دخلت ليانا القصر ببطء، كل شيء فيه ساكن… أكثر من اللازم.
الجدران مكسوّة بورق قديم متقشّر، ورائحة الغبار ممتزجة بشيءٍ آخر… شيء غريب، كأنّه عطر ميت.
سارت خلف راين، خطواتها مترددة، وعقلها مليء بأسئلة لا تجرؤ على طرحها.
وفجأة… توقّف.
“ستقيمين في الطابق العلوي، الجناح الشرقي.”
قالها دون أن يلتفت.
“وهل… يعيش أحدٌ غيرنا هنا؟”
سألتها بصوتٍ خافت، لكنها شعرت بارتعاش في جسدها قبل أن تسمع إجابته.
صمت.
ثم أجاب بنبرة جامدة:
“نعم. أنا… وأنتِ… وذكريات لا تموت.”
شعرت برجفة تسري في عمودها الفقري.
لكن قبل أن تنطق، سُمِع صوت خافت…
خطوات صغيرة… على الدرج.
نظرت ليانا بسرعة نحو مصدر الصوت، فشاهدت طفلًا صغيرًا يقف عند منتصف السلّم، يحدّق بها بعينين واسعتين.
كان يرتدي ثوب نومٍ أبيض، وشعره أسود فوضوي، وجهه شاحب كأنّه لم يرَ الشمس منذ أن وُلد.
لم يقل شيئًا. فقط… ينظر.
“مَن هذا…؟”
همست ليانا، قلبها يخفق.
التفت راين ببطء، وعندما رأى الطفل، قال بهدوء كأنّه يعلن عن نهاية العالم:
“هذا… ألكسندر.”
“ابني.”
شهقت.
“لديك… ابن؟!”
اقترب الطفل بخطوات بطيئة، لكن مريبة… كأنّه لا يمشي، بل ينزلق فوق الأرض.
وقف أمام ليانا، رفع رأسه وحدّق في عينيها مباشرة، ثم همس بصوت غريب:
“أنتِ… لا تشبهين أمي.”
تجمد الدم في عروقها.
“ماذا… قلت؟”
لكن راين تقدّم، ووقف بينهما فجأة.
أخفض رأسه للطفل، وهمس له بنبرة آمرة:
“إلى غرفتك، ألكسندر.”
لكن الطفل لم يتحرك.
بل نظر لوالده وقال:
“هي لن تبقى طويلاً… أليس كذلك؟ مثل الأخريات؟”
ليانا شهقت، ونظرت إلى راين… الذي لم يردّ.
فقط اكتفى بالنظر إلى الطفل، ويده ترتجف للحظة.
ثم قال:
“إصعد، قبل أن أغيّر رأيي.”
وهنا… ابتسم ألكسندر.
ابتسامة ليست لطفل.
ثم استدار، وصعد الدرج… بخطوات هادئة، لا يُسمع لها صوت.
ليانا وقفت في مكانها، كل شيء في داخلها يقول: اهربي.
لكن عينا راين كانت تُمسكها من عنقها… دون أن تلمسها.
“هل قلتَ… الأخريات؟”
سألت بصوتٍ مرتجف.
قال وهو يتجه إلى الممرّ المظلم:
“في هذا القصر، الأسئلة… لا تُسأل.
وإن سُئلت… فالأجوبة تأتي على شكل لعنات.”
التعليقات لهذا الفصل " 3"