“أحياناً، لا نبحث عن النهاية… بل عن غفوة طويلة، تهدأ فيها العواصف.”
نيويورك – المستشفى – صباح اليوم التالي
ضوء الصباح الباهت يتسلل من بين الستائر نصف المغلقة، يرسم خطوطاً هادئة على أرضية الغرفة الصامتة.
في الزاوية، جلس أوزان على كرسي معدني بجوار السرير، ذراعيه مشدودتان إلى صدره، وجهه شاحب وعيناه غائرتان… وكأنّه لم يغمض جفنه طوال الليل.
كل تركيزه كان منصباً على جان، المستلقي بهدوء على السرير الأبيض.
ملامحه ساكنة… أكثر مما يجب.
دخل الطبيب بخطوات محسوبة، تصفّح التقارير بسرعة ثم توجّه نحو أوزان.
الطبيب (بنبرة هادئة):
“قمنا بغسيل معدة فور وصوله… لحسن الحظ وصلت في الوقت المناسب. لا توجد مؤشرات على تلف دائم، لكنه بحاجة لبعض الراحة والمراقبة لعدة ساعات.”
رفع أوزان رأسه، وعيناه لا تزالان على جان، قبل أن يهمس بصوت مبحوح:
“هل سيفيق؟”
الطبيب:
“نعم… لكن ربما يكون مشوّشاً قليلاً في البداية. وجود وجه مألوف سيكون مهمًا حين يستيقظ.”
أومأ أوزان بصمت، دون أن يحوّل نظره عن جان.
—
مرّت دقائق… وربما أكثر.
ثم تحرّك شيء.
أصابع جان ارتجفت، جفناه ارتعشا، ثم فتحت عيناه ببطء.
تقاطع نظره مع أوزان.
لم ينبس أيٌّ منهما بكلمة.
تبادل الصمت فقط – صمت مشحون، كثيف، يختصر كل ما عجزا عن قوله.
ظلّا هكذا، حتى دخل الطبيب مجدداً .
اقترب من السرير، ألقى نظرة سريعة، ثم فكّ السيروم بلطف عن ذراع جان.
الطبيب (بابتسامة مهنية):
“بإمكانك الخروج خلال ساعة… لكن حاول أن ترتاح قدر الإمكان،.”
أومأ جان دون أن يتكلم، وأدار وجهه نحو النافذة.
أما أوزان… فظل يحدّق به، وكأنّه لا يزال غير مصدّق أنه استعاد أنفاسه.
نيويورك – مانهاتن – الشقة – مساء نفس اليوم
هدوء غريب يخيم على المكان.
الأنوار خافتة، والهواء ثقيل… كأنّ الجدران نفسها تحبس أنفاسها.
فتح أوزان الباب بهدوء.
دخل أولاً، وخلفه جان، يمشي بخطوات بطيئة، وجهه شاحب، كأن المشفى لم يُفرغ السمّ من جسده بالكامل.
لم يتبادلا أي كلمة منذ أن غادرا هناك.
توجّه أوزان بصمت نحو غرفة جان، فتح الباب، ثم التفت نحوه.
عاد إليه ليسنده دون أن يقول شيئاً ، كأنّ الصمت صار وسيلته الوحيدة للحديث.
دخلا الغرفة.
جلس جان على طرف السرير، رأسه منخفض، يخلع حذاءه ببُطء شديد.
أوزان انحنى، سحب الغطاء من طرف السرير، ثم عاد ووقف بجانبه.
جان تمدد ببطء، ووجهه نحو السقف، كأنّه لا يريد أن يرى شيئاً بعد الآن.
اقترب أوزان، عدّل الغطاء عليه بصمت.
لم ينبس بكلمة.
ولم ينظر جان في عينيه.
لحظة ثقيلة… مشبعة بكل شيء لم يُقال.
ثم… تحركت يد جان ببطء، أمسك بذراع أوزان.
صوته خرج خافتاً ، بالكاد يُسمع:
جان (بهمس):
“ما كنت أريد الموت… فقط كنت أريد أن أنام… فترة طويلة .”
(ثم يتمتم)
“لديهما طفل، أوزان.”
لم يردّ أوزان مباشرة.
انحنى قليلاً، همس:
“ارتح الآن.”
ثم وقف، وانسحب بهدوء نحو الباب.
خرج من الغرفة، وأغلق الباب خلفه بلطف… دون صوت.
»»»»»›»»»»»»»
نيويورك – الشقة – صباح اليوم التالي
كانت أشعة الشمس تنسلّ برفق من خلف الستائر، ترسم خيوطها على أرضية الغرفة الهادئة.
في المطبخ، وقف أوزان وهو يغلق أزرار قميصه بصمت، وجهه بدا مرهقاً ، لكن ملامحه أكثر اتزاناً من الأمس.
في الجهة الأخرى، جلس جان على الأريكة، جسده بدا مستقراً، وعيناه أقل إرهاقاً… غير أنّ الصمت لا يزال يخيّم عليه، وكأنّه يبحث عن ذاته بين الأنقاض.
اقترب أوزان، وقف أمامه لبرهة، ثم قال بصوت خافت:
“جان… سأضطر إلى الذهاب اليوم، لقد تغيّبت عن العمل ليومين، ولا يمكنني الغياب أكثر من ذلك.”
رفع جان رأسه ببطء، نظر إليه نظرة خاوية من التعبير.
جان (بصوت منخفض):
“اذهب.”
تردد أوزان قليلاً، وكأنه يخشى تركه وحيداً بعد ما جرى.
أوزان:
“إن احتجت إلى شيء… اتصل بي، أو أرسل لي رسالة فارغة فقط. سأُبقي هاتفي قريباً مني طوال الوقت.”
اكتفى جان بإيماءة خفيفة، دون أن ينبس ببنت شفة.
»»»»»»»»»»»»
مانهاتن – مطبخ المطعم- بعد قليل
دخل أوزان المطبخ بخطوات ثقيلة، بدا عليه التعب وعبء الأفكار يثقل كاهله.
التقى نظره بعيني الشيف دانييل الذي تقدم نحوه بسرعة.
الشيف دانييل (بقلق):
“أوزان… أين اختفيت؟! اتصلت بك كثيراً ولم ترد على اتصالاتي.”
تنهد أوزان بهدوء، وأجاب بصوت منخفض:
“أعتذر، حدثت بعض الأمور…”
أومأ دانييل بتفهم، لكنه ظل يراقبه بحذر .
تقدم أوزان نحو جانب المطبخ الآخر، وقف أمام طاولة التحضير، يحاول التماسك، وجهه شاحب ويده ترتجف قليلاً.
رفع دانييل رأسه ونظر إلى أوزان، ثم قال:
“أوزان، حضّر طلب الزبون رقم خمسة.”
لكن أوزان لم يجب، ظل واقفاً كما لو أن شيئاً أصابه.
اقترب دانييل من أوزان ينضر له بريبة ، ووضع يده على كتفه برفق، وسأله بخوف :
“أوزان، هل تسمعني؟ هل أنت بخير؟”
لم يجب أوزان، وسقط فجأة على الأرض.
أسنده دانييل مسرعاً، ممسكاً به بأرتباك
.
نادى بأعلى صوته:
“جيمس! أحضر كرسياً بسرعة!”
احضر جيمس الكرسي بسرعة
أجلسه دانيال على الكرسي وقال:
“أوزان؟”
تمتم أوزان، يمسك مقدمة رأسه:
“أنا بخير… فقط شعرت بدوار.”
عاد جيمس بسرعة يحمل كوب العصير بيديه يقدمه لأوزان ، لكنه هز رأسه رافضاً.
الشيف دانييل:
“ما بك، أوزان؟”
غطى أوزان وجهه بكفيه وقال بصوت محبط متقطع :
“أنا تعبت… لا أعرف ماذا أفعل… لقد عاد إلى نقطة الصفر… أشعر أنني لا أستطيع حمايته… أنه يضيع من بين يدي.”
وضع يديه على رأسه، وهو منحني.
تبادل دانييل نظرات مع جيمس.
أضاف أوزان بصوت محطم:
“الطبيب قال إن الانتكاسات طبيعية بين الحين والآخر… حتى لو شُفي، يمكن أن يعود للصفر بسبب موقف ما… كيف أطمئن عليه وأتركه وحده؟”
أمسك الشيف دانييل بكتف أوزان محاولاً مواساته.
أوزان (بصوت متحطم):
“ماذا أفعل؟”
سمع صوت جان من الباب الخلفي للمطبخ، يقول بهدوء:
“أتركني وحسب … فقط استسلم.”
رفع أوزان رأسه إليه متفاجئاً، ثم قال وهو يرمقه بحدّة :
“اصمت.”
جان (ببرود ساخر، لكن صوته فيه ألم دفين):
“لا فائدة… أنت تؤجل النهاية فحسب.”
، نظر إليه أوزان مطولاً، وعيناه حمراوان.
وقف، حاول أن يتماسك، ردّ بصوت هادئ… لكن فيه نبرة صارمة:
أوزان:
“انتظرني بالخارج.”
جان لم يتحرك، ظلّ واقفاً، كأنّه يتحداه بالصمت.
تقدم أوزان خطوة نحو الأمام، وثبّت نظره عليه مباشرة، ثم قال بصوت حازم وواضح، مشدداً على كلماته:
“قلت لك… انتظرني بالخارج.”
لحظة توتر… جان يُشعلها بصمته، وأوزان يحبس بداخله عاصفة.
أخيراً، استدار جان وخرج، يجرّ خطواته خارج الباب الخلفي.
أوزان بقي واقفاً وحده، يضغط على صدغيه بيديه، يغمض عينيه، وكأنه يقاتل الرغبة في الصراخ.
دانييل (من الخلف، بصوت منخفض):
“هو لا يكرهك، أوزان… هو فقط غارق أكثر مما تظن.”
يأخذ أوزان نفساً ثم يزفره وكأنه يستعد لمواجهة جيش كامل
»»»»»»»»»»»
الباب الخلفي للمطبخ يُفتح بصوت خفيف.
خرج أوزان، وأغلق الباب خلفه ببطء. الهواء الخارجي بارد قليلاً، ورائحة القهوة المختلطة بالدخان تطفو في الأرجاء.
وقف جان عند الحائط، يداه في جيبيه، رأسه مائل الى الخلف، ينضر للسماء الرمادية .
اقترب أوزان خطوة، ثم أخرى… حتى وقف أمامه تماماً.
أوزان (بصوت منخفض، لكنه ثابت):
“هل هذا ما تريده؟ أن تدفعني بعيداً؟ أن تدمّر كل شيء حولك حتى لا يبقى أحد يحبك؟”
جان لم يرد.
أوزان (يتابع، نبرته تشتد):
“قلتها، أليس كذلك؟ لا فائدة. لكنك على الأقل ما زلت واقفاً… تتنفس… يعني أن هناك شيء بداخلك ما زال يقاوم.”
جان (بهدوء مكسور):
“أتنفس… لأنك لم تتركني لأموت.”
أوزان (بحنق):
“نعم. ولم أندم.”
جان (ينظر إليه أخيراً):
“لماذا؟ لماذا لا تتركني؟ لماذا تصرّ على انتشالي من الغرق بينما أنا أختار الغرق كل يوم؟”
أوزان (يقترب خطوة):
“لأني لا أستطيع… لا أستطيع أن أراك تختفي أمامي، جان.”
سكت جان لثوانٍ، أدار وجهه ينضر جانباً ثم قال بمرارة:
“كل هذا… لن يغير الحقيقة. لقد اخترت الموت. ولو لم تصل في الوقت المناسب… لكنت الآن تحت الأرض.”
أوزان يمسك بذراع جان (بصوت يرتجف):
“لكنني وصلت. وأنا هنا. وسأبقى… حتى لو كرهتني.”
جان (يضحك بسخرية باهتة):
“ربما أكرهك… لأنك تذكرني بأنني فشلت حتى في الموت.”
أوزان يشد على ذراعه (بهدوء):
“وأنا سأذكّرك… بأنك لم تنتهِ بعد.”
لحظة صمت… ثم تنفجر الكلمات.
جان يبعد يد أوزان عن ذراعه (بعصبية):
“…ماذا لدي لأعيش لأجله؟”
أوزان (بثبات):
” عش… لنفسك فقط ….جرب أن تختارها ولو لمرة .”
جان يحدّق في عيني أوزان، يقول كل كلمة وكأنها تنتزع من أعماق روحه شدّ على كلماته، :
“أنا… أكره… نفسي.”
أوزان يعقد حاجبيه بأصرار :
“إذاً، تعلّم كيف تحبها.”
جان (احمرّ وجهه وارتجفت شفتاه ،تفجّرت أعصابه كقنبلة):
“يكفي، أوزان! فقط… فقط ارمِني في أية مصحّة، وأخبر جدي بمكاني… وعُد لحياتك… لجامعتك.”
أوزان (يقترب بقهر دفين يدفع جان للخلف بكلتا يديه ):
“هل جننت؟ تريدني أن أرميك للنار بيدي؟ لجَدّك؟ ليعذّبك أكثر مما فعل؟!”
جان (عينيه اشتعلتا شرراً) :
“على الأقل… سيسمح لي بالموت.”
أوزان (يصرخ وقد احتقن وجهه ):
“جان! لا تفكّر بالموت! فكّر… فكّر كيف ستعيش حياتك!”
جان يشير لأوزان بيده صوته خرج كزئير :
“أعطني سبباً واحداً … سبباً واحداً فقط لأعيش لأجله!”
أوزان (بصوت حاسم):
“عِش… لتحقّق حلمك.”
يسود الصمت فجأة.
انفجرت الصدمة في عيني جان كوميض برق، يهمس، صوته بالكاد يُسمع:
جان (بصوت متسائل):
“أوزان… ألا تزال تذكر؟”
أوزان (بجدية وهدوء):
“نعم. أذكر.”
اقترب خطوة أخيرة، نبرة صوته دافئة لكنها قوية واضعا يده على كتف جان :
“عبّر عن نفسك يا جان… أكتب كلماتك، أعزفها، وغنِّها.
ربما ترتاح… ربما تشفى…
وأنا؟ سأبقى بجانبك… إلى أن تنجح.”
جان ينظر إليه، ولمعة خافتة بدأت تتشكل في عينيه…
لأول مرة منذ زمن، بدا وكأنّ هناك احتمالاً صغيراً … أن ينجو.
»»»»»»»»»»»»»»»»»»»
اسطنبول – منزل عائلة آصلان – مكتب الجد – مساءاً
كانت عقارب الساعة تقترب من العاشرة ليلاً . الجو ساكن، والستائر الثقيلة تحجب ضوء القمر، فيما تملأ رائحة الخشب المحترق من المدفأة المكان.
جلس الجد خلف مكتبه، يحدّق في نقطة ما في الفراغ. أمامه وقف الحارس الشخصي، ملامحه متوترة.
الحارس (بنبرة حذرة):
“بحثنا في كل مكان، سيدي… راجعنا الكاميرات القريبة من الحي، محطات الحافلات، وحتى الفنادق الرخيصة… لم نجد له أثراً .”
رفع الجد عينيه ببطء، تثبّت نظره في الحارس:
الجد:
“ولا حتى خيط صغير؟”
الحارس:
“الشخص الذي ظهر في حديقة القصر… كان هو، نعم. لكن لم يبقَ سوى لحظات، ثم اختفى. ولم يُرَ منذ ذلك اليوم.”
ظل الجد صامتاً لثوانٍ… ثم تمتم بنبرة باردة، لكنها حاسمة:
الجد:
“استمروا بالبحث. أقلبوا المدينة رأساً على عقب إن لزم الأمر. لا تتوقفوا حتى تجدوه.”
الحارس (ينحني برأسه):
“مفهوم، سيدي.”
حين خرج الحارس وأُغلق الباب خلفه، بقي الجد جالساً في مكانه، يداه متشابكتان على المكتب، وعيناه شاردتان في وهج المدفأة.
الجد (يفكر داخلياً):
“جان… لقد كنت هنا. دقائق فقط، ثم اختفيت مجدداً .
حيّ… لكن هارب، كالعادة.”
“لا يمكنني أن أخبر مارت… ليس الآن.
إن أخبرته أن جان حيّ، لن يصدقني.
سيظنني أعبث به، ألعب بمشاعره… كما فعلت سابقاً .”
يتنهّد ببطء، كأنّ ثقلاً كبيراًةجاثم على صدره.
“يجب أن أجده بنفسي… وأواجهه.
ثم، فقط حينها… سأقرر إن كنت سأعيده أم لا.”
تلاشى صوت تفكيره في هدير النار، وعاد السكون ليملأ المكتب… إلا من نظرات رجل يعرف أن الزمن بدأ ينفد.
في هذه الاثناء كل من إيليف ومارت في غرفة المعيشة
جلست إيليف على الأريكة، تنظر إلى مارت الذي كان يقف عند النافذة، شارد الذهن، لا يتحرك. صوت الساعة على الحائط كان يتردد ببطء، وكأن الزمن نفسه قد ثقل عليهما.
قالت إيليف بصوت هادئ، لكنه حازم:
“مارت… لا يمكنك الاستمرار هكذا. يجب أن تعود إلى جامعتك.”
لم يرد في البداية، اكتفى بإغلاق عينيه للحظة، وكأنها تمسّ وتراً حساساً داخله.
تابعت، تحاول أن تخفف وقع كلماتها:
“أعرف أن قلبك ليس هناك الآن، ولكن لا يمكنك أن تجمد حياتك بالكامل. جان… لو كان هنا، لقال لك الشيء نفسه.”
استدار إليها ببطء، عينيه مليئتان بالتعب، لكنه لم يقاطعها.
قالت، تقترب منه:
“لقد فعلت كل ما في وسعك… ، بحثت، انتظرت، وتألّمت. ولكنك إن ضيّعت مستقبلك أيضاً، فماذا سنجني سوى المزيد من الندم؟”
“أنا وأنت في المركب ذاته …حان دوري لأسندك . الجامعة لا تعني الرحيل، بل الاستمرار. أنت بحاجة لأن تتنفس من جديد، لا أن تموت واقفاً هنا.”
ظلّ صامتاً للحظة، ثم أومأ برأسه ببطء، دون أن يقول كلمة. لكن في عينيه، كان هناك شيء يتغير… وكأنه بدأ يستوعب أن العودة ليست خيانة، بل شفاء.
»»»»»»»»»»»»»»»»»»»
نيويورك – مانهاتن المطبخ في المطعم – صباح اليوم التالي
صوت المقالي يرتفع في المكان، وروائح الطعام تعبق في الأجواء. العمال يتحركون بنشاط بين الطاولات والمواقد، وأوزان واقف يُشرف على تحضير الطلبات، يوزّع التوجيهات بعينين يقظتين.
يدفع أحدهم باب المطبخ بهدوء.
يدخل جان بخطوات ساكنة، لا يوجه التحية لأحد. يتجه مباشرة نحو حوض الغسيل، يرتدي قفازين ويبدأ بغسل الصحون بصمت.
ينتبه أوزان إليه، يتقدّم نحوه، يمسح يديه من الطحين.
أوزان (بصوت منخفض):
“ظننتك… ستترك العمل.”
جان (يواصل غسل الصحون، يتمتم):
“يجب أن أشاركك المصاريف.”
يتنهد أوزان، ثم يقف بجانبه، يُخفض صوته أكثر:
أوزان:
“لا تفكّر بهذه الطريقة يا جان…
أنسيت أنّك دفعت تكاليف جامعتي كاملة، كي لا يعلم أبي أنّني لم أحصل على المنحة؟”
جان (بصوت خافت، يشدّ على قطعة الصحون بين يديه):
“الجامعة التي… تركتها من أجلي.”
يصمت أوزان لحظة، قبل أن يضع يده على كتف جان، بلطف:
أوزان:
“سأعود إليها…
حين أصل بك إلى برّ الأمان.”
في تلك اللحظة، يدخل الشيف دانييل، يلاحظ التوتر، لكنه لا يتدخّل. يكتفي بالنظر إليهما بصمت، ثم يلتفت نحو باقي العمال:
دانييل (بصوت مرتفع وهو يصفّق):
“هيا، لدينا زبائن ينتظرون! الحركة! الحركة!”
يهزّ أوزان رأسه لجان بابتسامة صغيرة، ويعود إلى عمله.
يبقى جان عند الحوض، يغسل الصحون، لكن ملامحه بدأت تلين… وكأنّ دفء الكلمات قد لامس شيئاً من روحه المتعبة
»»»»»»»»»»»»»»»»
أسطنبول -جامعة بوغازيتشي- باحة واشبورن هال – وقت الظهيرة
عاد مارت إلى الحرم الجامعي بعد انقطاع طويل . خطواته بطيئة، ولكن ثابتة. في يده دفاتره، وعلى وجهه ملامح تعبٍ خفيف، لا علاقة له بالسهر بل بشيء أعمق… شيء اسمه غياب.
دخل باحة القسم، نظراته تنزلق تلقائياً نحو تلك المسطبة الخشبية تحت شجرة الجوز الكبيرة… المكان ذاته الذي اعتاد أن يراه فيه، كل يوم، دون أن يكل أو يمل.
توقف مارت في منتصف الطريق، حدّق قليلاً نحو المقعد. خالٍ.
مرّت نسمة خفيفة، حركت أطراف الشجرة، فتساقطت ورقة صغيرة، واستقرت فوق الخشب البارد.
همس في داخله:
“كان يجلس هنا… لا يكلّمني، لا يقترب… فقط يراقب. كل هذا الوقت، ولم أفهم.”
تابع سيره ببطء، يقترب من المسطبة، وضع يده على الخشب، كأنه يلمس بقايا حضوره.
ثم جلس، في نفس الموضع تقريباً، كأنّه يعيد تمثيل مشهداً مضى.
أخرج من حقيبته كتاباً، فتحه، لكنه لم يقرأ… عيناه كانتا معلقتين بذاكرة ذاك الوجه الصامت، الحزين، المليء بأشياء لم تُقال.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 34"