**الحلقة الثالثة**
نهضت ييراي وبدأت ترتّب البطانيّات، ثمّ ألقت نظرة خاطفة على لياندروس.
كان يتفحّص الهاتف بجديّة كأنّه قنبلة، والهالات الداكنة تحت عينيه تشي بأنّه لم ينم لحظة الليلة الماضية.
لا عجب، لا بدّ أنّه مضطرب أيضًا.
“فطور الإنسان المعاصر في القرن الحادي والعشرين.”
قدّمت ييراي للياندروس وعاء حبوب مغموسة بالحليب وموزة.
يبدو أنّ الموز موجود في عالمه أيضًا، إذ رفع لياندروس الموز بفرح كأنّه يرى شيئًا مألوفًا، وابتسم بشفتيه المنحوتتين.
بينما كان يأكل، أعدّت ييراي نفسها للجامعة، وبحثت عن شيء في غرفة الملابس.
‘أتذكّر أنّني اشتريته عند الانتقال…’
آه، وجدته.
“آسفة لمقاطعة فطورك، لكن هل تقف هنا لحظة؟ سأقيس طولك.”
كانت ييراي، التي ربطت شعرها المجعّد الطويل وارتدت ملابس الخروج، تمسك بشريط قياس.
بسبب طول لياندروس اللافت، اضطرّت للصعود على السرير لقياسه.
تتبّع لياندروس وجه ييراي، الذي أصبح في مستوى عينيه، بنظرات متفحّصة.
“أودّ أن أعرف لمَ تقيسين طولي فجأة.”
“لأشتري لك ملابس.”
سجّلت ييراي الرقم المذهل على هاتفها وهزّت رأسها.
يا إلهي، لم أرَ مثل هذا الطول إلّا في ملفّات المشاهير، لكن هل يمكن اعتبار هذا الرجل حقيقيًا؟
“قد تغادر قريبًا، لكن حتّى لو حدث ذلك، لا يمكنك الاستمرار بارتداء هذه الملابس. إنّها متدلّية جدًا وستعلق بكلّ شيء في هذا المكان الضيّق، وتشبه زيّ تنكّريّ داخل البيت.”
“تنكّري… ماذا؟”
“إن لم تعد اليوم، ستحتاج إلى ملابس إضافيّة على أيّ حال.”
نزلت ييراي من السرير، وطوّقت خصر لياندروس بذراعيها. شعرت بتوقّفه عن التنفّس.
لكن مهما حاولت، كانت ملابسه السميكة تمنع قياس خصره بدقّة.
طوال ذلك، كان لياندروس يحدّق إلى الأمام بعينين متسعتين.
نظرت إليه ييراي وطلبت بلطف:
“آسفة، هل يمكنك رفع ملابسك قليلًا؟”
بقي منتصبًا، ثم رفع ثوبه ببطء متردّد.
طوّقت ييراي خصره العاريّ القويّ، وضحكت بخفّة.
من كان يظنّ أنّني سأفهم معنى “الكثير قد يكون مضرًا” بهذه الطريقة؟
كانت عضلاته مثاليّة لدرجة أنّها شعرت وكأنّها تحتضن تمثالًا.
“همم… هل هناك شيء آخر يجب قياسه؟”
“لا، هذا يكفي. الطول ومحيط الخصر كافيان.”
ما إن تركته ييراي حتّى أنزل لياندروس ثوبه بسرعة.
نظر إليها وهي تسجّل القياسات على هاتفها، وتنحنح دون داعٍ.
ثمّ دخلت ييراي الحمام لترتّب شعرها، وأطلّت من الباب.
كان لياندروس يأكل الحبوب وينظر من النافذة. بدا أنّ طعام هذا العالم يناسبه، وهو أمرٌ مطمئن.
“إذا انتهيت من الأكل، ضع الوعاء في المغسلة وتعالَ إلى هنا. سأعلّمك كيفيّة استخدام الدشّ وبعض الأشياء قبل ذهابي إلى الجامعة.”
لكن بدل الرد، أدار لياندروس عينيه الغامضتين كأنّه يبحث عن شيء.
فكّرت ييراي للحظات، ثم ضحكت وهي تمسك جبينها.
آه، صحيح، لا يعرف ما هي المغسلة.
***
بعد انتهاء الدروس، اتّجهت ييراي إلى منطقة تجاريّة.
‘لكنّني لم أشترِ ملابس رجاليّة من قبل…’
بسبب رفضها المساعدة من الموظّفين، كانوا منشغلين بعملاء آخرين، فاشترت أربع مجموعات ملابس بالتخمين.
كانت باهظة قليلًا، لكنّها وفّرت تكلفة إصلاح الهاتف، فلا بأس. إن لم يرتدِها، يمكن إرجاعها.
ثم زارت متجرًا آخر.
لم تتخيّل يومًا أن تشتري “هذا”، فشعرت بالإحباط، لكنّه ضروريّ.
اشترت الأغراض بأكبر قدر من اللامبالاة، ثم ركبت القطار إلى البيت.
‘أتمنى ألّا يكون قد عاد.’
تخيّلت البيت خاليًا أمام لوحة المفاتيح الرقميّة، فشعرت قلبها يغوص.
غريب، فقد اعتادت العيش بمفردها سنوات، لكن إن عاد إلى عالمه، سيكون ذلك جيّدًا…
شعورٌ غامض. ضغطت ييراي الأزرار ببطء.
عندما فتحت الباب، رأت شابًّا أشقر وسيمًا يقف كالسركات عند النافذة ينظر إليها.
“انتظرتُ طويلًا!”
ضحكت ييراي رغمًا عنها.
“ها هي ملابسك. لا داعي لأشرح الفرق بين القطع العلويّة والسفليّة، أليس كذلك؟”
“أعرف ذلك بنظرة.” نظر لياندروس إليها بنزق وأخذ كيس الورق.
أخرجت ييراي علبة من عمق حقيبتها وقدّمتها له.
“وهذا… أم، ملابس داخليّة. لا يمكنك ارتداء واحدة فقط… تفهم قصدي، أليس كذلك؟”
يا إلهي، احمرّ وجهها.
نظر لياندروس إلى رأس ييراي، التي أطرقت، وضحك بهدوء. لكن ضحكته اختفت عندما أخرج ملابس داخليّة من العلبة.
رفع سروالًا داخليًا رقيقًا أمام عينيها باندهاش.
“هذه ملابس داخليّة؟ تبدو كقطعة قماش يرتديها المنحرفون!”
“هنا يرتدون مثل هذا… توقّف عن رفعها أمامي، اذهب وارتدها!”
دفعته ييراي، ووجهها كالطماطس، نحو غرفة الملابس.
“…لا أعرف إن كنتُ أرتديها بشكل صحيح.”
يقولون إنّ الوجه يكمل الموضة. ظهر لياندروس بقميص وبنطال بسيطين، لكنّه بدا كعارض أزياء.
العيب الوحيد كان البنطال القصير الذي كشف كاحليه، لكنّه كان أطول مقاس متوفّر.
لكن عندما أومأت ييراي برأسها، رنّ صوت هدير من بطن لياندروس.
توسّعت عيناها بدهشة.
“في الحقيقة، لم أتناول شيئًا طوال اليوم…”
احمرّت أذناه خجلًا.
رفعت ييراي أكمامها وتوجّهت إلى المغسلة.
“علّمتك استخدام الثلّاجة والميكروويف.”
“كان ذلك صعبًا جدًا بالنسبة لي…”
وضعت ييراي قدرًا على الموقد، وشغّلت التلفاز لأوّل مرّة منذ زمن.
“سأعدّ شيئًا، فاجلس وشاهد فيلمًا.”
“فيلم؟”
“مثل مسرحيّة متحرّكة على الشاشة. اختر ما يعجبك. ربّما تكون قد أتيتَ من أحدها.”
ضحكت ييراي من كلامها غير المنطقيّ.
نظر إليها لياندروس بهدوء ثم ضحك بنعومة.
بينما كان الماء يغلي، جلست بجانبه لمشاهدة فيلم رومانسيّ تدور أحداثه في إنجلترا القرن السادس عشر.
تفحّص لياندروس الرجل والمرأة يتجادلان على الشاشة، ثم قال بهدوء:
“مثير وممتع، لكنّني لستُ من ذلك العالم.”
“همم.”
أومأت ييراي موافقة، ثم شعرت بشيء غريب واستدارت نحوه.
“بالمناسبة، كم عمرك حتّى تتحدّث معي بهذه العفويّة؟”
“أنا؟ احتفلتُ بعيد ميلادي التاسع عشر مؤخرًا. وُلدتُ في مارس، موسم الأزهار.”
لم يأتِ ردٌّ لفترة طويلة، فنظر لياندروس بعيدًا عن الشاشة.
ضحك مع ييراي مرّة أخرى بمرح.
“لمَ هذه الابتسامة الغامضة؟”
تعمّقت ابتسامة ييراي.
“…”
‘هذا الفتى…’
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 3"