*”كل شيء من حولي صاخب… الشوارع، الوجوه، حتى الصمت صار يصرخ. أما أنا، فلا أملك سوى وترٍ وحيد يحميني من الانهيار. أعزف لأهرب من وجعي، لأخفي خوفي، كأن الغيتار وحده يفهم ما لا أجرؤ على قوله. كل نغمة أطلقها تحمل جزءاً من ثقل صدري، وتعيد إلي شيئاً من أنفاسي.
لكن في مكانٍ آخر، هناك من لا يجد ملجأً للعزف… هناك من يصرخ بدلاً عني، يحطم ما أمامه ليُسكت ما في داخله. لا أعرف… هل نحن متشابهان أكثر مما نظن؟ أم أن لحناً واحداً وصوتاً واحداً كفيلان بتمزيق هذه الحكاية نصفين؟”*
نيويورك – حي كوينز -شقة جان وأوزان – الساعة الخامسة صباحاً
ساد الصمت الشقة إلا من نغمةٍ دافئة تنبعث من أوتار غيتار، تُداعب السكون كنسمةٍ خفيفة قبيل الفجر.
فتح أوزان عينيه على وقع العزف، جلس ببطء على طرف السرير، وأصغى.
ذلك الصوت… كان يحمل شيئاً مألوفاً، شيئاً افتقده طويلاً .
خرج بخطوات هادئة نحو الصالة. هناك، تحت ضوء خافت يتسلل من خلف الستائر، بدا له ظهر جان جالساً على الأريكة، والغيتار في حجره، يُعزف بأنامل هادئة كأنها تروي شيئاً لم تُفلح الكلمات في قوله.
وقف أوزان للحظة يراقب بصمت، يتأمل ذلك الظهر المنحني قليلاً، وتلك الأنامل التي تسترد شيئاً من الحياة.
كانت النغمة تتسلل بين جدران الشقة كأنها تنفض الغبار عن الأرواح النائمة… كأنها تقول: ما زلتُ هنا، رغم كل شيء.”
انتهت المعزوفة…
أراح جان رأسه إلى الخلف، أغمض عينيه، وهمس بصوت بالكاد يُسمع:
” أنا أتنفس، أوزان… للمرة الأولى… منذ زمن، أسمع نَفَسي.”
ابتسم أوزان.
اقترب بهدوء، انحنى خلف الأريكة، ومد يده بلطف إلى كتف جان.
أوزان (بصوت ناعم ودافئ):
“أهلاً بعودتك، جان.”
يصمتان… لا حاجة للكلمات، فكل شيء قيل في تلك اللمسة، وفي ذلك اللحن.
»»»»»»»»»»»»»»»»
جامعة بوغازيتشي – الساحة الخارجية – منتصف النهار
كانت أشعة الشمس تتلألأ على بلاط الساحة، حيث تجمع بعض الطلاب بين الضحك وتبادل الأحاديث.
خرج مارت من قاعة المحاضرات متجهم الوجه، يحمل كتبه تحت ذراعه، حين لمح شاغلا من بعيد…
كانت واقفة تحت شجرة الكستناء الكبيرة، تضحك بخفة مع أحد زملائها.
توقفت خطوات مارت فجأة… علقت عيناه على ملامحها الضاحكة.
اجتاحه شعور غريب… خليط من الغيرة، والندم، والارتباك.
اقترب بخطوات سريعة، وارتفع صوته فجأة:
مارت (بعصبية):
“ما هذا كله؟ ومن هذا؟”
التفتت شاغلا بدهشة، بينما بدا الشاب مذهولًا.
الشاب:
“عذراً؟”
دون أن ينتظر إجابة، اقترب مارت أكثر، ودفع الشاب بيده دفعة خفيفة لكنها حادة.
مارت:
“ابتعد عنها.”
قبل أن تتطور الأمور، تدخل إيرهان فجأة، وأمسك بمارت من ذراعه، يجذبه إلى الوراء.
إيرهان (بحزم):
“كفى، مارت! ما هذا التصرف؟ هذه جامعة وليست حلبة مصارعة.”
أشاح مارت بنظره، صدره يعلو ويهبط من الانفعال، أما شاغلا فاقتربت منه وسحبته من ذراعه بلطف.
شاغلا (بهدوء مشوب بالجمود):
“تعال، لنتحدث على انفراد.”
سار خلفها صامتاً، حتى وصلا إلى زاوية هادئة خلف مبنى الكلية.
شاغلا (بصوت منخفض لكنه ثابت):
“أنت من قررت أن تنهي كل شيء، مارت…
أنا احترمت قرارك، حتى وإن كان يكسرني.
لكن إذا كنت تعيش في صراع، فلا تربطني به.
أنا أحاول أن أعيش… كما تعيش أنت، مع إيليف، مع طفل جان.”
سكت مارت، وكأن الكلمات قد خنقته.
مارت (بصوت مرتجف، فيه من الرجاء ما يكفي ليكسر أقسى قلب:):
“لا تفعلي بي هذا… شاغلا… تعلمين كم أحبك… ولكن لم أستطع أن أختار قلبي.”
شاغلا (بابتسامة لكنها لم تكن سوى ابتسامة مريرة تسكنها خيبةٌ قديمة.”):
“وأنا…… أختار نفسي، أخيراً.”
تركت مارت وابتعدت… بينما مارت بقي واقفاً وحده، وقلبه أثقل من أي وقت مضى.
لم يكن يريد الرحيل عنها، لكنه فعل… مجبراً، مكسوراً، على أمل أن تفهم، أن تنتظر، أن تبقى.
لكنها لم تفعل.
رحلت.
رحلت وخلّفت وراءها صمتاً لا يُحتمل، وشعوراً بالخذلان لا يشبه أي خذلان.
كان يشعر وكأن شيئاً تمزّق بداخله، لا صوت له، لا دماء، لكن ألمه كان صارخاً .
كأنها لم تكن فقط الحبيبة… كانت ملجأه، خيطه الأخير، وحين انقطع، سقط في هاوية لا قاع لها.
رفع عينيه إلى السماء الزرقاء ، تنفّس بصعوبة، وضحك… ضحكة قصيرة، مريرة، تحمل في طيّاتها سؤالاً مؤلماً :
“لِمَ لم تنتظريني؟…ألست من دفعتها بعيداً؟ً”
.
»»»»»»»»»»»»»»»»
نيويورك – مطبخ المطعم – الساعة التاسعة صباحاً
صوت خطوات سريعة على بلاط المطبخ، تزامن مع ضحكة خفيفة وأغنية قديمة يدندن بها أوزان بصوته الخافت، وهو يربط مئزر الطهي حول خصره.
اقترب من موقد الستيل اللامع، أمسك المقلاة بيدٍ، وبدأ يقلب مكوناتها بخفة، بينما رأسه يتمايل بانسجام مع اللحن المنبعث من ذاكرته، لا من المذياع.
على الطرف الآخر من المطبخ، وقف جان أمام المجلى، يغسل الصحون بانتباه، لكن عينَيه بين الحين والآخر تتسللان إلى أوزان، تراقبان حركاته بابتسامةٍ هادئة، فيها شيء من الراحة وشيء من الامتنان.
لم يكن الجو في المطبخ دائمًا بهذه السلاسة… لكن اليوم مختلف.
مرّ الشيف دانييل من بينهما، يحمل دفتر الطلبات، وتوقف لثوانٍ يراقب المشهد بصمت.
الشيف دانييل (بصوت منخفض، وهو يبتسم):
“أخيراً… هدأ البحر.”
رفع أوزان رأسه، ونظر إلى دانييل بابتسامة طفيفة دون أن يتوقف عن الطهي، فيما ظل جان يكتفي بالمراقبة، دون أن يقول شيئاً.
هدوءٌ خفيف استقرّ في المكان، تشوبه رائحة الزبدة الذائبة وصوت الماء الجاري… وكأن اليوم يحمل شيئاً من البداية.
»»»»»»»»»»»»»»»»»»»»»»»
خارج مبنى المدرسة – بعد الظهيرة
السيارة متوقفة قرب الرصيف، ومارت يجلس خلف المقود، يرتدي نظارته الشمسية، وعيناه تراقبان الأفق بصمت.
تركب إيليف إلى جانبه، تنظر إليه بابتسامة خفيفة، :
إيليف (وهي تغلق الباب):
“مرحباً … آسفة على التأخير، كان لدينا درس إضافي.”
مارت (بصوت منخفض وهو يُدير المحرك دون أن ينظر إليها):
“لا بأس.”
تتأمله إيليف للحظات، ثم تميل نحوه قليلاً وتقول بنبرة هادئة:
“هل حدث شيء؟”
مارت (دون أن يحوّل نظره عنها):
“لا.”
إيليف (بابتسامة صغيرة ممزوجة بشيء من الحنان):
“مارت… بعد كل هذا الوقت، بتُّ أعرفك دون أن تتكلم. نظرتك وحدها تخبرني أنك منزعج.”
يصمت مارت قليلاً ، ثم يقول بصوت متهدّج وكأنه يحاول أن يخفي شعوره:
“لا يهمّ ما يزعجني… المهم أنتما بخير.”
تتسع نظرة إيليف قليلاً، ثم تسند ظهرها إلى المقعد دون أن تقول شيئاً، تفهم ما لم يُقل، وتترك للصمت أن يعبّر عنه.
»»»»»»»»»»»»»»»»»»»
نيويورك – مطعم وجبات سريعة – مساء
كان المطعم يعجّ بأصوات الطلبات وصفير المقلاة، والضحكات المتناثرة هنا وهناك. جلس جان وأوزان إلى طاولة صغيرة بجانب النافذة، أمامهما علب البرغر، والمشروبات الغازية، وصينية بطاطا مقلية يتصاعد منها البخار.
مدّ أوزان يده إلى كوبه، ارتشف قليلاً وهو يتأمل جان، ثم قال بابتسامة جانبية:
“إذاً… هل أنهيت أغنيتك؟”
كان جان يلتقط قطعة بطاطا، توقف بها في منتصف الطريق إلى فمه، فكر لوهلة، ثم وضعها في فمه وأجاب دون أن ينظر إليه:
“تقريباً.”
رفع أوزان حاجبيه بخفة، مستمتعاً بالهدوء في نبرة صديقه:
“وماذا ستفعل لاحقاً؟… هل ستسجلها؟”
هزّ جان كتفيه، ثم مسح يديه بورقة منديَل، وقال بجدية :
“لا أعتقد… تسجيل أغنية يحتاج إلى الكثير من المال.”
أمال أوزان رأسه قليلاً بتفكير، ثم مدّ يده لأخذ قطعة برغر:
“لندخر بعض المال.”
ابتسم جان، وأشار بالبطاطا نحو صديقه وكأنه يمازحه:
“أوزان… تسجيل أغنية يحتاج إلى ثروة، وليس حصّالة صغيرة.”
ضحك أوزان بخفة، ثم وضع قطعة البرغر جانباً وهو يقول:
“سآخذ من أبي.”
على الفور، تغيرت ملامح جان. جلس معتدلاً وحدّق فيه بجدية:
“كلا… لا تفعل.”
رمش أوزان بدهشة، ثم انحنى قليلاً للأمام:
“لماذا؟”
خفض جان نظره للحظة، ثم قال بصوت خافت:
“فقط… لا أريد.”
أومأ أوزان ببطء، نبرة تفهّم في صوته، وعيناه تراقبان جان باهتمام:
“في أي وقت تغيّر رأيك… المال سيكون موجوداً .”
نظر جان إلى الخارج، عينيه تتابعان حركة الناس خلف زجاج النافذة، وقال بهدوء:
“لا أريد مساعدة من أحد في هذا، أوزان.”
أوزان (لمعت عيناه كأنهما تبتسمان وهو يستند إلى الكرسي):
“أفهمك.”
أزاح جان صينية الطعام قليلاً، وأسند مرفقيه إلى الطاولة، ثم نظر إلى صديقه بعينين جادتين:
“أريد أن أُثبت لنفسي أنني قادر على النهوض… دون عكازات. هذه الأغنية… خطوتي الأولى وحدي دون ان أدين لأحد .”
أوزان خفّت ابتسامته، وقال بصوت خافت وهو يتجنب نظرات صديقه للحظة:
“حتى لي؟”
جان أومأ برأسه، ثم نظر إليه مباشرة:
“خصوصاً لك.
(يتنهد) أنت تفعل الكثير بالفعل.”
ابتسم أوزان بسخرية رقيقة، وهو ينظر إلى كوبه كأنما يحاول تخفيف وقع الكلمات:
“لم أكن أعلم أن الوجود بجانبك يُعتبر كثيراً.”
نظر جان إليه نظرة ممتنة، صافية:
“أحياناً … يكفي أن تبقى. فقط تبقى.”
ساد صمت خفيف. ثم قال أوزان وهو يرفع نظره إليه مجدداً، بصوت دافئ يشبه الوعد:
“سأبقى إذاً… وسأنتظر أول حفلة تُغني فيها هذه الأغنية. حتى لو كانت في الشارع.”
ضحك جان، صوت ضحكته خافت لكنه نابع من القلب:
“حتى لو كانت في المطبخ !”
ابتسم الاثنان، ثم عادا لتناول طعامهما وسط ضوء المساء المتسلل من النافذة، كأن المدينة نفسها تنصت لحديثٍ لا يعرفه سواهما.
»»»»»»»»»»»»»»»
إسطنبول – منزل عائلة آصلان- مساء هادئ
جلست إيليف على الأريكة، وقد غمرها ضوء المصباح الخافت، تمسك كتاباً بين يديها، تقرأ في صمت، بينما عيناها تتابعان السطور… وعقلها في مكانٍ آخر.
في الجهة المقابلة من الغرفة، جلس مارت يحتضن ماهر، يطعمه زجاجة الحليب برفق.
كان الطفل الصغير مستلقياً في حضنه، رأسه الصغير مستند إلى ذراعه، وعيناه نصف مغمضتين.
صوت خافت خرج من الطفل، فابتسم مارت، وهو يهمس له بكلمات لا تُسمع.
رفعت إيليف نظرها عن الكتاب، وأخذت تراقبهما بصمت.
مشهد الأب والابن… الحنان في الحركة، السكون في اللمسة…
تمتمت في قلبها:
“ليتك كنت هنا، جان… لكان كل شيء مثالياً.”
ترقرقت دمعة في عينها، لم تخرج، لكنها قالت كل شيء.
نظر إليها مارت، التقت عيناهما، وفهم من النظرة ما لم يُنطق.
اقترب منها ببطء، وضع يده على كتفها، وقال بنبرة دافئة:
مارت:
“لِنخرج يا إيليف… دعينا نتناول العشاء في مطعم.”
نظرت إليه، وابتسمت ابتسامة خفيفة فيها امتنان خفي، ثم أومأت برأسها بصمت.
وفي أعماقها… كانت تهمس: شكراً، لأنك تفهم دون أن أتكلم.
إسطنبول – مجمّع تجاري (مول) – مساء
ازدحم المكان بالأضواء والموسيقى الخفيفة، والضحكات المتناثرة من العائلات والمتسوقين.
في إحدى الزوايا المخصصة لسلسلة مطاعم، جلس مارت وإيليف حول طاولة صغيرة، وماهر في عربة الأطفال بجانبهما، يراقب الألوان والحركة من حوله بعينين واسعتين تتأملان العالم كأنه يُكتشف لأول مرة.
إيليف (وهي تنظر إلى ماهر وتبتسم):
“يبدو سعيداً… هذا أول خروج له مساءاً، أليس كذلك؟”
مارت (وهو يفتح قائمة الطعام):
“نعم… وقد نحتاج أن نكررها إن ساعدنا بهذا الهدوء.”
أخرج ماهر صوتاً صغيراً، كأنه يعبر عن رضاه، فمالت إيليف نحوه لتعدل بطانيته، ثم رفعت نظرها إلى مارت وقالت:
إيليف:
“لا أذكر آخر مرة تناولنا فيها العشاء خارج المنزل.”
مارت (بابتسامة):
“أظنها قبل ولادة ماهر… وقبل أن تمتلئ أيّامنا بالحفاضات والرضاعات ونوبات البكاء المفاجئة.”
ضحكت إيليف بخفة، ثم صمتت للحظة، تتأمل الطاولات من حولهم. الأزواج، العائلات، الأصدقاء… والكل يبدو في عالمه.
ثم عادت بنظرها إلى مارت، وقالت بنبرة هادئة:
“شكراً لأنك أحضرتني إلى هنا.”
مارت:
“أنا من يجب أن يشكرك… تحملتِ الكثير في الفترة الأخيرة. أردت فقط أن أقول… أنا أراكِ.”
تورد خفيف ارتسم على خديها، لكنها لم ترد… فقط مدّت يدها بهدوء نحو يده على الطاولة، وضغطت عليها بلطف.
اقترب النادل وسأل بابتسامة:
“هل قررتم ما ستطلبونه؟”
مارت (بنبرة مرحة وهو ينظر إلى ماهر):
“نعم… بالنسبة له، زجاجة الحليب تكفي تماماً.”
إيليف (تضحك بخفة):
“وقد تكون أسعد وجبة في القائمة.”
ضحك الثلاثة، حتى النادل، قبل أن يبدأ بتسجيل الطلبات ويغادر …
بعدها عاد مارت ليداعب أنامل ماهر الصغيرة، بينما الطفل يغمز بعينيه، نصف مستيقظ ونصف غارق في عالمه الهادئ.
مارت:
“هل لي أن أسألك شيئًا؟… أين كنتما تخرجان، أنتِ وجان؟”
رفعت إيليف عينيها نحوه، وبدت عليها ابتسامة شاردة.
“كنا نلتقي في المنزل الجبلي غالباً … وأحياناً أخرى كان جان يأخذني إلى حفلات يحضرها أصدقاؤه.”
(تضحك قليلاً وتكمل بحماس)
“مرة تشاجرنا هناك، وتحدثتُ مع أحد
الشباب لأغاظته… لم أكن أتوقع ردّة فعله.”
مارت (مبتسماً ):
“تشاجر؟ بالتأكيد.”
إيليف (تضحك):
“نعم… ضرب الشاب، وسحبني نحو السيارة، أدخلني عنوة، وأقفل الباب، ثم أخذ عصا الهوكي التي كانت في السيارة، وركض بها باتجاه بقية الشباب وكأنه ينوي ضربهم جميعاً… تخيّل!”
مارت (منذهل):
“يا إلهي، جان…”
إيليف:
“خفت كثيراً وقتها… لكن أوزان أوقفه، سحبه وأدخله السيارة، وصرخ في وجهه لكي يغادر، وقال إنه سيتكفل بالباقي.”
لمحة حزن مرت في عيني مارت، خفيفة لكنها لم تغب عن نظر إيليف.
مارت:
“أوزان… لطالما شعرت بالغيرة من قربه من جان.”
إيليف:
“معك حق… حتى أنا كنت أتشاجر أحياناً مع جان بسبب الوقت الذي يمضيه مع أوزان.”
ساد بينهما صمت خفيف، ثم التقت أعينهما، وابتسمت إيليف كأنها تقول: كل ما مضى… لم يعد كما هو
بعد أن أنتهيا من طعامها بقيا يتجولان في المركز التجاري
مارت يدفع عربة الطفل بخطوات هادئة، وإيليف تسير إلى جانبه. أضواء المركز تنعكس على الأرضية اللامعة، وأصوات المتسوقين تختلط بالموسيقى الهادئة المنبعثة من مكبرات الصوت.
فجأة، بدأ ماهر بالبكاء. توقف مارت، وانحنى ليرفعه من العربة، ثم حمله بين ذراعيه بحنان، وربت على ظهره محاولاً تهدئته.
إيليف اقتربت أكثر، تلمس خد الطفل بلطف وتهمس:
“ربما يشعر بالجوع… أو فقط يرغب في القرب.”
ابتسم مارت ابتسامة صغيرة وهو ينظر إلى الرضيع:
“أظنه يُدللنا… يعرف أننا لا نستطيع مقاومته.”
في الجهة المقابلة، كانت فتاتان تجلسان عند أحد المقاهي المطلة على الممر، تراقبان المشهد بدهشة.
الفتاة الأولى، وهي تهمس بدهشة:
“أليس هذا مارت؟… ومعه فتاة!”
الثانية عقدت حاجبيها وقالت باستغراب:
“ضننته على علاقة بشاغلا… من تكون هذه؟”
في تلك اللحظة، خرجت شاغلا من أحد المحلات القريبة، تمسك بكيس صغير بيدها وتقول بلهجة ضجرة:
“لم أجد ما يعجبني… لننتقل إلى متجر آخر.”
لكن كلامها انقطع حين لمحَت صديقتيها تنظران إلى شيء خلفها. استدارت بنظرة فضول، ثم تجمدت خطواتها.
على بُعد خطوات، كان مارت يحمل الطفل ويضحك برقة، فيما كانت إيليف تمسك بيد الصغير وتشاركه الابتسامة.
شحب وجه شاغلا للحظة، ثم استقامت في وقفتها وتقدّمت نحوهما. حين اقتربت، ابتسمت ابتسامة خفيفة وقالت:
“مرحباً مارت.”
تفاجأ مارت قليلاً، وانعكس ذلك على ملامحه لوهلة، لكنه تدارك الأمر سريعاً وردّ بتحفظ:
“مرحباً، شاغلا.”
ثم التفت إلى إيليف، وأردف بصوت منخفض:
“هذه شاغلا… صديقة قديمة من الجامعة.”
ابتسمت إيليف بلطف، وقالت بأدب:
“تشرفت بمعرفتك.”
ردّت شاغلا بذات اللباقة:
“أهلاً بكِ.”
ثم وجهت نظراتها إلى مارت، وقالت بنبرة لم تخلُ من تلميح:
“أخيراً… رأيت زوجتك وطفلك.”
شدّ مارت يده على عربة الطفل، يحاول أن يُبقي صوته ثابتاً :
“شاغلا… سررت بلقائك، لكن علينا الذهاب الآن.”
ثم أومأ برأسه مغادراً مع إيليف، دون أن يمنحها فرصة لقول المزيد.
وضع مارت عربة الطفل في السيارة وركبا السيارة بهدوء
ساد صمت ثقيل داخل السيارة، بقيت إيليف تراقب مارت من طرف عينها، لكنها لم تنطق بكلمة. أما مارت يضغط على المقود بيده اليمنى، بينما الأخرى أمسكت الهاتف.
فتح نافذة الرسائل، وكتب بسرعة:
> “شاغلا… من الأفضل أن تعودي إلى شقتك … الآن.”
تردد لثانية، ثم ضغط زر الإرسال دون أن يتراجع.
تنهد بعمق، كأن ما فعله للتو أثقل صدره أكثر، ثم عاد يركز على الطريق.
عندما وصلا الى المنزل ركن مارت السيارة بهدوء، ثم ترجل منها ليفتح الباب لإيليف. حمل عنها حقيبتها، ودخلا معاً إلى المنزل بصمت.
فتح الباب، وانتظر حتى دخلت وهي تحمل ماهر بين ذراعيها، ثم دخل خلفها ووضع الأغراض قرب المدخل. وقف للحظة يتأمل المكان وكأنه يفرّغ عينيه، ثم قال بصوت منخفض:
” إيليف.”
التفتت إليه إيليف ببطء، دون أن تنطق.
اكمل مارت كلامه:
“سأذهب، لدي عمل.”
أومأت برأسها وهمست:
” نحن سننام.”
أشار برأسه إيماءة سريعة، ثم استدار وغادر، مغلقاً الباب خلفه بهدوء.
»»»»»»»»»»»»»»»
اسطنبول – شقة شاغلا – بعد منتصف الليل
وقف مارت أمام الباب. طرق بخفة.
مرّت لحظات، ثم فُتح الباب ببطء.
شاغلا ظهرت في العتمة، تحدّق فيه بنظرة صلبة، لا ترحيب فيها ولا نفور… فقط صمت ثقيل.
دخل مارت دون أن ينبس بكلمة.
اتجه إلى الكنبة وجلس بتعب ظاهر، كأن قلبه سبق جسده بثوانٍ.
” تعبت من انتظارك… ومن مطاردة الأشباح التي تركتها خلفك.”
(يصمت مارت، كأن الكلمات ثقيلة جداً على صدره، ثم ينهض ببطء، ويده ترتعش قليلاً)
مارت (بصوت خافت، ممزوج باليأس والندم):
” هل فات الأوان؟”
شاغلا (تتنهد بعمق، تغمض عينيها للحظة كما لو كانت تحاول حبس الألم داخلها، ثم تفتحها ببطء، تحمل نظرة تتأرجح بين الأمل والحذر):
” لا أعلم…
قلبي لم يغلق الباب، لكنه لم يعد يقف عنده منتظراً .”
يخيم صمت طويل على المكان، صوت تنفسهما يصبح واضحاً، وضوء المصباح يعكس بريقاً خافتاً على شظايا المزهرية المتناثرة، كأن كل قطعة تمثل جزءاً من العلاقة المحطمة)
مارت (يخفض رأسه ويضغط شفتيه، ثم يهمس بتردد وبصوت مرتعش):
” إذاً… ماذا أفعل؟”
( شاغلا تنظر إليه مباشرة، عينيها تتوهجان بلهفة محتملة، لكنها تحبس جوابها للحظة، ثم تقول بصوت ناعم ولكنه ثابت):
” ابدأ بتنظيف الزجاج، مارت…
هذه أول مرة تحطم شيئاً أمامي. دعنا لا نتركه ينزف أكثر.”
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 36"