب.
من المفترض أنّها لن تتعرّف عليّ، إذ غيّرت لون شعري وعينيّ بالسّحر.
“أتودّ الرّقص معي؟”
“…عذرًا، لكنّني لا أعرف كيف أرقص.”
رغم أنّ جيرارد لم يكن معتادًا على هذا النّوع من الحفلات، إلّا أنّه كان يعلم أنّ الطّلب يجب أن يأتي من الرّجل لا المرأة.
فما شأن هذه المرأة؟
“حسنًا، إذًا لا ترقص.”
رغم رفضه، ردّت وكأنّها كانت تتوقّع ذلك، بوجهٍ خالٍ من الانزعاج.」
“هي من بادرت بطلب الرّقص؟”
مالت روزابيل برأسها باستغراب، تشارك جيرارد الدّهشة من تصرّفات روز الغريبة منذ البداية.
‘الأحداث مشوّقة منذ الآن.’
وأن تطلب الرّقص دون أيّ تكلّفٍ أو كلماتٍ زائدة، هذا ما يجعلها روز فعلًا.
حين بدأ جيرارد يُبدي فضولًا تجاهها، استُؤنِفت العلاقة بينهما.
「”أتُعلّمني كيف أرقص؟”
لكنّ روز ليست في موقعٍ يُمكّنها من تعليم أحد.
فهي لم تشترِ لقبًا نبيلًا بعد، ولم تشارك في حفلات التّقديم، فمن أين لها خبرة بالرّقص؟
وكما توقّعت روزابيل، لم تكن روز تعرف كيف ترقص، لكن النّتيجة جاءت غير متوقّعة.
“ما الّذي تفعلينه؟”
“نرقص، أليس كذلك؟ أنا أيضًا أجرّب الأمر لأوّل مرّة… أظنّ أنه لا بأس به.”
قالت بأنّها ستعلّمه، لكنّها كانت تُحرّك جسدها بحركاتٍ غريبة بينما تحاول أن تقود جيرارد الّذي كان أطول منها بكثير. بدا الأمر مضحكًا.
لكن، لماذا ترتفع زوايا فمه رغم ذلك؟
بحسّه الحادّ، شعر بنظراتٍ من الحاضرين.
كان من الممكن أن يبدوا كزوجٍ أخرق يرقص، لكنّ نظرات روز بدت جادّة.
“الناس ينظرون إلينا.”
“دَعْهُم.”
“…هاه.”
مرّة أخرى.
جيرار وقع في فخّ هذه المرأة مرّةً جديدة، وخرجت منه ضحكةٌ رغمًا عنه.
رغم أنّه لا يعرف الرّقص، إلّا أنّه يجيد استخدام جسده، وسرعان ما بدأ يَقودها ببراعة.
“…أليست هذه المرّة الأولى لكِ؟”
“نعم، أوّل مرّة.”
عندما تحسّن أداؤها، عبست، فضحك بخفّة.
“حقًّا؟”
“ولِمَ أكذب؟”
انتهت الموسيقى بينما هما يتبادلان أحاديث سخيفة.
وقد عرض عليها أن يرقصا مرّةً أخرى، لكنّها رفضت بشكلٍ غير متوقّع.
“بعد أن جرّبت، اكتشفت أنّه ليس بالأمر الكبير… كما أنّني لا أجيد الرّقص أصلًا.”
“أظنّ أنّني لن أحتاج للرّقص مجدّدًا.”
قالتها بصوتٍ واثق، لكن جيرارد شعر وكأنّها حزينة.
‘وهنا بدأت المتعة.’
ولمّا بدا أنّها على وشك الاختفاء، خاطبها كأنّه يكلّم صديقًا:
“إذن، فلنفعل شيئًا آخر بدل الرّقص.”」
كانت روزابيل تُقلّب الصفحات وهي تكاد تُدوِّن كلّ ما يفعله الاثنان.
التّسلّل خلسةً في القصر.
الهرب من حرّاس الحرس الملكي.
تبادل الأطعمة المُفضّلة بعد اختيارها.
.
.
قاما بكلّ شيءٍ تقريبًا في قاعة الرّقص سوى الرّقص ذاته.
وكانت روز تمازحه وتداعبه في كلّ لحظة، وفي فرقٍ ملحوظٍ عن علاقتها مع إدوين، بدا الاثنان أقرب بكثير.
وحين اقتربت النّهاية، أحسّت روزابيل بالقلق.
“لا يزال أمامهما وقتٌ طويلٌ قبل أن يتزوّجا…”
فعدد الصفحات المتبقي كان قليلًا للغاية.
وكرهت روز الّتي رحلت بعد انتهاء الحفلة دون أن تلتفت نحو جيرارد.
“قل لها شيئًا، أيّها الأبله!”
من الواضح أنّه أحبّها.
لكنّ هذا السّياف العنيد لم يُدرك حتّى مشاعره الخاصّة.
‘يا للغباء.’
وعادت روز إلى القصر دون أيّ مشاكل، قضت اللّيل تُفكّر في ما جرى وفي إدوين، ثمّ استعدّت لليوم التّالي.
اللّيلة الأخيرة من الحفلة، اليوم الأخير من حفلة الأقنعة.
دون أن تشعر، أصبحت روزابيل تتمنّى في قلبها أن تكون روز مع جيرارد.
“أنتهي هنا؟”
انتهت الرّواية عند دخول روز إلى القاعة، ولا صفحات بعد ذلك.
رغم أنّها تقرؤها للمرّة الثّالثة، فإنّ أسلوب كارما في إنهاء القصص بشكلٍ مفاجئ لا يزال يُفاجئها كلّ مرّة.
كادت روزابيل أن تُفكّر جديًّا باستخدام سلطتها كأميرة…
***
وفي تلك الأثناء، كان بيرن—سيّد السّيف وقائد الفرسان في الإمبراطوريّة—يشعر منذ ليلة البارحة بنظراتٍ غريبة.
“بيرن، أنت لا تجيد الرّقص، أليس كذلك؟”
“…كُح. ولِمَ هذا السّؤال المفاجئ؟”
يبدو أنّ ذلك هو السّبب…
رغم أنّه سيّدٌ يحترمه كلّ الفرسان، إلّا أنّه كان مجرّد زوجٍ عاديٍّ في نظر شخصٍ ما.
“أنا أجيد التّلويح بالسّيف. الرّقص شيءٌ مختلف تمامًا!”
حاول بيرن أن يُبرّر موقفه، لكن دون جدوى.
“وأنت سيّد السّيف! من المحرج ألّا تعرف كيف ترقص. من الآن وحتّى حفلة التنكّر، ستتدرّب معي، لذا عُد مبكّرًا اليوم، اتّفقنا؟”
كانت نبرة زوجته، روبيا، حنونةً لكنّها صارمة كالفولاذ.
كان بالكاد يجد وقتًا للتّدرّب، وها هو يُجبر على تعلُّم الرّقص فجأة.
حاول التملّص بكلّ الوسائل، لكنّه فشل.
وهو يغادر المنزل، تمتم بكلماتٍ لم يجرؤ على قولها أمام زوجته الحبيبة.
“سيّد السّيف يكفيه أن يُجيد القتال… ما المهمّ في الرّقص؟”
عندما وصل إلى ساحة التّدرّب الملكيّة، رأى الفرسان يتدرّبون وهم يُطلقون صرخاتٍ مدوّية.
كانت فترة ما قبل امتحان القبول، عندما يتراخى الجميع عادةً، لكنّ…
“نُحيّ سيف الإمبراطوريّة!”
لسببٍ ما، بدا أنّ انضباط الفرسان قد بلغ ذروته هذه الأيّام.
كان يتوقّع أن يرى على الأقلّ متدرّبًا متأخّرًا.
لكنّهم بدوا جميعًا متحمّسين ومنهمكين في التّدريب.
سرّه ذلك، فبدأ يُعطي ملاحظاته القيّمة.
‘لقد حان الوقت تقريبًا.’
شعر بخطوات المساعد تقترب، فأشار إليه بعينيه، ثمّ غادر متّجهًا إلى الجهة الدّاخليّة من القصر.
ومع اقترابه، قلّ عدد الأشخاص حتّى بات المكان هادئًا تمامًا.
“هل أنت مستعدٌّ لتُعرق مجدّدًا اليوم، صاحب السّموّ رايان؟”
في وسط ساحة التّدريب الخالية، وقف وليّ العهد وحده.
“أعتمد عليك.”
منذ أن أمسك رايان بالسّيف في طفولته، لم يمرّ يومٌ دون أن يُشرف بيرن على تدريبه.
“تقدَّم.”
دون الحاجة لأيّ شرح، انطلق رايان واختصر المسافة، مُطلِقًا ضربتَه.
دوّت أصوات اختراق الهواء مرارًا، وتبادل الاثنان ضرباتٍ سريعة لا تُحصى.
ثمّ أطلق رايان هالته، ولحقه بيرن بأخرى مماثلة.
عندما التقت السّيوف، انفجرت الأصوات، لكنّ بيرن بقي يراقب وليّ العهد بتركيز.
“نكتفي بهذا.”
لم يكن جسد رايان قد نضج تمامًا بعد، واستمرار استخدام الهالة قد يُرهقه.
كان بيرن دائمًا من يُوقف المعركة قبل أن يُرهق رايان نفسه.
“…أحسنتَ.”
أنزل رايان سيفه، وهو يلهث ثمّ يمسح العرق عن جبينه.
كان بيرن على وشك العودة إلى موقعه الأصلي، لكنّه تذكّر فجأة سؤال هذا الصّباح.
“هل تُجيد الرّقص، يا صاحب السّموّ؟”
“تجنّب الأسئلة الّتي لا علاقة لها بالتّدريب.”
ردّ وليّ العهد ببرود، فأطلق بيرن زفرةً صغيرة.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 18"