جلس الجد في كرسيه متعباً، ويده ترتجف قليلاً وهو ينظر إلى التقويم على الحائط.
الجد (بقلق):
“اقتربت الذكرى السنوية لوفاة والدي مارت… أنا قلِق عليه.”
تقدم ساردار بخطوات هادئة، وجلس مقابله.
ساردار:
“أتمنى أن يمضي هذا اليوم على خير.”
الجد (متردداً):
“هل تعتقد أنه سيحضر معنا؟”
ساردار (بحذر):
“لقد أصبح شبيهاً بتصرفات جان سابقاً … لذلك ربما، مثل جان، لن يحضر ولن يزور قبرهما.”
ارتبك الجد، وحاول تفادي نظرات ساردار.
الجد (بصوت متهدج):
“الحقيقة يا ساردار… جان كان يريد زيارة القبر… لكنني حرّمته من ذلك.”
صمتت الكلمات لبرهة، ثم فُتحت باب الغرفة بهدوء، فدخل مارت بصوت هادئ لكن حازم.
مارت:
“حرّمتَه حتى من هذا… كما تحرمني الآن من قبره.”
اتسعت عينا الجد بدهشة وارتباك.
الجد (متحسراً):
“مارت… أنا…”
قاطعه مارت وهو يحدق بعيداً.
مارت:
“لن أحضر.”
ثم غادر الغرفة بخطوات بطيئة، تاركاً خلفه صمتاً ثقيلاً.
نظر ساردار إلى جده وهمس بحزن:
“جدي… لماذا تكره جان إلى هذا الحد؟”
تنهد الجد بمرارة.
الجد:
“كان السبب في حادث السيارة… في موت والديّه. لقد قطع أسلاك السيارة ليمنعهما من السفر.”
ابتلعت الكلمات دهشة ساردار، لكنه قال بحزن:
“لكنه كان مجرد طفل…”
وقف ثم غادر مكتب جده، وخلفه شعور عميق بالخذلان.
خرج ساردار بسرعة من مكتب جده، وركض نحو مارت الذي كان يتجه نحو باب المنزل الداخلي.
ساردار (بقلق وندم، صوته يرتجف قليلاً ):
“مارت، انتظر! أريد أن أشرح لك شيئاً…”
توقف مارت، ونظر إليه بلا مبالاة، لكن عينيه تحملان ثقلاً لا يُخفى، ولم يحاول الهروب.
ساردار (بصوت مكسور، يمرر يده على جبهته بتوتر):
“أنا آسف حقاً… لم أكن أعلم الحقيقة، لم أكن أعلم أن جدي كان ينتقم من جان… ولم أكن أعلم أن جان تسبب في الحادث.”
ابتسم مارت ابتسامة حزينة، أهدأ بها روعه للحظة، ثم نظر إليه بعمق كمن يغوص في ذكريات مؤلمة.
مارت (بصوت هادئ لكنه مثقل بالألم):
“أعرف يا ساردار…
كنا نظن معاً أن جان كان يدفعني بعيداً ليحمي نفسه…
لكن الحقيقة أنه كان يخطط للموت منذ البداية…
كان يحاول حمايتي… حمايتي من الحزن الذي كان سيخلفه رحيله.”
شعر ساردار بثقل الكلمات، اقترب بخطوات ثابتةواضعاً يده على ذراع مارت، عيونه لم تفارقه.
ساردار (بحزم وصدق):
“علينا أن نجد جان، مهما كلفنا الأمر.”
مارت هز رأسه ببطء، ودمعة واحدة انزلقت بهدوء من بين جفنيه، مسحها بيد مرتعشة قبل أن يتكلم بصوت متهدج كلماته متقاطعة:
“لقد مات… ظن أنني أريد أن أنتقم منه، مثل جدي.
أخذت منه حبيبته… إيليف.
وجدي أرسل له فيديو عقد القران… ويعرف مكان قبره…
لكنه يرفض أن يدلني عليه.”
وقف ساردار مذهولاً، رفع يديه وكأنهما يبحثان عن توازن داخلي، ثم قال بصوت مكسور لكن مصمم:
“مارت… لا أفهم أي شيء منك الآن… يجب أن نتكلم بهدوء… يجب أن تشرح لي كل شيء.”
وقفا سوياً وسط الغرفة التي امتلأت بصمت ثقيل، ولكن تلك الكلمات كانت بداية لسيرورة تغير كل شيء.
»»»»»»»»»»»
إسطنبول – مقهى هادئ – مساءاً
جلسا ساردار ومارت على طاولة قرب النافذة، أضواء الشارع تتسلل إلى الداخل بهدوء.
مارت أنهى حديثه، وصمت للحظة بعد أن شرح كل شيء.
ساردار، وهو يحاول استيعاب كل ما قاله، يجلس ساكناً، تنظر عيناه إلى الكأس أمامه بلا تركيز.
ثم همس بصوت خافت، كما لو كان يعيد التأكد من نفسه:
“يعني… الآن… الطفل… لجان؟”
مارت (بنبرة حازمة ولكن فيها صدق):
“نعم… لكن، ساردار، أنا وثقت بك… لا يجب أن يعلم أحد، حتى إيليف تعتقد أنني ما زلت أبحث عن جان. لا أحد يعرف أنه مات.”
نظر ساردار إليه بجدية:
“يجب أن تخبر إيليف.”
مارت ( هز رأسه نافياً ):
“مستحيل… لن تحتمل ذلك.”
ساردار يقترب منه واضعا يديده على الطاولة (بهدوء حازم):
“مارت… أنت لن تحتمل كل هذا… ستنهار.”
مارت ( يشد قبضته على فنجان الشاي محاولاً التماسك):
“أنا بخير… جان تحمل كثيراً لسنوات… وأنا أيضاً سأفعل من أجله.”
ساردار ينظر إلى مارت بعينين تحملان مزيجاً من القلق والتعاطف، ثم وضع يده على كتف صديقه.
ساردار (بصوت خافت):
“لا تحمل وحدك كل شيء، أنا معك.”
ابتسم مارت ابتسامة متعبة لكنه حقيقية، وأومأ برأسه.
خارج المقهى، تراقصت أضواء المدينة بهدوء، وكأنها تهمس بأن لكل ألم نهاية، ولكل بداية أمل جديد.
»»»»»»»»»»»»»
نيويورك – نادي الملاكمة المحلي – مساءاً
الهواء داخل الصالة كان دافئاً ومختلطاً برائحة العرق والمطاط.
صوت اللكمات يتردد في الفراغ، وكل شيء ينبض بإيقاع جسدي متوتر.
كان أوزان يتدرّب، يضرب الكيس بإيقاع منتظم، عندما سمع صوت الباب يفتح.
دخل جان بخطوات هادئة، حاملاً حقيبته الصغيرة، وعلى وجهه علامات إرهاق خفي.
جان (بهدوء):
“مرحباً .”
توقف أوزان عن الضرب، والتفت إليه، يمسح عرق جبينه بساعده، وعيناه لا تخفيان قلقاً حقيقياً .
أوزان:
“أهلاً…
أين كنت؟ لم أجدك في المنزل… ولا هنا.”
جان (بنبرة هادئة وهو يضع الحقيبة جانباً ):
“كنت أبحث عن عمل.”
في داخل أوزان، شيء ارتاح.
وأخيراً … اعترف.
لكنه لم يُظهر ذلك. فقط اقترب منه بخطوات بطيئة.
أوزان (بصوت خفيف):
“وهل وجدت شيئاً؟”
جان (ينظر إليه دون تردد):
“لا…
لكن ربما أجد غداً.”
لحظة صمت قصيرة تمر بينهما… ثم أشار أوزان برأسه نحو الكيس:
أوزان:
“هل تريد أن تبدأ باللكم… أم تحكي لي عن يومك أولاً؟”
ابتسم جان بخفة، نظرة عابرة نحو الكيس ثم إلى أوزان:
جان:
“سأضرب أولاً… الحديث يمكنه الانتظار.”
ابتعد نحو الحلبة، يلفّ معصميه كمن يستعد لمواجهة شيء أقدم من التعب…
بينما أوزان عاد إلى مقعده، يراقب صديقه دون أن يتدخل.
صمت…
ثم صوت اللكمات من جديد.
لكن هذه المرة، كانت أكثر اتزاناً… وكأن شيئاً بداخله بدأ يجد طريقه للخروج.
»»»»»»»»»»
نيويورك – مانهاتن – المطعم – وقت الذروة – بعد بضعة أيام
كان صوت المقالي يغلي في الخلفية، والطلبات تتلاحق بلا توقف، والمطبخ يعج بالصخب المعتاد.
أوزان يتحرك بخفة بين الطاولات، لكن عينيه لا تتابع التفاصيل كالمعتاد… ذهنه عالق في مكان آخر.
(أوزان – في نفسه):
جان بدأ يخرج ويبحث عن عمل، هذا جيد…
لكن هدوءه مقلق.
ذلك النوع من الصمت… الذي يسبق السقوط.
سلّم طلباً للطاهي، ورفع نظره عفوياً نحو الباب… فتجمّد عند رؤيته لجان يدخل.
يرتدي معطفاً خفيفاً، وشعره مبلل قليلاً من البرد.
عينيه مطفأتان رغم محاولته للابتسام…
ذلك الهدوء مجدداً .
الذي لا يُطمئن.
اقترب وسط ضجيج المطبخ، كأن لا شيء حوله يعنيه.
أوزان (بدهشة خفيفة):
“جان؟ لم تظهر هنا منذ أيام.”
جان (بابتسامة خافتة):
“ضجِرت… فقلت لأمرّ قليلاً.”
ابتسم له أوزان مجاملة، لكن عينيه كانت تمسح ملامحه بدقة.
شيء ما لا يبدو على ما يرام…
(أوزان – في نفسه):
هذا هو… ذلك الهدوء نفسه.
جلس جان على كرسي قبالة أوزان الذي كان مستمراً بعمله ، يراقبه بصمت.
مرّت دقائق من الصخب، قبل أن ينطق فجأة:
جان (بصوت هادئ):
“سنة أخرى… ولا أزال أجهل مكان قبرهما.”
رفع أوزان بصره فوراً نحو التقويم المعلّق على الحائط.
همس في داخله:
(أوزان – في نفسه):
اليوم ذكرى وفاة والديه… كيف نسيت؟
جان يستند على الطاولة واضعاً كلتا يديه على وجهه(بصوت شارد):
“ربما الآن… مارت يزور القبر.
ربما يخبرهما عني… كيف خذلتهما… وكيف أنتقم لهما مني.”
تجمّد أوزان.
هل عاد جان إلى نقطة البداية؟
أم أنه لم يغادرها أبداً؟
جان وقد أبعد يديه عن وجهه ينضر جانباً وتنهد بعمق :
“صورتهما… مغطان بالدماء… لا تزالا في رأسي كل ليلة.
وجدي… لم يكتفِ… حتى الصور استخدمها ضدي.”
ثم أغمض عينيه، كأن الألم يكتم أنفاسه
جان :
“هل انتهى انتقام مارت؟
لا أستطيع احتمال كراهيته…
هل تعتقد أنه سيسامحني يوماً؟”
خيم الصمت.
كأن صخب المطعم انسحب بهدوء من حولهما، تاركاً فقط… الحقيقة المجردة.
أوزان (بهمس صادق):
“جان… أنت لا تحتاج سماحه…
فقط حاول أن تتنفس… أن تعيش.”
جان ينضر لعيني أوزان مباشرة (بابتسامة متكسرة):
“أن أتنفس؟
هل تعرف كم يبدو هذا صعباً …
حين تشعر أن قلبك مدفون تحت التراب؟”
أوزان يشد قبضته بقوة ، قلقاً، يكتم رعشة صوته):
“جان… أرجوك… لا تفعل شيئاً…”
جان ( يبتسم بمرارة):
“لا تقلق… لن أؤذي نفسي.”
ثم نظر له مطولاً، بنظرة ضائعة:
جان:
“فقط… أخبرني متى سأكون بخير؟”
أوزان (بثقة ناعمة):
“لا أعلم…
لكنّي سأبقى هنا… بجانبك… مهما حدث.”
جان ، بعينين مشوشتين، يملؤهما الرجاء واليأس معاً
(بهمس):
“لن أشفى، أوزان…
لا أستطيع مسامحة نفسي…
قل لي فقط… ماذا أفعل؟”
سكت أوزان.
لا يعرف الجواب، ولا يملك الكلمات.
مرّت لحظات ثقيلة… حتى اقترب منهم الشيف “دانييل”، ولاحظ توتر الموقف.
همس في أذن أوزان:
دانييل:
“أخبره أن يغسل الصحون.”
نظر أوزان إليه، ثم إلى جان.
أوزان:
“جان… هل تساعدنا وتغسل الصحون؟”
نظر جان إليه، لثوانٍ، بصمت. ثم أجاب بهدوء:
جان:
“حسناً .”
نهض، واتجه نحو المطبخ الداخلي، حيث انشغل مع “جيمس” في تنظيف الصحون.
بقي أوزان واقفاً، يراقبه من بعيد.
اقترب دانييل، وهمس مجدداً :
دانييل:
“دعنا نشغله قليلاً…
كي لا يغرق في أفكاره.”
»»»»»»»»»»»»»»»»
إسطنبول – منزل العائلة – غرفة المعيشة – المساء – بعد العودة من المقبرة
دلفت العائلة إلى المنزل بصمت ثقيل، وكأن المقبرة قد تبعتهم بروائح الذكرى القديمة.
المعاطف تُعلَّق ببطء، الأحذية تُنزع دون كلمة… والخطوات تجرّ بثقل.
جلست والدة إيليف على الكنبة، تضع يديها في حجرها وتحدّق في الأرض.
والدة إيليف (بصوت خافت، وكأنها تخشى سماع الجواب):
“كان غريباً … غياب مارت اليوم.”
الجد وقف قرب المدفأة، لا ينظر إليهم، يعبث بعصاه الخشبية كأنه يتجنّب الكلام.
والد إيليف (محاولاً تهدئة الجو):
“ربما انشغل في شيء …”
ساردار، الذي جلس على طرف الكنبة، يرفع عينيه فجأة، يقول بهدوء لكنه يشبه الاتهام:
ساردار:
“أو ربما لم يعد يريد أن يزور القبر… مثل جان.”
توتّرت ملامح الجد، لكنه لم يرد.
والدة إيليف (تنظر نحو الجد بخجل):
“تغير كثيراً منذ اختفاء جان ؟”
الجد (بصوت جاف):
“كلٌّ وحزنه… يعالجه بطريقته.”
ساردار (ينظر إلى جده مباشرة، ونبرته أعمق):
“أم أنه يعالجه بالطريقة التي علّمته إياها يا جدي؟”
التفت إليه الجد أخيراً، نظرته حادة، لكن ساردار لم يخفض عينيه.
الجد (ببرود دفاعي):
“لا تلم غيره على اختياراته.”
ساردار (بصوت خافت، لكنه يضرب في الصميم):
“ولا تبرّئ نفسك من نتائجها.”
صمت الجميع.
والدة إيليف (تنظر إلى الباب الفارغ):
“كان يجب أن يكون هنا… لو رأيتم كيف كانت إيليف تنظر إلى كل شخص يمر ضنا أنه مارت .”
الجد عاد ينظر إلى النار، وعم. الصمت على الجميع
»»»»»»»»»»»»»»»»
نيويورك – مانهاتن – المطعم – بعد الذروة – مساءاً
كان ضجيج المطعم قد بدأ يخفت، والطلبات الأخيرة تجد طريقها إلى الطاولات، كأن المكان يزفر تنهيدة طويلة بعد يوم شاق.
سلّم أوزان الطبق الأخير إلى أحد النُدُل، فأخذه وهو يقول بسرعة مبتعداً:
النادل (متنفساً الراحة):
“لا مزيد من الطلبات… هذا آخر طبق.”
أومأ أوزان برأسه بصمت، التعب بادٍ على ملامحه، لكن عينيه بقيتا شاردتين، مثقلتين بهمٍّ آخر لا علاقة له بالمطبخ.
في تلك اللحظة، خرج جيمس من الداخل، يلوّح بقلق ويقترب من أوزان:
جيمس (بقلق):
“أوزان… جان لا يتوقّف عن غسل الصحون. أخبرته مراراً أن يتوقّف، لكنه لا يستجيب. كأنه لا يسمعني… أو لا يريد أن يسمع.”
تجهم وجه أوزان، وسرعان ما تحرّك نحو الداخل دون أن يرد.
دلف إلى المطبخ بخطوات سريعة، وهناك وجده…
جان، منحنياً فوق الحوض، يغسل الصحون بإيقاع مكرر، ثابت، متعب. الماء يتدفّق كالمطر، والفقاعات تتلاشى سريعاً كما تتلاشى الكلمات من فمه منذ أيام.
وقف أوزان أمامه، صوته هادئ لكنه مشدود:
“جان… يكفي. توقف.”
لكن جان لم يتحرّك، ولم يرد. كأن الصوت اصطدم بجدار سميك داخل رأسه.
أوزان أعاد بحزم أكبر: “قلت لك… توقف.”
اقترب أكثر، أمسك ساعديه، ثم صاح به بقوة هذه المرة، بصوتٍ خرج من أعماق قلقه:
“كفى، جان!”
توقّف جان.
رفع عينيه إليه ببطء.
كانت النظرة فارغة، لكنها في الوقت نفسه تحمل وزناً هائلاً … نظرة شخص غرق طويلاً في الداخل، ولم يعد يرى السطح.
أنزل جان يديه بهدوء، تناول منشفة قريبة، وبدأ يمسح يديه بتروٍ وصمت، كما لو أن الماء وحده كان يُبقيه واقفاً .
تنفّس أوزان بعمق، ونبرته هذه المرة كانت أكثر ليناً، أقرب إلى الرجاء:
“انتهت نوبتي… لنغادر.”
أومأ جان برأسه بصمت. لا اعتراض، لا موافقة، لا شيء.
فقط تحرّك خارج المطبخ… خارج المطعم… كأن كل ما حوله لم يعد يعنيه.
»»»»»»»»»»»
إسطنبول – حي بيبك – منزل والديّ مارت – مساءاً
هدوء ثقيل يغلف المكان، لا يُسمع سوى صوت الريح تتلاعب بأوراق الأشجار في الخارج، وصوت البحر البعيد المتداخل مع صرير النوافذ القديمة.
في وسط غرفة المعيشة، جلس مارت وحده على أريكة بالية كانت تخص والدته. الغرفة يغمرها نور خافت ينبعث من مصباح أرضي، كأنه آخر ما تبقى من دفء في هذا البيت الصامت.
عيناه شاردتان نحو صورة قديمة على الجدار… صورة تجمعه مع جان وهما طفلان، ووالداهما خلفهما، مبتسمان.
تنهد مارت ببطء، انحنى للأمام، ودفن وجهه بين يديه للحظة.
(مارت – في نفسه، بصوت داخلي ثقيل):
“لم أعد أعرف من أنا بعدك يا جان…
تركتها… حبيبتي التي ظننت أنني سأمضي حياتي معها، من أجل وعدك، من أجل إيليف، من أجل هذا الطفل… ابنك.”
ينهض من مكانه ويتجه نحو النافذة المطلة على البوسفور. يفتحها قليلاً، والنسيم الليلي البارد يلفح وجهه، وكأنه يصفعه بلطف.
(مارت – بصوت خافت):
“كان بإمكاني أن أهرب…
أن أبدأ حياة جديدة…
لكني بقيت من أجلك.
كما فعلت أنت… تماماً كما فعلت.”
يغلق عينيه ويتكئ بجبهته على إطار النافذة.
(مارت – في نفسه):
“كلنا ظننا أنك كنت قاسياً…
لكن الحقيقة أنك كنت تتحمل كل شيء وحدك…
تحمّلت صمت جدي، نظرته، عقوباته، كلماته القاتلة…
وأنت طفل.”
.
(يكمل هامساً):
“آسف، جان… لم أحمِك حين كنت تحتاجني…
لكني لن أسمح أن ينكسر ابنك كما انكسرت أنت.”
يصمت لثوانٍ… ثم يجلس بصمت، يحدق في اللاشيء، بينما خلفه ساعة الحائط تُعلن حلول يوم جديد.
»»»»»»»»»»
نيويورك – روكواي بيتش – مساءاً
جلس جان على مقعد خشبي صغير يطل على الشاطئ،
تقدم أوزان نحوه وهو يحمل كيساً يحتوي على بعض الشطائر وكوبي قهوة ساخنة.
جلس بجانبه ووضع الكيس والقهوة بينهما.
أوزان ينظر إلى البحر:
“هل تعبت اليوم؟ غسلت الكثير من الصحون.”
جان بابتسامة خفيفة:
“كلا… لم أشعر بذلك.”
أوزان:
“جان… أنا…”
جان يقاطعه بنبرة هادئة:
“أنا بخير… أعتذر إذا أثرت قلقك.”
أوزان ينظر إليه بتمعّن:
“هل أنت واثق بأنك بخير؟”
جان يتنهد قليلاً:
“ليس تماماً… لكنني أحاول.
أنت تعرف هذا اليوم بالتحديد من كل سنة… لا أكون بخير،
لكن لا تقلق… لقد مضى.”
أوزان يفتح الكيس:
“تناول الطعام إذاً .”
أخذ جان الشطيرة وبدأا يتناولان الطعام بهدوء،
وصمت البحر يملأ المكان بهدوء وسكينة.
»»»»»»»»
نيويورك – مانهاتن – مطبخ المطعم – صباح اليوم التالي
رائحة القهوة الطازجة تختلط برائحة الخبز الدافئ، وأصوات الأواني تتناغم مع هدير المروحة المعلقة في السقف.
دخل أوزان إلى المطعم بخطوات نشيطة وهو يزيل معطفه، وعلى وجهه ملامح صباح معتاد. جان يسير بجانبه، يحمل كوب قهوة ويتثاءب بخفّة، وكأن جسده لم يعتد بعد إيقاع النهار.
أوزان (وهو يفتح الباب الخلفي):
“ما زلت غير مصدق أنك غسلت كل تلك الصحون بالأمس بدون أن تشتكي.”
جان (بابتسامة خفيفة):
“كنت بحاجة لشيء يشغلني… وما زلت بحاجة.”
أوزان وهو يفتح خزانته ويضع معطفه:
“اليوم أسهل، لا تقلق. سنتناول شيئاً حلواً بعد العمل.”
جان، مسنداً كتفه إلى الجدار بجانبه، يرفع الكوب ليرشف آخر جرعة:
“في الواقع… سأضطر للمغادرة بعد نصف ساعة، لدي مقابلة عمل في كوينز.”
أوزان (رافعاً حاجبه وهو يلتفت نحوه):
“مقابلة؟ متى قررت هذا؟”
جان:
“قبل يومين. وجدت إعلاناً وأرسلت سيرتي… يبدو واعداً .”
قبل أن يرد أوزان، فُتح الباب الأمامي للمطبخ، ودخل الشيف دانييل بخطوات ثابتة، يحمل دفتر الطلبات وملفاً صغيراً . عيناه تنتقلان بينهما بجدية مألوفة، لكن هذه المرة، بدا في صوته شيء من الحزم المختلف.
الشيف دانييل (وهو يثبت نظره على جان):
“جان، لدي خبر لك.”
جان يعتدل في وقفته، يبعد كتفه عن الجدار وكأنه يستعد لتلقي ملاحظة أو تعليمات.
الشيف دانييل (بنبرة ثابتة):
“عملك في غسيل الصحون أمس كان ممتازاً .
إذا رغبت، يمكنك الانضمام رسمياً لفريق العمل. نبدأ اليوم.”
جان يرمش بدهشة، عينيه تتنقل بسرعة بين أوزان والشيف.
جان (بهدوء):
“لكن… لدي مقابلة بعد قليل.”
الشيف دانييل (بلا تردد):
“المقابلات كثيرة، لكن الالتزام والهدوء نادر.
نحن نحتاج شخصاً مثلك… فكّر في الأمر، وأبلغني قبل نهاية اليوم.”
ثم غادر كما جاء، بخطوات قصيرة وسريعة، تاركاً خلفه صمتًا قصيراً يشبه لحظة تردد.
أوزان (بابتسامة جانبية وهو يغلق باب الخزانة):
“يبدو أن أحدهم نال إعجاب الشيف العنيد.”
جان (بنبرة هادئة):
“لم أتوقع ذلك… لكنه يبدو صادقاً .”
أوزان:
“وهذا عرض لا يأتي مرتين… فكر جيداً، روك ستار الصحون.”
جان يبتسم بخفّة، يخطو نحو الحوض، يضع كوبه الفارغ على الطاولة، ويتمتم:
“سأذهب للمقابلة… لكنني لم أعد متأكداً مما أبحث عنه.”
وقف أمام الحوض يراقب الماء وهو يتدفق بخفوت، بينما أوزان يقف إلى جانبه، يعلّق مريوله بابتسامة دافئة:
“لن أضغط عليك… القرار قرارك.
لكن… من الجيد أن نعمل في المكان نفسه.”
جان يلتفت نحوه، يحدق لثوانٍ طويلة، وكأنه يقرأ ما وراء الكلمات، ث
م يطلق زفيراً هادئاً ، وتعلو شفتيه ابتسامة ناعمة لأول مرة منذ أيام:
“حسناً … لن أذهب للمقابلة.”
ضحك أوزان بخفة، وصفق على كتفه ضربة ودّية:
“مرحباً بك في عالم الشقاء، يا صديقي.”
جان (مبتسماً وهو يلتقط مريوله):
“أفضل من عالم الكسل.”
وهكذا بين ذكريات الماضي وثقل الحاضر، يجد جان نفسه واقفاً أمام الحوض، يغسل الصحون بإيقاع ثابت. كل طبق نظيف هو نغمة في سيمفونية صمت لا يعرفها إلا هو، وكل فقاعة تتطاير تحمل جزءاً من ثقله الذي يخفّ قليلاً مع كل حركة. اليوم، في مطبخ نيويورك الصاخب، سيكتشف جان أن حتى أبسط المهام قد تجعل منه… روك ستار الصحون.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات