هناك لحظات لا يسبقها ضوء، ولا يُعلن عنها القدر… لحظات تدخل القلب دون استئذان، لتعيد ترتيب كلّ شيء، بين الألم والحب، بين الغياب والعودة، بين ما كنا… وما كنّا نظن أننا نسيناه.
هذا المساء… لن يكون كسائر الأمسيات.
لأن القلوب التي تكسرت مرة، إما أن تُشفى حين تلتقي، أو تتحطم إلى الأبد.
البيت الجبلي – مساء هادئ – ضوء القمر يتسلل عبر النوافذ
دخل “جان” بخطى بطيئة، كأن الأرض التي تطؤها قدماه تحمل ثقل سنواتٍ من الندم. كان كل شيء كما تركه في ذاكرته… رائحة الخشب، دفء الجدران، والكنبة ذاتها التي جمعت بينه وبين “إيليف” ذات ليلةٍ غيّرت كل شيء.
وفجأة، يتوقف قلبه للحظة… هناك، على ذات الكنبة، طفل صغير يغطّ في نوم عميق. “ماهر”، وجهه الصغير مطمئن، شفاهه منفرجة بنَفَس هادئ، إحدى يديه معلّقة خارج البطانية، كأنها تبحث عن دفء ضائع.
اقترب “جان” بخطوات هادئة ، ثم جلس أرضاً أمامه، عيناه لا تفارق ملامحه… كأنه ينظر إلى مرآة لروحه المفقودة.
“يمدّ جان كفّه برعشة خفيفة، يمررها على خد الطفل بنعومة، كما لو كان يلمس شيئاً من حلمٍ ضائع.”
ثم انحنى ليطبع قبلة خفيفة على جبينه. همس بصوت مكسور: “أنا آسف يا صغيري… آسف لأني لم أكن هنا عندما احتجتني… ما كنت أعلم بوجودك، لو كنت أعلم، لقلبت العالم لأحضنك.”
أمسك براحة يد الطفل الصغيرة بين يديه، وراح يُقبّلها بحرارة، فيما دموعه تنساب عليها… كأنها تمنحه غفراناً صامتاً . .
وفي اللحظة التالية، تُفتح باب الغرفة المجاورة. تخرج “إيليف”، تحمل بطانية إضافية، عيناها مرهقتان لكنها ثابتة. تتقدّم نحو “ماهر”، تُغطيه بحنان دون أن تنظر نحو “جان”. لم تتكلم، لم تلتقِ عيناها بعينيه، لكنها شعرت بدموعه حتى دون أن تراه لعل معرفتها القوية به خمنت لها ذلك .
لكن “إيليف” لم تتوقف، لم تكلّمه، فقط أدارت ظهرها… وعادت إلى الغرفة.
ظل جالساً هناك لحظات، ثم رفع رأسه نحو السقف، كأنّه يبحث عن شهيق يساعده على الوقوف.
أخيراً، نهض …تحرّك… بخطى ثقيلة، دخل الغرفة خلفها. وجدها تجلس على حافة السرير، عيناها معلّقتان بالأرض. أغلق الباب خلفه ببطء… ثم استند عليه، كأن كل المسافة بينهما باتت جداراً داخله .
جان (بصوت مرتبك): ” إيليف… أنا آسف.”
إيليف (دون أن ترفع نظرها): ” أخرج.”
جان (يقترب): ” اسمعيني…”
إيليف (تنهض فجأة، تتقدم نحوه، صوتها يعلو): ” لا أريد أن أسمعك… أخرج!”
(تضربه على صدره، تدفعه عدة مرات، كل دفعة تحمل ألماً لم يُقال)
إيليف: ” عد من حيث جئت… بعد كل ما مررت به… تريد أن أنسى كل ما عانيت بأعتذار!؟”
يرتطم ظهره بالباب… لا يدافع عن نفسه، لا يوقفها. فقط يتلقى، كأنه يعترف بكل ما فعل.
إيليف مستمرة تضربه على صدرة: “وعدتني أنك ستكون معي” جان: “فعلت” إيليف:” قلت أننا سنتزوج… أو تأخذني وتهرب” جان: “فعلت” إيليف (دموعها تتساقط):” لكنك تركتني وحدي وسط عاصفة” جان:” فعلت” إيليف أستقرت قبضتيها على صدره بتعب :” نسيتني… نسيت حبي”
يمسك جان كلتا يديها، صوته مكسور:
” كلا… لم أنسك لحظة واحدة… كُنتِ في كل نفس أتنفّسه.”
إيليف:” تركتني أدفع ثمن غلطتنا في تلك الليلة وحدي.”
جان (صوته يشتد):” لا تقولي “غلطة”… تلك الليلة لم تكن غلطة… كانت أجمل ليلة في حياتي كلها.”
إيليف (تنظر في عينيه، تهمس بانكسار): “أنت لا تعلم شيئاً عن عذابي… كنتُ مجبرة أن أبقى قوية، صامدة… كنت أُمثّل السعادة أمامهم مع مارت، بينما قلبي ينزف ألماً … ألم أن أكون خائنة في نظرك.. ثم ألم موتك… بقيتُ وحدي مع طفل… بدون أب…”
يغمض جان عينيه، وكأن دموعه تنوب عن الكلام. إيليف: ” كنت عبئاً حتى على مارت… حبيبته كانت تراني خاطفة رجال… رمت فضيحتها على حبيبها مارت ، واستغلته .”
يفتح جان عينيه، يضع كفه على فمها بلطف:
” كفى إيليف، أرجوكِ… لا تقولي هذا عن نفسك.”
إيليف (تجلس على الأرض، تكاد تنهار): ” إنها الحقيقة… طفلي نتيجة نزوة ليلة.”
“كلا… لا تقولي هذا. ابننا هو ثمرة حبنا، لا نزوة. أنتِ لستِ نزوة في حياتي… أنتِ كنتِ ملاذي… نور في حياتي المظلمة. أعلم أني سببت لكِ الكثير… أنا آسف، لكني هنا الآن… وأقسم لك، هذه المرة لن أخذلك. حتى لو لم تسامحيني… لن أتركك وحدك أبداً…أعدك.”
“إيليف” تحدّق في عينيه، تصمت لثوانٍ، ثم تضرب صدره بخفة:
“من “ليلى” تلك؟”
“جان” يبتسم رغم الدموع، لا يزال ممسكاً وجهها، يمرّر أصبعه ليمسح دموعها:
“هل أشم رائحة غيرة الآن؟”
إيليف: ” لعلّك تعرّفت على فتاة… وأحببتها؟*
يهز رأسه نافياً، ثم ضمّها بقوة الى صدره، طبع قبلة على رأسها، وهمس وذقنه فوق شعرها:
“أبداً… إيليف…بحياتي كلها لم أرَ امرأة غيرك.”
تسود لحظات من الصمت بينهما لا يزال جان يحتضنهاوهو جالس مستنداً على باب الغرفة، . تبتعد إيليف قليلاً عن حضنه، تنظر إليه بعينين تفيضان بالأمل والرجاء معاً. إيليف (بصوتٍ هادئ لكنه حازم): “لن تتركني هذه المرة.”
ابتسم جان وهو يفرك صدره بخفة، كأنه يمزح ليرفع من ثقل اللحظة: ” كلا… لن أكون قادراً على تحمل هذا الضرب ثانية… متى أصبحت قبضتك بهذه القوة؟”
تبتسم إيليف بخفة، ثم تهمس له بابتسامة خفية في صوتها: “تستحقه بالفعل.”
بسعادة خجولة، يسحبها جان إلى حضنه من جديد، يضمها بقوة وكأنه لا يريد أن يفلتها أبداً. جان: ” نعم… أعتقد أنني أستحقها.”
تسمع أصوات طرقات خفيفة على الباب، ويدخل صوت ماهر الطفولي الحنون: ماهر (ببراءة): “ماما…”
تنهض إيليف بسرعة، تبتعد عن جان بابتسامة حنونة: إيليف: “ابتعد عن الباب جان.”
ينهض جان، يلتفت نحو الباب ويفتحه، ليجد ماهر الصغير بعيونٍ متلألئة ينتظره. يحمله بين ذراعيه برقة، يبتسم له بحنان: “أهلاً يا صغيري، ماذا حدث؟ لماذا استيقظت؟”
ماهر يبتسم ويقول بحماس طفولي: “بابا! أنت هنا!”
يقبل جان جبين ماهر بلطافة، ثم يهمس له: ” تعال، لننام سوياً الليلة.”
يمسك جان بكف إيليف وهو يتجه بها نحو السرير، حيث الدفء والطمأنينة التي طال انتظارها.
»»»»»»»»»»»»»»»»»»»»»»»»»
مارت يجلس في سيارته متوقفاً أمام مبنى، عيناه تركزان على شقة شاغلا في الأعلى. يده على المقود تتحرك برقة، يمرر أصابعه ببطء عليه.
يُخرج هاتفه ويتصل بإيرهان.
إيرهان (بصوت معاتب): “مارت… تتصل بعد كل هذا الوقت؟ ظننت أنك مسحت رقمي حتى.”
مارت (ينظر إلى يده على المقود، صوته هادئ): “معك حق… لقد ابتعدت عنكم لفترة طويلة دون مبرر.”
إيرهان (بقلق): “هل أنت بخير؟ هل تحتاج لمساعدة؟”
مارت يرفع عينيه نحو شقة شاغلا، كأنه يحاول قراءة شيء في النافذة.
مارت (بهدوء، مصمم): “هل تعرف أين سافرت شاغلا؟ هل تعرف رقمها؟ عنوانها؟ أي شيء عنها؟”
إيرهان (بثقة): “شاغلا عادت في بداية العطلة… هي هنا، في إسطنبول.”
مارت: “لا تقلق… لم آت إلا بعدما تأكدت من قدرتي على الوفاء بوعدي لها.”
إيرهان: “حسناً ،بالتوفيق لكما ياصديقي … وداعاً .”
يغلق مارت الهاتف، يمسح وجهه بكفيه ببطء.
مارت (يهمس لنفسه): “حسناً ، مارت… يبدو أن المواجهة أقرب مما توقعت.”
»»»»»»»»»
تجلس على أريكتها الصغيرة، عيناها مثبتتان على الشاشة التي تعرض فيلماً درامياً بطيء الإيقاع. في الخلفية، أضواء المدينة الخافتة تتسلل عبر النافذة الكبيرة، وتنعكس على وجهها المتعب.
تنسحب في تفاصيل الفيلم، تتنهد أحياناً، كأنها تعيش مع شخصياته، تحاول أن تنسى واقعها المؤلم.
فجأة، يسمع طرقٌ على الباب.
تنهض بتثاقل، تفتح الباب وهي تقول بصوت متوتر: “إيرهان… قلت لك لا تأتي.”
تتوقف للحظة، تتسع حدقة عينها حين ترى مارت واقفاً أمامها بابتسامة بسيطة، وعيناه تلمعان بالشوق.
مارت (بهدوء): “هل تسمحين لي بالدخول؟”
تبتعد شاغلا بصمت، تفسح له المجال.
يدخل مارت، تغلق الباب خلفه، وتتجه شاغلا نحو المطبخ وهي تقول: “سأعد لك شيئاً تشربه.”
ينظر مارت إلى الشاشة. : “ألم تملّي من مشاهدة هذا الفيلم؟”
شاغلا تضع عصيراً في كأس، لا ترد، تتجه نحوه وتقول: “تفضل.”
يأخذ مارت العصير، يجلس على الكنبة، ويضع الكأس على الطاولة.
يضحكان معاً، ويعمّ الجو دفء جديد، كأن الحياة تعيد رسم نفسها بلون مختلف.
»»»»»»»»»»»»»»»»
منزل عائلة آصلان- مساءاً
تفتح السيارة أبوابها، ينزل جان وإيليف وماهر ببطء بعد يوم طويل في البيت الجبلي. على وجوههم مزيج من التعب والسعادة، وكأن أعباء الماضي بدأت تخف.
يقتربون من الباب، يُفتح لهم على الفور، وتغمرهم نظرات أفراد العائلة المتجمعة في الصالة. الأجواء مشحونة بالتوتر، والقلوب مثقلة بالألم والقلق.
مراد، بجانب والديه، يبدو عليه التوتر والارتباك، يبادل نظرات حادة مع أخيه ساردار ، الذي يحاول إخفاء قلقه بابتسامة ضعيفة.
جميلة تتقدم نحو إيليف تمسك بيدها تحاول أن تمدها بشيء من القوة بينما أركان يرمقها بغضب يتنفس ببطء، وكأنه يحاول أن يكون عاقلاً وسط الفوضى.
العم وزوجته، والدا ساردار، يجلسان بهدوء على الأريكة، لكن ملامحهما تحمل مزيجاً من الصدمة والحزن.
يعلو صوت والد إيليف بنبرة حادة:
“أهلاً… إيليف.”
ينادي المربية لتأخذ ماهر بهدوء، ولكن عينيه لا تخفي غضباً وحيرة.
تنظر والدة إيليف إلى إيليف بنظرة مليئة بالخيانة والخذلان، تقول بصوت مكسور:
“كيف فعلتِ هذا؟ كيف كذبتِ علينا طوال هذه المدة؟”
يحاول الجد التدخل بهدوء، صوته يحمل ثقل الحكمة:
“هلا هدأتما…”
لكن والد إيليف لا يملك الهدوء، ينفجر بغضب مكبوت:
“كيف نهدأ؟ هذه فضيحة! ماذا سنقول للناس؟ عذراً أخطأنا، ليست زوجة مارت، بل جان؟!”
ينظر الجميع إلى الجد، الذي يرفع يده ليطلب الصمت، ثم يرد بحزم:
“لم يحضر أحد زفافهم سوى العائلة… أليس كذلك؟”
ترد والدة إيليف بغضب:
“وصديقاتها أيضاً.”
يتقدم والد إيليف بغضب نحو إيليف بخطوات سريعة تدب الأرض بقوة يريد سحبها ، ولكن فجأة يقف جان أمامه، يضع إيليف خلف ظهره بحماية صارمة.
“أقسم لك، إذا لمست شعرة منها، فلن أرحمك.”
يرتفع صوت الجد، صارماً :
“كفى! ليصمت الجميع.”
ينظر الجد إلى جان:
“اعتذر لزوج عمتك.”
جان، بنبرة متينة:
“جدي…”
يرد الجد:
“قلت أعتذر.”
جان يرد بحزم:
“آسف، لكن لن أسمح لأي أحد بإيذاء إيليف بعد الآن.”
يصمت الجميع، بينما يعم الصمت ثقل اللحظة، ثم يتحدث الجد بنبرة حازمة تقطع كالصاعقة:
“اسمعوني جميعاً… ما حدث قد حدث، ولا مكان للكلام بعد الآن. مارت غداً سيبدأ إجراءات الطلاق، وبعدها سيتزوج جان وإيليف. لن يكون هناك عرس… أعقدوا قرانكم، وسافروا إلى حيث تريدون. احتفلوا هناك كما تشاءون، ولكن لا نريد لأحد أن يعلم بما جرى هنا.”
تتبادل العيون نظرات صامتة، تتسلل الدموع والصدمة بين الحاضرين، لكن لا أحد يجرؤ على الكلام بعد كلام الجد.
يدخل مارت الصالة بخطوات هادئة، ينظر إلى الوجوه المشحونة بالصمت والاستنكار، يتكلم بنبرة طبيعية:
مارت: “مساء الخير.”
ينظر إليه والد إيليف بنظرة لاذعة، يرد بسخرية باردة:
“أهلاً بالممثل الأول في هذه المسرحية.”
يبتسم مارت ابتسامة خفيفة، وكأن السخرية لا تمسه،واضعا يديه في جيوب بنطاله ويرد بنبرة ثابتة:
“بدلاً من شكري على إنقاذ الموقف… تختار السخرية؟”
ينهض أركان غاضباً، يتقدم منه بخطى حادة:
“تريد شكراً ؟ على ماذا؟ على أنك جعلت أختي لعبة بين أيديكم؟!”
وقبل أن يقترب، يمد جان يده بسرعة، يمسك أركان بقوة، يدفعه بعيداً ليقف أمام أخيه مارت ويقول بتحذير واضح:
“لا تجرؤ حتى على التفكير في ذلك .”
يصمت أركان، يتراجع قليلاً وهو يصك على أسنانه غضباً. على وجه مارت ترتسم ابتسامة باردة لا تخلو من التحدي مستمتعاً بوقوف جان أمامه كَدرع حماية .
ثم يرتفع صوت الجد فجأة، يضرب عصاه بالأرض بقوة:
“كفى! هل تريدون تحويل الأمر إلى فضيحة؟!”
يتدخل العم، يحاول تهدئة الموقف بصوت متزن:
“اهدؤوا جميعاً… نعم، نحن لا ننكر أنهم أخطأوا، ولكن والدي على حق… لا نريد فضائح، لا لأنفسنا ولا لأولادنا.”
ثم يوجه كلامه نحو مارت مباشرة:
“مارت تصرّف بحذر. حصر الزفاف بالعائلة فقط، ولم يسمح لأي شخص خارجي أن يحضر. وحتى صور الزفاف لم تنشر.”
ينظر إلى الحضور ثم يتابع:
“والأهم من ذلك… أن جان ومارت توأم متطابق. أغلب الناس لن يلاحظوا الفرق، ولن يشككوا أصلاً بمن تزوّجها. المسألة اليوم كيف نُغلق هذا الباب… لا كيف نُشعل النار من جديد.”
الجد : هل الكلام واضح الآن ؟
يسود الصمت… لا أحد يجرؤ على الرد. كل وجه في الغرفة بدا وكأنه تلقى حّكماً لا استئناف له. العيون تتبادل النظرات الخافتة، بين خيبة وغضب، وبين حزن ورضوخ. الهواء مشبع بثقل الكلمات، وكأن الجميع يدرك أن الأمور لن تعود كما كانت، لكن لا مفر.
صوت أنفاس ماهر في الطابق العلوي، وصدى عصا الجد وهي تضرب الأرض، كانا الصوتين الوحيدين في هذا المساء المشحون.
العودة للوراء لم تعد خياراً… والصمت، هذه المرة، كان موافقة لا تحتاج إلى توقيع.
»»»»»»»»»»»»
إسطنبول – منزل عائلة آصلان – مساء هادئ بعد أسبوع
الحديقة الخلفية – أنوار خافتة تتلألأ من مصابيح معلّقة بين الأشجار، تنعكس على سطح المسبح، فتكسبه بريقاً يشبه النجوم.
ضحكات الشباب تملأ المكان، حيث كانت جميلة تحاول صدّ كرة طائرة بيدٍ واحدة، بينما يصرخ أركان بحماسة:
أركان (ضاحكاً ): “هيا مراد! لا تدعها تربح!”
يضحك مراد وهو يلتقط الكرة من الأرض:
“أقسم أنها تملك ذراعاً مُدرّبة!”
ترفع جميلة حاجبها بثقة، وتضرب الكرة بقوة:
جميلة: “أجل… تدربتُ على ضرب الرؤوس المتحجرة!”
يتردد صدى الضحكات في أرجاء الحديقة، في جوّ عائلي دافئ ومليء بالحياة.
—
عند طاولة جانبية تحت شجرة زيتون قديمة، يجلس الجد بهدوء، وبجانبه ابنته وزوجها، وابنه وزوجته.
ينظر والد إيليف إلى الجانب الآخر من الحديقة حيث يتجمّع الشباب، ويقول بصوت خافت يكسوه التبرّم:
والد إيليف: “لا أصدق ما يفعلونه… يحتفلون بالطلاق؟!”
يحرك والد ساردار ملعقته في كوب الشاي، متأملاً: “أعترف… الأمر يبدو غريباً قليلاً .”
تتنهد والدة إيليف، وكأنها تلوم نفسها:
“لقد تهاونا معهم كثيراً… ربما أكثر مما يجب.”
يضع ساردار كتابه جانباً، يلتفت إليهم بنبرة هادئة لكنها واضحة:
“عمّتي… هل كان سيكون أفضل لو أن إيليف استمرت في زواج كاذب؟ أن تتظاهر بالسعادة… وتعيش مع مارت تحت سقف واحد، وهما يختنقان؟ حتى مارت…ضحى بالكثير … لم يكن الأمر سهلاً عليه. رأيتم كيف انهار.”
يصمت الجميع للحظة، تتخللها نسمة ليل صيفية ناعمة.
ينظر الجد إلى الأفق:
“معك حق… لقد كان شبه ميت. وعادت له الحياة بعودة جان.”
والدة ساردار (بصوت خافت، كأنها تسلّم): “المهم أن جان عاد… ولم يمت كما ظننا.”
ينتقل نظر الجد نحو الجانب الآخر من الحديقة، حيث يتجمع جان، مارت، إيليف وأوزان عند المسبح.
مارت يجلس مسترخياً، رجله ممدودة داخل الماء، ويضحك مع أوزان على نكتة قالها جان، الذي يجلس على كرسي الشازلونج بجانب إيليف، يدها في يده.
الجد (بهدوء وابتسامة خفيفة): “ليكن… ليفعلوا ما يشاؤون. المهم أنهم بخير… وأمام ناظري.”
—
عند المسبح:
أوزان: “لا أصدق أنني أبارك لكما على الطلاق.”
مارت (ضاحكاً ): “قلبنا الموازين، أعترف.”
ينفجر أوزان ضاحكاً :
“اللعنة يا جان… لا شيء في حياتك يسير كما يُفترض!”
إيليف (تضحك): “معك حق… لكننا لا نعترض.”
أوزان: “بالمناسبة، المدير اتصل بي… قال إنه منحك إجازة لشهرين. لا تدريب، لا حفلات.”
يتنهد جان بارتياح:
“شكراً… كنت أحتاجها أكثر مما ظننت.”
—
من بعيد، يسمع صوت صغير:
ماهر: “بابا!”
ينهض جان فوراً ويتجه إليه، ينزل لمستواه:
“ماذا هناك يا بطل؟”
يشير ماهر إلى حذائه:
“الحذاء.”
يبتسم جان، يربط له قيطان الحذاء بعناية: “حاضر يا سيدي.”
ثم ينظر إليه للحظة، بتأمل:
“هل نلعب؟”
ماهر: “لا… سأجلس مع جدي ليُطعمني.”
جان (يبتسم): “فهمت… اذهب إذاً.”
ينهض ببطء، يتابع ماهر بنظره وهو يتجه نحو الجد. يضع يديه في جيوب بنطاله ، ويتمتم بقلق داخلي:
جان (بصوت منخفض): “هل سأكون أباً جيداً؟ لا أعرف شيئاً عن الأبوة… لا أعرف ماذا أفعل.”
يضع مارت يده على كتفه، يقف بجانبه:
مارت: “افعل ما كنت تفعله معي.”
يلتفت جان نحوه، تتسع عينيه متفاجئاً بكلامه:
“مارت!…”
يبتسم مارت له بأمتنان:
مارت: “كنتَ أباً لي يا جان… بحمايتك، بخوفك عليّ، باهتمامك بكل تفاصيل حياتي… حتى في قسوتك. لطالما شعرت بأنك أبي.”
يحتضنه جان بهدوء، يغمض عينيه للحظة:
جان: “شكراً لك، مارت.”
تقترب إيليف، تمسك بيد جان نسحبه بعيداً عن حضن مارت وتبتسم بمزاح:
إيليف: “دعه لي، مارت… أنا أغار.”
—
من بعيد، ينادي أوزان:
“مارت… لديك ضيوف.”
يلتفت مارت، يرى شاغلا واقفة قرب البوابة، مترددة.
يتقدم نحوها بلطف بخطوات سريعة ، يمسك يدها:
مارت: “أهلاً شاغلا… تعالي، سلّمي على الجميع.”
شاغلا (بتوتر): “ماذا لو… لم ترحب بي إيليف؟”
مارت (بثقة): “لا تقلقي. إيليف ليست من هذا النوع.”
يتوجهان سوياً نحو البقية، يُلقيان التحية.
شاغلا (بصوت خافت): ” مرحبًا إيليف… أعتذر عمّا حدث سابقاً.”
تنظر إيليف إليها، تصمت لحظة، ثم تبتسم:
“مرحباً بكِ شاغلا… انسي ما حدث. أنا لا ألومك.”
تصمت لحظة أخرى، ثم تزداد ابتسامتها دفئاً.
جان يتقدم ليصافحها ولا تزال يده الأخرى تمسك بكف إيليف بدون أبتسامة، نبرت صوته كانت باردة : ” أهلا بك شاغلا” تومأ شاغلا له يخجل : “اهلا بعودتك . “ مارت: “تعالي لنلقي التحية على جدي.”
يتوجهان نحو الجد بينما يتابعهما جان وإيليف.
—
إيليف (تبتسم وهي تنظر إلى جان): “إذاً… جان… أين سنتزوج؟”
ينظر إليها جان،تلمع عينيه بأبتسامة ، يزيح خصلة سقطت على وجهها بلطف:
جان: “في أي مكان تحبّينه.”
إيليف (تهمس): “أي مكان تكون فيه… أنا أحبه.”
يطبع جان قبلة على جبينها، يهمس: “أحبك، إيليف.”
“الأبناء يكبرون… يتعثرون… يخطئون… لكن في النهاية، يعودون دائمًا إلى البيت. والبيت لا يسألهم من أين جاؤوا، بل يفتح لهم الباب… ويضيء النور.”
لأن العائلة، مهما تفرّق أفرادها، ومهما بعدت بينهم المسافات… لا بد أن يعودوا يومًا، ليجتمعوا تحت سقف واحد، حيث تبدأ الحكايات… وتنتهي.
“إلى كل من يبحث عن بيت… ستجده دومًا في قلب من يحبك.”
يتبع
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 49"