الفصل 13 :
هذا الكتاب من تأليف ابنتي؟
كان أليكسيس يُحدّق مطوّلًا في الكتاب الوحيد الذي وُضع وحيدًا فوق المكتب.
الغلاف الأسود المصنوع من قماشٍ فريد الملمس، والعنوان المنقوش بخيطٍ أبيض إلى جانب اسم المؤلّف، كانا يلفتان الانتباه.
“فرسان السّماء”
كارما
وفي المنتصف، كان سيفٌ طويل عاديّ مرسومًا بالخيط الأبيض أيضًا.
حتى من المظهر الخارجي، بدا الكتاب غير عاديّ، ممّا جعل أليكسيس يبتسم بسخرية.
“لم أتوقّع أن أقرأه في ظروفٍ كهذه.”
عرف أليكسيس بوجود هذا الكتاب ثلاث مرّات:
في المرة الأولى، قرأ تقريرًا عنه نُشر في صحيفة مشهورة.
وفي المرّة الثانية، وصله خطابٌ غير معتاد من صديقه القديم، رانتابو، يخبره فيه بالخبر.
وأخيرًا، سمع من ابنته كاترينا مباشرةً بأنّها هي التي ألّفت الكتاب.
‘لا بأس بقراءة كتابٍ بعد غياب طويل.’
بصفته رئيس عائلة بلاين وأحد الفرسان، نادرًا ما سنحت له الفرصة لقراءة الكتب.
فجعل من هذه الفرصة ذريعةً لتأجيل الأعمال المتبقّية، وطلب من الخادم أن يُحضِر له شايًا دافئًا، ثمّ فتح الصفحة الأولى من الكتاب بإيماءةٍ مسترخية.
أحرفٌ مكتوبةٌ بكثافة على صفحات بيضاء.
وبما أنّ كاترينا هي الكاتبة، فقد قرّر أن يقرأه ولو ببطء، حتّى النهاية.
「”تحاول أن تصبح فارسًا بمثل هذا السيف البائس؟ يا لك من مثيرٍ للشفقة.”」
عند قراءته للجملة الأولى، ارتجفت حاجباه.
لكن عندما استعاد وعيه مجددًا…
“لا بدّ لي من أن أكمل.”
…كان قد أنهى المجلد الأوّل من فرسان السّماء بالفعل.
***
「”تحاول أن تصبح فارسًا بمثل هذا السيف البائس؟ يا لك من مثيرٍ للشفقة.”
تردّد صوتُ تصادم السيوف في الأرجاء، وكان كايل بالكاد يتمكّن من صدّ الهجمات.
حاول أن يهاجم خصمه، لكنّ تحرّكاته المتعثّرة زادت الوضع سوءًا.
السيف كان ثقيلًا، لم يسبق له أن أمسك سيفًا بهذا الوزن من قبل.
قبضته الغريبة دفعت بكايل ليُطبق على المقبض بأسنانه مشدودة.
‘اصمد.’
كان يُجري أوّل اختبارٍ للالتحاق بفيلق الفرسان الملكي، وتحديدًا في أوّل مباراةٍ له ضمن بطولةٍ تنسيقيّة.
وخصمه لم يكن سوى الابن الثاني لأحد النبلاء.
كاد خصمه أن يصيبه، فصدّ الضربة بصعوبةٍ باستخدام ذراعيه المرتجفتين من ضعف القوّة.
وبينما كان كايل يصمد، يبدو أنّ الخصم قد استشاط غضبًا وبدأ يهاجمه بلا رحمة مصحوبًا بإهاناتٍ لاذعة.
“……هاف، هاف.”
في النهاية، أفلت السيف من يده، وبدا الفراغ في كفّيه واضحًا.
انهارت قوّته، وسقط جالسًا على الأرض الترابيّة، إلى أن تدخّل الفرسان للتفريق بين الطرفين.
“لماذا لا تستسلم ببساطة وتوفّر علينا هذا الإزعاج؟”
قالها النبيل ساخرًا وهو ينظر بازدراءٍ إلى كايل.
كلّ من كان حاضرًا سمع ذلك، لكن كايل لم يُجِب، واكتفى بالتقاط أنفاسه بصعوبة.
‘لقد رُفضت.’
بعدما خلع معدّاته المؤقّتة، ظهرت معصماه وكاحلاه الرفيعان بوضوحٍ تحت ملابسه القصيرة.
“كما هو متوقّع، كنتَ ستفشل.”
“فيلق الفرسان الملكي؟ لا تحلم، من الأفضل أن تعود لغسل الخرق.”
وحالما عاد كايل إلى المنزل، استُقبل بالاحتقار والسّخرية.
فمنذ وفاة والديه في حادثٍ وهو صغير، كان يعيش كضيفٍ غير مرغوبٍ فيه في منزل أحد أقاربه.
ولأنّه لا يملك مكانًا يذهب إليه، كان يضطرّ لتأدية جميع الأعمال الشاقّة مقابل لقمة العيش.
رغم أنّه أظهر قدرته على استدعاء الهالة السحرية لأوّل مرّة في عمر الثانية عشرة، إلا أنّ محاولته الأولى قد فشلت.
تعرّض للتوبيخ مرارًا، وتحَمّل كلّ ذلك بصمت.
وعاد اليوم أيضًا ليعيش يومًا جديدًا دون أن ينبس بكلمة.」
“أيّ قمامة هذه.”
تمتم كالاد بغضبٍ وهو يقرأ البداية ببطء، مكظومًا غيظه.
‘أطلق الهالة دون أن يعرف كيف يستخدم السيف؟’
إنّه عبقريّ حقيقي.
كان مؤلمًا أن يرى جوهرةً لامعة مثل كايل تُعامل كأنّها عبد. لقد غاظه ذلك بشدّة.
لكن لحسن الحظ، تقول الرواية إنّ اختبار الانضمام لفيلق الفرسان يُجرى مرّة كلّ عام، لذا واصل كايل المحاولة.
وكانت اللحظة الوحيدة التي بدا فيها كايل حيًّا بحق، هي أثناء تلك المحاولات.
「”سقطتُ مجدّدًا.”
قالها كايل بصوتٍ هادئ يملؤه السّخرية من الذات.
في محاولته الثالثة، صار صدّ الضربات أفضل، لكنّه لا يزال عاجزًا عن الهجوم.
السيف لا يزال ثقيلًا، والهالة لا تدوم سوى ثوانٍ معدودة.
ولأنّه أخذ اليوم عطلة ليحاول، عليه أن يُعوّض ذلك في اليوم التالي.
“هل أريد حقًّا أن أصبح فارسًا؟”
وقبل أن يُغادر ساحة الاختبار، التفتَ ليتأمّل كلّ الموجودين.
الفرسان الحقيقيّون.
والمتمنّون أن يكونوا كذلك.
الدروع اللامعة تحت ضوء الشّمس، السيوف المعلّقة على الخصر، والحركات المنظّمة… كلّها شدّت نظره دومًا.
لكنّ اليوم بدا كلّ شيءٍ مختلفًا.
وعندما استدار وغادر ببطء، أدرك فجأة أنّه لم يشعر بخيبة الأمل.
لأنّه ببساطة لم يتوقّع من البداية أن يصبح مثلهم.
أغمض عينيه… ثمّ فتحهما من جديد.」
“لا تستسلم.”
شعر كالاد بشيءٍ يتآكل داخله وهو يتابع كايل.
فكما قال له والده يومًا، فالتجربة لا تفضي دومًا إلى نجاحٍ جميل، بل إلى سلسلةٍ من الإخفاقات.
كايل لم يكن لديه وقتٌ ليتدرّب على السيف.
كان يركض هنا وهناك لتأدية المهمّات الشاقّة دون أن يشتكي، وكان يعتقد أنّه أفضل حالًا من الأطفال المشردين.
لكنّه كان مقيدًا… وكان ذلك موجعًا.
ظلّ كالاد يقطّب حاجبيه طوال قراءته، وما إن بدأ الوضع يتغيّر…
「”أستطيع الآن الاعتناء بنفسي، لذا سأغادر هذا البيت.”」
… حتّى بدأت الحياة تُشرق أمام كايل بمجرد تخلّيه عن حلم الفروسيّة.
وحين أدرك أنّ بعض الناس يمكن أن يوظّفوه، لم يعد بحاجة إلى البقاء كضيف ثقيل في ذلك البيت.
“أخيرًا، سيغادر ذلك المكان البغيض.”
ثمّ تبيّن لاحقًا أنّ أقاربه تبنّوه فقط ليستولوا على إرث والديه.
لقد كانوا يتصنّعون اللطف، وحين أظهروا أنانيّتهم للعلن، لم يعُد كالاد يشعر إلّا بالاشمئزاز منهم.
‘اصبر، فلن تلتقيهم ثانية.’
ومن بعدها، بدأ كايل يشقّ طريقه.
عمل في الحانات وغيرها من الأماكن، وجمع المال، ثمّ بدأ يبحث عن مكانٍ ليستقرّ فيه.
لم يكن قادرًا على تحمّل تكاليف العاصمة، لكنّه لم يكن يهتمّ كثيرًا بالمكان، فقط أراد مكانًا جيّدًا.
「”سمعت أنّ الوحوش تنتشر في الجنوب.”
“بالفعل، يكاد يكون ساحة حرب يوميّة، لكنّ الناس يذهبون إلى هناك بشكلٍ غريب.”」
سمع هذه الأحاديث في حانة وهو يشرب، وجمع بعض المعلومات في اليوم التالي، ثمّ قرّر فجأة التوجّه إلى أقصى جنوب الإمبراطوريّة.
“لماذا هناك؟”
لم يستطع كالاد أن يفهم قراره، فشدّ على رأسه بيديه، لكن…
「”ما الذي يفعله طفلٌ مثلك هنا؟”」
في طريقه إلى الجنوب، واجه كايل وحشًا… وإنسانًا في الوقت ذاته.
ذلك الشخص هو إيزيك، أحد فرسان السّماء الذين يحملون اسم الرواية.
**
“لقد جننتِ، مجنونةٌ تمامًا!”
“ماذا بك؟ لماذا اقتحمتِ المكان هكذا؟”
“إذا لم تكتبي الجزء التالي حالًا، سأفضح هويّتكِ!”
“لن أكتبه إذًا.”
“……أنا آسف.”
دخل كالاد فجأة، دافعًا الباب بقوّة، وشعره مبعثر، يهذي بكلامٍ غير مفهوم.
وفي النهاية، عاد ليعتذر بخجل، لكنّ وجهه المتوهّج وعينيه المتلألئتين كانا مزعجَين بعض الشيء.
‘يبدو كحال غريك تمامًا.’
لم تحتج كاترينا لأن تسأله، فقد كان من الواضح أنّه قرأ فرسان السّماء ليلة البارحة واستمتع به.
“لستُ بحاجةٍ لسماع رأيك، اذهب لساحة التدريب.”
“……حسنًا! لكن بشرط، عليكِ كتابة الجزء التالي!”
كان يلمّح كما لو أنّه سيلتقط سيفًا حالًا، وأغلق الباب بحماسةٍ مفرطة.
وبينما غابت العاصفة القصيرة، نسيت كاترينا أمره سريعًا.
“كلوي، أحضري لي شاي ليمونٍ بارد.”
“لا يمكن. لقد شربتِ ثلاث مرّاتٍ اليوم.”
“……سأكتب حفلة التنكّر.”
كانت قد أُغرمت بشاي الليمون الذي صنعته كلوي مؤخّرًا، وها هي تساوم أعمالها مقابل كوبٍ جديد… مع بعض البسكويت.
‘هل هذا هو سبب كتابتي؟’
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
التعليقات لهذا الفصل " 13"